ما هو سرّ الرايات السّود للمنصور الهاشميّ الخراسانيّ؟
إنّ سرّ اتّخاذ المنصور الهاشميّ الخراسانيّ للرايات السّود أربعة:
الأول أنّه سنّة؛ لأنّ راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كانت سوداء؛ كما روى ذلك ابن عبّاس وبريدة وجابر وعائشة وغيرهم، وروى يونس بن عبيد مولى محمّد بن القاسم، قال: «بَعَثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ الْقَاسِمِ إِلَى الْبَرَاءِ بْنِ عَازِبٍ أَسْأَلُهُ عَنْ رَايَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: كَانَتْ سَوْدَاءَ مُرَبَّعَةً مِنْ نَمِرَةٍ»[١]، وروي عن أبي هريرة أنّه قال: «كَانَتْ رَايَةُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قِطْعَةٌ قَطِيفَةٌ سَوْدَاءُ كَانَتْ لِعَائِشَةَ»[٢]، وروت عمرة بنت عبد الرّحمن قالت: «كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ مِنْ مِرْطٍ لِعَائِشَةَ مُرَحَّلٍ»[٣]، وروى مثله سعيد بن المسيّب[٤]، وروى الحارث بن حسّان قال: «قَدِمْتُ الْمَدِينَةَ، فَإِذَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ، وَبِلَالٌ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيْهِ مُتَقَلِّدًا سَيْفًا، وَإِذَا رَايَاتٌ سُودٌ، فَقُلْتُ: مَا هَذِهِ الرَّايَاتُ؟ قَالُوا: هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ أَنْ يَبْعَثَ عَمْرَو بْنَ الْعَاصِ وَجْهًا»، وفي رواية أخرى: «عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ قَدِمَ مِنْ غَزَاةٍ»[٥]، وروى ابن سعد عن رجاله قالوا: «بَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ فِي خَمْسِينَ وَمِائَةِ رَجُلٍ مِنَ الْأَنْصَارِ عَلَى مِائَةِ بَعِيرٍ وَخَمْسِينَ فَرَسًا وَمَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ»[٦]، وروى قتادة عن أنس: «أَنَّ ابْنَ أُمِّ مَكْتُومٍ كَانَتْ مَعَهُ رَايَةٌ سَوْدَاءُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ مَشَاهِدِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٧]، وروي أنّ الزبير بن العوامّ دخل مكّة يوم الفتح في خمسمائة منهم مهاجرون وأفناء العرب، ومعه راية سوداء[٨]، وقال يزيد بن أبي حبيب: «كَانَتْ رَايَاتُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سُودًا»[٩]، وقال الحسن: «كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ تُسَمَّى الْعُقَابَ»[١٠]، وروي هذا عن أبي هريرة[١١]، وروي عن عروة بن الزبير أنّه قال: «كَانَتْ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَوْدَاءَ مِنْ بُرْدٍ لِعَائِشَةَ تُدْعَى الْعُقَابَ»[١٢]، وروي عن أمّ الحسين بنت عبد اللّه بن محمّد بن عليّ بن الحسين أنّها قالت في حديث: «قَالَ لِي عَمِّي جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ: يَا بُنَيَّةُ! هَذِهِ رَايَةُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الْعُقَابُ، ثُمَّ أَخْرَجَ خِرْقَةً سَوْدَاءَ، ثُمَّ وَضَعَهَا عَلَى عَيْنَيْهِ، ثُمَّ أَعْطَانِيهَا فَوَضَعْتُهَا عَلَى عَيْنَيَّ وَوَجْهِي»[١٣]، وكذلك كانت راية عليّ بن أبي طالب في مشاهده؛ كما روى حُرَيث بن مَخْش قال: «إِنَّ رَايَةَ عَلِيٍّ كَانَتْ يَوْمَ الْجَمَلِ سَوْدَاءَ»[١٤]، وروي عن عليّ أنّه قال في يوم صفّين مشيرًا إلى صاحب رايته أبي ساسان الحُضَين بن المنذر الرَّقاشيّ:
لِمَنْ رَايَةٌ سَوْدَاءُ يَخْفِقُ ظِلُّهَا ... إِذَا قِيلَ قَدِّمْهَا حُضَيْنُ تَقَدَّمَا
يُقَدِّمُهَا لِلْمَوْتِ حَتَّى يُزِيرَهَا ... حِيَاضَ الْمَنَايَا يَقْطُرُ الْمَوْتَ وَالدَّمَا
أَذَقْنَا ابْنَ حَرْبٍ طَعْنَنَا وَضِرَابَنَا ... بِأَسْيَافِنَا حَتَّى تَوَلَّى وَأَحْجَمَا
جَزَى اللَّهُ قَوْمًا قَاتَلُوا عَنْ إِمَامِهِمْ ... لَدَى الْمَوْتِ قُدْمًا مَا أَعَفَّ وَأَكْرَمَا[١٥]
واحتمل بعض العلماء أنّ إيثار رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم للأسود كان من باب الفأل، فقال: «إِنَّ الْحِكْمَةَ فِي إِيثَارِ الْأَسْوَدَ يَوْمَ الْفَتْحِ الْإِشَارَةُ إِلَى مَا مَنَحَهُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ ذَلِكَ الْيَوْمِ مِنَ السُّؤْدُدِ الَّذِي لَمْ يَتَّفِقْ لِأَحَدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ، وَإِلَى سُؤْدُدِ الْإِسْلَامِ وَأَهْلِهِ»[١٦]، وليس ذلك ببعيد؛ لأنّ «السّؤدد» يعني العظمة والمجد والشرف و«الْمُسَوَّدُ» هو السيّد؛ كما في حديث قيس بن عاصم: «اتَّقُوا اللَّهَ وَسَوِّدُوا أَكْبَرَكُمْ»[١٧]، وفي حديث ابن عمر: «مَا رَأَيْتُ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَسْوَدَ مِنْ فُلَانٍ»[١٨]، وقد روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يعجبه الفأل، وكان يتفأل بالأسماء الحسنة[١٩]، وكيفما كان، فإنّ اتّخاذ المنصور الهاشميّ الخراسانيّ للراية السّوداء هو استنان بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وسنّة خليفته الراشد عليّ بن أبي طالب عليه السلام، وليس هذا شيئًا غريبًا؛ لأنّه يستنّ بسنّتهما في كلّ شيء، ويواصل حركتهما المباركة لإقامة الدين الخالص وملء الأرض قسطًا وعدلًا، ولا شكّ أنّ أنسب راية لمن يفعل ذلك وينادي بالعودة إلى الإسلام ويوطّئ للمهديّ سلطانه، هي راية رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وعليّ بن أبي طالب عليه السلام.
الثاني أنّه أكثر نفعًا للمؤمنين يوم يجتمعون ويوم يجاهدون في سبيل اللّه؛ كما قال السرخسيّ في شرح السير الكبير: «إِنَّمَا اسْتُحِبَّ فِي الرَّايَاتِ السَّوَادُ لِأَنَّهُ عَلَمٌ لِأَصْحَابِ الْقِتَالِ، وَكُلُّ قَوْمٍ يُقَاتِلُونَ عِنْدَ رَايَتِهِمْ، وَإِذَا تَفَرَّقُوا فِي حَالِ الْقِتَالِ، يَتَمَكَّنُونَ مِنَ الرُّجُوعِ إِلَى رَايَتِهِمْ، وَالسَّوَادُ فِي ضَوْءِ النَّهَارِ أَبْيَنُ وَأَشْهَرُ مِنْ غَيْرِهِ خُصُوصًا فِي الْغُبَارِ، فَلِهَذَا اسْتُحِبَّ ذَلِكَ»[٢٠].
الثالث أنّه عمل شائع ومتعارف عليه بين الذين أصيبوا بمصيبة عظيمة؛ لدرجة أنّه يدلّ عرفًا على وقوع حدث مؤسف جليل، ويعتبر نوعًا من إعلان المأساة، ومن المحتمل أن يكون هذا أحد الأشياء التي دفعت المنصور الهاشميّ الخراسانيّ إلى اتّخاذ الرايات السّود؛ لأنّه قد أصيب بمصيبة عظيمة لم تكن في الأرض منذ أسكنها اللّه بني آدم مصيبة مثلها، وهي غيبة خليفة اللّه في الأرض التي قد أدّت إلى ملء الأرض جهلًا وكفرًا وظلمًا وفسقًا، وهذه مصيبة قد أغفلها الناس رغم شمولها وعظمتها، ولذلك قد اتّخذ المنصور الهاشميّ الخراسانيّ الرايات السّود لينبّههم إليها، وبالتالي لن يخفض هذه الرايات أبدًا حتّى تنتهي هذه المصيبة إن شاء اللّه.
الرابع أنّه معارضة واضحة مع فرقة ظالمة ومفسدة تسمّى «داعش»؛ لأنّها ظهرت في الشام والعراق قبل ظهور المنصور الهاشميّ الخراسانيّ في خراسان بقليل، واتّخذت رايات سودًا للدّعوة إلى حكومة رجل ضالّ مضلّ يقال له أبو بكر البغدادي، فلمّا رأى ذلك المنصور الهاشميّ الخراسانيّ اتّخذ رايات سودًا للدّعوة إلى حكومة المهديّ، حتّى يقابل بذلك هذا الإنحراف الكبير والخطير عن طريق الإسلام؛ كما قال هو نفسه في جزء من كتابه الشريف «العودة إلى الإسلام» مشيرًا إلى هذه الفرقة المشؤومة:
سمعت أنّه رُفع نداء بالباطل في المغرب، فأحببت أن يُرفع نداء بالحقّ في المشرق، لكي لا يُسمع في العالم نداء بالباطل فقطّ، فيجتمع المسلمون على الباطل، فينزل عليهم عذاب اللّه؛ لأنّ الحكومة للّه وحده، وهو يؤتيها من يشاء من عباده، ولم يشأ إلّا المهديّ الفاطميّ الذي هو الرّضا من آل محمّد والرّضا من جميع المسلمين.[٢١]
هذا هو سرّ اتّخاذ المنصور الهاشميّ الخراسانيّ للرّايات السّود.