هل يجب في الصلاة السجود على الأرض؟ الشيعة يستخدمون لذلك التربة وبعض السنّة ينكرون ذلك ويستقبحونه. ما رأي العلامة المنصور الهاشمي الخراساني في هذه المسألة؟ هل يستحبّ السجود على التربة المأخوذة من قبر الإمام الحسين عليه السلام وتراب كربلاء؟
السجود على الأرض سنّة؛ لقول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «جُعِلَتْ لِيَ الْأَرْضُ مَسْجِدًا وَطَهُورًا»[١]، ولفعله الذي داوم عليه؛ لأنّ أكثر سجوده كان على الأرض؛ كما روي عن وائل بن حُجر قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذَا سَجَدَ وَضَعَ جَبْهَتَهُ وَأَنْفَهُ عَلَى الْأَرْضِ»[٢]، وعن أبي سعيد الخدري قال: «رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَسْجُدُ فِي الْمَاءِ وَالطِّينِ، حَتَّى رَأَيْتُ أَثَرَ الطِّينِ فِي جَبْهَتِهِ»[٣]، وعن عائشة قالت: «مَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُتَّقِيًا وَجْهَهُ بِشَيْءٍ -تَعْنِي فِي السُّجُودِ»[٤]، والأرض تراب ورمل وحصاة وحجر ومدر، ويلحق بها ما ينبت منها؛ لما روى ابن عبّاس وأنس وابن عمر وعائشة وأمّ سلمة وميمونة وغيرهم: «أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يُصَلِّي عَلَى الْخُمْرَةِ»[٥]، وهي حصيرة أو سجادة صغيرة تنسج من سعف النخل، ولكن هل يجوز السجود على غير الأرض وغير ما ينبت منها مثل الطنافس والبسط؟ فيه خلاف؛ فقد كان أبو بكر يسجد على الأرض مفضيًا إليها[٦]، وكان ينهى عن الصلاة على البراذع[٧]، وروي أنّه رأى قومًا يصلّون على بسط، فقال لهم: «أَفْضُوا إِلَى الْأَرْضِ»[٨]، وكان ابن مسعود لا يسجد إلا على الأرض[٩]، وكان عبادة بن صامت إذا قام إلى الصلاة حسر العمامة عن جبهته[١٠]، وكان عبد اللّه بن عمر إذا سجد وعليه العمامة يرفعها حتّى يضع جبهته بالأرض[١١]، وكان إبراهيم يصلّي على الحصير ويسجد على الأرض[١٢]، وكان الحسن يصلّي على طنفسة قدماه وركبتاه عليها ويداه ووجهه على الأرض[١٣]، وسئل عطاء عن صلاة الإنسان على الخمرة والوطاء فقال: «لَا بَأْسَ بِذَلِكَ إِذَا لَمْ يَكُنْ تَحْتَ وَجْهِهِ وَيَدَيْهِ»[١٤]، وكان ابن سيرين وسعيد بن المسيّب يقولان: «الصَّلَاةُ عَلَى الطَّنْفَسَةِ مُحْدَثٌ»[١٥]، وكان جابر بن زيد يكره الصلاة على كلّ شيء من الحيوان ويستحبّ الصلاة على كلّ شيء من نبات الأرض[١٦]، وكان مجاهد يقول: «لَا بَأْسَ بِالصَّلَاةِ عَلَى الْأَرْضِ وَعَلَى مَا أَنْبَتَتْ»[١٧]، وكان عروة يكره أن يسجد على شيء دون الأرض[١٨]، وكان الأسود وأصحابه يكرهون أن يصلّوا على الطنافس والفراء والمسوح[١٩]، وكان مالك يكره أن يسجد الرجل على الطنافس وبسط الشعر والثياب والإدام وكان يقول: «لَا بَأْسَ أَنْ يَقُومَ عَلَيْهَا وَيَرْكَعُ عَلَيْهَا وَيَقْعُدُ عَلَيْهَا، وَلَا يَسْجُدُ عَلَيْهَا وَلَا يَضَعُ كَفَّيْهِ عَلَيْهَا»، وكان لا يرى بأسًا بالحُصُر وما أشبهها ممّا تنبت الأرض أن يسجد عليها وأن يضع كفّيه عليها[٢٠]، وقال المروذي: «كَانَ أَحْمَدُ لَا يَرَى السُّجُودَ عَلَى ثَوْبٍ وَلَا خِرْقَةٍ إِلَّا مِنْ حَرٍّ أَوْ بَرْدٍ»[٢١]، وهذه إحدى الروايتين عنه، وكان عطاء وعبيدة السلماني يتشدّدان في ذلك؛ كما قال ابن جريج: «قُلْتُ لِعَطَاءٍ: أُصَلِّي عَلَى الصَّفَا وَأَنَا أَجِدُ إِنْ شِئْتُ بَطْحَاءَ قَرِيبًا مِنِّي؟ قَالَ: لَا»[٢٢]، وفي رواية أخرى: «قَالَ إِنْسَانٌ لِعَطَاءٍ: أَرَأَيْتَ إِنْ صَلَّيْتُ فِي مَكَانٍ جَدَدٍ أَفْحَصُ عَنْ وَجْهِي التُّرَابَ؟ قَالَ: نَعَمْ»[٢٣]، وقال ابن سيرين: «أَصَابَتْنِي شَجَّةٌ فِي وَجْهِي فَعَصَبْتُ عَلَيْهَا، فَسَأَلْتُ عُبَيْدَةَ السَّلْمَانِيَّ أَسْجُدُ عَلَيْهَا؟ فَقَالَ: انْزِعِ الْعِصَابَ»[٢٤]، وروي عن ابن عبّاس وأبي الدّرداء والحسن وغيرهم جواز السجود على الطنافس والبسط وهو قول جمهور السنّة، وممّا يدلّ على القول الأوّل ما روى جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ قال: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَيَعْمِدُ أَحَدُنَا إِلَى قَبْضَةٍ مِنَ الْحَصَى، فَيَجْعَلُهَا فِي كَفِّهِ هَذِهِ، ثُمَّ فِي كَفِّهِ هَذِهِ، فَإِذَا بَرَدَتْ سَجَدَ عَلَيْهَا»[٢٥]، رواه البيهقيّ ثمّ قال: «وَلَوْ جَازَ السُّجُودُ عَلَى ثَوْبٍ مُتَّصِلٍ بِهِ لَكَانَ ذَلِكَ أَسْهَلَ مِنْ تَبْرِيدِ الْحَصَا فِي الْكَفِّ وَوَضْعِهَا لِلسُّجُودِ عَلَيْهَا»[٢٦] هكذا قال، والحقّ أنّه لو جاز السجود على ثوب منفصل أيضًا لكان ذلك أسهل، وما روى خبّاب بن الأرتّ قال: «شَكَوْنَا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ شِدَّةَ الرَّمْضَاءِ فِي جِبَاهِنَا وَأَكُفِّنَا فَلَمْ يُشْكِنَا»[٢٧]، وما روى خالد الحذّاء قال: «رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صُهَيْبًا يَسْجُدُ كَأَنَّهُ يَتَّقِي التُّرَابَ، فَقَالَ لَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: تَرِّبْ وَجْهَكَ يَا صُهَيْبُ»[٢٨]، وما روى زاذان وغيره قالوا: «رَأَتْ أُمُّ سَلَمَةَ ابْنَ عَمٍّ لَهَا سَاجِدًا، فَقَالَتْ: تَرِّبْ وَجْهَكَ، فَإِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِمَوْلًى لَنَا يُقَالُ لَهُ رَبَاحٌ رَآهُ سَاجِدًا: تَرِّبْ وَجْهَكَ يَا رَبَاحُ»[٢٩]، وبه قال الأئمّة من أهل البيت، الذين أذهب اللّه عنهم الرّجس وطهّرهم تطهيرًا، وقال فيهم النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إِنْ تَمَسَّكْتُمْ بِهِمْ لَنْ تَضِلُّوا»؛ كما روى هشام بن الحكم قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَخْبِرْنِي عَمَّا يَجُوزُ السُّجُودُ عَلَيْهِ وَعَمَّا لَا يَجُوزُ؟ قَالَ: السُّجُودُ لَا يَجُوزُ إِلَّا عَلَى الْأَرْضِ أَوْ مَا أَنْبَتَتِ الْأَرْضُ إِلَّا مَا أُكِلَ أَوْ لُبِسَ، فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، مَا الْعِلَّةُ فِي ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّ السُّجُودَ هُوَ الْخُضُوعُ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَكُونَ عَلَى مَا يُؤْكَلُ وَيُلْبَسُ، لِأَنَّ أَبْنَاءَ الدُّنْيَا عَبِيدُ مَا يَأْكُلُونَ وَيَلْبَسُونَ وَالسَّاجِدُ فِي سُجُودِهِ فِي عِبَادَةِ اللَّهِ تَعَالَى، فَلَا يَنْبَغِي أَنْ يَضَعَ جَبْهَتَهُ فِي سُجُودِهِ عَلَى مَعْبُودِ أَبْنَاءِ الدُّنْيَا الَّذِينَ اغْتَرُّوا بِغُرُورِهَا، وَالسُّجُودُ عَلَى الْأَرْضِ أَفْضَلُ لِأَنَّهُ أَبْلَغُ فِي التَّوَاضُعِ وَالْخُضُوعِ لِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ»[٣٠]، ولا شكّ أنّ السجود على الأرض أشبه بالخشوع في الصلاة، وقد قال اللّه تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ﴾[٣١]؛ بالإضافة إلى أنّه أحوط؛ لأنّ من فعل ذلك فقد أدّى ما عليه قطعًا دون خلاف بين المسلمين، ولكن من لم يفعل ذلك ففيه خلاف، والحكيم لا يترك الإحتياط في مثل هذا إذا كان من الذين ﴿يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ وَيَخَافُونَ سُوءَ الْحِسَابِ﴾[٣٢]، إلا أن يكون له عذر مثل جُرح أو دمل في وجهه أو حرّ أو برد شديد يضرّ به؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[٣٣] وما روى أنس بن مالك قال: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي شِدَّةِ الْحَرِّ، فَإِذَا لَمْ يَسْتَطِعْ أَحَدُنَا أَنْ يُمَكِّنَ وَجْهَهُ مِنَ الْأَرْضِ بَسَطَ ثَوْبَهُ، فَسَجَدَ عَلَيْهِ»[٣٤]، وبه قال الأئمّة من أهل البيت؛ كما روى أبو بصير عن أبي جعفر عليه السلام قال: قلت له: أكون في السفر فتحضر الصلاة وأخاف الرّمضاء على وجهي، كيف أصنع؟ قال: «تَسْجُدُ عَلَى بَعْضِ ثَوْبِكَ»[٣٥]، وسأل أبا عبد اللّه عليه السلام عن رجل يصلّي في حرّ شديد، فيخاف على جبهته من الأرض، قال: «يَضَعُ ثَوْبَهُ تَحْتَ جَبْهَتِهِ»[٣٦]، وروى عيينة بيّاع القصب قال: قلت لأبي عبد اللّه عليه السلام: أدخل المسجد في اليوم الشديد الحرّ، فأكره أن أصلّي على الحصى فأبسط ثوبي فأسجد عليه؟ قال: «نَعَمْ، لَيْسَ بِهِ بَأْسٌ»[٣٧]، وروى عبد اللّه بن جعفر عن أخيه موسى عليه السلام قال: سألته عن الرّجل يؤذيه الأرض وهو في الصلاة ولا يقدر على السجود، هل له أن يضع ثوبه إذا كان قطنًا أو كتّانًا؟ قال: «إِذَا كَانَ مُضْطَرًّا فَلْيَفْعَلْ»[٣٨]، وروى القاسم بن الفضيل قال: قلت للرضا عليه السلام: جعلت فداك، الرّجل يسجد على كمّه من أذى الحرّ والبرد؟ قال: «لَا بَأْسَ بِهِ»[٣٩].
وأمّا اتّخاذ شيء من الأرض للسجود عليه في البيوت والمساجد مثل ما يفعل الشيعة فليس أمرًا محدثًا؛ فقد روى أبو الوليد قال: «سَأَلْتُ ابْنَ عُمَرَ عَمَّا كَانَ بَدْءُ هَذِهِ الْحَصْبَاءِ الَّتِي فِي الْمَسْجِدِ، قَالَ: نَعَمْ، مُطِرْنَا مِنَ اللَّيْلِ فَخَرَجْنَا لِصَلَاةِ الْغَدَاةِ، فَجَعَلَ الرَّجُلُ يَمُرُّ عَلَى الْبَطْحَاءِ فَيَجْعَلُ فِي ثَوْبِهِ مِنَ الْحَصْبَاءِ فَيُصَلِّي عَلَيْهِ قَالَ: فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَاكَ قَالَ: مَا أَحْسَنَ هَذَا الْبِسَاطَ، فَكَانَ ذَلِكَ فِي أَوَّلِ بَدْئِهِ»[٤٠]، وكان عمر بن عبد العزيز يؤتى بتراب فيوضع على الخمرة فيسجد عليه[٤١]، وكان مسروق بن الأجدع من أصحاب ابن مسعود إذا خرج يخرج بلبنة يسجد عليها في السفينة[٤٢]، وكذلك اتّخاذ شيء من الأرض التي جعل اللّه فيها بركة للسجود عليه تبرّكًا؛ كما روى رزين مولى ابن عبّاس قال: «كَتَبَ إِلَيَّ عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ بِلَوْحٍ مِنْ حِجَارَةِ الْمَرْوَةِ أَسْجُدُ عَلَيْهِ»[٤٣]، ولعلّ أوّل من فعل ذلك حرملة بن زفر من بني مالك بن ربيعة؛ فإنّه وفد إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فأخذ قبضة من تراب من تحت قدمي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فقدم بها على أهله فجعلها في صرّة، ثمّ جعلها في مسجده، فجعل يصلّي عليها[٤٤]، وكذلك اتّخاذ شيء من تراب قبر النبيّ وأهل بيته وأصحابه الصالحين على سبيل التبرّك؛ فقد روي عن عليّ بن أبي طالب أنّه لما رمس رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم جاءت فاطمة فوقفت على قبره وأخذت قبضة من تراب القبر، فوضعته على عينها وبكت وأنشأت تقول: «مَاذَا عَلَى مَنْ شَمَّ تُرْبَةَ أَحْمَدَ ... أَنْ لَا يَشُمَّ مَدَى الزَّمَانِ غَوَالِيَا ... صُبَّتْ عَلَيَّ مَصَائِبٌ لَوْ أَنَّهَا ... صُبَّتْ عَلَى الْأَيَّامِ عُدْنَ لَيَالِيَا»[٤٥]، وروى المطّلب أنّ الناس كانوا يأخذون من تراب قبر النبيّ حتّى أمرت عائشة بجداره فضرب عليهم[٤٦]، وروى محمّد بن شُرحبيل أنّ رجلًا أخذ قبضة من تراب قبر سعد بن معاذ يوم دفن فذهب بها، ثمّ نظر إليها بعد ذلك فإذا هي مسك، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «سُبْحَانَ اللَّهِ، سُبْحَانَ اللَّهِ» حتّى عرف ذلك في وجهه[٤٧]، وقال عبد السلام بن يزيد الصنهاجي: سألت أحمد بن يكوت عن تراب المقابر الذي كان الناس يحملونه للتبرّك، هل يجوز أو يمنع؟ فقال: «هُوَ جَائِزٌ، وَمَا زَالَ النَّاسُ يَتَبَرَّكُونَ بِقُبُورِ الْعُلَمَاءِ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ، وَكَانَ النَّاسُ يَحْمِلُونَ تُرَابَ قَبْرِ سَيِّدِنَا حَمْزَةَ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فِي الْقَدِيمِ مِنَ الزَّمَانِ»[٤٨]، وروى الزركشي إطباق السلف والخلف على نقل تربة حمزة رضي اللّه عنه أي المأخوذة من المسيل الذي به مصرعه للتداوي من الصداع[٤٩]، ولا شكّ أنّ تراب قبر الحسين عليه السلام مثله أو خير، بل يمكن القول بأنّ اتّخاذ شيء من تراب قبر الحسين عليه السلام سنّة؛ لأنّ أوّل من فعل ذلك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ كما روت أمّ سلمة قالت: «كَانَ الْحَسَنُ وَالْحُسَيْنُ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ يَلْعَبَانِ بَيْنَ يَدَيِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي بَيْتِي، فَنَزَلَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، إِنَّ أُمَّتَكَ تَقْتُلُ ابْنَكَ هَذَا مِنْ بَعْدِكَ، وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَبَكَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَضَمَّهُ إِلَى صَدْرِهِ، ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: وَدِيعَةٌ عِنْدَكِ هَذِهِ التُّرْبَةُ، فَشَمَّهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: رِيحُ كَرْبٍ وَبَلَاءٍ، قَالَتْ: وَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، إِذَا تَحَوَّلَتْ هَذِهِ التُّرْبَةُ دَمًا فَاعْلَمِي أَنَّ ابْنِي قَدْ قُتِلَ، قَالَتْ: فَجَعَلْتُهَا فِي قَارُورَةٍ، ثُمَّ جَعَلَتْ تَنْظُرُ إِلَيْهَا كُلَّ يَوْمٍ وَتَقُولُ: إِنَّ يَوْمًا تَحَوَّلِينَ فِيهِ دَمًا لَيَوْمٌ عَظِيمٌ»[٥٠]، وروى أنس بن مالك: «أَنَّ مَلَكَ الْمَطَرِ اسْتَأْذَنَ أَنْ يَأْتِيَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَأَذِنَ لَهُ، فَقَالَ لِأُمِّ سَلَمَةَ: امْلِكِي عَلَيْنَا الْبَابَ، لَا يَدْخُلْ عَلَيْنَا أَحَدٌ، قَالَ: وَجَاءَ الْحُسَيْنُ لِيَدْخُلَ فَمَنَعَتْهُ، فَوَثَبَ فَدَخَلَ فَجَعَلَ يَقْعُدُ عَلَى ظَهْرِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَعَلَى مَنْكِبِهِ، وَعَلَى عَاتِقِهِ، قَالَ: فَقَالَ الْمَلَكُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَتُحِبُّهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: أَمَا إِنَّ أُمَّتَكَ سَتَقْتُلُهُ، وَإِنْ شِئْتَ أَرَيْتُكَ الْمَكَانَ الَّذِي يُقْتَلُ فِيهِ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ فَجَاءَ بِطِينَةٍ حَمْرَاءَ، فَأَخَذَتْهَا أُمُّ سَلَمَةَ فَصَرَّتْهَا فِي خِمَارِهَا»[٥١]، وروى قريبًا من هذا عائشة وزينب وأمّ الفضل بنت الحارث، وروى نُجيّ الحضرميّ وكان صاحب مطهرة عليّ قال: «خَرَجْنَا مَعَ عَلِيٍّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ إِلَى صِفِّينَ، فَلَمَّا حَاذَى نِيْنَوَى قَالَ: صَبْرًا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ، صَبْرًا أَبَا عَبْدِ اللَّهِ بِشَطِّ الْفُرَاتِ، قَالَ: قُلْتُ: وَمَاذَا؟ قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَعَيْنَاهُ تَفِيضَانِ، قَالَ: فَقُلْتُ لَهُ: هَلْ أَغْضَبَكَ أَحَدٌ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟ مَالِي أَرَى عَيْنَيْكَ تَفِيضَانِ؟ قَالَ: أَخْبَرَنِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّ أُمَّتِي تَقْتُلُ ابْنِي الْحُسَيْنَ، ثُمَّ قَالَ لِي: هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ أُشِمَّكَ مِنْ تُرْبَتِهِ؟ قَالَ: قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: فَمَدَّ يَدَهُ فَقَبَضَ قَبْضَةً مِنْ تُرَابٍ فَأَعْطَانِيهَا، فَلَمَّا رَأَيْتُهَا لَمْ أَمْلِكْ عَيْنَيَّ أَنْ فَاضَتَا»[٥٢]. بناءً على هذا، فإنّ اتّخاذ شيء من تراب قبر الحسين عليه السلام سنّة، ولا يلتفت إلى وسوسة بعض الجهّال والنواصب ممّن يتوهّم ذلك بدعة أو شركًا لقلّة الفهم وزيغ القلب، ولا بأس بالسجود عليه في الصلاة على سبيل التبرّك؛ كما روى معاوية بن عمّار قال: «كَانَ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ خَرِيطَةُ دِيبَاجٍ صَفْرَاءَ فِيهَا تُرْبَةُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَكَانَ إِذَا حَضِرَتْهُ الصَّلَاةُ صَبَّهُ عَلَى سَجَّادَتِهِ وَسَجَدَ عَلَيْهِ»[٥٣]، وللمنصور حفظه اللّه تعالى خريطة مثلها؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال:
وَجَدْتُ فِي سَجَّادَةِ الْمَنْصُورِ خَرِيطَةً خَضْرَاءَ، فَسَأَلْتُهُ عَنْهَا، فَقَالَ: فِيهَا تُرْبَةُ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، قُلْتُ: وَمَا تَصْنَعُ بِهَا؟ قَالَ: أَتَبَرَّكُ بِهَا وَأَسْجُدُ عَلَيْهَا.
هذا، ولكن لا يجوز ما يفعل الشيعة من كتابة أسماء اللّه أو أسماء النبيّ وأهل بيته أو شيء من القرآن عليه؛ لأنّه يوضع على الأرض وتحت الأقدام، بالإضافة إلى أنّ ذلك محدث، وإن كتب عليه شيء من ذلك وجب محوه، ﴿وَمَنْ يُعَظِّمْ حُرُمَاتِ اللَّهِ فَهُوَ خَيْرٌ لَهُ عِنْدَ رَبِّهِ﴾[٥٤].