اختلف المسلمون في كيفيّة وفاة فاطمة الزهراء سلام اللّه عليها. فيقول الشيعة بأنّها استشهدت وسبب شهادتها أن ضربها عمر بن الخطاب عندما هجم على بيتها لأخذ البيعة فقتلها وقتل جنينها المحسن وينكر الآخرون هذا القول ويقولون بأنّ عمر لم يزد على التهديد بإحراق البيت شيئًا. فما هو القول الصحيح؟ أرجو توضيح ذلك.
لم يتكلّم أهل البيت عليهم السلام حول قضيّة قتل عمر فاطمة عليها السلام حتّى في زمن عليّ والحسن عليهما السلام إذ ملكوا وتمكّنوا، والدليل على أنّهم لم يتكلّموا حولها أنّه لم يرد عنهم رواية واحدة مشهورة أو معتبرة فيها؛ كما لم يرد عن أحد من الصحابة كلام فيها، مع أنّ فريقًا منهم كانوا شيعة عليّ عليه السلام وكانوا يتكلّمون في أخفّ من ذلك، كأبي ذرّ وسلمان وعمّار ومقداد، ولا يوجد في كتب التاريخ ولا الحديث أثر من مطالبة عليّ عليه السلام عمر بقصاص أو دية لفاطمة عليها السلام ولا جنينها، مع وجود الآثار المشهورة في مطالبته إيّاه لامرأة ذُكرت بسوء، إذ أرسل إليها عمر، ففزعت فأجهضت جنينها، فقال له عليّ عليه السلام: «إِنَّ دِيَتَهُ عَلَيْكَ لِأَنَّكَ أَفْزَعْتَهَا فَأَلْقَتْهُ»، فقال عمر: «أَقْسَمْتُ عَلَيْكَ أَنْ لَا تَبْرَحَ حَتَّى تَقْسِمَهَا عَلَى قَوْمِكَ»[١]، وكذلك مطالبته القصاص للهرمزان إذ قتله عبيد اللّه بن عمر، فقال عليّ عليه السلام لعثمان: «أَقِدِ الْفَاسِقَ، فَإِنَّهُ أَتَى عَظِيمًا، قَتَلَ مُسْلِمًا بِلَا ذَنْبٍ»[٢]، بل مطالبته الخلافة وهي أعظم وأولى بالكتمان لمن أراد كتمانًا، ووجود الآثار المشهورة في مثالب عمر كقوله في الحديبيّة ويوم الخميس ويوم وفاة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم والسقيفة ممّا يشهد بأنّ في القوم من كان لا يكتم مثل هذه الأخبار؛ كما أشار إلى ذلك ابن أبي الحديد فقال: «أَمَّا امْتِنَاعُ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنَ الْبَيْعَةِ حَتَّى أُخْرِجَ عَلَى الْوَجْهِ الَّذِي أُخْرِجَ عَلَيْهِ، فَقَدْ ذَكَرَهُ الْمُحَدِّثُونَ وَرَوَاهُ أَهْلُ السِّيَرِ وَقَدْ ذَكَرْنَا مَا قَالَهُ الْجَوْهَرِيُّ فِي هَذَا الْبَابِ، وَهُوَ مِنْ رِجَالِ الْحَدِيثِ وَمِنَ الثِّقَاتِ الْمَأْمُونِينَ، وَقَدْ ذَكَرَ غَيْرُهُ مِنْ هَذَا النَّحْوِ مَا لَا يُحْصَى كَثْرَةً، فَأَمَّا الْأُمُورُ الشَّنِيعَةُ الْمُسْتَهْجَنَةُ الَّتِي تَذْكُرُهَا الشِّيعَةُ مِنْ إِرْسَالِ قُنْفُذَ إِلَى بَيْتِ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ، وَأَنَّهُ ضَرَبَهَا بِالسُّوطِ، فَصَارَ فِي عَضُدِهَا كَالدُّمْلُجِ، وَبَقِيَ أَثَرُهُ إِلَى أَنْ مَاتَتْ، وَأَنَّ عُمَرَ أَضْغَطَهَا بَيْنَ الْبَابِ وَالْجِدَارِ، فَصَاحَتْ: يَا أَبَتَاهُ، يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَأَلْقَتْ جَنِينًا مَيِّتًا...، فَكُلُّهُ لَا أَصْلَ لَهُ عِنْدَ أَصْحَابِنَا، وَلَا يُثْبِتُهُ أَحَدٌ مِنْهُمْ، وَلَا رَوَاهُ أَهْلُ الْحَدِيثِ، وَلَا يَعْرِفُونَهُ»[٣].
هذا وغيره من الشواهد العقلائيّة التي لا يتجاهلها إلا كلّ متعصّب لا ورع له، دليل واضح على أحد الأمرين: إمّا أنّ القضيّة لم تقع بصورة يدّعيها الشيعة، وإمّا أنّها وقعت، ولكن سكت عنها أهل البيت عليهم السلام لبعض المصالح العامّة، وتابعهم على ذلك جميع الصحابة والتابعين، إلا رجل واحد يقال له سُليم بن قيس الهلالي الذي في ثبوت الكتاب المنسوب إليه ريب واختلاف، وعلى فرض الثبوت لا يُدرى كيف سمع من عليّ عليه السلام وأصحابه ما لم يسمعه غيره![٤] والنتيجة واحدة في كلتا الحالتين؛ إذ لو كانت القضيّة غير واقعة بصورة يدّعيها الشيعة، فالواجب عليهم أن يكفّوا عن الكذب والبهتان؛ لأنّ حبّ أهل البيت عليهم السلام لا يجوّزهما وكذلك بغض عمر؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[٥]، ولو كانت القضيّة واقعة، فالواجب عليهم أن يقتدوا بأهل البيت عليهم السلام في ترك الخوض فيها وإثارة الفتنة والبغضاء بين المسلمين؛ كما أمروهم بذلك فقالوا: «حَسْبُكُمْ أَنْ تَقُولُوا مَا نَقُولُ وَتَصْمُتُوا عَمَّا نَصْمُتُ»[٦]، وقالوا: «وَاللَّهِ لَنُحِبُّكُمْ أَنْ تَقُولُوا إِذَا قُلْنَا وَتَصْمُتُوا إِذَا صَمَتْنَا»[٧].
هذا واضح جدًّا، ولكنّ القوم يدّعون التشيّع وهم في الواقع أهل الخلاف على أهل البيت عليهم السلام في كثير من عقائدهم وأعمالهم، وقد أحاط بهم التعصّب واللجاج وحرارة العاطفة، بحيث أنّه لو رجع إليهم عليّ عليه السلام، فنهاهم عن بعض ما هم يعتقدونه أو يعملونه، لكفّروه وخرجوا عليه كما فعل الخوارج بصفّين!