ما حكم تقبيل اليد؟ هل يجوز تقبيل يد الحكّام والعلماء والوالدين؟
تقبيل اليد من الخضوع، ولا ينبغي الخضوع لبشر؛ كما روي عن عليّ بن موسى الرضا عليه السلام أنّه قال: «لَا يُقَبِّلُ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ، فَإِنَّ قُبْلَةَ يَدِهِ كَالصَّلَاةِ لَهُ»[١]، وعن سليمان بن حرب أنّه قال: «تَقْبِيلُ يَدِ الرَّجُلِ السَّجْدَةُ الصُّغْرَى»[٢]، وعن ابن نزار أنّه قال: «قُبْلَةُ الْيَدِ إِحْدَى السَّجْدَتَيْنِ»[٣]، وبهذا قال مالك[٤]، إلا أن يكون خليفة اللّه في الأرض؛ لأنّ الخضوع له يرجع إلى الخضوع للّه، باعتبار أنّ اللّه عظّمه وكرّمه، ولذلك لا ينبغي تقبيل يد أحد غير رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والإمام من أهل بيته؛ كما روى عليّ بن مزيد صاحب السابريّ قال: «دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ فَتَنَاوَلْتُ يَدَهُ فَقَبَّلْتُهَا، فَقَالَ: أَمَا إِنَّهَا لَا تَصْلُحُ إِلَّا لِنَبِيٍّ أَوْ وَصِيِّ نَبِيٍّ»[٥]، وروي عن زيد بن ثابت أنّه قال لابن عبّاس: أرني يدك، فأخرج يده، فقبّلها فقال: «هَكَذَا أُمِرْنَا أَنْ نَفْعَلَ بِأَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٦]، وروي عن سفيان الثوريّ أنّه قال: «لَا بَأْسَ بِهَا لِلْإِمَامِ الْعَادِلِ»[٧]، وأخبرنا بعض أصحابنا، قال:
أَرَادَ رَجُلٌ أَنْ يُقَبِّلَ يَدَ الْمَنْصُورِ فَأَبْعَدَ يَدَهُ وَقَالَ لَهُ: أَتُرِيدُ أَنْ تُغِرَّنِي كَمَا تُغِرُّ هَؤُلَاءِ الدَّجَاجِلَةَ؟! لَا يُقَبِّلُ الرَّجُلُ يَدَ الرَّجُلِ إِلَّا أَنْ يَكُونَ إِمَامًا مُفْتَرَضَ الطَّاعَةِ، قَالَ الرَّجُلُ: وَاللَّهِ مَا فَعَلْتُ ذَلِكَ إِلَّا لِأَعْلَمَ أَهُوَ مِنَ الدَّجَاجِلَةِ أَمْ لَا، فَعَلِمْتُ أَنَّهُ لَيْسَ مِنْهُمْ.[٨]
نعم، لا بأس بتقبيل يد الوالدين المسلمين؛ لأنّ اللّه أمر بالخضوع لهما؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُقَبِّلُ يَدَ وَالِدَيْهِ، فَقَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ﴾[٩]؟![١٠]
وهذا قول معاذ بن جبل من الصحابة، فقد روي أنّه قال: «لَا يَصْلُحُ تَقْبِيلُ الْيَدِ إِلَّا لِلْإِمَامِ الْعَادِلِ وَالْوَالِدَيْنِ»[١١]، وأمّا تقبيل أيدي الحكّام الظالمين والعلماء التابعين لهم فحرام دون أدنى شكّ؛ لأنّه خضوع للظالمين، وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾[١٢]؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: مَنْ قَبَّلَ يَدَ ظَالِمٍ يُظْهِرُ بِذَلِكَ وَلَايَتَهُ فَكَأَنَّمَا قَبَّلَ اللَّاتَ وَالْعُزَّى.[١٣]
وقد أجاد ابن جبير إذ قال:
من اللّه فاسأل كلّ شيء تريده ... فما يملك الإنسان نفعًا ولا ضرًّا
ولا تتواضع للولاة فإنّهم ... من الكبر في حال تموج بهم سُكرًا
وإيّاك أن ترضى بتقبيل راحة ... فقد قيل فيها: إنّها السجدة الصغرى[١٤]