الجمعة ١٣ ذي القعدة ١٤٤٤ هـ الموافق لـ ٢ يونيو/ حزيران ٢٠٢٣ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الشبهات والردود: هل يجب على العامّيّ أن يبحث في الأدلّة الشرعيّة ليتبيّن له الحكم عن يقين؟! هل هذا الأمر ممكن أو منطقيّ؟! اضغط هنا لقراءة الرّدّ وتحميله. جديد الأسئلة والأجوبة: ما رأي السيّد المنصور في التوسّل؟ هل يجوز التوسّل بالأموات؟ هل يجوز التوسّل بالإمام المهديّ -جعلنا اللّه فداه- بناء على القول بحياته؟ ما هو التوسّل الصحيح الذي يأمر به هذا العالم الكبير؟ اضغط هنا لقراءة الجواب وتحميله. جديد الدروس: دروس من جنابه في وجوب سؤال العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره، وآداب ذلك؛ ما صحّ عن أهل البيت ممّا يدلّ على ذلك؛ الحديث ١٨. اضغط هنا لقراءته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الأقوال: قول من جنابه في بيان أجزاء العلم وأنواع الجاهلين. اضغط هنا لقراءتها وتحميلها. جديد الكتب: تمّ نشر الكتاب القيّم «التنبيهات الهامّة على ما في صحيحي البخاري ومسلم من الطامّة» لمكتب السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى. اضغط هنا لقراءته. جديد الرسائل: نبذة من رسالة جنابه في توبيخ الذين يرونه يدعو إلى الحقّ ولا يقومون بنصره. اضغط هنا لقراءتها وتحميلها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر ملاحظة جديدة بعنوان «العصر المقلوب» بقلم «إلياس الحكيمي». اضغط هنا لقراءتها وتحميلها. جديد الأفلام والمدوّنات الصوتيّة: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
تكبّر أهل السّلطة والثروة

إنّ معرفة الحقّ لا ملازمة لها مع السّلطة والثروة، بل من المشهود أنّ أعظم السّلطة والثروة في أيدي الذين هم أقلّ نصيبًا من معرفة الحقّ، ولذلك ليس من الحكمة امتناعهم عن معرفة الحقّ بسبب سلطتهم وثروتهم، بل ينبغي أن يولوا اهتمامًا أكثر لمعرفة الحقّ بسبب سلطتهم وثروتهم، حتّى لا يضرّوا بأنفسهم والمجتمع ضررًا أكبر بسبب عدم معرفتهم بالحقّ أثناء امتلاكهم للسّلطة والثروة، ولا يصبحوا أسباب خسارة المسلمين بلا قصد ولا علم. [العودة إلى الإسلام، ص٨٤]

تكبّر أهل السّلطة والثروة

على أصحاب السّلطة والثروة من المسلمين أن يجدّوا في معرفة الحقّ أكثر من غيرهم، ولا يستنكفوا عن قبوله خوفًا من انتقاص سلطتهم وثروتهم؛ لأنّ سلطتهم وثروتهم هي لتوفير سعادتهم في الدّنيا والآخرة، وإذا لم تفعل ذلك فلا قيمة لها ولا فائدة، ومن الواضح أنّ سعادة الدّنيا والآخرة منوطة بمعرفة الحقّ وقبوله. كما أنّ مصدر السّلطة والثروة في العالم هو اللّه، ومن اتّصل باللّه فقد اتّصل بمصدر السّلطة والثروة في العالم، ومن فارقه فقد فارق مصدر السّلطة والثروة في العالم، وهذا عكس ما يُتصوّر غالبًا. [العودة إلى الإسلام، ص٨٥]

تكبّر أهل السّلطة والثروة

لن يفوز بمعرفة الحقّ والإلتزام به إلّا الذين يرون أنفسهم في حاجة إليه، ويكفّون عن التكبّر أمامه بسبب ما لديهم من الدّنيا؛ لأنّه، على عكس ما قد يبدو، كلّما ازداد ما لديهم من الدّنيا ازدادت حاجتهم إلى معرفة الحقّ والإلتزام به، وبالطبع كلّما كانوا أحوج إليه كان عليهم أن يكونوا أشدّ خضوعًا وطلبًا له. [العودة إلى الإسلام، ص٨٥]

دور المسلمين الصّوفيّين في نشر النفور من العقل

إنّ أهل التصوّف المسلمين، إلى جانب أهل الحديث المسلمين، قد لعبوا دورًا بارزًا في نشر النفور من العقل بين المسلمين؛ مع فارق أنّ أهل الحديث المسلمين كانوا مروّجين للتديّن الخبريّ، وأهل التصوّف المسلمين كانوا مروّجين للتديّن الشّعريّ! في حين أنّ الشعر هو أقلّ اعتبارًا بكثير من الخبر الظنّيّ، بل هو في الغالب مجرّد مغالطة ومداعبة بالألفاظ تُسكت العقل بسبب جَرْسها دون أن تقنعه؛ إذ من الواضح أنّه ليس كلّ كلام موزون صحيحًا، ولا يمكن معرفة الحقّ بمثل هذه المزخرفات. [العودة إلى الإسلام، ص٨٩ و٩٠]

دور المسلمين الصّوفيّين في نشر النفور من العقل

إنّ الشعراء يضخّون في أذهان المسلمين تعاليم خاطئة تحت غطاء تعابير موزونة وممتعة، وبقوّة ثرثرتهم وإملاحهم يحملونهم على قبول أوهام واهية وسخيفة كنقاط حكيمة ولطيفة، في حين أنّ جوهر كلامهم، إذا حُوّل إلى النثر وجُرّد من الزخارف المتلوّنة، إنّما يشبه هذيانًا لا معنى له! لذلك، فإنّ المسلمين الذين لا يرضون التخلّي عن العقل، وفي نفس الوقت يحبّون الشعر ويتعصّبون للشّعراء، يحاولون تأويل أشعارهم، وينسجون لأسخف منظوماتهم مفاهيم معقولة ومقبولة. [العودة إلى الإسلام، ص٩١]

رسالة من جنابه يعظ فيها أنصاره.

انْظُرُوا فِي سِيرَةِ الْأَوَّلِينَ، وَاعْتَبِرُوا بِعَاقِبَتِهِمْ؛ الَّذِينَ نَسُوا أَيَّامَ اللَّهِ وَكَفَرُوا بِآلَائِهِ، فَهَوَى سَيْفُ الشَّقَاءِ عَلَى رِقَابِهِمْ، وَوَقَعَ سَهْمُ الرَّدَى عَلَى صُدُورِهِمْ، فَدُمِّرُوا حَتَّى كَأَنَّهُمْ لَمْ يَكُونُوا قَطُّ فِي الْعَالَمِ! أَنْتُمُ الْآنَ قَدْ سَكَنْتُمْ فِي أَرَاضِيهِمْ، وَبَنَيْتُمُ الْبُيُوتَ عَلَى أَطْلَالِهِمْ، فَلَا تَسْلُكُوا مَسَالِكَهُمْ، وَلَا تَتَّبِعُوا سُنَنَهُمْ، فَيُصِيبُكُمْ مَا أَصَابَهُمْ، فَتُصْبِحُونَ عِبْرَةً لِلَّذِينَ مِنْ بَعْدِكُمْ، كَمَا هُمْ أَصْبَحُوا عِبْرَةً لَكُمْ! [الرسالة السادسة]

رسالة من جنابه يعظ فيها أنصاره.

أَنْبِئُونِي عَنْ زُهُورِ الْأَرْضِ، هَلْ تَنْمُو إِذَا غَشِيَهَا الْأَشْوَاكُ وَالْأَعْشَابُ الضَّارَّةُ؟! كَذَلِكَ أَنْتُمْ لَا تَنْمُونَ مَا دُمْتُمْ مُبْتَلِينَ بِالنَّزَوَاتِ وَالتَّعَلُّقَاتِ؛ لِأَنَّهَا تُوهِنُ قُوَّتَكُمْ وَتُضِيعُ وَقْتَكُمْ... كَمَا لَا يُسْكَبُ اللَّبَنُ فِي الْأَوْعِيَةِ الْقَذِرَةِ، لَا تُوضَعُ الْمَعْرِفَةُ فِي الْقُلُوبِ الْمُلَوَّثَةِ، وَكَمَا لَا يُلْقَى الْجَوْهَرُ فِي مَلْقَى الْزُّبَالَةِ، لَا تُودَعُ الْحِكْمَةُ فِي الصُّدُورِ الْمُدَنَّسَةِ؛ لِيَحْصُلَ الَّذِينَ نَبَذُوا الْفِكْرَ السَّيِّءَ مِنْ قُلُوبِهِمْ عَلَى الْمَعْرِفَةِ، وَيَصِلَ الَّذِينَ طَرَدُوا الشَّكَّ مِنْ صُدُورِهِمْ إِلَى الْحِكْمَةِ، وَيَبْقَى الَّذِينَ لَدَيْهِمْ شُكُوكٌ وَأَفْكَارٌ سَيِّئَةٌ فِي الْجَهْلِ وَالْغَفْلَةِ. [الرسالة السادسة]

رسالة من جنابه يعظ فيها أنصاره.

اسْتَمِعُوا لِقَوْلِي لِتَكْسِبُوا الْمَعْرِفَةَ، وَتَفَكَّرُوا فِيهِ لِتُؤْتَوُا الْحِكْمَةَ؛ فَإِنِّي أُرَبِّيكُمْ بِهِ كَمَا يُرَبِّي الْبُسْتَانِيُّ أَشْجَارَ الْفَاكِهَةِ، حَتَّى أَجْعَلَكُمْ جَمَاعَةً كَافِيةً لِخَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ. إِنَّكُمْ خُلِقْتُمْ لِلْآخِرَةِ وَلَمْ تُخْلَقُوا لِلدُّنْيَا؛ فَاعْمَلُوا لِلْآخِرَةِ وَلَا تَعَلَّقُوا بِالدُّنْيَا. إِنَّمَا مَثَلُكُمْ كَمَثَلِ رَاكِبِ الْبَحْرِ، إِذْ حَطَمَ الطُّوفَانُ سَفِينَتَهُ؛ فَتَعَلَّقَ بِخَشَبَةٍ حَتَّى نُبِذَ بِجَزِيرَةٍ مَجْهُولَةٍ. فَلَمَّا اسْتَعَادَ وَعْيَهُ وَسَارَ فِيهَا، عَلِمَ أَنَّ الْجَزِيرَةَ غَيْرُ مَسْكُونَةٍ وَفِيهَا وُحُوشٌ ضَارِيَةٌ، وَلَا يُوجَدُ فِيهَا الْمَاءُ وَالْغِذَاءُ إِلَّا نَزْرًا. أَتَرَوْنَهُ يَخْلُدُ إِلَى هَذِهِ الْجَزِيرَةِ وَيَتَلَهَّى بِتَشْيِيدِ الصُّرُوحِ كَأَنَّهُ سَيَبْقَى فِيهَا أَبَدًا، أَمْ يَكْتَفِي بِاتِّخَاذِ مَأْوًى وَيَشْتَغِلُ بِصُنْعِ السَّفِينَةِ وَجَمْعِ الزَّادِ لِيُنْجِيَ نَفْسَهُ؟! [الرسالة السادسة]

رسالة من جنابه يعظ فيها أنصاره.

إِنَّا نَعِيشُ فِي زَمَانٍ قَدْ كَثُرَتْ فِيهِ زِينَةُ الدُّنْيَا وَعَمَّتْ فِيهِ الْفِتْنَةُ وَالْبَلْوَى. لَقَدْ نَسِيَ النَّاسُ اللَّهَ وَنَسِيَهُمْ. فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ الْكَلِبِ، إِنَّمَا يُغَيِّرُ الدُّنْيَا الَّذِينَ لَمْ تُغَيِّرْهُمُ الدُّنْيَا... إِذَا انْشَغَلَ النَّاسُ بِالدُّنْيَا، فَانْشَغِلُوا أَنْتُمْ بِالْآخِرَةِ لِتَمْتَازُوا عَنْهُمْ. لَا تَحْزَنُوا عَلَى الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ الدُّنْيَا لَا تَحْزَنُ عَلَيْكُمْ. دَعُوهَا لِتَكُونَ مَرْعَى الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَلَا يَفْرُقُونَ بَيْنَ الْإِنْسَانِيَّةِ وَالْبَهِيمِيَّةِ. هُمْ لَهَا وَهِيَ لَهُمْ. مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ طِفْلٍ يَلْعَبُ فِي سَاحِلِ الْبَحْرِ، فَيَبْنِي لِنَفْسِهِ مِنَ الرِّمَالِ صُرُوحًا وَيَحْسَبُ أَنَّهَا سَتَبْقَى، فَيَأْتِيهَا مَوْجٌ بَغْتَةً وَيَهْدِمُهَا جَمِيعًا، فَيَأْسِفُ الطِّفْلُ وَيَنْظُرُ إِلَى الرِّمَالِ بِحَسْرَةٍ، كَمْ تَجَشَّمَ الْعَنَاءَ هَدَرًا! [الرسالة السادسة]

رسالة من جنابه يعظ فيها أنصاره.

أَيْنَ أَنْصَارِيَ الْحَقِيقِيُّونَ؟ أَيْنَ الَّذِينَ نَبَذُوا الدُّنْيَا وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ عَلَى مِثَالِ الْمَسِيحِ، وَتَحَرَّرُوا مِنْ كُلِّ تَعَلُّقٍ بِهَا؟ أَيْنَ الَّذِينَ كَانُوا رُفَقَاءَ الْمَوْتِ، وَيَرَوْنَ اللَّهَ حَاضِرًا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ؟ يَبْكُونَ مِنْ هَوْلِ النَّارِ كَأَنَّهُمْ ثَكَالَى! يَنْظُرُونَ إِلَى أَطْرَافِ السَّمَاءِ كَأَنَّهُمْ يَرَوْنَ الْمَلَائِكَةَ فِي أَرْجَائِهَا! يَعْبُدُونَ اللَّهَ وَيَجْتَنِبُونَ الطَّاغُوتَ. يُطِيعُونَ إِمَامَهُمْ، وَيَتَسَابَقُونَ فِي نُصْرَتِهِ. إِذَا رَأَيْتَهُمْ حَسِبْتَهُمْ زُبَرَ الْحَدِيدِ أَوْ جِبَالًا رَاسِيَةً! إِذَا هَاجَمُوا الْعَدُوَّ فِي صُفُوفِهِمْ، حَسِبْتَهُمْ يُثِيرُونَ إِعْصَارًا وَعَاصِفَةً رَمْلِيَّةً! كَانُوا يُرَاقِبُونَ سُلُوكَهُمْ، وَيَعْرِفُونَ مَقَامَ كُلِّ مَقَالٍ. مُتَحَلِّينَ بِمَكَارِمِ الْأَخْلَاقِ، وَمُتَنَزِّهِينَ عَنِ الرَّذَائِلِ الْكَبِيرَةِ. مَجْهُولِينَ فِي الْأَرْضِ وَمَعْرُوفِينَ فِي السَّمَاءِ. شُعْثًا غُبْرًا صُفْرًا. لَهُمْ فِي آنَاءِ اللَّيْلِ دَوِيٌّ كَدَوِيِّ النَّحْلِ! يَقْضُونَ اللَّيْلَ بِالصَّلَاةِ وَالْإِسْتِغْفَارِ وَقِرَاءَةِ الْقُرْآنِ، وَيَقْضُونَ النَّهَارَ بِالتَّعَلُّمِ وَالْجِهَادِ وَالسَّعْيِ فِي حَوَائِجِ النَّاسِ. لَا يَمَلُّونَ وَلَا يَرْتَابُونَ. رَحِمَهُمُ اللَّهُ. فَإِنَّهُمْ قَضَوْا نَحْبَهُمْ وَذَهَبُوا وَأَنْتُمُ الْآنَ بَقِيتُمْ لَنَا. فَاجْتَهِدُوا فِي أَنْ تَكُونُوا لَهُمْ خَلَائِفَ صَالِحِينَ، وَاقْتَدُوا بِهِمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ لَنْ تَرَوُا الْفَرَجَ حَتَّى تَكُونُوا كَذَلِكَ. [الرسالة السادسة]

في ذمّ علماء السوء الذين لا يؤيّدون دعوته إلى المهديّ.

وَيْلٌ لِلَّذِينَ غَاصُوا فِي النَّوَافِلِ غَوْصًا، لَكِنَّهُمْ غَافِلُونَ عَنْ أَوْجَبِ الْوَاجِبَاتِ! يَعْلَمُونَ نِصَابَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ، لَكِنَّهُمْ لَا يَدْرُونَ عِلَّةَ الْغَيْبَةِ! [يعني غيبة المهديّ] يَعْرِفُونَ سَهْمَ الْإِمَامِ مِنَ الْخُمْسِ، لَكِنَّهُمْ لَا يَذْكُرُونَ سَهْمَ الْإِمَامِ مِنَ الْحُكُومَةِ! يَعْتَبِرُونَ الصَّلَاةَ فِي مَكَانِ الْآخَرِينَ بَاطِلَةً، لَكِنَّهُمْ يَحْسَبُونَ الْحُكُومَةَ فِي مَكَانِ الْآخَرِينَ جَائِزَةً! يَرَوْنَ الْقَذَى فِي أَعْيُنِ النَّاسِ، لَكِنَّهُمْ لَا يَرَوْنَ الْجِذْعَ فِيهَا! يَنُشُّونَ الذُّبَابَ مِنْ أَظْهُرِ النَّاسِ، لَكِنَّهُمْ يَتْرُكُونَ الْجَمَلَ عَلَيْهَا! مَعَ أَنَّ مَنْ وَقَعَ الْفَأْسُ فِي رَأْسِهِ لَا يُبَالِي خَدْشَ بَنَانِهِ، وَمَنْ يَغْرَقُ فِي الْيَمِّ لَا يَهُمُّهُ ابْتِلَالُ لِبَاسِهِ! أَلَمْ يُؤْخَذْ عَلَيْهِمْ مِيثَاقٌ وَيَدْرُسُوا كِتَابَ اللَّهِ أَنْ لَا يَقُولُوا عَلَيْهِ إِلَّا الْحَقَّ، وَأَنْ لَا يَصُدُّوا عَنْ سَبِيلِهِ، وَأَنْ لَا يُعِينُوا الظَّالِمَ عَلَى الْمَظْلُومِ؟! فَوَيْلٌ لَهُمْ مِنْ خِزْيٍ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا، وَوَيْلٌ لَهُمْ مِنْ نَارٍ قَدْ أُوقِدَتْ لَهُمْ. [القول ٢٩]

في بيان أنّ العقل موهبة إلهيّة غير مكتسبة، لكنّ استخدامه واجب على صاحبه.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الْعَقْلِ أَهُوَ مَوْهُوبٌ مِنَ اللَّهِ أَوْ لِلنَّاسِ فِيهِ صُنْعٌ؟ قَالَ: بَلْ هُوَ مَوْهُوبٌ مِنَ اللَّهِ وَلَيْسَ لِلنَّاسِ فِيهِ صُنْعٌ، قُلْتُ: فَلِمَاذَا ذَمَّ اللَّهُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ؟! قَالَ: أَيْنَ ذَهَبْتَ يَا فُلَانُ؟! إِنَّ اللَّهَ قَدْ وَهَبَ لَهُمْ عَقْلًا وَأَمَرَهُمْ بِاسْتِعْمَالِهِ، فَلَمْ يَسْتَعْمِلُوهُ، فَذَمَّهُمْ عَلَى تَرْكِ الْإِسْتِعْمَالِ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَهُ: ﴿لَهُمْ قُلُوبٌ لَّا يَفْقَهُونَ بِهَا، وَقَوْلَهُ: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا؟! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي أُحِبُّ أَنْ أَزْدَادَ عَقْلًا! قَالَ: يَا فُلَانُ، إِنَّكَ لَمْ تَسْتَعْمِلْ عَقْلَكَ كُلَّهُ حَتَّى تَحْتَاجَ إِلَى زِيَادَةٍ، لَا وَاللَّهِ بَلْ لَمْ تَسْتَعْمِلْ مِنْهُ جُزْءًا مِنَ السَّبْعِينَ، فَلَعَلَّكَ إِنْ تَسْتَعْمِلْهُ لَنْ تَحْتَاجَ إِلَى زِيَادَةٍ، لِأَنَّ اللَّهَ قَسَّمَ الْعَقْلَ عَلَى قَدْرِ حَاجَةٍ بِهِ، وَلَمْ يَنْقُصْ مِنْهُ وَلَمْ يَزِدْ عَلَيْهِ، وَجَعَلَ لِكُلِّ شَيْءٍ قَدَرًا مَقْدُورًا، فَاسْتَعْمِلْ عَقْلَكَ يُغْنِيكَ إِنْ شَاءَ اللَّهُ، وَإِنِ احْتَجْتَ بَعْدَهُ إِلَى شَيْءٍ فَاسْتَعِنْ بِعَقْلِ أَخِيكَ، فَإِنَّ اللَّهَ فَضَّلَ الْعُقُولَ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ، لِيَسْتَعِينَ بَعْضُهَا بِبَعْضٍ، وَيَكُونَ بَعْضُهَا تَبَعًا لِبَعْضٍ، وَجَعَلَ عَقْلَ خَلِيفَتِهِ فِي الْأَرْضِ أَكْمَلَ الْعُقُولِ لِيَكُونَ مَصِيرَهَا وَمَأْوَاهَا، فَلَوْ أَنَّ رَجُلًا اسْتَعْمَلَ عَقْلَهُ حَقَّ اسْتِعْمَالِهِ وَاتَّبَعَ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ حَقَّ اتِّبَاعِهِ، لَكَانَ كَمَنْ عَقْلُهُ كَامِلٌ لَا نُقْصَانَ فِيهِ وَلَا عَاهَةَ! [القول ٣٠]

في بيان أنّ العامل من يعمل على عقل، لا عادة ولا شهوة ولا تقليد.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا -وَهُوَ رَافِعٌ كَفَّيْهِ إِلَى السَّمَاءِ- قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَمْ أَرَ أَعْلَمَ مِنَ الْمَنْصُورِ بِمَا أَنْزَلْتَهُ، وَلَا أَرْحَمَ مِنْهُ بِمَنْ خَلَقْتَهُ! كُنْتُ مَعَهُ وَنَحْنُ عَلَى شَاطِئِ جَيْحُونَ، فَأَخَذَ بِيَدِي وَقَالَ: يَا بُنَيَّ! اسْتَعْمِلِ الْعَقْلَ فِي أُمُورِكَ كُلِّهَا، وَلَا يَغْلِبَنَّكَ عَلَيْهِ عَادَةٌ وَلَا شَهْوَةٌ وَلَا تَقْلِيدٌ، وَقَالَ: اعْمَلْ عَلَى عَقْلٍ تُعَدُّ عَامِلًا، وَلَا تَعْمَلْ عَلَى عَادَةٍ وَلَا شَهْوَةٍ وَلَا تَقْلِيدٍ، فَإِنَّ مَنْ عَمِلَ عَلَى شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ كَانَ عَمَلُهُ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ، لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ، إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ: ﴿وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَّنْثُورًا. [القول ٣١]

في الإستجارة بالمسلمين، ليتمكّن من تعليمهم والتمهيد لظهور المهديّ.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّكُمْ تُرِيدُونَ أَنْ تَقْتُلُونِي كَمَا قَتَلْتُمُ الصَّالِحِينَ مِنْ قَبْلِي، فَلَا تَفْعَلُوا، فَإِنِّي وَاللَّهِ لَوْ بَقِيتُ فِيكُمْ لَأَشْحَذَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ، أَجْلِي بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارَهُمْ، وَأَرْمِي بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهِمْ، وَأَسْقِيهِمْ كَأْسَ الْحِكْمَةِ حَتَّى يَمْتَلِئُوا! أَلَا إِنِّي أَخْتَارُ خِيَارَكُمْ لِلْمَهْدِيِّ كَمَا يَخْتَارُ النَّحْلُ لِيَعْسُوبِهَا خِيَارَ الْأَزَاهِيرِ! ثُمَّ قَالَ: اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَا أَمْلِكُ مِنَ الدُّنْيَا ثَمَنَ نَعْلَيْنِ، وَلَوْ كَانَ لِي نِصْفُ الدُّنْيَا لَأَنْفَقْتُهُ فِي سَبِيلِكَ. [الفقرة ١ من القول ٣٢]

في الإستجارة بالمسلمين، ليتمكّن من تعليمهم والتمهيد لظهور المهديّ.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: إِنَّ الْمَنْصُورَ لَقِيَ بَلَاءً وَتَطْرِيدًا، وَإِنِّي رَأَيْتُهُ فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَسْوَاقِ وَهُوَ خَائِفٌ مُتَرَقِّبٌ يَمْشِي وَيَقُولُ: مَنْ يَعْصِمُنِي حَتَّى أُعَلِّمَ النَّاسَ الْقُرْآنَ كَمَا أُنْزِلَ وَأَعْمَلَ بِمَا فِيهِ؟! أَمَّنْ يُجِيرُنِي حَتَّى أَتَكَلَّمَ بِكَلِمَةٍ فِيهَا بَلَاغٌ لِقَوْمٍ عَابِدِينَ؟! أَمَّنْ يُعِينُنِي حَتَّى أُبَيِّنَ أُمُورًا وَأُغَيِّرَ أُخْرَى؟! اللَّهُمَّ إِنَّكَ تَعْلَمُ أَنِّي لَوْ ثَبَتَتْ لِي قَدَمَايَ لَوَطَّئْتُ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ سُلْطَانَهُ [يعني للمهديّ]. [الفقرة ٣ من القول ٣٢]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: زَعَمَ بَعْضُ الْكَارِهِينَ لِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ أَنَّ حَدِيثَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَنَّ أَهْلَ بَيْتِهِ هُمْ أَمَانٌ لِأَهْلِ الْأَرْضِ حَدِيثٌ مَوْضُوعٌ، وَلَيْسَ كَمَا زَعَمُوا، بَلْ هُوَ حَدِيثٌ صَحِيحٌ يُوَافِقُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَيُوَافِقُ الْعَقْلَ، كَمَا صَحَّحَهُ الْحَاكِمُ [ت٤٩٥ه‍] فِي «الْمُسْتَدْرَكِ»، وَالْمَوْضُوعُ حَدِيثٌ صَحَّحُوهُ لِيُعَارِضُوا بِهِ الْحَقَّ، وَفِيهِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «أَصْحَابِي أَمَنَةٌ لِأُمَّتِي، فَإِذَا ذَهَبَ أَصْحَابِي أَتَى أُمَّتِي مَا يُوعَدُونَ»، وَهُوَ حَدِيثٌ بَاطِلٌ يُخَالِفُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ، وَيُخَالِفُ الْعَقْلَ؛ لِأَنَّهُ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِـ«مَا يُوعَدُونَ» الْعَذَابَ أَوِ السَّاعَةَ فَلَمْ يَأْتِيَا أُمَّتَهُ إِذْ ذَهَبَ أَصْحَابُهُ، وَإِنْ أَرَادَ بِذَلِكَ الْإِخْتِلَافَ فَقَدْ أَتَاهُمْ وَأَصْحَابُهُ فِيهِمْ، بَلْ أَصْحَابُهُ أَسَّسُوا بُنْيَانَهُ بِاخْتِلَافِهِمْ فِيمَا بَيْنَهُمْ، وَمَا كَانَ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يَقُولَ مَا لَيْسَ بِحَقٍّ، وَلَمْ يَقُلْهُ، وَالْحَدِيثُ رَوَاهُ أَبُو بُرْدَةَ بْنُ أَبِي مُوسَى، وَهُوَ رَجُلُ سَوْءٍ يُبْغِضُ عَلِيًّا وَيُوَالِي أَعْدَاءَهُ، وَقَدْ شَهِدَ عَلَى حُجْرِ بْنِ عَدِيٍّ الْكِنْدِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ بِأَمْرٍ مِنْ زِيَادِ بْنِ أَبِيهِ، وَالظَّنُّ أَنَّهُ حَرَّفَ الْحَدِيثَ بُغْضًا لِأَهْلِ الْبَيْتِ، وَالْجَاهِلُ مَنْ أَمِنَهُ عَلَى مِثْلِ هَذَا الْحَدِيثِ، وَالصَّحِيحُ مَا جَاءَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَهْلِ بَيْتِهِ الَّذِينَ أَذْهَبَ اللَّهُ عَنْهُمُ الرِّجْسَ وَطَهَّرَهُمْ تَطْهِيرًا، وَقَدْ جَاءَ مِنْ طَرِيقِ عَلِيٍّ وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ وَسَلَمَةَ بْنِ الْأَكْوَعِ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبَّاسٍ وَأَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ وَأَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ. [الباب ١، الدرس ٨٢]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

دروس السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى غايتها تزكية الناس وتعليمهم الكتاب والحكمة، وأساسها ومحورها القرآن والسنّة، وموضوعها العقائد والأحكام والأخلاق الإسلاميّة، وقد اخترنا منها ما يتعلّق بأهمّ القضايا وأشدّها ابتلاءً في زماننا، ورتّبناها بما يسهّل على القارئ المراجعة والمطالعة، وعلّقنا عليها بذكر المصادر وشيء من التوضيح عند الإقتضاء. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

كلّ درس يتعلّق بقضيّة عقائديّة أو فقهيّة أو أخلاقيّة، ويتألّف من ثلاثة أبواب:

• الباب الأوّل بيان ما نزل في القرآن ممّا يتعلّق بالقضيّة، وفيه تفاسير قيّمة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى استخرجناها من أقواله الطيّبة، تبيّن معاني الآيات بما يشفي الصدور ويخرج الناس من الظلمات إلى النور.

• الباب الثاني بيان ما صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه نكات دقيقة وتوضيحات مفيدة من السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى، تبيّن معاني الأحاديث وحال الرواة وأقوال العلماء.

• الباب الثالث بيان ما صحّ عن أهل البيت ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته، وفيه مثل ما في الباب الثاني. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أمّا قاعدة السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى فهي حجّيّة الخبر المتواتر وعدم حجّيّة خبر الواحد، والخبر المتواتر عنده ما يرويه في كلّ طبقة أكثر من أربعة رجال، بشرط أن لا يكونوا قرناء، ولا يتناقضوا في المعنى، ولا يكون ما يروونه مخالفًا لكتاب اللّه أو الثابت من سنّة النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أو العقل السليم، وأمّا ما يرويه في كلّ طبقة أربعة رجال فهو عنده في حكم المتواتر أيضًا، بشرط أن يكونوا عدولًا، بالإضافة إلى الشروط السابقة، وهذا ما يوجب النظر في حال الرواة إذا لم يتجاوزوا أربعة رجال، وأمّا النظر في حالهم إذا كانوا أقلّ من ذلك أو أكثر فهو ما يفعله السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى على سبيل الإلزام؛ لأنّ جمهور المسلمين يقولون بحجّيّة خبر الواحد إذا كان ثقة أو صدوقًا، وربما لا يعتبرون خبر خمسة رجال متواترًا، فيختار السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى ما يرويه ثقاتهم وأهل الصدق عندهم ليكون حجّة عليهم ولعلّهم يهتدون. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أمّا شرطه في اختيار الأحاديث، فهو بعد موافقة معناها لكتاب اللّه والثابت من السنّة والعقل السليم، اشتهار رواتها بالوثاقة أو الصدق عند أصحابهم دون مخالفيهم؛ كما يبيّن ذلك بالتفصيل في ترجمة جابر بن يزيد الجعفيّ، فيقول: «الْمُعْتَمَدُ حَالُ الرَّجُلِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِحَالِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ سَائِرِ النَّاسِ إِذَا خَالَفَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَدُ مِنْهُ وَقَدْ يَقُولُونَ فِيهِ شَنَآنًا لِمَذْهَبِهِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ: <أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟> فَقَالُوا: <خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَعَالِمُنَا وَابْنُ عَالِمِنَا>، فَقَبِلَ قَوْلَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، فَوَقَعُوا فِيهِ وَقَالُوا: <شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا>، فَلَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُمْ فِيهِ بَعْدَ أَنْ خَالَفُوهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قُبِلَ قَوْلُ الْمُخَالِفِينَ فِي الْمَذْهَبِ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْحَدِيثِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ يُسِيئُونَ الْقَوْلَ فِي الْأُخْرَى؛ كَمَا تَرَى الشِّيعَةَ لَا يُبَالُونَ بِمَا يَرْوِيهِ السُّنَّةُ إِلَّا مَا يَتَّخِذُونَهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَتَرَى السُّنَّةَ لَا يَنْظُرُونَ فِيمَا يَرْوِيهِ الشِّيعَةُ إِلَّا تَعَجُّبًا وَاسْتِهْزَاءً، وَكِلَاهُمَا قَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِكُلِّ مَا يَرْوِيهِ الْمُسْلِمُونَ مُوَافِقًا لِكِتَابِ اللَّهِ إِذَا كَانُوا مِنَ الْمَعْرُوفِينَ بِالصِّدْقِ عِنْدَ أَصْحَابِهِمْ دُونَ تَعَصُّبٍ لِأَحَدٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ». [المقدّمة]

إنّما يحرم إعانة الظالمين والدخول في أعمالهم؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ وأمّا قبول هداياهم وجوائزهم إذا لم يسألوا بإزائها شيئًا فجائز للمؤمنين؛ لأنّه ليس بإعانتهم ولا الدخول في أعمالهم، بل هو أخذ بعض ما في أيديهم لردّه إلى أهله ووضعه في موضعه؛ كما روي أنّ سعيد بن العاص بعث إلى علي عليه السلام بهدايا فقبلها وقال: خذ ما أعطوك، وروي أنّه قال: لا تسأل السلطان شيئًا وإن أعطى فخذ، وروي أنّ الحسن والحسين عليهما السلام كانا يقبلان جوائز معاوية... وقال ابن عبد البر: قبل جوائز الأمراء جمهور العلماء. وروى عمر بن شيبة البحتري في كتاب القضاء أنّ الحسن البصري وابن سيرين والشعبي دخلوا على عمر بن هبيرة، فأمر لكلّ واحد منهم بألف درهم ألف درهم وأمر للحسن بألفي درهم، فقبض الحسن جائزته وأبى ابن سيرين أن يقبض، فقال لابن سيرين: ما لك لا تقبض؟ قال: حتّى يعمّ الناس، فقال الحسن: اللّه لو عرض لك ولي لصّ فأخذ ردائي ورداءك، ثم بدا له أن يردّ عليّ ردائي كنت أقول لا أقبل ردائي حتّى تردّ على ابن سيرين رداءه؟! كنت أحبّ أن تكون أفقه ممّا أنت يا ابن سيرين. نعم، يبعث بخمس هداياهم وجوائزهم إلى خليفة اللّه في الأرض وإن كان غائبًا فإلى من يمهّد لظهوره؛ لأنّها شيء يغنمه الإنسان وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، والغُنم هو الفوز بالشيء من غير مشقّة... [السؤال والجواب ٣٤٩]

لقد فرض اللّه الخمس في كلّ ما يغنمه الإنسان؛ كما قال تعالى: ﴿وَاعْلَمُوا أَنَّمَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَأَنَّ لِلَّهِ خُمُسَهُ وَلِلرَّسُولِ وَلِذِي الْقُرْبَى وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ، ولا شكّ أنّ ﴿مَا غَنِمْتُمْ مِنْ شَيْءٍ في قوله تعالى عامّ، وإن نزل في شأن غنائم الحرب؛ لأنّ شأن النزول ليس مخصّصًا، والقرآن لا يُخصَّص بالروايات، ولذلك يجب الخمس في كلّ ما يغنمه الإنسان، وهو كلّ مال مرغوب فيه يناله بلا عوض أو توقّع أو استحقاق، وقد أحصاه السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في رسالة له، فقال: «اعْلَمْ يَرْحَمُكَ اللَّهُ أَنَّ كُلَّ مَا يَرْزُقُكَ اللَّهُ مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُ فَفِيهِ الْخُمْسُ، كَالْغَنِيمَةِ، وَالْكَنْزِ، وَالْمَعْدِنِ، وَالْحِلْيَةِ الَّتِي تَسْتَخْرِجُهَا مِنَ الْبَحْرِ، وَالْهِبَةِ، وَالْجَائِزَةِ، وَالْفَائِدَةِ الْكَبِيرَةِ الَّتِي تَفْضُلُ عَنْ مَؤُونَتِكَ، وَالْمِيرَاثِ الَّذِي لَا تَحْتَسِبُهُ مِنَ الْبَعِيدِ، وَالْمَالِ الَّذِي تَكْنِزُهُ فَلَا تَأْكُلُ مِنْهُ وَلَا تُنْفِقُهُ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِذَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ، فَعَلَيْكَ فِي ذَلِكَ الْخُمْسُ تُخْرِجُهُ إِلَى خَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَالْيَتَامَى وَالْمَسَاكِينِ وَابْنِ السَّبِيلِ مِنْ آلِ هَاشِمٍ، إِنْ كُنْتَ آمَنْتَ بِاللَّهِ وَمَا أَنْزَلَ عَلَى عَبْدِهِ يَوْمَ الْفُرْقَانِ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ، وَاللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ»... ثمّ يستحبّ لكلّ مؤمن أن يخصّص خمس أمواله كلّها للّه وخليفته في الأرض، وهذا ما اعتبره السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى «سرًّا من أسرار آل محمّد»؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال: «قَالَ لِيَ الْمَنْصُورُ: أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى سِرٍّ مِنْ أَسْرَارِ آلِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟! قُلْتُ: بَلَى، قَالَ: اجْعَلْ خُمْسَ مَالِكَ لِلَّهِ وَخَلِيفَتِهِ فِي الْأَرْضِ، فَإِنَّ مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ مُخْلِصًا لَكَانَ مِنْ أَصْحَابِ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ -يَعْنِي عَلِيًّا- عَلَيْهِ السَّلَامُ». [السؤال والجواب ١٦٨]

«العقيقة» هي أن يذبح الوالد عن ولده في اليوم السابع من ولادته قربانًا للّه تعالى، وقد اختلف الفقهاء في حكمها اختلافًا كبيرًا؛ فقال الجمهور أنّها سنّة مستحبّة، وقال أهل الظاهر وبعض الإماميّة أنّها واجبة، وقال طائفة أنّها من أمر الجاهليّة، إذ ظنّوا أنّ ما ورد فيها خبر واحد، والمحكيّ عن أبي حنيفة أنّها بدعة، فلعلّه أراد ما قال تلك الطائفة؛ لأنّها لم تكن أمرًا محدثًا؛ كما قال يحيى بن سعيد الأنصاريّ (ت١٤٣هـ): «أَدْرَكْتُ النَّاسَ وَمَا يَدَعُونَ الْعَقِيقَةَ عَنِ الْغُلَامِ وَالْجَارِيَةِ»، وقال مالك بن أنس (ت١٧٩هـ) في الموطأ: «هِيَ مِنَ الْأَمْرِ الَّذِي لَمْ يَزَلِ النَّاسُ عَلَيْهِ عِنْدَنَا»... ولذلك يقول المحقّقون من الأحناف أنّها ليست سنّة، ولا يقولون أنّها بدعة، ومرادهم أنّها من العادات المباحة، كما يذكرون عن محمّد بن الحسن الشيباني صاحب أبي حنيفة أنّه قال فيها: «مَنْ شَاءَ فَعَلَ وَمَنْ شَاءَ لَمْ يَفْعَلْ»... ولا يخفى ما في هذا من التكلّف؛ لأنّ الذبح ليس من العادات المباحة، بل هو عبادة لا محالة لضرورة أن يكون للّه، وعليه فلا تخلو العقيقة من أن تكون واجبة أو مستحبّة، ولا شكّ في استحباب الذبح للّه تعالى عقب كلّ نعمة فوق عادة شكرًا، والولد السويّ نعمة فوق عادة، ولذلك أقلّ حكم العقيقة الإستحباب بالنظر إلى العمومات والإطلاقات، بل الحقّ ما ذهب إليه أهل الظاهر وبعض الإماميّة من وجوبها على المستطيع، لا بسبب الأحاديث الواردة فيها فقطّ، بل بسبب قول اللّه تعالى: ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ۝ فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ؛ لأنّ «الكوثر» هو الخير الكثير، ومن أكبر مصاديقه الولد السويّ، بل قيل أنّه المراد في الآية بقرينة قول اللّه تعالى: ﴿إِنَّ شَانِئَكَ هُوَ الْأَبْتَرُ، ولذلك يجب على الوالد أن يشكر اللّه تعالى بالصلاة والذبح إذا ولد له ولد سويّ. [السؤال والجواب ٨٥]

لا ينبغي الشكّ في أنّ استعمال المخدّرات حرام؛ لأنّه من ناحية يُدخل على الجسد أضرارًا خطيرة ومهلكة، في حين أنّ اللّه تعالى قال: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ، وقال: ﴿غَيْرَ مُضَارٍّ، واشتهر عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ»، ومن ناحية أخرى يعتبر مثالًا على إضاعة المال، في حين أنّ اللّه تعالى قال: ﴿وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا ۝ إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ ۖ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُورًا، وثبت عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه نهى عن إضاعة المال... بل يمكن إدراج المخدّرات تحت الخمر موضوعًا أو حكمًا؛ لأنّ كثيرها يخمّر العقل، أي يحجبه عن التعقّل بشكل عاديّ وطبيعيّ، وهذا هو معنى السّكر، وقد جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «كُلُّ مُسْكِرٍ خَمْرٌ، وَمَا أَسْكَرَ كَثِيرُهُ فَقَلِيلُهُ حَرَامٌ»... لا مجال للتشكيك والمناقشة في حرمة التدخين كحرمة استعمال المخدّرات؛ لأنّه أيضًا يؤدّي إلى الأمراض المهلكة، ويعتبر مثالًا على إضاعة المال... يُعلم ممّا تقدّم أنّ البيع والشراء للمخدّرات وما يستعمل في التدخين غير جائز؛ لأنّ القاعدة في الإسلام حرمة البيع والشراء لكلّ ما لا يجوز استعماله، نظرًا لقول اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ... بناء على هذا، فإنّ من يبيع المخدّرات وآلات التدخين لا يستحقّ ثمنها، وإن أخذه فقد أخذ ما لا يحلّ له وأكَل أموال الناس بالباطل. [السؤال والجواب ٧٨]

الربا نوعان: أحدهما تبادل سلعتين من جنس واحد مع تفاضل إحداهما على الأخرى، والآخر إيداع المال لشخص بشرط أن يردّه مع فائدة معيّنة أو قطعيّة، وعليه فإنّ كلّ فائدة معيّنة أو قطعيّة يشترطها البنك للمودع بالنسبة إلى ما أودعه فهي ربا محرّم في كتاب اللّه تعالى... بل الحقيقة أنّ كلّ معاملة مع البنك في الوقت الحاضر غير جائزة إلا في حالات الضرورة؛ لأنّ البنك في هيكله الحاليّ ليس له أصل في الإسلام ويعتبر من بدع الكافرين، ودائمًا قد عمل في إطار سياساتهم الإقتصاديّة وأعان على سيطرتهم على ثروات العالم واتّكال المسلمين عليهم... من هنا يعلم أنّ من لديه رأس مال يجب أن لا يضعه في بنوك الظالمين إن كان يؤمن باللّه واليوم الآخر. [السؤال والجواب ٧٢]

روى زيد بن أرقم وجعفر بن أبي طالب وواثلة وأمّ سلمة وصفيّة أنّ فقرة ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا نزلت مفردة في بيت أمّ سلمة كقضيّة خارجيّة ولم تنزل مع فقرة ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلَا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ۖ وَأَقِمْنَ الصَّلَاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ، وهذا يدلّ على أنّهما آيتان منفصلتان، وإنّما تمّ جمعهما في الكتابة؛ نظرًا إلى أنّ ترتيب كتابة الآيات لا يلازم ترتيب نزولها، وممّا يقوّي هذا اختلاف الضمير في الفقرتين؛ فإنّ الضمير في فقرة ﴿وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ... هو ضمير مخاطب لجمع المؤنّث والضمير في فقرة ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا هو ضمير مخاطب لجمع المذكّر؛ كما أشار إلى ذلك الطحاويّ (ت٣٢١ه‍) في شرح مشكل الآثار إذ قال بعد ذكر الروايات: «دَلَّ مَا رَوَيْنَا مِمَّا كَانَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ أَنَّ الْمُرَادِينَ بِمَا فِيهَا هُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَعَلِيٌّ، وَفَاطِمَةُ، وَحَسَنٌ، وَحُسَيْنٌ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ دُونَ مَنْ سِوَاهُمْ، فَإِنْ قَالَ قَائِلٌ: فَإِنَّ كِتَابَ اللَّهِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَزْوَاجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ هُمُ الْمَقْصُودُونَ بِتِلْكَ الْآيَةِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ قَبْلَهَا فِي السُّورَةِ الَّتِي هِيَ فِيهَا: ﴿يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ إِنْ كُنْتُنَّ إِلَى قَوْلِهِ: ﴿الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى ثُمَّ قَالَ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ، فَكَانَ جَوَابُنَا لَهُ أَنَّ الَّذِي تَلَاهُ إِلَى آخِرِ مَا قَبْلَ قَوْلِهِ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ خِطَابٌ لِأَزْوَاجِهِ، ثُمَّ أَعْقَبَ ذَلِكَ بِخِطَابِهِ لِأَهْلِهِ بِقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ فَجَاءَ عَلَى خِطَابِ الرِّجَالِ؛ لِأَنَّهُ قَالَ فِيهِ: ﴿لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ وَهَكَذَا خِطَابُ الرِّجَالِ، وَمَا قَبْلَهُ فَجَاءَ بِهِ بِالنُّونِ وَكَذَلِكَ خِطَابُ النِّسَاءِ فَعَقَلْنَا أَنَّ قَوْلَهُ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ خِطَابٌ لِمَنْ أَرَادَهُ مِنَ الرِّجَالِ بِذَلِكَ لِيُعْلِمَهُمْ تَشْرِيفَهُ لَهُمْ وَرِفْعَتَهُ لِمِقْدَارِهِمْ أَنْ جَعَلَ نِسَاءَهُمْ مَنْ قَدْ وَصَفَهُ لِمَا وَصَفَهُ بِهِ مِمَّا فِي الْآيَاتِ الْمَتْلُوَّاتِ قَبْلَ الَّذِي خَاطَبَهُمْ بِهِ تَعَالَى»، وهذا لم يكن قول الطحاويّ فقطّ، بل نسبه ابن عطيّة (ت٥٤٢ه‍) إلى الجمهور وقال بعد الإشارة إلى الروايات: «وَمِنْ حُجَّةِ الْجُمْهُورِ قَوْلُهُ: <عَنْكُمُ وَيُطَهِّرَكُمْ> بِالْمِيمِ، وَلَوْ كَانَ النِّسَاءُ خَاصَّةً لَكَانَ عَنْكُنَّ». [الشبهة والرّدّ ١١]

إنّ المنصور الهاشمي الخراساني لا يعبد إله ابن حامد وابن تيمية وابن عبد الوهاب وأمثالهم؛ الإله الذي يوجد في الأعلى ولا يوجد في الأسفل وله عينان وأذنان ويدان وقدمان وعشرة أصابع حقيقيّة ويتنقّل من مكان إلى آخر ويمكن رؤيته بالعين مثل القمر في السماء وهو مثال كامل على اللات وهبل والعزّى مستتر في حجاب «بلا كيف»! لكنّه يعبد إله إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وعيسى وموسى الذي قال: ﴿رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ، فردّ عليه: ﴿لَنْ تَرَانِي، فتاب من توقّعه: ﴿قَالَ سُبْحَانَكَ تُبْتُ إِلَيْكَ؛ الإله الذي أهلك سبعين رجلًا من بني اسرائيل بالصاعقة لأنهم أرادوا رؤيته بأعينهم: ﴿فَقَالُوا أَرِنَا اللَّهَ جَهْرَةً؛ لأنّه ﴿لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ ۖ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ؛ الإله الذي أينما توجّهت فهو هناك، وليس وجوده محدودًا بالأمكنة والجهات؛ كما قال: ﴿فَأَيْنَمَا تُوَلُّوا فَثَمَّ وَجْهُ اللَّهِ وقال: ﴿وَهُوَ مَعَكُمْ أَيْنَ مَا كُنْتُمْ؛ الإله الذي لا ينتقل من مكان إلى آخر ولا يعتمد على مخلوقه ولا يمكن تجزئته إلى الأعضاء ولا يتّصف بصفات الإنسان؛ كما قال: ﴿لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ ۖ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ؛ الاله الذي لا يسعه وصف ولا يحيط به وهم وسبحانه وتعالى عن كلّ ما يمكن تصوّره؛ كما قال: ﴿مَا قَدَرُوا اللَّهَ حَقَّ قَدْرِهِ وقال: ﴿سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَمَّا يَصِفُونَ؛ الإله الذي له الأسماء الحسنى كلّها، دون أن يؤدّي تعدّد أسمائه إلى تعدّد ذاته أو انقسامها؛ كما قال: ﴿اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ۖ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى؛ فإنّ الصفتين «البصير» و«السميع» لا تحوّلانه إلى شخصين ولا تخلقان له جزأين، بل هو سميع بذاته وبصير بذاته والسمع والبصر اعتباران لصفة واحدة له وهي «العلم»؛ لأنّه لا سبيل للتعدّد إلى وجوده وهو منزّه عن أيّ كثرة في ذاته؛ كما قال: ﴿قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ وقال: ﴿وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ. [الشبهة والرّدّ ١١]

إنّ المنصور الهاشمي الخراساني يعبد ربّ محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولا يشرك به في التكوين والتشريع والتحكيم؛ بمعنى أنه يعتقد بوحدانيّته في خلق الكائنات ورزقها وتدبيرها ولا يسلم لشريعة غير شريعته ولا لحكومة غير حكومته، ويعتقد أنّ حكومته هي حكومة من يحكم بإذنه، وإن كان أكثر الناس لا يعلمون... الإله الذي بيده التشريع ولا يوجب ولا يحرّم شيئًا إلا هو؛ كما قال: ﴿أَمْ لَهُمْ شُرَكَاءُ شَرَعُوا لَهُمْ مِنَ الدِّينِ مَا لَمْ يَأْذَنْ بِهِ اللَّهُ؛ الإله الذي بيده الحكومة ولا ينصّب ولا يعزل حاكمًا إلا هو؛ كما قال: ﴿قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ؛ فلا شريك له في الحكومة؛ كما قال: ﴿وَلَمْ يَكُنْ لَهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ! هذا هو إله محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وإله إبراهيم وآل إبراهيم وهذا هو إله المنصور الهاشمي الخراساني حامل لواء التوحيد في العصر الحاضر بالنداء التوحيدي «البيعة للّه». [الشبهة والرّدّ ١١]

اعلم أنّ المنصور يسعى لجمع مسلمي العالم كافّة حول المهديّ عليه السلام بالإعتماد على اليقينيّات الإسلاميّة، وينبغي لك أن تعاونه في هذا العمل الصالح والمبارك، وأن لا تجعل الأمر أكثر صعوبة عليه بالضرب على طبل التكفير والنفخ في نار التفرقة. إنّا ندعوك وسائر مسلمي العالم إلى «العودة إلى الإسلام الخالص والكامل»؛ لأنّها تمهيد لظهور المهديّ، وظهور المهديّ تمهيد لامتلاء الأرض بالعدل والقسط بعد امتلائها بالظلم والجور، وهذه سعادة ليس فوقها سعادة. فالتحقوا بالمنصور الهاشمي الخراساني وانصروه في هذه النهضة الإسلاميّة العظيمة واسمحوا له بتحويل خلافاتكم القديمة إلى اتّحاد في ضوء حاكميّة المهديّ عليه السلام. [الشبهة والرّدّ ١١]

يعتقد المنصور الهاشمي الخراساني أنّ «أكبر خطأ في العالم الحاليّ» ليس «تسليم حكومة البلاد إلى رجال الدّين» فحسب، ولكن تسليم حكومة البلاد إلى جميع الذين لم يعتبرهم خالق العالم أهلًا للحكومة، ومنهم رجال الدّين؛ بالنظر إلى أنّ خالق العالم هو الشخص الأكثر استحقاقًا لإدارته، وهو يفعل ذلك بتقديم «الإنسان الكامل» كخليفة له. نعم، بالطبع إن كنت لا تؤمن بوجود اللّه، فعليك أن تؤمن بوجوده نظرًا إلى آياته في السماء والأرض والنظام الذي وسع كلّ شيء والحركات الإيقاعيّة التي تحكم الطبيعة، ولكن إن كنت تؤمن بوجوده فعليك أن تذعن بهذه الحقيقة المحقّقة أنّ حكم العالم له وحده، وأنّ الإنسان لا يستحقّ أن يحكم الإنسان. إنّ تحقيق العدالة في العالم هو مرهون بتحقيق حاكميّة اللّه عليه، وتتحقّق حاكميّة اللّه عليه عندما يستولي خليفته فيها على الحكم، ويستولي خليفته فيها على الحكم عندما يترك أمثالك رجال الدّين ورجال غير الدّين، ويكفّون عن التردّد بينهما -بين الجبت والطاغوت-، ويحوّلون وجوههم منهما إلى «الإنسان الكامل» -خليفة اللّه في الأرض-، ويمدّون يد الحاجة إلى عتبة بابه، ويخضعون له معترفين بعجزهم، ويطلبون منه أن يمنّ عليهم بالعفو عن تقصيرهم الذي أصرّوا عليه لأكثر من ألف عام، ويقبل الحكم عليهم ليخلّصهم من الذلّة والمسكنة، ويقودهم إلى العزّة والسعادة. هذا هو السبيل الوحيد لنجاتكم، وأيّ سبيل آخر هو سبيل الهلاك، سواء كنتم تسمّونه دينًا أو كفرًا؛ لأنّه بدون اللّه وخليفته في الأرض، لا يوجد فرق ملحوظ بين الدّين والكفر، ومن لا يبايع اللّه وخليفته في الأرض، فليبايع إن شاء رجال الدّين وإن شاء رجال غير الدّين، بل إن شاء فحجرًا وإن شاء فخشبًا؛ لأنّ ذلك سواء بالنسبة له! [الشبهة والرّدّ ١٢]

العصر المقلوب
إلياس الحكيمي

يا له من أمر مؤلم أن تعطي هذا الكتاب لمن يبدو أهل دراسة وبحث ويدّعي أنّه طالب علم وتقول له: اقرأه، فإنّه أنفع كتاب يمكن أن تقرأه في حياتك، فيقول لك: ما اسم مؤلّفه؟! ما هو مذهبه؟! ما هي درجته؟! أين درس ومن صدّقه من العلماء المشهورين؟! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الهامشيّة والسطحيّة! يا له من أمر مدهش أن تسأل عالمًا وهو أهل التدريس والوعظ، عن هذا الكتاب المليء بالآيات القرآنيّة والأدلّة العقليّة، فيقول لك: إنّي أعطيت هذا الكتاب لمن يعرف الرمل والجفر والطلسمات ويقرأ أفكار الناس وله عين برزخيّة، فقال: هذا الكتاب احتيال!!! سبحان اللّه! صاحب الرمل والجفر والطلسمات الذي يدّعي علم الغيب وقد أقام دكّانًا لقراءة أفكار الناس، لا يُعتبر محتالًا، ولكن مؤلّف كتاب علميّ مستند إلى القرآن والسنّة، يُعتبر محتالًا!!! وذلك أيضًا بحكم صاحب الرمل والجفر والطلسمات!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الرؤية المقلوبة! يا له من أمر مؤسف أن تعطي الكتاب لرجل ليقرأه ويرى ما فيه من الحقّ الواضح بعينيه، فقبل أن يفتح الكتاب يذهب به إلى شيخه ليقول له هل يقرأه أم لا!!! فيقول له شيخه: أنا أعرف صاحب هذا الكتاب (يعني المنصور الهاشمي الخراساني)! هو دجّال بالعراق، اسمه أحمد الحسن اليماني!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذه الحماقة! [الملاحظة ٧]

العصر المقلوب
إلياس الحكيمي

يا له من أمر مرعب أن تعرف رجلًا مولعًا بشراء الكتب وقراءتها -وما أكثرها إلا ظنون وأوهام-، فإذا أعطيته هذا الكتاب المستند إلى الأدلّة اليقينيّة مجّانًا، تقلّب مزاجه وجاءه كلّ ضعف وكسل! لأنّه بعد شهر وبضعة أيّام لم يجاوز الصفحة ٩٠ من الكتاب، وهو لا يطيق أن يواصل قراءته!! فتسأله عن ذلك فيقول: لم أجد فيه شيئًا مهمًّا!!! وكان فيه أخطاء كثيرة!!! فتقول: اذكر لي واحدًا من أخطائه! فيقول: مثلًا قد رفض تقليد العلماء، وأنكر ولاية الفقيه، وقال أنّ أئمّة أهل البيت لم يكونوا يعلمون الغيب!!! أظنّ أنّ مؤلّفه رجل وهّابيّ!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذا الجهل المركّب! يا له من أمر مسيء أن تقدّم الكتاب إلى صديقك القديم اعتبارًا لهذه الصداقة وحرصًا على سعادته لعلّه يعرف ما خفي عليه من الحقّ ويهتدي إلى الدّين الخالص، ولكنّه يقطع علاقته معك بالكامل، كأنّه قد وقف على شبكة تجسّس أو واجه خطرًا رهيبًا!!! فتسأل عنه بعض جلسائه فيقولون: كان يذكرك، فيقول فلان قد تشيّع وأصبح رافضيًّا!!! أعطاني كتابًا فيه أنّ آية التطهير نزلت في عليّ وفاطمة والحسن والحسين، وأنّ طاعة أهل البيت واجبة لقول النّبيّ: «إنّي تارك فيكم ما إن تمسّكتم به لن تضلّوا بعدي: كتاب اللّه وعترتي أهل بيتي»!!! فلا تدري هل تضحك أم تبكي على هذا العناد والتعصّب المذهبيّ! إنّا للّه وإنّا إليه راجعون! لو خرّت عليك السماء خير من أن ترى هذه المواجهات المريضة والمربكة من هؤلاء المدّعين للإسلام مع هذا الكتاب الإسلاميّ العظيم! [الملاحظة ٧]

العصر المقلوب
إلياس الحكيمي

يا للعجب أن تقول للعالم والعامّي، والصغير والكبير، والذكر والأنثى من هذه الأمّة: اقرأوا، واعلموا، وتفكّروا، لكنّهم يتثاءبون في وجهك وينظرون إليك بعيون حمراء ومنتفخة، ﴿كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ! ما هذه البليّة التي نزلت بنا أن لا نسمع صوتًا بهذا الوضوح ولا نفهم قولًا بهذا السّداد؟! ما الذي أصابنا أن لا يدخل القول الصحيح والمنطقيّ تمامًا في آذاننا، ولكن نقبل بسهولة أقوالًا خاطئة وفارغة؟! إذا تكلّم أحد بكلام هراء وقال في خلاله كلامًا نصفه صحيح أحيانًا، نقول له: أحسنت وبارك اللّه فيك، ولكن لا نتفوّه بكلمة جميلة عن كتاب لم يأت في سطر من سطوره بما لا دليل عليه ولم يخالف في شيء من عباراته القرآن والسنّة والعقل، بل ننظر إليه بأعين مرتابة ووجه عابس، متّبعين لظنّ السوء، أن عسى أن يكون خداعًا!! ويلكم، كيف يمكن أن يكون القرآن خداعًا؟! ألا ترون أنّ هذا الكتاب قد ملئ بآيات القرآن؟! هل من الممكن أن يكون خداعًا ما ليس فيه إلا الحقّ؟! هل هو خداع لأنّه لا يتوافق بالكامل مع آرائكم؟! هل آراؤكم كلّها وحي منزل من عند اللّه ومن المستحيل أن يكون فيها شيء من الخطأ؟! السؤال المهمّ هو هذا: هل أنتم تخافون أن يكون هذا الكتاب باطلًا أم حقًّا؟! ما نراه اليوم في العالم الإسلاميّ قد جعل الإجابة على هذا السؤال صعبًا ومخيفًا للغاية!! هل لو كان هذا الكتاب مثل آلاف الكتب الأخرى التي تكرّر ما يقول الناس تمامًا بغير نقد ولا مراجعة ولا تدقيق، لكان كتابًا جيّدًا ومفيدًا، والآن بعد أن أعاد النظر في جميع ما يقول الناس وأمعن في ذلك، مجانبًا للتقليد الأعمى ومستندًا إلى ما لا يرقى إليه الشكّ من الأدلّة العقليّة والشرعيّة، قد أصبح كتاب سوء ولا ينبغي قراءته؟!! أين هذا من قول اللّه تعالى: ﴿فَبَشِّرْ عِبَادِ ۝ الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ۚ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ ۖ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ؟! يا للعجب من هذا العصر المقلوب!! [الملاحظة ٧]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

في هذا الكتاب، يبيّن المؤلّف أولًا معيار المعرفة، ويعتبر الضرورة والوحدة والبداهة خصائصه الثلاث، وبعد العديد من الدراسات والمناقشات، يعتبر العقل مصداقًا له، ويؤكّد أنّ جميع المعارف لا بدّ أن تنتهي إلى العقل. بالطبع، إنّه يعتبر العقل مختلفًا عن الفلسفة، ويعتقد أنّ معيار المعرفة هو العقل العقلائيّ، وليس العقل الفلسفيّ. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر النزاع الذي مضى عليه ألف عام حول مبدأ الحسن والقبح بين الأشاعرة والعدليّة، نزاعًا لفظيًّا ناشئًا عن عدم انتباههم إلى الطبيعة التكوينيّة والتشريعيّة لأمر اللّه ونهيه، ويعتقد أنّ العقل والشرع كلاهما من أفعال اللّه، وهناك وحدة جوهريّة بين أفعال اللّه، ولا يوجد فيها تضادّ أو تناقض. ثمّ يمضي في تبيين موانع المعرفة، ويذكر الجهل والتقليد والأهواء النفسيّة والنزعة الدّنيويّة والتعصّب والتكبّر والنّزعة الخرافيّة كأهمّ مصاديقها، وتحت كلّ منها يتناول الباثولوجيا التاريخيّة لعقائد المسلمين وأعمالهم، ونقد أسسهم الفكريّة من بعد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حتّى الآن، ويشرح البدع والانحرافات الشائعة ويكتشف جذور مشاكل العالم الإسلاميّ. ويعتبر في جزء من كتابه أنّ عدم معرفة المسلمين الصحيحة والكاملة بالاسلام هو أهمّ سبب لاختلافهم وانحرافهم ويذكر عوامله وأصوله المختلفة؛ كما أنّه يعتبر عدم معرفتهم الصحيحة والكاملة ببعضهم البعض وبأعدائهم، سببين آخرين لذلك. [المقالة ١]

نظرة في كتاب «العودة إلى الإسلام» للمنصور الهاشمي الخراساني
السيّد محمّد صادق جواديان

من أهمّ القضايا التي تمّ تحدّيها في هذا الكتاب هي التقليد. يعتبر المؤلّف تقليد السلف وتقليد الحكّام الظالمين بمعنى اتّباعهم سببًا لانحطاط الثقافة الإسلاميّة، ويضفي الشرعيّة على انتفاضة المسلمين ضدّ الحكومات الإستبداديّة والتابعة، حتّى لو ادّعت أنّها إسلاميّة؛ كما أنّه لا يعتبر فقطّ أنّ تقليد الكفّار بمعنى اتّباع الأفكار والأنماط غير الإسلاميّة لا يؤدّي إلى التقدّم المادّي والدّنيويّ للمسلمين، بل يعتبر أيضًا أنّه يؤدّي إلى سقوط ثقافتهم وحضارتهم. بالإضافة إلى ذلك، يعتبر تقليد أكثريّة الناس عملًا خاطئًا، وبعد رفض اعتبار الإجماع والشهرة كأدلّة شرعيّة بالنظر إلى طبيعتهما الظنّيّة، يوجّه انتقادات للدّيمقراطيّة من الناحية النظريّة، ويعتبرها غير ناجحة خاصّة في المجتمعات التي لم يحصل أكثريّة أهلها على ما يكفي من النموّ العقليّ. كما يرفض تقليد العلماء لأنّه مفيد للظنّ، والظنّ ليس حجّة في الإسلام، ويعتبره من أسباب الخلاف بين المسلمين منذ زمن قديم حتّى الآن. ثمّ يعتبر الإجتهاد بالمعنى المصطلح عليه وهو استنباط الحكم من الأدلّة الظنّيّة أيضًا غير مجزئ، ويرى من الضروريّ إيجاد طريقة أخرى للحصول على اليقين. فيما يلي، ينتقد المؤلّف نظريّة الولاية المطلقة للفقيه بشكل أساسيّ، ويعتبرها غلوًّا في العلماء، ويرفض إمكانها من الناحية العقلانيّة؛ لأنّه وفقًا للمؤلّف، الطاعة غير المشروطة لشخص قد يأمر عن قصد أو عن غير قصد بغير الحقّ، تتعارض مع حكم العقل والشرع. كما أنّه بالنظر إلى عواقب الإعتقاد بالولاية المطلقة للفقيه، يذكّر بأنّ الطاعة غير المشروطة لغير المعصوم وإعطاء سلطات المعصوم له هي عادة مصدر فتن مختلفة ومفاسد كبيرة مثل الإستبداد السياسيّ، وهذا سبب آخر لتجنّب هذا الإعتقاد. [المقالة ١]