الإثنين ١٣ رجب ١٤٤٦ هـ الموافق لـ ١٣ يناير/ كانون الثاني ٢٠٢٥ م
المنصور الهاشمي الخراساني
 جديد الأسئلة والأجوبة: هل تجب الصلاة بعد دخول وقتها أم لا تجب إلّا في آخر وقتها؟ بعبارة أخرى، إذا مات أحد ساعة بعد الظهر قبل أن يصلّي صلاة الظهر، فهل يكون مأخوذًا بها؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٢. اضغط هنا لقراءته. جديد الشبهات والردود: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «فِتْنَةُ الْأَحْلَاسِ هِيَ فِتْنَةُ هَرَبٍ وَحَرَبٍ، ثُمَّ فِتْنَةُ السَّرَّاءِ، دَخَلُهَا أَوْ دَخَنُهَا مِنْ تَحْتِ قَدَمَيْ رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، وَلَيْسَ مِنِّي». سؤالي هو: كيف يكون رجل من أهل بيت النبيّ، ودخن فتنة السراء أو دخلها من تحت قدميه، وأهل بيت النبيّ حسب رأي الهاشمي الخراساني كلّهم معصومون؟! ثمّ كيف يُفهم قول النبيّ: «يَزْعُمُ أَنَّهُ مِنِّي، وَلَيْسَ مِنِّي»، رغم قوله أنّه رجل من أهل بيته؟! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الأقوال: ثلاثة أقوال من جنابه في حكم التأمين. اضغط هنا لقراءتها. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «مقال حول كتاب <تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين> للعلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى» بقلم «حسن الميرزائي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
سؤال وجواب
 

هل حديث الجسّاسة صحيح عند السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى؟

روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم جمع الناس يومًا، فقال: «إِنِّي وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُكُمْ لِرَغْبَةٍ وَلَا لِرَهْبَةٍ، وَلَكِنْ جَمَعْتُكُمْ لِأَنَّ تَمِيمًا الدَّارِيَّ كَانَ رَجُلًا نَصْرَانِيًّا، فَجَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ، وَحَدَّثَنِي حَدِيثًا وَافَقَ الَّذِي كُنْتُ أُحَدِّثُكُمْ عَنِ الدَّجَّالِ، حَدَّثَنِي أَنَّ نَاسًا مِنْ أَهْلِ فِلَسْطِينَ رَكِبُوا الْبَحْرَ، فَقَذَفَتْهُمُ الرِّيحُ إِلَى جَزِيرَةٍ مِنْ جَزَائِرِ الْبَحْرِ، فَلَقِيَتْهُمْ دَابَّةٌ أَهْلَبُ كَثِيرُ الشَّعَرِ، لَا يَدْرُونَ مَا قُبُلُهُ مِنْ دُبُرِهِ مِنْ كَثْرَةِ الشَّعَرِ، فَقَالُوا: وَيْلَكِ مَا أَنْتِ؟! فَقَالَتْ: أَنَا الْجَسَّاسَةُ، قَالُوا: أَخْبِرِينَا، قَالَتْ: مَا أَنَا بِمُخْبِرَتِكُمْ، وَلَا مُسْتَخْبِرَتِكُمْ، وَلَكِنْ هَاهُنَا فِي هَذَا الدَّيْرِ مَنْ هُوَ فَقِيرٌ إِلَى أَنْ يُخْبِرَكُمْ، وَإِلَى أَنْ يَسْتَخْبِرَكُمْ، فَأَتَوُا الدَّيْرَ، فَإِذَا هُمْ بِرَجُلٍ مُصَفَّدٍ فِي الْحَدِيدِ، فَقَالَ: مَنْ أَنْتُمْ؟ قَالُوا: نَحْنُ مِنَ الْعَرَبِ، قَالَ: هَلْ بُعِثَ النَّبِيُّ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: فَهَلِ اتَّبَعَهُ الْعَرَبُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: ذَلِكَ خَيْرٌ لَهُمْ، ثُمَّ قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ نَخْلِ بَيْسَانَ، هَلْ يُثْمِرُ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّهُ يُوشِكُ أَنْ لَا تُثْمِرَ، قَالَ: أَخْبِرُونِي عَنْ بُحَيْرَةِ الطَّبَرِيَّةِ، هَلْ فِيهَا مَاءٌ؟ قَالُوا: هِيَ كَثِيرَةُ الْمَاءِ، قَالَ: أَمَا إِنَّ مَاءَهَا يُوشِكُ أَنْ يَذْهَبَ، فَقَالُوا: مَنْ أَنْتَ؟ قَالَ: أَنَا الدَّجَّالُ، وَإِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ، فَأَسِيرَ فِي الْأَرْضِ، فَلَا أَدَعَ قَرْيَةً إِلَّا هَبَطْتُهَا فِي أَرْبَعِينَ لَيْلَةً، غَيْرَ مَكَّةَ وَطَيْبَةَ، فَهُمَا مُحَرَّمَتَانِ عَلَيَّ كِلْتَاهُمَا، كُلَّمَا أَرَدْتُ أَنْ أَدْخُلَ وَاحِدَةً مِنْهُمَا اسْتَقْبَلَنِي مَلَكٌ بِيَدِهِ السَّيْفُ صَلْتًا يَصُدُّنِي عَنْهَا، وَإِنَّ عَلَى كُلِّ نَقْبٍ مِنْهَا مَلَائِكَةً يَحْرُسُونَهَا»[١].

هذا حديث الجسّاسة، وهو كما ترى يشبه الأساطير والخرافات، ولا يشبه حديث النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وذلك لأنّ الدجّال بشر كما يظهر من الأحاديث، وليس من المعقول أن يكون بشر مصفّدًا في الحديد منذ ما قبل بعثة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى آخر الزمان، وأيّ مصلحة في حفظه على تلك الحال لتتعلّق به قدرة اللّه تعالى؟! وقد صحّ عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «أُقْسِمُ بِاللَّهِ مَا عَلَى الْأَرْضِ مِنْ نَفْسٍ مَنْفُوسَةٍ الْيَوْمَ يَأْتِي عَلَيْهَا مِائَةُ سَنَةٍ وَهِيَ يَوْمَئِذٍ حَيَّةٌ»[٢]، وقال: «أَرَأَيْتَكُمْ لَيْلَتَكُمْ هَذِهِ؟ فَإِنَّ عَلَى رَأْسِ مِائَةِ سَنَةٍ مِنْهَا لَا يَبْقَى مِمَّنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَحَدٌ»[٣]، وقد قال ذلك «فِي آخِرِ حَيَاتِهِ»[٤]، «قَبْلَ أَنْ يَمُوتَ بِشَهْرٍ»[٥]، وكان إسلام تميم الداريّ قبل ذلك بعام أو أكثر، وفي الحديث أنّه حدّث النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بقصّة الجسّاسة عندما «جَاءَ فَبَايَعَ وَأَسْلَمَ»[٦]، فلو كان الحديث صحيحًا لم يقل النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ما قال في موت من على ظهر الأرض قبل أن يأتي عليه مائة سنة! أضف إلى ذلك أنّ الدجّال كافر باللّه ونبيّه؛ كما تواتر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ كَافِرٌ»[٧]؛ فكيف يمكن أن يقول بأنّ اتّباع النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خير للناس؟! بل هو الذي يقول: «أَنَا رَبُّكُمْ»[٨]؛ فكيف يمكن أن يقول: «إِنِّي أُوشِكُ أَنْ يُؤْذَنَ لِي فِي الْخُرُوجِ فَأَخْرُجَ»، يعني إذن اللّه تعالى؟! أضف إلى ذلك أنّه لا توجد في الدنيا جسّاسة، وليس لك أن تقول: لعلّها دابّة لم تُكتشف حتّى الآن لاعتزالها في جزيرة مجهولة نائية؛ فإنّما قالوا لها «جسّاسة» لأنّها «تَتَجَسَّسُ الْأَخْبَارَ، وَتَأْتِي بِهَا الدَّجَّالَ» في زعمهم[٩]؛ فلا بدّ لها من أن تدخل البلاد وتكلّم الناس، ولذلك قال بعض أهل العلم: «يُحْتَمَلُ أَنَّهَا كَانَتْ شَيْطَانَةً»[١٠]، وقال عبد الحقّ الدّهلويّ: «هَذَا أَوْلَى وَأَظْهَرُ؛ لِأَنَّ الدَّابَّةَ كَيْفَ تَتَجَسَّسُ لَهُ أَخْبَارَ الْعَالَمِ؟!»[١١] مع أنّ أمرها ليس بأعجب من أمر الرّجل المصفّد، وهو أحقّ بأن يكون شيطانًا؛ لا سيّما بالنظر إلى قول اللّه تعالى في الشياطين: ﴿وَآخَرِينَ مُقَرَّنِينَ فِي الْأَصْفَادِ[١٢].

بهذا يظهر لك أنّ الحديث مخالف للعقل السليم والنقل الصحيح في فقرات كثيرة، وهو موضوع أو محرّف لا محالة، وقد تفرّدت بروايته فاطمة ابنة قيس، وإن زعم بعض من لا رسوخ له في العلم أنّ له طرقًا أخرى، وذلك لأنّ الوليد بن عبد اللّه بن جميع رواه عن أبي سلمة بن عبد الرّحمن عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ، ولكنّه وهم في إسناده؛ فإنّه كان يهم كما قال ابن حجر[١٣]، وكان ينفرد عن الأثبات بما لا يشبه حديث الثقات، فلمّا فحش ذلك منه بطل الإحتجاج به كما قال ابن حبان[١٤]، وأنكر عليه ابن أبي سلمة حديثه هذا فقال: «إِنَّ فِي هَذَا الْحَدِيثِ شَيْئًا مَا حَفِظْتُهُ، فَقَدْ شَهِدَ جَابِرٌ أَنَّهُ هُوَ ابْنُ صَيَّادٍ»[١٥]! يعني أنّه كيف يمكن أن يحدّث به جابر، وهو يرى أنّ الدجّال ابن صيّاد؟! والصحيح أنّ جابرًا لم يحدّث به، وإنّما رواه أبو سلمة عن فاطمة ابنة قيس؛ كما قال الترمذيّ: «سَأَلْتُ مُحَمَّدًا -يَعْنِي الْبُخَارِيَّ- عَنْ هَذَا الْحَدِيثِ، فَقَالَ: يَرْوِيهِ الزُّهْرِيُّ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ ابْنَةِ قَيْسٍ»[١٦]، وقال الدارقطنيّ: «يَرْوِيهِ الْوَلِيدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ جُمَيْعٍ، عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ جَابِرٍ، وَخَالَفَهُ الزُّهْرِيُّ، رَوَاهُ عَنْ أَبِي سَلَمَةَ، عَنْ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، وَقَوْلُ الزُّهْرِيِّ أَشْبَهُ بِالصَّوَابِ»[١٧]، وكذلك رواه مجالد بن سعيد، عن الشعبيّ، عن فاطمة بنت قيس، إلّا أنّه زاد في آخره: «قَالَ الشَّعْبِيُّ: فَلَقِيتُ الْمُحَرَّرَ بْنَ أَبِي هُرَيْرَةَ، فَحَدَّثْتُهُ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي، أَنَّهُ حَدَّثَنِي كَمَا حَدَّثَتْكَ فَاطِمَةُ، غَيْرَ أَنَّهُ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهُ مِنْ نَحْوِ الْمَشْرِقِ، وَمَا هُوَ مِنْ نَحْوِ الْمَشْرِقِ، ثُمَّ لَقِيتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُحَمَّدٍ، فَذَكَرْتُ لَهُ حَدِيثَ فَاطِمَةَ، فَقَالَ: أَشْهَدُ عَلَى عَائِشَةَ، أَنَّهَا حَدَّثَتْنِي كَمَا حَدَّثَتْكَ فَاطِمَةُ، غَيْرَ أَنَّهَا قَالَتْ: الْحَرَمَانِ عَلَيْهِ حَرَامٌ: مَكَّةُ وَالْمَدِينَةُ»[١٨]، فزعم بعض المتساهلين أنّه يُعتبر طريقين آخرين للحديث، وليس كذلك؛ لأنّه زيادة في الإسناد تفرّد بها مجالد بن سعيد على الأظهر، وهو مشهور بالزيادة في الإسناد وهمًا أو كذبًا؛ كما قال فيه أحمد بن حنبل: «يَزِيدُ فِي الْإِسْنَادِ»[١٩]، وقال ابن أبي خيثمة: «قُلْتُ لِيَحْيَى بْنِ مَعِينٍ: لِمَ يَزِيدُ؟ قَالَ: لِضَعْفِهِ»[٢٠]، وقال ابن حبّان: «كَانَ رَدِيءَ الْحِفْظِ، يُقَلِّبُ الْأَسَانِيدَ، وَيَرْفَعُ الْمَرَاسِيلَ، لَا يَجُوزُ الْإِحْتِجَاجُ بِهِ»[٢١]، وروى ابن شاهين أنّ جرير بن حازم قال: «كَانَ كَذَّابًا»[٢٢]، وفي كتاب الأثرم: «ضَعَّفَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي أَحْمَدَ بْنَ حَنْبَلٍ- أَمْرَهُ فِي أَمَانَةِ الْإِسْنَادِ»[٢٣]، وكان أحمد يقول: «كَمْ مِنْ أُعْجُوبَةٍ لِمُجَالِدٍ»[٢٤]، ويقول: «أَحَادِيثُهُ كَأَنَّهَا حُلْمٌ»[٢٥]، ويقول: «كَانَ يُكْثِرُ وَيَضْطَرِبُ»[٢٦]، ولذلك لا يُعتبر بزيادته على الشعبيّ، وقد روى الحديث عن الشعبيّ جماعة من الثقات، ولم يذكروا عنه هذه الزيادة مع أهمّيّتها، وفي ذلك دلالة على أنّها من أحلام مجالد. نعم، وقع مثلها في حديث الشيبانيّ عن الشعبيّ[٢٧]، ولكنّ الأقرب أنّه وهم؛ لأنّما رواه أسباط بن محمّد، وعثمان بن أبي شيبة، وكان أسباط «رُبَّمَا يَهِمُ فِي شَيْءٍ»[٢٨]، وكان عثمان معروفًا بالتوهّم؛ كما قال أحمد بن حنبل: «نَرَاهُ يَتَوَهَّمُ هَذِهِ الْأَحَادِيثَ»[٢٩]، فمن القريب جدًّا أن يكونا قد وهما في حديث مجالد، فجعلاه من حديث الشيبانيّ؛ كما جعلا عبد اللّه بن أبي بكر وعبد الرّحمن بن أبي بكر مكان القاسم بن محمّد، وعلى تقدير صحّة الزيادة فلا يبعد أن يكون المراد أنّ أبا هريرة وعائشة صدّقا حديث فاطمة في أنّ الدجّال لا يدخل المدينة، إلّا أنّ عائشة قالت: «لَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ»، وأنّ أبا هريرة قال: «إِنَّهُ مِنْ نَحْوِ الْمَشْرِقِ، وَمَا هُوَ مِنْ نَحْوِ الْمَشْرِقِ». نعم، روى أبو عاصم سعد بن زياد، قال: «حَدَّثَنِي نَافِعٌ مَوْلَايَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ اسْتَوَى عَلَى الْمِنْبَرِ، قَالَ: حَدَّثَنِي تَمِيمٌ الدَّارِيُّ، فَرَأَى تَمِيمًا فِي نَاحِيَةِ الْمَسْجِدِ، فَقَالَ: قُمْ يَا تَمِيمُ فَحَدِّثِ النَّاسَ بِمَا حَدَّثْتَنِي، فَقَالَ: كُنَّا فِي جَزِيرَةٍ فِي الْبَحْرِ، فَإِذَا نَحْنُ بِدَابَّةٍ، وَذَكَرَ حَدِيثَ الْجَسَّاسَةِ»[٣٠]، ولكنّه لا يصحّ؛ كما قال ابن كثير: «هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ جِدًّا، وَقَدْ قَالَ أَبُو حَاتِمٍ: أَبُو عَاصِمٍ هَذَا لَيْسَ بِالْمَتِينِ»[٣١]، وقال صالح بن محمّد: «هُوَ شَيْخٌ بَصْرِيٌّ ضَعِيفٌ»[٣٢]، ولا يُعرف مولاه نافع، ويقال إنّه مولى حمنة بنت شجاع، ولكنّه مجهول أيضًا، ولم يوثّقه أحد غير ابن حبّان، وهو معروف بالتساهل في التوثيق، وإنّما وثّقه لظنّه أنّه نافع بن أبي نافع البزاز؛ كما قال: «نَافِعُ بْنُ أَبِي نَافِعٍ الْبَزَّازُ مَوْلَى أَبِي أَحْمَدَ بْنِ جَحْشٍ أَخِي زَيْنَبَ بِنْتِ جَحْشٍ، وَقَدْ قِيلَ: مَوْلَى حَمْنَةَ بِنْتِ شُجَاعٍ، أَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ مِنْ ثِقَاتِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ»[٣٣]، وقال ابن المدينيّ: نافع بن أبى نافع البزاز مجهول أيضًا[٣٤]، وعلى تقدير أنّه ثقة فلم يثبت أنّه هو، بل الأظهر تغايرهما؛ كما فرّق بينهما البخاريّ وابن أبي حاتم، وذلك لأنّ أحدهما ابن أبي رافع مولى أبي أحمد بن جحش، وقد روى عنه ابن أبي ذئب، والآخر لا يُعرف اسم أبيه، وهو مولى حمنة بنت شجاع، وقد روى عنه سعد بن زياد.

وكيفما كان، فإنّ الحديث ليس له طريق معتبر به إلّا عن فاطمة ابنة قيس، وهي التي ردّ روايتها عمر بن الخطاب فقال: «لَا نَدَعُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا نَسِيَتْ أَوْ شُبِّهَ لَهَا»[٣٥]، وترك حديثها فقهاء السلف؛ كما قال أبو إسحاق السبيعيّ: «كُنْتُ مَعَ الْأَسْوَدِ بْنِ يَزِيدَ جَالِسًا فِي الْمَسْجِدِ الْأَعْظَمِ وَمَعَنَا الشَّعْبِيُّ، فَحَدَّثَ الشَّعْبِيُّ بِحَدِيثِ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَأَخَذَ الْأَسْوَدُ كَفًّا مِنْ حَصًى فَحَصَبَهُ بِهِ، فَقَالَ: وَيْلَكَ تُحَدِّثُ بِمِثْلِ هَذَا؟! قَالَ عُمَرُ: لَا نَتْرُكُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَمْ نَسِيَتْ»[٣٦]، وقال مغيرة بن مقسم: «ذَكَرْتُ لِإِبْرَاهِيمَ النَّخَعِيِّ حَدِيثَ فَاطِمَةَ بِنْتِ قَيْسٍ، فَقَالَ: قَالَ عُمَرُ: لَا نَدَعُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي حَفِظَتْ أَوْ نَسِيَتْ»[٣٧]، وكذلك يقول السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال:

كُنْتُ عِنْدَ الْمَنْصُورِ، فَدَخَلَ عَلَيْهِ رَجُلٌ وَقَالَ: أَلَيْسَ الدَّجَّالُ مُصَفَّدًا فِي جَزِيرَةٍ؟! قَالَ: لَا، قَالَ: فَمَنْ كَانَ الَّذِي رَآهُ أَصْحَابُ تَمِيمٍ؟! قَالَ: لَعَلَّهُ كَانَ شَيْطَانًا قَرَّنَهُ سُلَيْمَانُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي الْأَصْفَادِ، قَالَ: أَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ أَنَّهُ الدَّجَّالُ؟! قَالَ: كُلُّ شَيْطَانٍ دَجَّالٌ، قَالَ: أَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ أَنَّهُ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، فَلَا يَدْخُلُ مَكَّةَ وَالْمَدِينَةَ؟! قَالَ: لَعَلَّهُ كَانَ شَيْطَانَ الدَّجَّالِ، فَإِنَّ لَهُ شَيْطَانًا يُضِلُّهُ وَهُوَ لَهُ قَرِينٌ، قَالَ: لِمَاذَا تَقُولُ: لَعَلَّ؟! فَغَضِبَ وَقَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ ابْنَةَ قَيْسٍ لَمْ تَكُنْ تَحْفَظُ الْحَدِيثَ، أَلَيْسَتْ هِيَ الَّتِي قَالَ فِيهَا عُمَرُ: «لَا نَدَعُ كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ لِقَوْلِ امْرَأَةٍ لَا نَدْرِي لَعَلَّهَا نَسِيَتْ أَوْ شُبِّهَ لَهَا»؟! فَلَمَّا خَرَجَ الرَّجُلُ قَالَ لِيَ الْمَنْصُورُ: كَفَى بِالْمَرْءِ سَفَهًا أَنْ يَأْخُذَ فِي دِينِهِ بِخَبَرِ وَاحِدٍ لَا يَدْرِي أَصَدَقَ أَمْ كَذَبَ!

الحاصل أنّ حديث الجسّاسة غير ثابت عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولا يبعد أن يكون له أصل لم تحفظه ابنة قيس، أو نسيته لطول الأمد وبلوغ الكِبَر، وهو أنّ القوم لقوا في الجزيرة شيطانًا مصفّدًا، فأخبرهم بأنّ الدجّال يخرج في آخر الزمان، فيسير في الأرض كلّها غير مكّة والمدينة، كما أخبرهم بأنّ نخل بيسان يوشك أن لا تثمر، وأنّ بحيرة طبريّة يوشك أن يذهب ماؤها، ولمثل هذا لا ينبغي الإعتماد على خبر واحد، إلّا أن تكون له قرائن مثبتة[٣٨]، واللّه الموفّق للصواب.

↑[١] . مسند أبي داود الطيالسي، ج٣، ص٢١٦؛ مسند الحميدي، ج١، ص٣٥٦؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٤٩٧؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٥، ص٢٢٠؛ مسند أحمد، ج٤٥، ص٥٧؛ صحيح مسلم، ج٨، ص٢٠٤؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٣٥٤؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١١٨؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٥٢١؛ السنن الكبرى للنسائي، ج٤، ص٢٥٠
↑[٢] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٥٠٣؛ مسند أحمد، ج٢٢، ص٣٤٤؛ صحيح مسلم، ج٧، ص١٨٧؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٥٢٠؛ مسند أبي يعلى، ج٣، ص٤٣٣؛ مستخرج أبي عوانة، ج١٩، ص٢٥٣؛ صحيح ابن حبان، ج٥، ص٥٤
↑[٣] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٢٧٥؛ مسند أحمد، ج٢، ص٣٧٤؛ صحيح البخاري، ج١، ص٣٤؛ صحيح مسلم، ج٧، ص١٨٦؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١٢٥؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٥٢٠؛ السنن الكبرى للنسائي، ج٥، ص٣٧٥
↑[٤] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٢٧٥؛ مسند أحمد، ج٩، ص٤٣٨؛ صحيح البخاري، ج١، ص٣٤؛ صحيح مسلم، ج٧، ص١٨٦؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١٢٥؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٥٢٠؛ السنن الكبرى للنسائي، ج٥، ص٣٧٥
↑[٥] . الفتن لابن حماد، ج٢، ص٦٣٩؛ مسند أحمد، ج٢٢، ص٣٧٧؛ صحيح مسلم، ج٧، ص١٨٧؛ مستخرج أبي عوانة، ج١٩، ص٢٥٣؛ صحيح ابن حبان، ج٥، ص٧٤
↑[٦] . صحيح مسلم، ج٨، ص٢٠٤؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١١٨؛ مستخرج أبي عوانة، ج٢٢، ص٢١٥
↑[٧] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٣٩١؛ مسند أبي داود الطيالسي، ج٢، ص٤٢٩؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٤٨٩؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٢، ص٥٩٤؛ مسند أحمد، ج١٩، ص١٩٢؛ صحيح البخاري، ج٤، ص١٤٠؛ صحيح مسلم، ج٨، ص١٩٥؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٣٥٩؛ الفتن لحنبل بن إسحاق، ص٩٥؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١١٦؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٥٠٨؛ مسند الحارث، ج٢، ص٧٨٠؛ السنة لعبد اللّه بن أحمد، ج٢، ص٤٤٦؛ مسند البزار، ج٧، ص٩٥
↑[٨] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٣٩٥؛ مسند أبي داود الطيالسي، ج٢، ص٤٣٠؛ الفتن لابن حماد، ج٢، ص٥٣٥؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٤٩١؛ أشراط الساعة وذهاب الأخيار وبقاء الأشرار لعبد الملك بن حبيب، ج٤، ص١٤١؛ مسند أحمد، ج٢٣، ص٢١١؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٣٥٩؛ الفتن لحنبل بن إسحاق، ص١٢٥؛ مسند الحارث، ج٢، ص٧٨٠؛ السنة لابن أبي عاصم، ج١، ص١٧١؛ مسند البزار، ج١٠، ص٤٥٧؛ مسند أبي يعلى، ج٢، ص٣٣٢
↑[٩] . انظر: العين للخليل بن أحمد، ج٦، ص٥؛ البارع في اللغة لأبي علي القالي، ص٥٨٥؛ تهذيب اللغة للأزهري، ج١٠، ص٢٤٢؛ المحيط في اللغة للصاحب بن عباد، ج٦، ص٣٨٧؛ معالم السنن للخطابي، ج٤، ص٣٤٨؛ الغريبين في القرآن والحديث لأبي عبيد الهروي، ج٥، ص١٤٩٧؛ الفائق في غريب الحديث للزمخشري، ج٢، ص١٢٩.
↑[١٠] . انظر: شرح المشكاة للطيبي، ج١١، ص٣٤٦٧؛ شرح سنن أبي داود لابن رسلان، ج١٧، ص١٦٦؛ مرقاة المفاتيح شرح مشكاة المصابيح للملا علي القاري، ج٨، ص٣٤٧٨؛ عون المعبود للعظيم آبادي، ج١١، ص٣١٥.
↑[١١] . لمعات التنقيح في شرح مشكاة المصابيح لعبد الحقّ الدهلوي، ج٨، ص٧١٨
↑[١٢] . ص/ ٣٨
↑[١٣] . انظر: تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني، ص٥٨٢.
↑[١٤] . انظر: المجروحين لابن حبان، ج٢، ص٤٢٠.
↑[١٥] . سنن أبي داود، ج٤، ص١١٩؛ مسند أبي يعلى، ج٤، ص١١٩؛ حديث أبي الفضل الزهري، ص٢٩٧
↑[١٦] . العلل الكبير للترمذي، ص٣٢٨
↑[١٧] . علل الدارقطني، ج١٣، ص٣٩٦
↑[١٨] . مسند الحميدي، ج١، ص٣٥٧؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٥١١؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٥، ص٢٢٣؛ مسند أحمد، ج٤٥، ص٥٨؛ مستخرج أبي عوانة، ج٢٢، ص٢٢٨؛ المعجم الكبير للطبراني، ج٢٤، ص٣٩٤
↑[١٩] . العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد اللّه، ج١، ص٤١٣
↑[٢٠] . التاريخ الكبير لابن أبي خيثمة (السفر الثالث)، ج٣، ص١١٧
↑[٢١] . المجروحين لابن حبان، ج٢، ص٣٤٣
↑[٢٢] . المختلف فيهم لابن شاهين، ص٦٦
↑[٢٣] . إكمال تهذيب الكمال لمُغَلْطاي، ج٦، ص١٦٢
↑[٢٤] . العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية المروذي وغيره، ص١٩٢
↑[٢٥] . التاريخ الأوسط للبخاري، ج١، ص١٣٥؛ المجروحين لابن حبان، ج٢، ص٣٤٤
↑[٢٦] . المعرفة والتاريخ للفسوي، ج٢، ص١٦٥
↑[٢٧] . انظر: شرح مشكل الآثار للطحاوي، ج٧، ص٣٨٩؛ المعجم الكبير للطبراني، ج٢٤، ص٣٩٢؛ الإيمان لابن منده، ج٢، ص٩٥٠.
↑[٢٨] . الضعفاء الكبير للعقيلي، ج١، ص١١٩
↑[٢٩] . العلل ومعرفة الرجال لأحمد رواية ابنه عبد اللّه، ج١، ص٥٥٩
↑[٣٠] . مستخرج أبي عوانة، ج٢٢، ص٢٤١
↑[٣١] . البداية والنهاية لابن كثير، ج١٩، ص١٣٧
↑[٣٢] . انظر: مختصر تاريخ دمشق لابن منظور، ج٩، ص٢٣٤.
↑[٣٣] . مشاهير علماء الأمصار لابن حبان، ص١٢٨
↑[٣٤] . انظر: تهذيب التهذيب لابن حجر العسقلاني، ج١٠، ص٤١١.
↑[٣٥] . سنن سعيد بن منصور (الفرائض إلى الجهاد)، ج١، ص٣٦٣؛ مسند أحمد، ج٤٥، ص٣٢٥؛ سنن أبي داود، ج٢، ص٢٨٨؛ مستخرج أبي عوانة، ج١١، ص٦٣٨؛ سنن الدارقطني، ج٥، ص٤٥
↑[٣٦] . صحيح مسلم، ج٤، ص١٩٨؛ مستخرج أبي عوانة، ج١١، ص٦٣٨؛ أحكام القرآن للطحاوي، ج٢، ص٣٥٣؛ سنن الدارقطني، ج٥، ص٤٥
↑[٣٧] . مصنف ابن أبي شيبة، ج٤، ص١٣٦؛ سنن الترمذي، ج٣، ص٤٧٦؛ مستخرج أبي عوانة، ج١١، ص٦٤٢؛ أحكام القرآن للطحاوي، ج٢، ص٣٥٢؛ صحيح ابن حبان، ج٧، ص٦٥٤
الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني قسم الإجابة على الأسئلة
التعليقات
الأسئلة والأجوبة الفرعيّة
السؤال الفرعي ١
الكاتب: عماد الفضلي

لقد جاء في حديث أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «إِنَّهُ قَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ، وَمَشَى فِي الْأَسْوَاقِ»، يعني الدجّال. أفلا يدلّ هذا على صحّة حديث الجساسة؟

جواب السؤال الفرعي ١
التاريخ: ١٤٤٦/٢/٦

هذا حديث رواه عليّ بن زيد بن جدعان، عن الحسن البصريّ، عن عمران بن حصين، وعليّ بن زيد ضعيف عندهم[١]، والحسن لم يثبت سماعه من عمران[٢]، ولذلك ظنّ محمّد بن عبّاد أنّه رواه عن عبد اللّه بن مغفّل[٣]، لسماعه منه، وكان محمّد بن عبّاد يهم[٤]، فلا تقبل مخالفته لسائر الرواة، وعلى تقدير أنّه أصاب، فإنّ الحسن مدلّس[٥]، وقد عنعن؛ فلا ندري هل سمع الحديث من ابن مغفّل أم لا، وقد ألحقه الدانيّ بحديث هشام بن عامر[٦]، وهو تخليط؛ لأنّ حديث هشام قد رواه غير واحد من الحفّاظ، ولم يذكروا فيه ذلك[٧]، وعلى تقدير صحّته، فإنّه لا يصدّق حديث الجسّاسة، بل هو إلى أن يكذّبه أقرب؛ لأنّ حديث الجسّاسة يقول أنّ الدجّال مصفّد في جزيرة مهجورة، وهذا يقول أنّه يمشي في الأسواق! نعم، روى عطيّة بن سعد، عن أبي سعيد الخدريّ، أنّه سمع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول: «إِنَّهُ يَوْمَهُ هَذَا قَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ»[٨]، ولم يذكر مشيه في الأسواق، لكنّ الأقرب أنّه سقط؛ فإنّ عطيّة كان يخطئ[٩]، وعلى تقدير صحّته، فإنّه غير صريح أيضًا، لاحتمال أن يكون المراد ابن صيّاد أو مسيلمة الكذّاب أو دجّالًا آخر كان في ذلك الزمان؛ فقد روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يَخْرُجَ ثَلَاثُونَ دَجَّالًا»[١٠]، وفي رواية أخرى: «يَكُونُ قَبْلَ خُرُوجِ الدَّجَّالِ نَيِّفٌ وَسَبْعُونَ دَجَّالًا»[١١]، وعلى تقدير أنّ المراد هو الدجّال الأكبر، فمن المحتمل جدًّا أن يكون غلطًا من الراوي، بل هو الظاهر؛ فقد روي عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «إِنَّ الدَّجَّالَ يَطْعَمُ الطَّعَامَ، وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ، وَاللَّهُ لَا يَطْعَمُ، وَلَا يَزُولُ»[١٢]، وهو في معنى قول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إِنَّ الدَّجَّالَ أَعْوَرُ، وَإِنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِأَعْوَرَ»[١٣]، والظاهر أنّه كان أصل الحديث، فحرّفه بعض الرواة؛ كما رواه محمّد بن عليّ بن بابويه بإسناده عن ابن عمر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم[١٤]، وهذا ما قال به السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال:

ذُكِرَ عِنْدَهُ أَمْرُ الدَّجَّالِ، فَقُلْتُ: إِنَّهُمْ يَرْوُونَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: إِنَّهُ قَدْ أَكَلَ الطَّعَامَ وَمَشَى فِي الْأَسْوَاقِ، فَقَالَ: لَيْسَ هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنَّهُ قَالَ: إِنَّه يَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ، يَعْنِي أَنَّهُ لَيْسَ بِرَبِّكُمْ.

ولمثل هذا لا ينبغي الإعتماد على خبر واحد؛ لأنّه قد يخطئ، وذلك شائع جدًّا؛ كما روي أنّ عائشة سمعت بحديث عمر وابنه أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «إِنَّ الْمَيِّتَ لَيُعَذَّبُ بِبُكَاءِ أَهْلِهِ»، فأنكرت ذلك، وقالت: «إِنَّكُمْ لَتُحَدِّثُونِي عَنْ غَيْرِ كَاذِبَيْنِ وَلَا مُكَذَّبَيْنِ، وَلَكِنَّ السَّمْعَ يُخْطِئُ»[١٥]، وفي رواية أخرى، قالت: «يَغْفِرُ اللَّهُ لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ -يَعْنِي ابْنَ عُمَرَ- أَمَا إِنَّهُ لَمْ يَكْذِبْ، وَلَكِنَّهُ نَسِيَ أَوْ أَخْطَأَ، إِنَّمَا مَرَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِيَهُودِيَّةٍ يَبْكِي عَلَيْهَا أَهْلُهَا، فَقَالَ: إِنَّكُمْ لَتَبْكُونَ عَلَيْهَا، وَإِنَّهَا لَتُعَذَّبُ فِي قَبْرِهَا»[١٦]، وسمعت بحديث أبي هريرة أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «الطَّيْرَةُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسِ، وَالدَّارِ»، فغضبت غضبًا شديدًا، وقالت: «وَاللَّهِ مَا هَكَذَا قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، إِنَّمَا قَالَ: أَهْلُ الْجَاهِلِيَّةِ كَانُوا يَقُولُونَ: الطَّيْرَةُ فِي ثَلَاثٍ: فِي الْمَرْأَةِ، وَالْفَرَسِ، وَالدَّارِ»[١٧]، والأمثلة على ذلك كثيرة، والأقرب أنّ حديث الجسّاسة منها، وإن كان هناك احتمال آخر ذكره بعض المحقّقين، وهو أنّ الحديث صحيح، ولكنّه من قول تميم الداريّ، وإنّما حكاه النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للناس من دون تصديق ولا تكذيب؛ كما قال محمّد رشيد رضا: «إِنَّ رِوَايَةَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَهُ عَنْ تَمِيمٍ الدَّارِيِّ -إِنْ سَلِمَ سَنَدُهَا مِنَ الْعِلَلِ- هَلْ تَجْعَلُ الْحَدِيثَ مُلْحَقًا بِمَا حَدَّثَ بِهِ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ تِلْقَاءِ نَفْسِهِ، فَيُجْزَمُ بِصِدْقِ أَصْلِهِ، قِيَاسًا عَلَى إِجَازَتِهِ أَوْ تَقْرِيرِهِ لِلْعَمَلِ، إِذْ يَدُلُّ عَلَى حِلِّهِ وَجَوَازِهِ؟ الظَّاهِرُ لَنَا أَنَّ هَذَا الْقِيَاسَ لَا مَحَلَّ لَهُ هُنَا، وَالنَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَا كَانَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ، فَهُوَ كَسَائِرِ الْبَشَرِ، يَحْمِلُ كَلَامَ النَّاسِ عَلَى الصِّدْقِ إِذَا لَمْ تَحِفَّ بِهِ شُبْهَةٌ، وَكَثِيرًا مَا صَدَّقَ الْمُنَافِقِينَ وَالْكُفَّارَ فِي أَحَادِيثِهِمْ، وَحَدِيثُ الْعُرَنِيِّينَ وَأَصْحَابِ بِئْرِ مَعُونَةَ مِمَّا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ، وَإِنَّمَا كَانَ يَعْرِفُ كَذِبَ بَعْضِ الْكَاذِبِينَ بِالْوَحْيِ، أَوْ بِبَعْضِ طُرُقِ الْإِخْتِبَارِ، أَوْ إِخْبَارِ الثِّقَاتِ، وَنَحْوِ ذَلِكَ مِنْ طُرُقِ الْعِلْمِ الْبَشَرِيِّ، وَإِنَّمَا يَمْتَازُ الْأَنْبِيَاءُ عَلَى غَيْرِهِمْ بِالْوَحْيِ، وَالْعِصْمَةِ مِنَ الْكَذِبِ، وَمَا كَانَ الْوَحْيُ يَنْزِلُ إِلَّا فِي أَمْرِ الدِّينِ وَمَا يَتَعَلَّقُ بِدَعْوَتِهِ وَحِفْظِهِ وَحِفْظِ مَنْ جَاءَ بِهِ، وَتَصْدِيقُ الْكَاذِبِ لَيْسَ كَذِبًا، وَحَسْبُكَ أَنْ تَتَأَمَّلَ فِي هَذَا الْبَابِ عِتَابَ اللَّهِ لِرَسُولِهِ، إِذْ أَذِنَ لِبَعْضِ الْمُعْتَذِرِينَ مِنَ الْمُنَافِقِينَ فِي التَّخَلُّفِ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ وَمَا عَلَّلَهُ بِهِ، وَهُوَ قَوْلُهُ: ﴿عَفَا اللَّهُ عَنْكَ لِمَ أَذِنتَ لَهُمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكَ الَّذِينَ صَدَقُوا وَتَعْلَمَ الكَاذِبِينَ[١٨]»[١٩]، انتهى قوله، وقد أراد أنّ تميمًا الداريّ كان كاذبًا في حديث الجسّاسة، ولكن لم يتبيّن كذبه للنبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ولذلك حكاه للناس، وهذا غير بعيد؛ لأنّه كان من المحتمل عند النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أن يخرج الدجّال في زمانه أو قبل مائة سنة، فكان الحديث محتملًا للصدق بالنسبة له، حتّى مضى مائة سنة ولم يخرج الدجّال، فعند ذلك تبيّن أنّ الحديث كان كذبًا، ولكنّ الأقرب من هذا أنّ الحديث كان صدقًا، وإنّما أخطأت فيه فاطمة ابنة قيس، فحرّفته عن مواضعه، واللّه تعالى أعلم.

↑[١] . انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد، ج٩، ص٢٥١؛ تاريخ ابن معين (رواية الدارمي)، ص١٤١؛ سؤالات ابن أبي شيبة لابن المديني، ص٥٧؛ مسائل أحمد (رواية ابنه أبي الفضل صالح)، ج٣، ص٤١؛ قبول الأخبار ومعرفة الرجال للكعبي، ج٢، ص٨٧؛ الضعفاء الكبير للعقيلي، ج٣، ص٢٢٩.
↑[٢] . انظر: تاريخ ابن معين (رواية ابن محرز)، ج١، ص١٣٠؛ العلل لابن المديني، ص٥١؛ المعرفة والتاريخ للفسوي، ج٢، ص٥٢؛ الجرح والتعديل لابن أبي حاتم، ج٣، ص٤١.
↑[٣] . انظر: المعجم الأوسط للطبراني، ج٨، ص١٢٠.
↑[٤] . انظر: تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني، ص٤٨٦.
↑[٥] . انظر: مشاهير علماء الأمصار لابن حبان، ص١٤٣؛ المدلسين لابن العراقي، ص٤١؛ التبيين لأسماء المدلسين للبرهان الحلبي، ص٢٠؛ طبقات المدلسين لابن حجر العسقلاني، ص٢٩.
↑[٦] . انظر: السنن الواردة في الفتن للداني، ج١، ص٢٢٥.
↑[٧] . انظر: الطبقات الكبرى لابن سعد، ج٩، ص٢٦؛ مسند أحمد، ج٢٦، ص١٨٥؛ صحيح مسلم، ج٨، ص٢٠٧؛ الآحاد والمثاني لابن أبي عاصم، ج٤، ص١٦١؛ مسند أبي يعلى، ج٣، ص١٢٥؛ مستخرج أبي عوانة، ج٢٢، ص٢٤٩؛ المعجم الكبير للطبراني، ج٢٢، ص١٧٣؛ المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج٤، ص٥٧٣.
↑[٨] . المستدرك على الصحيحين للحاكم، ج٤، ص٥٨١؛ مسانيد فراس المكتب لأبي نعيم الأصبهاني، ص١٢٤
↑[٩] . انظر: تقريب التهذيب لابن حجر العسقلاني، ص٣٩٣.
↑[١٠] . حديث علي بن حجر عن إسماعيل بن جعفر، ص٢٤٦؛ السنن المأثورة للشافعي، ص١٤٤؛ سيرة ابن هشام، ج٢، ص٥٩٩؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٥٠٣؛ مسند أحمد، ج١٥، ص٥٠٧؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١٢١؛ مسند البزار، ج٦، ص١٨٣؛ مسند أبي يعلى، ج١٠، ص٣٥٠؛ شرح مشكل الآثار للطحاوي، ج٧، ص٣٩٨؛ دلائل النبوة للبيهقي، ج٦، ص٤٨٠
↑[١١] . الفتن لنعيم بن حماد، ج٢، ص٥١٩؛ جزء المؤمل، ص١٢٧؛ مسند أبي يعلى، ج٧، ص١٠٨؛ السنن الواردة في الفتن للداني، ج٤، ص٨٦٤
↑[١٢] . كمال الدين وتمام النعمة لابن بابويه، ص٥٢٧؛ السنن الواردة في الفتن للداني، ج٦، ص١١٩٦
↑[١٣] . الجامع لمعمر بن راشد، ج١١، ص٣٩٠؛ مسند أبي داود الطيالسي، ج٤، ص٣٩٩؛ مصنف ابن أبي شيبة، ج٧، ص٤٨٨؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٢، ص٥٩٤؛ مسند أحمد، ج٣، ص١١١؛ صحيح البخاري، ج٩، ص٦٠؛ صحيح مسلم، ج١، ص١٠٧؛ سنن ابن ماجه، ج٢، ص١٣٥٩؛ سنن أبي داود، ج٤، ص١١٦؛ سنن الترمذي، ج٤، ص٥٠٨؛ مسند أبي يعلى، ج٢، ص٧٨
↑[١٤] . انظر: كمال الدين وتمام النعمة لابن بابويه، ص٥٢٨.
↑[١٥] . مسند أبي داود الطيالسي، ج٣، ص١٠٢؛ مسند إسحاق بن راهويه، ج٣، ص٦٦٣؛ مسند أحمد، ج١، ص٣٨٧؛ صحيح مسلم، ج٣، ص٤٣؛ سنن النسائي، ج٤، ص١٨
↑[١٦] . موطأ مالك (رواية يحيى)، ج١، ص٢٣٤؛ مسند أحمد، ج٤١، ص٢٧٧؛ صحيح مسلم، ج٣، ص٤٤؛ سنن النسائي، ج٤، ص١٧
↑[١٧] . مسند أحمد، ج٤٣، ص١٩٧؛ شرح مشكل الآثار للطحاويّ، ج٢، ص٢٥١؛ مسند الشاميين للطبراني، ج٤، ص٥٠
↑[١٨] . التّوبة/ ٤٣
↑[١٩] . مجلة المنار لرشيد رضا، ج١٩، ص٩٧
الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني قسم الإجابة على الأسئلة
المشاركة
شارك هذا مع أصدقائك، لتساعد في نشر المعرفة. إنّ من شكر العلم تعليمه للآخرين.
البريد الإلكتروني
تلجرام
فيسبوك
تويتر
إذا كنت معتادًا على لغة أخرى، يمكنك ترجمة هذا إليها. [استمارة الترجمة]
كتابة السؤال
عزيزنا المستخدم! يمكنك كتابة سؤالك حول آراء السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في النموذج أدناه وإرساله إلينا لتتمّ الإجابة عليه في هذا القسم.
ملاحظة: قد يتمّ نشر اسمك على الموقع كمؤلف للسؤال.
ملاحظة: نظرًا لأنّه سيتمّ إرسال ردّنا إلى بريدك الإلكترونيّ ولن يتمّ نشره بالضرورة على الموقع، فستحتاج إلى إدخال عنوانك بشكل صحيح.
يرجى ملاحظة ما يلي:
١ . ربما تمّت الإجابة على سؤالك على الموقع. لذلك، من الأفضل قراءة الأسئلة والأجوبة ذات الصلة أو استخدام ميزة البحث على الموقع قبل كتابة سؤالك.
٢ . تجنّب تسجيل وإرسال سؤال جديد قبل تلقّي الجواب على سؤالك السابق.
٣ . تجنّب تسجيل وإرسال أكثر من سؤال واحد في كلّ مرّة.
٤ . أولويّتنا هي الإجابة على الأسئلة ذات الصلة بالإمام المهديّ عليه السلام والتمهيد لظهوره؛ لأنّه الآن أكثر أهمّيّة من أيّ شيء.