من المتعارف عند المسلمين في زماننا هذا قراءة سورة الفاتحة أو السور الأخرى من القرآن الكريم أو الصيام أو الصدقة وإهداء ثواب تلك الأعمال إلى أرواح الموتى. هل ورد مثل هذا في السنّة النبويّة؟ وما حكمه؟
ما يعمل الإنسان من الصالحات فإنّه يصل إلى والديه؛ كما روي عن عائشة قالت: «أَنَّ رَجُلًا قَالَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ أُمِّي مَاتَتْ وَأَظُنُّهَا لَوْ تَكَلَّمَتْ لَتَصَدَّقَتْ، فَهَلْ لَهَا مِنْ أَجْرٍ إِنْ تَصَدَّقْتُ عَنْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ»[١] وروي عن ابن عبّاس قال: «أَنَّ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ تُوُفِّيَتْ أُمُّهُ وَهُوَ غَائِبٌ عَنْهَا، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ أُمِّي تُوُفِّيَتْ وَأَنَا غَائِبٌ عَنْهَا، فَهَلْ يَنْفَعُهَا إِنْ تَصَدَّقْتُ بِشَيْءٍ عَنْهَا؟ فَقَالَ: نَعَمْ، فَقَالَ: أُشْهِدُكَ أَنَّ حَائِطَ الْمِخْرَافِ صَدَقَةٌ عَنْهَا»[٢] وروي عنه قال: «أَنَّ امْرَأَةً مِنْ خَثْعَمَ اسْتَفْتَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي حَجَّةِ الْوَدَاعِ وَالْفَضْلُ بْنُ عَبَّاسٍ رَدِيفُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ فَرِيضَةَ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَدْرَكَتْ أَبِي شَيْخًا كَبِيرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يَسْتَوِيَ عَلَى الرَّاحِلَةِ، فَهَلْ يَقْضِي أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ؟ قَالَ: نَعَمْ»[٣] وروي عن عمرو بن إلياس قال: «حَجَجْتُ مَعَ أَبِي وَأَنَا صَرُورَةٌ فَقُلْتُ: إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَجْعَلَ حَجَّتِي عَنْ أُمِّي فَإِنَّهَا قَدْ مَاتَتْ، قَالَ: فَقَالَ لِي: حَتَّى أَسْأَلَ لَكَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ إِلْيَاسُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَأَنَا أَسْمَعُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّ ابْنِي هَذَا صَرُورَةٌ وَقَدْ مَاتَتْ أُمُّهُ، فَأَحَبَّ أَنْ يَجْعَلَ حَجَّتَهُ لَهَا، أَفَيَجُوزُ ذَلِكَ لَهُ؟ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يُكْتَبُ لَهُ وَلَهَا وَيُكْتَبُ لَهُ أَجْرُ الْبِرِّ»[٤] وروي عن حازم بن حبيب قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ أَبِي هَلَكَ وَهُوَ رَجُلٌ أَعْجَمِيٌّ وَقَدْ أَرَدْتُ أَنْ أَحُجَّ عَنْهُ وَأَتَصَدَّقَ فَمَا تَرَى فِي ذَلِكَ؟ فَقَالَ: افْعَلْ فَإِنَّهُ يَصِلُ إِلَيْهِ» وفي رواية أخرى: «دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقُلْتُ لَهُ: أَصْلَحَكَ اللَّهُ، إِنَّ أَبَوَيَّ هَلَكَا وَلَمْ يَحُجَّا وَإِنَّ اللَّهَ قَدْ رَزَقَ وَأَحْسَنَ، فَمَا تَقُولُ فِي الْحَجِّ عَنْهُمَا؟ فَقَالَ: افْعَلْ فَإِنَّهُ يُبَرِّدُ لَهُمَا»[٥] ولا ينافي ذلك قول اللّه تعالى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾[٦]؛ لأنّ الإنسان من سعي والديه؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال: «قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّ أَبِي مَاتَ وَعَلَيْهِ صَلَاةٌ كَثِيرَةٌ وَأَنَا ابْنُهُ الْأَكْبَرُ فَمَاذَا تَأْمُرُنِي أَنْ أَعْمَلَ؟ قَالَ: إِقْضِ عَنْهُ وَلَا تَقْضِي عَنْهُ تَقُولُ إِنَّ ذَلِكَ وَاجِبٌ عَلَيْكَ وَلَكِنْ تَقْضِي عَنْهُ بِرًّا وَإِحْسَانًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْفَعُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، قُلْتُ: كَيْفَ يَنْفَعُهُ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿وَأَنْ لَيْسَ لِلْإِنْسَانِ إِلَّا مَا سَعَى﴾؟! قَالَ: وَهَلْ أَنْتَ إِلَّا مِنْ سَعْيِ أَبِيكَ؟!»[٧] ولكنّه لا يصل إلى غير والديه؛ لقول اللّه تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾[٨]، إلا أن يكون عملًا صالحًا أوصى به أو علّمه؛ كما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِذَا مَاتَ الْإِنْسَانُ انْقَطَعَ عَنْهُ عَمَلُهُ إِلَّا مِنْ ثَلَاثَةٍ: إِلَّا مِنْ صَدَقَةٍ جَارِيَةٍ، أَوْ عِلْمٍ يُنْتَفَعُ بِهِ، أَوْ وَلَدٍ صَالِحٍ يَدْعُو لَهُ»[٩] وقال: «مَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً حَسَنَةً كَانَ لَهُ أَجْرُهَا وَأَجْرُ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ بَعْدِهِ مِنْ غَيْرِ أَنْ يُنْتَقَصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ»[١٠] وروي عن أبي عبد اللّه عليه السلام أنّه قال: «لَيْسَ يَتْبَعُ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ مِنَ الْأَجْرِ إِلَّا ثَلَاثُ خِصَالٍ: صَدَقَةٌ أَجْرَاهَا فِي حَيَاتِهِ فَهِيَ تَجْرِي بَعْدَ مَوْتِهِ وَسُنَّةُ هُدًى سَنَّهَا فَهِيَ يُعْمَلُ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ أَوْ وَلَدٌ صَالِحٌ يَدْعُو لَهُ» وفي رواية أخرى: «يَسْتَغْفِرُ لَهُ»[١١] وروي عن معاوية بن عمار قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا يَلْحَقُ الرَّجُلَ بَعْدَ مَوْتِهِ؟ فَقَالَ: سُنَّةٌ سَنَّهَا يُعْمَلُ بِهَا بَعْدَ مَوْتِهِ فَيَكُونُ لَهُ مِثْلُ أَجْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَنْتَقِصَ مِنْ أُجُورِهِمْ شَيْءٌ وَالصَّدَقَةُ الْجَارِيَةُ تَجْرِي مِنْ بَعْدِهِ وَالْوَلَدُ الصَّالِحُ يَدْعُو لِوَالِدَيْهِ بَعْدَ مَوْتِهِمَا وَيَحُجُّ وَيَتَصَدَّقُ عَنْهُمَا وَيُعْتِقُ وَيَصُومُ وَيُصَلِّي عَنْهُمَا فَقُلْتُ: أُشْرِكُهُمَا فِي حَجِّي؟ قَالَ: نَعَمْ»[١٢].
نعم، ينفع الإستغفار كلّ ميّت إن شاء اللّه، إلا أن يكون مشركًا أو منافقًا؛ لقول اللّه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ۚ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا﴾[١٣] وقوله تعالى: ﴿اسْتَغْفِرْ لَهُمْ أَوْ لَا تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ إِنْ تَسْتَغْفِرْ لَهُمْ سَبْعِينَ مَرَّةً فَلَنْ يَغْفِرَ اللَّهُ لَهُمْ ۚ ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ ۗ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الْفَاسِقِينَ﴾[١٤] ولذلك لا يجوز الإستغفار للمشرك ولا للمنافق؛ لقول اللّه تعالى: ﴿مَا كَانَ لِلنَّبِيِّ وَالَّذِينَ آمَنُوا أَنْ يَسْتَغْفِرُوا لِلْمُشْرِكِينَ وَلَوْ كَانُوا أُولِي قُرْبَى مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُمْ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ﴾[١٥] وقوله تعالى: ﴿وَلَا تُصَلِّ عَلَى أَحَدٍ مِنْهُمْ مَاتَ أَبَدًا وَلَا تَقُمْ عَلَى قَبْرِهِ ۖ إِنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَمَاتُوا وَهُمْ فَاسِقُونَ﴾[١٦]، وعليه يجوز للإنسان أن يعمل صالحًا عن والديه ومن علّمه العمل الصالح ومن أوصاه به وإذا أراد أن ينفع ميّتًا من غيرهم فله أن يصلّي ركعتين ثمّ يستغفر له أو يتصدّق على الناس بصدقة ويسألهم الإستغفار له؛ فإنّ ذلك ينفعه إن شاء اللّه وأمّا وصول ثواب الصلاة والصدقة وغيرهما إليه فهو غير ثابت.