لا يرى أهل السنة والجماعة لعن أيّ من الصحابة جائزًا، لكنّهم ليسوا حسّاسين للعن الآخرين، لا سيّما إذا كانوا قتلة وأعداء أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، بل حُكي اتّفاقهم على أنّه يجوز لعن من قتل الحسين أو أمر بقتله أو أجازه أو رضي به من غير تسمية ليزيد، وإنّما اختلفوا في جواز لعن يزيد بالتسمية، والمشهور من أحمد بن حنبل (ت٢٤١ق) جواز ذلك، إذ قال لابنه: «وَكَيْفَ لَا أَلْعَنُ مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِي كِتَابِهِ؟!» فقال ابنه: «وَأَيْنَ لَعَنَ اللَّهُ يَزِيدَ فِي كِتَابِهِ؟» فقرأ: ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ﴾، ذكره القاضي أبو يعلى (ت٤٥٨ق) ثمّ قال: «هَذِهِ الرِّوَايَةُ إِنْ صَحَّتْ فَهِيَ صَرِيحَةٌ فِي مَعْنَى لَعْنِ يَزِيدَ»، ولذلك قال ابن الجوزي (ت٥٩٧ق): «أَجَازَ الْعُلَمَاءُ الْوَرِعُونَ لَعْنَهُ»، وقال ابن خلكان (ت٦٨١ق) في ترجمة علي بن محمد بن علي الطبريّ، الملقّب بعماد الدين، المعروف بالكيا الهراسيّ الفقيه الشافعي (ت٥٠٤ق) أنّه سئل عن يزيد، فقال: «فِيهِ لِأَحْمَدَ قَوْلَانِ تَلْوِيحٌ وَتَصْرِيحٌ، وَلِمَالِكٍ قَوْلَانِ تَلْوِيحٌ وَتَصْرِيحٌ، وَلِأَبِي حَنِيفَةَ قَوْلَانِ تَلْوِيحٌ وَتَصْرِيحٌ، وَلَنَا قَوْلٌ وَاحِدٌ التَّصْرِيحُ دُونَ التَّلْوِيحِ، وَكَيْفَ لَا يَكُونُ كَذَلِكَ؟! وَهُوَ اللَّاعِبُ بِالنَّرْدِ وَالْمُتَصَيِّدُ بِالْفُهُودِ وَمُدْمِنُ الْخَمْرِ، وَشِعْرُهُ فِي الْخَمْرِ مَعْلُومٌ»، وقال التفتازاني (ت٧٩٣ق) في شرح العقائد النسفيّة: «الْحَقُّ أَنَّ رِضَا يَزِيدَ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَاسْتِبْشَارَهُ بِذَلِكَ وَإِهَانَتَهُ أَهْلَ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِمَّا تَوَاتَرَ مَعْنَاهُ وَإِنْ كَانَ تَفَاصِيلُهُ آحَادًا، فَنَحْنُ لَا نَتَوَقَّفُ فِي شَأْنِهِ بَلْ فِي إِيمَانِهِ، لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَعَلَى أَنْصَارِهِ وَأَعْوَانِهِ»، وقال ابن تغري بردي (ت٨٧٤ق): «لَا يَشُكُّ مَنْ لَهُ ذَوْقٌ وَعَقْلٌ صَحِيحٌ أَنَّ يَزِيدَ رَضِيَ بِقَتْلِ الْحُسَيْنِ وَسُرَّ بِمَوْتِهِ؛ فَهُوَ مَلْعُونٌ عَلَى كُلِّ حَالٍ وَبِكُلِّ طَرِيقٍ»، وقال السفارينيّ (ت١١٨٨ق): «أَكْثَرُ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنَ الْحُفَّاظِ وَالْمُتَكَلِّمِينَ يُجِيزُونَ لَعْنَةَ يَزِيدَ اللَّعِينِ، كَيْفَ لَا؟! وَهُوَ الَّذِي فَعَلَ الْمُعْضِلَاتِ، وَهَتَكَ سِتْرَ الْمُخَدَّرَاتِ، وَانْتَهَكَ حُرْمَةَ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَآذَى سِبْطَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ حَيٌّ وَمَيِّتٌ، مَعَ مُجَاهَرَتِهِ بِشُرْبِ الْخُمُورِ وَالْفِسْقِ وَالْفُجُورِ»، ولابن الجوزيّ (ت٥٩٧ق) كتاب في جواز لعن يزيد سمّاه «الرّدّ على المتعصّب العنيد المانع من ذمّ يزيد» ردّ فيه على عبد المغيث الحربيّ (ت٥٨٣ق) فإنّه كان ينهى عن ذلك، ولابن الوزير (ت٨٤٠ق) أيضًا كلام مبسوط في العواصم والقواصم ردّ فيه على أبي حامد الغزالي بوجوه كثيرة، وقد أجاد أمير علي شير نوايي (ت٩٠٦ق) في الردّ عليه إذ قال بالفارسيّة:
اي كه گفتى بر يزيد و آل او لعنت مكن
زان كه شايد حق تعالى كرده باشد رحمتش
آنچه با آل نبي كرد او اگر بخشد خداي
هم ببخشايد مرا گر كرده باشم لعنتش
أي يا من قال: لا تلعن يزيد وآله؛ لأنّه من الممكن أن يغفر اللّه له! إن غفر اللّه له ما فعل بآل النبيّ، فسيغفر لي أيضًا إن لعنته!
الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني
قسم الإجابة على الأسئلة