السبت ٢١ محرم ١٤٤٦ هـ الموافق لـ ٢٧ يوليو/ حزيران ٢٠٢٤ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الأسئلة والأجوبة: من المعروف أنّ اليمانيّين لهم دور في نصرة اللّه ورسوله ودين الإسلام، وأنّهم من أوائل العرب في ذلك، ومع هذا لم يذكرهم النبيّ في الحديث الذي ذكر فيه عصائب العراق وأبدال الشام، كما لم يذكر الخراسانيّين. فهل يعني ذلك أنّه لن يكون لهم دور مع المهديّ، أم يعني ذلك أنّهم قد سبقوا أولئك إلى المهديّ؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ١٢. اضغط هنا لقراءته. جديد الأقوال: ثلاثة أقوال من جنابه في حكم التأمين. اضغط هنا لقراءتها. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «مقال حول كتاب <تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين> للعلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى» بقلم «حسن الميرزائي». اضغط هنا لقراءتها. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد الشبهات والردود: يقول السيّد المنصور في كتاب «العودة إلى الإسلام» (ص٢١٦) بوجوب عرض الروايات على القرآن، كما جاء في الحديث؛ لأنّه يرى أنّ الروايات ليس لها أن تنسخ القرآن أو تخصّصه أو تعمّمه. فهل حديث عرض الروايات على القرآن ثابت وفق معايير أهل الحديث؟ اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الطبعة الخامسة من الكتاب القيّم «الكلم الطّيّب؛ مجموعة رسائل السّيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى». اضغط هنا لتحميله. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
أهل الحديث المسلمون

بالتحديد في القرنين الثاني والثالث الهجريّين، ظهر فريق من المسلمين في المعارضة مع فرق مثل المعتزلة وأصحاب الرأي، أنكروا حجّيّة العقل واعتقدوا أنّه لا يمكن أن يكون معيار المعرفة. في زعم هؤلاء الذين سمّوا «أهل الحديث»، كان معيار المعرفة النّصوص الدّينيّة، وكلّ اعتقاد أو عمل هناك رواية واحدة توافقه فهو صحيح، وإن كان مخالفًا للعقل. كان هذا في حين أنّه، من ناحية، بلغتهم روايات صحيحة عديدة في حجّيّة العقل وضرورة استعماله لقيت منهم تجاهلًا وإعراضًا متعمّدًا، ومن ناحية أخرى، في أعقاب استيلاء الأمويّين والمنافسات السّياسيّة والمذهبيّة للأجيال الثلاثة الأولى، انتشرت بينهم روايات موضوعة ومتناقضة كثيرة خُيّل لهم حسب معاييرهم المصطنعة أنّها صحيحة. هذه الرّوايات الموضوعة والمتناقضة التي كانت متعارضة مع العقل بشكل أساسيّ، ساقتهم إلى الإعتقاد بأنّه ليس هناك تلازم بين العقل والشّرع، بل الشّرع قد يخالف العقل! كان الشّرع في رأي هؤلاء بديلًا للعقل؛ بمعنى أنّه لا حاجة إلى العقل مع وجود الشّرع. لذلك، اعتبروا استعمال العقل في فهم الشّرع بدعة، واتّهموا العقلانيّين بمخالفة النّصوص الدّينيّة. وفقًا لاعتقاد هؤلاء، كان العقل غير فعّال، سواء في معرفة صحّة الرّوايات أو في معرفة معناها، وهذا يعني أنّه من الممكن أن تكون رواية غير معقولة صحيحة، أو يكون لرواية صحيحة معنى غير معقول؛ كما أنّ الرّوايات المشيرة إلى أنّ اللّه له جهة وحركة وجوارح، على الرّغم من أنّها كانت غير معقولة بالتأكيد، اعتُبرت صحيحة، وهكذا قرّبت عقائد المسلمين إلى عقائد المشركين! من الواضح أنّ هذا النهج كان يشبه تمامًا النهج الذي انتهجه العلماء النّصارى بالقرب منهم خارج العالم الإسلاميّ، كي يفسحوا المجال من خلال الجمود على ظواهر النّصوص الدّينيّة وإنكار حجّيّة العقل لرواج العقائد الشّركيّة. [العودة إلى الإسلام، ص٣٠-٣٢]

السّلفيّون المسلمون

هؤلاء الذين يعتبرون أنفسهم ورثة «أهل الحديث»، قد ورثوا مناهضة العقل من أئمّة مثل ابن تيميّة (ت٧٢٨هـ) وشدّدوها من خلال توجيه رجال مثل ابن عبد الوهّاب (ت١٢٠٦هـ) في ناحيتين: من ناحية، ليس فقطّ أنّهم لم يعتبروا العقل حجّة في معرفة الرّوايات العمليّة المتعلّقة بالأحكام الشّرعيّة، بل عطّلوه في معرفة الرّوايات النّظريّة المتعلّقة بالعقائد الدّينيّة أيضًا، واعتقدوا أنّ العقائد الدّينيّة لا تحتاج إلى أدلّة عقليّة، ويمكن أن تكون مستندة إلى الرّوايات الظنّيّة؛ لأنّهم يزعمون أنّ الرّوايات الظنّيّة، إذا اعتُبرت صحيحة وفقًا لمعاييرهم المصطنعة، تفيد اليقين! مع أنّ هذا مخالف لرأي أكثر أهل العلم، وكان رجال مثل الشّافعيّ (ت٢٠٤هـ) وجمهور أهل الفقه والنّظر مؤكّدين أنّه لا يفيد اليقين إلّا ما كان مجيئه من عند اللّه قطعيًّا بلا خلاف، بل أكّد رجال مثل النوويّ (ت٦٧٦هـ) بحقّ أنّ مثل هذا الإعتقاد ليس سوى المكابرة للحسّ. من ناحية أخرى، ليس فقطّ أنّهم لم يروا ضرورة توافق الرّوايات مع العقل، بل لم يروا أيضًا ضرورة توافقها مع القرآن الذي له أكبر أصالة دينيّة وتوافق مع العقل، كي لا يبقى أيّ تعلّق بالعقل والعاقل والمعقول وينفسح المجال لانتشار عقائدهم الخرافيّة والشّركيّة بهذه الطريقة. [العودة إلى الإسلام، ص٣٣-٣٥]

السّلفيّون المسلمون

إنّ مناهضة العقل تؤدّي إلى مناهضة اللّه؛ لأنّ العقل هو خلق اللّه والوسيلة الوحيدة التي وضعها في الإنسان للمعرفة، ولذلك فإنّ مناهضته تعني مناهضة إرادة اللّه وفعله. إنّ الذين يعتبرون العقل مزاحمًا للشّرع غافلون عن هذه الحقيقة العظيمة أنّ العقل والشّرع قد نبعا من منبع واحد وكلاهما خلق إله واحد. هل هناك اختلاف في خلق الإله الواحد وبعض مخلوقاته تناقض بعضًا؟! من الواضح أنّ الأمر ليس كذلك؛ لأنّ أفعال اللّه تقوم على الحكمة ولا تناقض بعضها بعضًا؛ كما قال سبحانه: ﴿مَا تَرَى فِي خَلْقِ الرَّحْمَنِ مِنْ تَفَاوُتٍ. بعبارة أخرى، إنّ الذي جعل الشّرع هو نفس الذي خلق العقل، ولذلك من المستحيل التناقض بينهما. إنّ الذين يعتبرون العقل والشّرع متضادّين انحرفوا إلى الزّندقة بغير علم، وحسبوا أنّ خالق العقل غير خالق الشّرع. الإعتقاد بتضادّ العقل والشّرع هو اعتقاد شركيّ ظهر في معارضة للإعتقاد التوحيديّ؛ لأنّ وجود الإزدواجيّة في الكون وتعارض التكوين والتشريع لا يمكن قبوله إلّا على أساس الإلحاد. لا شكّ أنّ الشّرع يتّفق مع العقل ويصدّقه بصراحة، بل يدعو إليه وينذر تاركيه؛ كما على سبيل المثال يقول: ﴿كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ، ويقول: ﴿إِنَّ شَرَّ الدَّوَابِّ عِنْدَ اللَّهِ الصُّمُّ الْبُكْمُ الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ، ويقول: ﴿وَيَجْعَلُ الرِّجْسَ عَلَى الَّذِينَ لَا يَعْقِلُونَ. هذه الآيات تدلّ بوضوح على أنّ الذين ينكرون حجّيّة العقل ويتجنّبون استخدامه هم شرّ الدّوابّ عند اللّه وأهل الرّجس والسّفاهة، بل صراحة هذه الآيات في حجّيّة العقل وضرورة استخدامه هي لدرجة قد يكون منكرها منكرًا لضروريّ الإسلام وخارجًا منه. [العودة إلى الإسلام، ص٣٧]

شبهات المنكرين لحجّيّة العقل

أولئك الذين لا يعتبرون العقل حجّة ينظرون إلى محدوديّة إدراكاته، ويحسبون أنّه مع هذه المحدوديّة لا يستطيع أن يكون معيارًا للمعرفة، في حين أنّ محدوديّة إدراكات العقل لا تعني أنّها غير صحيحة ولا تمنع حجّيّته، وإنّما تعني أنّها أقلّ بالمقارنة مع الإدراكات الإلهيّة، وهذا شيء تقتضيه مخلوقيّة العقل والمحدوديّة الذاتيّة للمخلوق. بناء على هذا، فإنّ العقل لا يعرف كلّ شيء، ولكن كلّ ما يعرفه يُعتبر صحيحًا، وهذا يكفي لحجّيّته؛ كما أنّ العين لا ترى كلّ شيء، ولكن كلّ ما تراه يُعتبر صحيحًا، والأذن لا تسمع كلّ شيء، ولكن كلّ ما تسمعه يُعتبر صحيحًا، وهذا يكفي لحجّيّتهما. المعرفة الكاملة للّه وحده، ولا أحد غيره يمكن أن يكون له معرفة كاملة، ولذلك فإنّ الشّرع الذي أنزله كامل، لكنّ كمال الشّرع لا يستلزم تعارضه مع العقل؛ لأنّ الشّرع في الأمور التي للعقل فيها مقال لا يقول شيئًا مخالفًا لمقال العقل، وفي الأمور التي يسكت عنها العقل، ليس ما يقوله مخالفًا لمقال العقل؛ لأنّ العقل لا يقول فيها شيئًا حتّى يكون مقال الشّرع مخالفًا له؛ كالصّفات التّفصيليّة للجنّة والنّار، فإنّ لها طابعًا غيبيًّا، وبالتّالي فإنّ العقل ساكت عنها، لكنّ الشّرع له فيها مقال، ولذلك لا يعتبر مقاله مخالفًا لمقال العقل، وكذلك كيفيّة الأعمال العباديّة وكمّيّتها، فإنّ لها طابعًا اعتباريًّا، وبالتّالي فإنّ العقل ساكت عنها، لكنّ الشّرع له فيها مقال، ولذلك لا يعتبر مقاله مخالفًا لمقال العقل؛ لا سيّما بالنّظر إلى أنّ العقل يدرك حجّيّة الشّرع، وبالتّالي يسلّم باعتباراته العمليّة وأخباره القطعيّة عن الوقائع الممكنة. [العودة إلى الإسلام، ص٣٨ و٣٩]

شبهات المنكرين لحجّيّة العقل

من المستحيل أن يقدر الذين ينكرون حجّيّة العقل على إثبات ادّعائهم؛ لأنّه لا يمكن إثبات أيّ ادّعاء بدون حجّيّة العقل؛ كما أنّهم يستدلّون بالعقل من حيث لا يشعرون؛ لأنّه، على سبيل المثال، الإستدلال بأنّ العقل محدود ولا يجوز الإستدلال بالمحدود هو استدلال عقليّ، ولذلك إن كان الإستدلال بالعقل غير جائز فلا يجوز هذا الإستدلال أيضًا، وإن كان الإستدلال بالعقل جائزًا فهذا الإستدلال غير صحيح! ... إنّ الدّعاية ضدّ العقل هي من عمل الشيطان ليفسح المجال لتفشّي الجهل في العالم، وكلّ إنسان يقوم بالدّعاية ضدّ العقل هو من حزب الشيطان وجنوده الذين يخدمونه، وهو في حالة الحرب مع اللّه، عن قصد أو عن غير قصد. [العودة إلى الإسلام، ص٣٩]

رسالة من جنابه فيها يأمر بالعدل ويدعو إلى أهل بيت النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم.

جَاءَ الْأَنْبِيَاءُ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ، وَدَعَوُا النَّاسَ إِلَى الْعَدْلِ، فَكُذِّبُوا وَظُلِمُوا، حَتَّى جَاءَ دَوْرُ خَاتَمِهِمْ وَوَارِثِهِمْ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ. فَبَعَثَهُ اللَّهُ بَعْدَ فَتْرَةٍ طَوِيلَةٍ لَمْ يَأْتِ فِيهَا نَبِيٌّ وَلَمْ يَنْزِلْ فِيهَا وَحْيٌ؛ كَانَ الْكُتُبُ السَّمَاوِيَّةُ قَدْ حُرِّفَتْ، وَالسُّنَنُ الْحَسَنَةُ قَدْ بُدِّلَتْ، وَسُبُلُ النَّجَاةِ قَدْ خَفِيَتْ، وَأَعْلَامُ الْهُدَى قَدْ سَقَطَتْ؛ النَّاسُ يَعْبُدُونَ الْأَصْنَامَ، وَيَتِيهُونَ فِي ظُلُمَاتِ الْخُرَافَاتِ وَالْأَوْهَامِ؛ يَعِيشُونَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، وَيَمُوتُونَ فِيهَا؛ لَا يَعْرِفُونَ أَقْدَارَهُمْ، وَيَعْتَدِي بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ. فِي مِثْلِ هَذَا الزَّمَانِ، بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ، وَأَنْزَلَ عَلَيْهِ الْكِتَابَ. فَبَلَّغَ رِسَالَةَ رَبِّهِ كَمَا يَجِبُ، وَاسْتَقَامَ عَلَى طَرِيقَتِهِ كَمَا يَحِقُّ؛ أَدَّى مَا وُكِّلَ بِهِ مِنْ دَعْوَةِ الْعَدْلِ، وَأَخَذَ فِيمَا أُمِرَ بِهِ مِنْ إِقَامَةِ الْعَدْلِ... فَدَعَا إِلَى الْعَدْلِ، وَجَهَدَ فِي إِقَامَتِهِ بَيْنَ النَّاسِ... حَتَّى رَضِيَ اللَّهُ لَهُ جِوَارَهُ، وَقَبَضَ إِلَيْهِ رُوحَهُ الطَّيِّبَةَ، وَأَلْحَقَهَا بِأَرْوَاحِ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِهِ... كَانَ هَذَا انْتِهَاءَ سِلْسِلَةِ النُّبُوَّةِ، وَانْغِلَاقَ بَوَّابَةِ الْوَحْيِ، وَلَكِنْ جَرَتْ سُنَّةُ اللَّهِ الَّتِي لَا تَبْدِيلَ لَهَا أَنْ لَا يَتْرُكَ الْأَرْضَ يَوْمًا وَاحِدًا بِغَيْرِ خَلِيفَةٍ لَهُ فِيهَا يَجْعَلُ الْعَدْلَ فِيهَا مُمْكِنًا؛ كَمَا قَالَ: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً. فَلَمْ يَذْهَبْ بّنَبِيِّهِ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ حَتَّى جَعَلَ لَهُ خُلَفَاءَ مِنْ بَعْدِهِ، وَأَخْبَرَ النَّاسَ بِقَدْرِهِمْ وَمَوْضِعِهِمْ، لِيَكُونُوا أَدِلَّاءَ الْعَدْلِ، وَالْمُقِيمِينَ لَهُ مِنْ بَعْدِهِ، وَلِيُتِمُّوا عَمَلَهُ، وَيُنْتِجُوا جُهُودَهُ، وَكَانُوا هُمْ عِتْرَتَهُ أَهْلَ بَيْتِهِ، الَّذِينَ أَخْبَرَ عَنْ إِرَادَتِهِ لِتَطْهِيرِهِمْ، وَفَرَضَ عَلَى عِبَادِهِ مَوَدَّتَهُمْ، إِذْ قَالَ: ﴿إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيرًا، وَقَالَ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا إِلَّا الْمَوَدَّةَ فِي الْقُرْبَى، وَقَالَ: ﴿قُلْ لَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ أَجْرًا ۖ إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرَى لِلْعَالَمِينَ، وَقَالَ: ﴿قُلْ مَا أَسْأَلُكُمْ عَلَيْهِ مِنْ أَجْرٍ إِلَّا مَنْ شَاءَ أَنْ يَتَّخِذَ إِلَى رَبِّهِ سَبِيلًا. [الرسالة الحادية عشرة]

جزء من رسالة جنابه في ذمّ مدّعي الولاية الشرعيّة من حكّام الجور وأتباعهم

إِنَّ هَؤُلَاءِ صَاحُوا قَبْلَ أَنْ يَبْلُغُوا، وَطَارُوا قَبْلَ أَنْ يَرِيشُوا، وَغَطَسُوا فِي الْبَحْرِ قَبْلَ أَنْ يَتَعَلَّمُوا السِّبَاحَةَ! فَلَبِسُوا ثَوْبًا أَكْبَرَ مِنْهُمْ وَحِذَاءً يَسْقُطُ مِنْ أَقْدَامِهِمْ! تَنَاوَلُوا لُقْمَةً لَا تَسَعُهَا أَفْوَاهُهُمْ، وَأَكَلُوا طَعَامًا لَا تَحْوِيهِ بُطُونُهُمْ، فَتُوشِكُ أَضْلَاعُهُمْ أَنْ تَتَفَكَّكَ! يَرْتَدُونَ مِثْلَ الرُّهْبَانِ وَيُفَكِّرُونَ مِثْلَ الْكُفَّارِ، وَيَقُولُونَ قَوْلَ الصَّالِحِينَ وَيَفْعَلُونَ فِعْلَ الْجَبَابِرَةِ! كَأَنَّهُمْ حَيَّاتٌ جَمِيلَةٌ تَحْمِلُ فِي بُطُونِهَا سَمًّا! يَخْرُجُونَ فِي الصَّبَاحِ لِلظُّلْمِ، وَيَعُودُونَ فِي الْمَسَاءِ لِلْمَكْرِ السَّيِّءِ! قَدْ مُلِئَتْ قُلُوبُهُمْ مِنَ الْكِبْرِ وَالْحِرْصِ، وَلَا هَمَّ لَهُمْ سِوَى حِفْظِ مَا مُتِّعُوا بِهِ مِنَ السُّلْطَةِ! يَذُمُّونَ الْمُسْتَكْبِرِينَ وَهُمْ مِنْ زُمْرَتِهِمْ، وَيُكَذِّبُونَ الْأَدْعِيَاءَ وَلَهُمْ مِثْلُ ادِّعَائِهِمْ! قَدْ ضَحَّوْا بِالدِّينِ لِلسِّيَاسَةِ، وَشَرَوُا الْآخِرَةَ بِالدُّنْيَا! قَدِ ارْتَكَبُوا ذُنُوبًا كَبِيرَةً، وَابْتَدَعُوا بِدَعًا قَبِيحَةً! قَدْ مَنَحُوا غَيْرَ الْأَكْفَاءِ الْمَنَاصِبَ، وَحَمَلُوا السِّفْلَةَ عَلَى الْمَنَاكِبِ! قَدْ عَزَلُوا الصَّالِحِينَ، وَشَوَّهُوا سُمْعَةَ النَّاصِحِينَ! [الرسالة الثانية عشرة]

جزء من رسالة جنابه في ذمّ مدّعي الولاية الشرعيّة من حكّام الجور وأتباعهم

لِمَاذَا لَمْ يَدْعُ الَّذِينَ مُكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ إِلَى خَلِيفَةِ اللَّهِ فِيهَا، وَلَمْ يُؤْتُوهُ مِنْ أَمْوَالِهِمْ وَأَسْلِحَتِهِمْ، حَتَّى يُمَكَّنَ لَهُ فِيهَا كَمَا مُكِّنَ لَهُمْ؟! أَخَافُوا أَنْ يَنْقُصَ مِنْ مَكِنَتِهِمْ شَيْءٌ؟! لَا جَرَمَ أَنَّهُمْ سَيَفْقِدُونَ مَكِنَتَهُمْ فِيهَا كُلَّهَا، حِينَ يَصِلُ خَلِيفَةُ اللَّهِ فِيهَا إِلَى الْمَكِنَةِ، حَتَّى يَكُونَ أَسْعَدُهُمْ فِيهَا مَنْ يَرْعَى غَنَمَ قَرْيَةِ أَبِيهِ! أَلَا يُوجَدُ فِي الدُّنْيَا مَلِكٌ يَشْرِي مُلْكَهُ فِيهَا بِأَنْ يَكُونَ لَهُ مُلْكٌ فِي الْجَنَّةِ؟! إِنَّ اللَّهَ قَادِرٌ عَلَى أَنْ يَنْزِعَ مِنْهُمُ الْمُلْكَ قَهْرًا، لَكِنَّهُ يُحِبُّ أَنْ يُسَلِّمُوهُ إِلَيْهِ طَائِعِينَ. [الرسالة الثانية عشرة]

رسالة من جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من رذائل الأخلاق.

أُوصِيكَ بِتَقْوَى اللَّهِ فِي السِّرِّ وَالْعَلَانِيَةِ، وَأَنْ تَذْكُرَهُ ذِكْرًا كَثِيرًا؛ فَإِنَّ الْإِكْثَارَ مِنْ ذِكْرِهِ دِرْعٌ مَنِيعٌ أَمَامَ الذُّنُوبِ، وَأُوصِيكَ بِمَعْرِفَةِ الدِّينِ وَفِقْهِ عَقَائِدِهِ وَأَحْكَامِهِ؛ فَإِنَّ الْجَهْلَ بِعَقَائِدِهِ يُورِثُ الضَّلَالَ، وَالْجَهْلَ بِأَحْكَامِهِ يُورِثُ الْعِصْيَانَ، وَكُلُّ مَنْ كَانَ أَعْلَمَ بِالدِّينِ فَهُوَ أَقْوَى عَلَى إِقَامَتِهِ، وَأُوصِيكَ بِالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لِلَّذِينَ أَمَّرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْكَ؛ فَإِنَّ السَّمْعَ وَالطَّاعَةَ لَهُمْ سَبَبٌ لِعِمَارَةِ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَخَيْرٌ وَصَلَاحٌ لِلْمُسْلِمِينَ. [الرسالة الثالثة عشرة]

رسالة من جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من رذائل الأخلاق.

كُنْ مُتَوَاضِعًا عَلَى الدَّوَامِ مِثْلَ التُّرَابِ، وَلَا تَخْشُنْ خُشُونَةَ الْحَجَرِ؛ فَإِنَّ التُّرَابَ بُورِكَ بِسَبَبِ تَوَاضُعِهِ، وَالْحَجَرَ لُعِنَ بِسَبَبِ خُشُونَتِهِ. إِذَا جِئْتَ بِخَطِيئَةٍ فَلَا تُحَاوِلْ تَبْرِيرَهَا؛ فَإِنَّ تَبْرِيرَهَا هُوَ خَطِيئَةٌ أُخْرَى، وَلَكِنِ اعْتَرِفْ بِهَا لِتُغْفَرَ لَكَ؛ لِأَنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ لِلْمُعْتَرِفِينَ، وَيَعْتَبِرُ الْمُبَرِّرِينَ كَاذِبِينَ. كُنْ فَرِحًا بِنَصِيحَةِ النَّاصِحِينَ وَإِنِ اسْتَغْلَظْتَهَا، وَكُنْ حَذِرًا مِنْ مَدْحِ الْمُتَمَلِّقِينَ؛ لِأَنَّ نَصِيحَةَ النَّاصِحِ كَسَحَابٍ مُظْلِمٍ مُرْعِدٍ يَمْطُرُ مِنْهُ سَائِلُ الْحَيَاةِ، وَمَدْحَ الْمُتَمَلِّقِ كَسَمٍّ قَاتِلٍ مَمْزُوجٍ بِدِبْسٍ لَذِيذٍ. أَنْتَ مِنَ الْمَرْجُوِّينَ عِنْدِي؛ فَزَيِّدِ الْعِلْمَ وَالْعَمَلَ، وَاعْلَمْ أَنَّهُ لَا يُعْتَبَرُ رَجُلٌ مِنْكُمْ مِنْ أَنْصَارِ الْمَهْدِيِّ حَتَّى يَكُونَ أَعْلَمَ وَأَعْمَلَ رَجُلٍ فِي بَلَدِهِ. [الرسالة الثالثة عشرة]

في تقديم أهل البيت، وبيان أنّ تقديمهم ليس من الرّفض في شيء، ولكنّ الرّفض تكفير الصحابة أو سبّهم.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَرَبُّكَ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ ۗ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ ۚ سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ، فَقَالَ: يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ وَيَخْتَارُ مَنْ يَشَاءُ، مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ لِيَخْتَارُوا نَبِيًّا أَوْ مَلِكًا، فَمَنِ اخْتَارَ نَبِيًّا أَوْ مَلِكًا مِنْ دُونِ الَّذِي اخْتَارَهُ اللَّهُ فَقَدْ أَشْرَكَ، وَسُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ، قُلْتُ: مَا سَمِعْنَا فِي الْمَلِكِ شَيْئًا! قَالَ: وَيْحَكُمْ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا؟! قُلْتُ: بَلَى، وَلَكِنَّهُ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، قَالَ: إِنَّهُ كَانَ مِنْ سُنَنِ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، وَمَا ذَكَرَهُ اللَّهُ إِلَّا ﴿لِيُبَيِّنَ لَكُمْ وَيَهْدِيَكُمْ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ، أَلَمْ تَسْمَعُوا قَوْلَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّكُمْ تَرْكَبُونَ سُنَنَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ»؟! قُلْتُ: وَمَا الْمَلِكُ؟ قَالَ: الْخَلِيفَةُ، قُلْتُ: وَهَلِ اخْتَارَ اللَّهُ خَلِيفَةً بَعْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: نَعَمْ، كَمَا اخْتَارَ بَعْدَ الْأَنْبِيَاءِ مِنْ قَبْلِهِ، أَلَمْ يَقُلْ: ﴿لَيَسْتَخْلِفَنَّهُمْ فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ؟ [الفقرة ٧ من القول ٢٠٨]

في تقديم أهل البيت، وبيان أنّ تقديمهم ليس من الرّفض في شيء، ولكنّ الرّفض تكفير الصحابة أو سبّهم.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: بَعَثَنِي الْمَنْصُورُ إِلَى رِجَالٍ يَطْعَنُونَ فِيهِ لِتَقْدِيمِهِ أَهْلَ الْبَيْتِ وَقَالَ لِي: قُلْ لَهُمْ: اتَّقُوا اللَّهَ، وَلَا تَطْعَنُوا فِي سَلْمَانَ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «سَلْمَانُ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ»، وَقَالَ: «لَقَدْ أُشْبِعَ سَلْمَانُ عِلْمًا»، وَكَانَ سَلْمَانُ يُقَدِّمُ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيَقُولُ: «لَوْ جَعَلْتُمُوهَا فِي أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ لَأَكَلْتُمُوهَا رَغَدًا»، وَلَا تَطْعَنُوا فِي عَمَّارٍ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا خُيِّرَ عَمَّارٌ بَيْنَ أَمْرَيْنِ إِلَّا اخْتَارَ أَرْشَدَهُمَا»، وَقَالَ: «اهْتَدُوا بِهَدْيِ عَمَّارٍ»، وَكَانَ عَمَّارٌ يُقَدِّمُ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيَقُولُ: «أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ أَكْرَمَنَا بِنَبِيِّهِ وَأَعَزَّنَا بِدِينِهِ، فَأَنَّى تَصْرِفُونَ هَذَا الْأَمْرَ عَنْ أَهْلِ بَيْتِ نَبِيِّكُمْ؟!»، وَلَا تَطْعَنُوا فِي أَبِي ذَرٍّ، فَقَدْ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَا أَظَلَّتِ الْخَضْرَاءُ وَلَا أَقَلَّتِ الْغَبْرَاءُ عَلَى ذِي لَهْجَةٍ أَصْدَقَ مِنْ أَبِي ذَرٍّ»، وَكَانَ أَبُو ذَرٍّ يُقَدِّمُ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيَقُولُ: «مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ سَفِينَةِ نُوحٍ، مَنْ رَكِبَهَا نَجَا، وَمَنْ تَخَلَّفَ عَنْهَا هَلَكَ»، وَذَكَرَ رِجَالًا آخَرِينَ مِنَ الصَّحَابَةِ كَانُوا يُقَدِّمُونَ أَهْلَ الْبَيْتِ، فَجِئْتُهُمْ وَأَبْلَغْتُهُمْ ذَلِكَ، فَوَاللَّهِ لَمْ يَرُدُّوا عَلَيَّ شَيْئًا. [الفقرة ٩ من القول ٢٠٨]

خطبة من جنابه يُنذر فيها بعواقب غياب المهديّ ويدعو إلى التمهيد لظهوره.

أَلَا فَاعْلَمُوا أَنَّ أُفُقَ الْمَغْرِبِ مُظْلِمٌ بِالْغُيُومِ الدَّاكِنَةِ. عَنْ قَرِيبٍ تَهُبُّ عَلَيْكُمْ عَاصِفَةٌ حَمْرَاءُ، فَتَجْتَاحُ أَرْضَكُمْ؛ لَا تَذَرُ سَقْفًا تَلْجَؤُونَ تَحْتَهُ، وَلَا جِدَارًا تَخْتَفُونَ وَرَاءَهُ! حِينَئِذٍ تَتَمَنَّى أُمَّةُ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَوْ تَفْتَدِي بِنِصْفِ ذُرِّيَّتِهَا لِتَجِدَ الْمَهْدِيَّ فِي وَادٍ مِنْ أَوْدِيَةِ الْحِجَازِ! أَلَا يَا أَيَّتُهَا الْأُمَّةُ الْجَاهِلَةُ! مَاذَا تَطْلُبِينَ؟! وَمَنْ ذَا تَتَّبِعِينَ؟! إِمَامُكِ الْمَهْدِيُّ. رَاحَةُ لَيَالِيكِ وَبَهْجَةُ أَيَّامِكِ الْمَهْدِيُّ. فَرْحَتُكِ الدَّائِمَةُ وَحَلَاوَةُ حَيَاتِكِ الْمَهْدِيُّ. صَلَاحُ دُنْيَاكِ وَفَلَاحُ آخِرَتِكِ الْمَهْدِيُّ. فَمَا يَمْنَعُكِ مِنْهُ؟! أَمَّنْ يُغْنِيكِ عَنْهُ؟!... أَتَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ فِي غَيْبَتِهِ تَرَوْنَ عَدْلًا وَتَنْجَحُونَ؟! أَمْ تَحْسَبُونَ أَنَّكُمْ فِي غَيْبَتِهِ تَجِدُونَ أَمْنًا وَتَسْعَدُونَ؟! لَا وَاللَّهِ، ثُمَّ لَا وَاللَّهِ، بَلْ تَدْخُلُونَ الْقُبُورَ خَائِبِينَ، كَمَا دَخَلَهَا الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ فِي غَيْبَةِ خَلِيفَتِهِ خَيْرًا، وَلَمْ يَخْلُقْ فِي دَوْلَةِ غَيْرِهِ بَرَكَةً! [القول ١]

خطبة من جنابه يُنذر فيها بعواقب غياب المهديّ ويدعو إلى التمهيد لظهوره.

أَقُولُ لَكُمُ الْحَقَّ: فِي غَيْبَتِهِ، سَتَلْصَقُ بُطُونُكُمْ بِظُهُورِكُمْ، وَتَفْتَرِشُونَ الشُّوكَ! تَسْتَشِيطُونَ غَضَبًا، وَتَتَمَنَّوْنَ الْمَوْتَ غُدُوًّا وَعَشِيًّا! سَوْفَ تُهْجَرُ مَسَاكِنُكُمْ، وَتُعَطَّلُ أَسْوَاقُكُمْ! تَحْسَكُ الْمَزَارِعُ، وَتَيْبَسُ أَشْجَارُ الْفَوَاكِهِ! تَفَرَّقُ قُطْعَانُ الْأَنْعَامُ، وَلَنْ يُوجَدَ مَنْ يَجْمَعُهَا! يَقْمَلُ رُؤُوسُكُمْ، وَتَتْرَبُ أَيْدِيكُمْ! تُصْبِحُ مُدُنُكُمْ مُدَمَّرَةً، وَقُرَاكُمْ مَتْرُوكَةً! لَنْ يَعْبَرَ أَحَدٌ أَزِقَّتَكُمْ، وَلَنْ يَطْرَقَ أَحَدٌ أَبْوَابَكُمْ! لَنْ يَكُونَ فِي قَنَوَاتِكُمْ مَاءٌ، وَتُعَشِّشُ فِي آبَارِكُمْ الثَّعَابِينُ! يَتَجَوَّلُ فِي مَيَادِينِكُمُ الذِّئَابُ، وَيَنْعَقُ عَلَى أَبْرَاجِكُمُ الْأَبْوَامُ! تَنْسَجُ عَلَى نَوَافِذِكُمُ الْعَنَاكِبُ، وَتَنِقُّ فِي حِيَاضِكُمُ الضَّفَادِعُ! تَسْكُنُونَ الْأَوْدِيَةَ الْمُظْلِمَةَ، وَتَأْوُونَ إِلَى قِمَمِ الْجِبَالِ! تَخْتَبِئُونَ فِي شُقُوقِ الصُّخُورِ، وَتُجَالِسُونَ أَوْزَاغَ الصَّحْرَاءِ! يَتَصَاعَدُ مِنْ بُلْدَانِكُمُ الدُّخَانُ، وَلَنْ تُطْفَأَ نَارُهَا! يَتَسَلَّطُ عَلَيْكُمُ الْأَعْدَاءُ، وَيَأْكُلُكُمْ شَيَاطِينُ الْمَغْرِبِ وَالْمَشْرِقِ! لَنْ يَسْمَعُوا إِلَى رُغَاءِ أَطْفَالِكُمْ، وَلَنْ يَرْحَمُوا أَشْيَاخَكُمُ الْمُقْعَدِينَ! يَقْتَسِمُونَ أَمْوَالَكُمْ، وَيَقْتَرِعُونَ عَلَى نِسَائِكُمْ! لَنْ يَدْفَنُوا قَتْلَاكُمْ، بَلْ يَتْرُكُونَهَا لِلْكِلَابِ! [القول ١]

خطبة من جنابه يُنذر فيها بعواقب غياب المهديّ ويدعو إلى التمهيد لظهوره.

أَلَا يَا أَيُّهَا النَّاسُ! لَا تَسْتَعْجِلُوا مَا هُوَ مَرْهُونٌ بِاللَّحَظَاتِ! قَدِ اقْتَرَبَ الْعَالَمُ مِنْ نِهَايَتِهِ، وَآنَ أَوَانُ الْمَوَاعِيدِ. سَرْعَانَ مَا يَثُورُ عَصْرُ الْغَيْبَةِ الَّذِي تَحْسَبُونَهُ ذَلُولًا كَالْجَمَلِ الْهَائِجِ فِي الرَّبِيعِ، وَيَغْرِزُ أَنْيَابَهُ الْحَادَّةَ فِي أَعْيُنِكُمْ. فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لَيْسَ مَا أَقُولُهُ شِعْرًا، وَلَا إِغْرَاقًا فِي الْقَوْلِ. عَنْ قَرِيبٍ يَغْلِي مِرْجَلُ الْعَالَمِ، وَيَطْغَى نَهْرُ الزَّمَانِ، فَيُحَرِّكُ طَاحُونَةَ الْفِتْنَةِ، وَيُدِيرُ رَحَى الْفَوْضَى! الْخَطَرَ! الْخَطَرَ! اعْلَمُوا أَنَّهُمْ لَنْ يَرْحَمُوا مِنْكُمْ أَحَدًا! سَيَأْتُونَ حَتَّى بِأَكْثَرِكُمُ اعْتِزَالًا، فَيَأْخُذُونَ مِنْهُ لَبَنَهُ وَزَبَدَهُ! حِينَمَا يَهْوِي مِنْجَلُ الْفِتْنَةِ، يُحْصَدُ الْقَائِمُ وَيُحْطَمُ الْقَاعِدُ! الْخَطَرَ! الْخَطَرَ! فَخُذُوا دِينَكُمْ وَفِرُّوا مَا دَامَتِ الْفُرْصَةُ سَانِحَةً لَكُمْ! إِنْ وَجَدْتُمُ الْحَقَّ مَعِي فَأْتُونِي وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ؛ فَإِنِّي سَأَقُودُكُمْ إِلَى الْمَهْدِيِّ، وَإِنْ كَرِهْتُمُونِي وَأَبَيْتُمْ أَنْ تَأْتُونِي، فَاذْهَبُوا وَابْتَعِدُوا مَا اسْتَطَعْتُمْ، وَلَنْ تَسْتَطِيعُوا؛ لِأَنَّهُمْ وَاللَّهِ، حَتَّى لَوْ تَوَارَيْتُمْ خَلْفَ نُجُومِ السَّمَاءِ، سَيَعْثِرُونَ عَلَيْكُمْ، وَيَأْتُونَ بِكُمْ، وَيُخْزُونَكُمْ؛ لِأَنَّ الْأَمْرَ لَيْسَ بِالْيَسِيرِ كَمَا زَعَمْتُمْ، لَكِنَّهُ بَلِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، تُجْزِعُ الْكَبِيرَ، وَتُسْهِرُ الصَّغِيرَ. [القول ١]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

أمّا شرطه في اختيار الأحاديث، فهو بعد موافقة معناها لكتاب اللّه والثابت من السنّة والعقل السليم، اشتهار رواتها بالوثاقة أو الصدق عند أصحابهم دون مخالفيهم؛ كما يبيّن ذلك بالتفصيل في ترجمة جابر بن يزيد الجعفيّ، فيقول: «الْمُعْتَمَدُ حَالُ الرَّجُلِ عِنْدَ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَعْرَفُ بِحَالِهِ، وَلَا حُجَّةَ فِي قَوْلِ سَائِرِ النَّاسِ إِذَا خَالَفَ قَوْلَ أَصْحَابِهِ؛ لِأَنَّهُمْ أَبْعَدُ مِنْهُ وَقَدْ يَقُولُونَ فِيهِ شَنَآنًا لِمَذْهَبِهِ، وَالشَّاهِدُ عَلَى ذَلِكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ لِلْيَهُودِ: <أَيُّ رَجُلٍ فِيكُمْ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ؟> فَقَالُوا: <خَيْرُنَا وَابْنُ خَيْرِنَا، وَسَيِّدُنَا وَابْنُ سَيِّدِنَا، وَعَالِمُنَا وَابْنُ عَالِمِنَا>، فَقَبِلَ قَوْلَهُمْ فِيهِ؛ لِأَنَّهُمْ كَانُوا أَصْحَابَهُ، ثُمَّ أَخْبَرَهُمْ بِأَنَّهُ قَدْ أَسْلَمَ، فَوَقَعُوا فِيهِ وَقَالُوا: <شَرُّنَا وَابْنُ شَرِّنَا>، فَلَمْ يَقْبَلْ قَوْلَهُمْ فِيهِ بَعْدَ أَنْ خَالَفُوهُ فِي الْمَذْهَبِ، وَلَوْ قُبِلَ قَوْلُ الْمُخَالِفِينَ فِي الْمَذْهَبِ لَمْ يَبْقَ مِنَ الْحَدِيثِ شَيْءٌ؛ لِأَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ يُسِيئُونَ الْقَوْلَ فِي الْأُخْرَى؛ كَمَا تَرَى الشِّيعَةَ لَا يُبَالُونَ بِمَا يَرْوِيهِ السُّنَّةُ إِلَّا مَا يَتَّخِذُونَهُ حُجَّةً عَلَيْهِمْ، وَتَرَى السُّنَّةَ لَا يَنْظُرُونَ فِيمَا يَرْوِيهِ الشِّيعَةُ إِلَّا تَعَجُّبًا وَاسْتِهْزَاءً، وَكِلَاهُمَا قَدْ ضَلَّ عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَلَكِنَّا نَأْخُذُ بِكُلِّ مَا يَرْوِيهِ الْمُسْلِمُونَ مُوَافِقًا لِكِتَابِ اللَّهِ إِذَا كَانُوا مِنَ الْمَعْرُوفِينَ بِالصِّدْقِ عِنْدَ أَصْحَابِهِمْ دُونَ تَعَصُّبٍ لِأَحَدٍ مِنَ الْمَذَاهِبِ». [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

المعتبر عند السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى هو الإسلام والإشتهار بالوثاقة أو الصّدق عند الأصحاب، ولا اعتبار بالمذهب ولا تضعيفات المخالفين المجرّدة عن دليل مقبول. فإذا كان الرجل من السنّة فالمعتبر حاله عند السنّة، ولا اعتبار بحاله عند الشيعة، وإذا كان الرجل من الشيعة فالمعتبر حاله عند الشيعة، ولا اعتبار بحاله عند السنّة، ولا فرق بين روايات السنّة وروايات الشيعة إذا كانت موافقة للأصول الثلاثة وكان رواتها من المعروفين بالوثاقة أو الصدق عند أصحابهم، ولذلك ترى السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى يختار من روايات الشيعة كما يختار من روايات السنّة، ولا يترك رواية راوٍ لمذهبه، ما لم يكن مذهبه معارضًا للمعلوم من الدّين بالضرورة، فيخرجه من الإسلام؛ لأنّه إذًا لمنافق، والمنافق غير موثوق به في شيء، وإن وثّقه الناس جميعًا. [المقدّمة]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عِيسَى التِّرْمِذِيُّ [ت٢٧٩هـ] فِي «سُنَنِهِ»، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ أَيُّوبَ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي أَسْمَاءَ الرَّحَبِيِّ، عَنْ ثَوْبَانَ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «إِنَّمَا أَخَافُ عَلَى أُمَّتِي الْأَئِمَّةَ الْمُضِلِّينَ»، وَقَالَ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ لَا يَضُرُّهُمْ مَنْ يَخْذُلُهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ».

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ مُتَوَاتِرٌ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ عِشْرُونَ رَجُلًا، وَهُمْ ثَوْبَانُ، وَجَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَعُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعُقْبَةُ بْنُ عَامِرٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَجَابِرُ بْنُ سَمُرَةَ، وَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ، وَالْمُغَيْرَةُ بْنُ شُعْبَةٍ، وَالنُّعْمَانُ بْنُ بَشِيرٍ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَأَبُو أُمَامَةَ، وَأَبُو الدَّرْدَاءِ، وَمُعَاوِيَةُ، وَقُرَّةُ بْنُ إِيَاسٍ الْمُزَنِيُّ، وَشُرَحْبِيلُ بْنُ السِّمْطِ الْكِنْدِيُّ، وَكَعْبُ بْنُ مُرَّةَ الْبَهْزِيُّ، وَسَلَمَةُ بْنُ نُفَيْلٍ الْحَضْرَمِيُّ. [الباب ١، الدرس ٢٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: قَالَ الَّذِينَ لَا يَفْقَهُونَ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَهْلُ الشَّامِ، وَأَدْخَلَ ذَلِكَ بَعْضُهُمْ فِي الْحَدِيثِ، وَلَا أَدْرِي مَتَى كَانَ أَهْلُ الشَّامِ عَلَى الْحَقِّ؟! أَحِينَ خَرَجُوا عَلَى عَلِيٍّ وَفَتَنُوا أَصْحَابَهُ، أَوْ حِينَ قَتَلُوا حُسَيْنًا وَطَافُوا بِرَأْسِهِ فِي الْبِلَادِ، أَوْ حِينَ أَغَارُوا عَلَى الْمَدِينَةِ وَسَفَكُوا دِمَاءَ الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ؟! كَلَّا، بَلْ لَمْ يَزَالُوا عَلَى الْبَاطِلِ مُنْذُ كَانُوا، وَسَيَكُونُونَ أَعْوَانَ السُّفْيَانِيِّ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، وَكُلُّ حَدِيثٍ فِي فَضْلِهِمْ مَوْضُوعٌ لَا أَصْلَ لَهُ، وَإِنَّمَا وَضَعَهُ شِيعَةُ بَنِي أُمَيَّةَ عَلَى عَهْدِ مُعَاوِيَةَ وَمَرْوَانَ وَآلِهِمَا؛ لِأَنَّهُ كَذِبٌ، وَمَا كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِيَقُولَ كَذِبًا، وَقَالَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْحَدِيثِ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَهْلُ الْحَدِيثِ، ﴿كُلُّ حِزْبٍ بِمَا لَدَيْهِمْ فَرِحُونَ، وَقِيلَ أَنَّهُمْ أَهْلُ الْغَرْبِ لِمَا رَوَاهُ سَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «لَا يَزَالُ أَهْلُ الْغَرْبِ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ»، وَلَعَلَّهُ تَصْحِيفٌ؛ فَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ النُّسَخِ: «لَا تَزَالُ الْعَرَبُ ظَاهِرِينَ عَلَى الْحَقِّ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ» يَعْنِي طَائِفَةً مِنَ الْعَرَبِ، وَقِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِالْغَرْبِ الدَّلْوُ الْعَظِيمَةُ تُتَّخَذُ مِنْ جِلْدِ ثَوْرٍ وَهِيَ مِنْ أَثَاثِ الْعَرَبِ، وَقِيلَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ أَهْلُ الشِّدَّةِ وَالْبَأْسِ وَغَرْبُ كُلِّ شَيْءٍ حَدُّهُ، وَالصَّوَابُ أَنَّ الطَّائِفَةَ الَّتِي لَا تَزَالُ عَلَى الْحَقِّ هُمْ أَئِمَّةُ الْهُدَى. أَلَمْ تَرَ أَنَّهُ ذَكَرَهُمْ بَعْدَ التَّخْوِيفِ مِنَ الْأَئِمَّةِ الْمُضِلِّينَ؟ وَفِي هَذَا دَلَالَةٌ عَلَى أَنَّ الْأُمَّةَ لَا تَخْلُو مِنْ إِمَامِ هُدًى حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ. [الباب ١، الدرس ٢٦]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ بْنُ شُجَاعٍ، وَهَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَحَجَّاجُ بْنُ الشَّاعِرِ، قَالُوا: حَدَّثَنَا حَجَّاجٌ وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدٍ، عَنِ ابْنِ جُرَيْجٍ، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الزُّبَيْرِ، أَنَّهُ سَمِعَ جَابِرَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «لَا تَزَالُ طَائِفَةٌ مِنْ أُمَّتِي يُقَاتِلُونَ عَلَى الْحَقِّ ظَاهِرِينَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ»، قَالَ: «فَيَنْزِلُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَيَقُولُ أَمِيرُهُمْ: تَعَالَ صَلِّ لَنَا، فَيَقُولُ: لَا، إِنَّ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ أُمَرَاءُ، تَكْرِمَةَ اللَّهِ هَذِهِ الْأُمَّةَ».

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: أَبُو الزُّبَيْرِ مُحَمَّدُ بْنُ مُسْلِمٍ الْقُرَشِيُّ صَدُوقٌ عِنْدَهُمْ، وَلَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، بَلْ تَابَعَهُ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُبَيْدَةَ وَالطُّفَاوِيُّ. [الباب ١، الدرس ٢٧]

تتحقّق حاكميّة الشيطان المعلنة على العالم عندما يصل خليفته في العالم إلى الحكومة، لينفّذ أحكامه في العالم نيابة عنه. إنّ «خليفة الشيطان» هذا، هو إنسان يقال له «الدّجّال»... في مقابل هذه الشبكة الشيطانيّة السرّيّة والواسعة التي، مع وجود مركز لها في الغرب، تحاول تمهيد الطريق لتحقيق حاكميّة «الدّجّال» على العالم بصفة «خليفة الشيطان»، يتمّ تشكيل شبكة إلهيّة سرّيّة وواسعة، مع وجود مركز لها في الشرق، تحاول تمهيد الطريق لتحقيق حاكميّة «المهديّ» على العالم بصفة «خليفة اللّه»... لقد قال المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى في بعض حِكَمه: «إِنَّ الدَّجَّالَ لَقَبٌ كَفِرْعَوْنَ يَتَوَارَثُهُ رِجَالٌ مِنْ آلِ إِبْلِيسَ» وهذا يعني أنّ «الدّجّال» في علم هذا العالم ليس الإسم الظاهر لـ«خليفة الشيطان»، بل هو لقب عامّ مثل «فرعون» يتمّ إطلاقه في كلّ زمان على أعلى منصب في الشبكة الشيطانيّة ولذلك، لا يوجد زمان بدون «الدّجّال»؛ كما لا يوجد زمان بدون «المهديّ»؛ لأنّ «الدّجّال» خليفة من الشيطان في مقابل خليفة من اللّه، وكلّ خليفة من اللّه يعتبر «مهديًّا»؛ بالنظر إلى أنّ «المهديّ» ليس الإسم الظاهر لـ«خليفة اللّه»، بل هو لقب عامّ مثل «الإمام» يتمّ إطلاقه في كلّ زمان على أعلى منصب في الشبكة الإلهيّة؛ كما قال اللّه تعالى في إبراهيم عليه السلام: ﴿وَوَهَبْنَا لَهُ إِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ ۚ كُلًّا هَدَيْنَا ۚ وَنُوحًا هَدَيْنَا مِنْ قَبْلُ وهذا يعني أنّهم جميعًا كانوا «مهديّين». [السؤال والجواب ١٣]

قال ابن الفقيه (ت٣٦٥هـ) في «البلدان»: «قَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ السُّكْنَى بِبَغْدَادَ وَالْمُقَامَ بِهَا»، وممّا يدلّ على ذلك ما روي عن سفيان بن عيينة (ت١٩٨هـ)، قال: «رَآنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَلَى قَنْطَرَةِ الصُّرَاةِ، فَقَالَ: النَّجَاءَ، النَّجَاءَ، فَإِنَّا كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ»، قال سفيان: «وَرَآنِي أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ بِبَغْدَادَ، فَقَالَ: بِأَيِّ ذَنْبٍ دَخَلْتَ بَغْدَادَ؟!»، وذلك لأنّ بغداد كانت في ذلك الزمان عاصمة الجبابرة من بني عبّاس، وأمّا اليوم فليست كما كانت في ذلك الزمان؛ لأنّها لم تعد تختلف عن سائر بلاد المسلمين، وقد سلّمت مقامها السابق إلى الزوراء الآخرة، وهي طهران؛ لأنّ طهران اليوم مثل بغداد في عهد بني عبّاس، بل أسوأ حالًا لاستيلاء شرّ المنافقين والجبّارين عليها، وتليها في هذه الصفة الرياض، وهما تتنافسان على هدم الإسلام وإضلال المسلمين، إحداهما باسم الشيعة والأخرى باسم السنّة، ولذلك ينبغي لأهل المعرفة والتقوى أن لا يسكنوا فيهما، ولا في كلّ بلد آخر يحكمه طاغية تحت ستار الإسلام، إلا لأجل الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كانوا متمكّنين من ذلك؛ لأنّ ذلك فريضة مهمّة لا يجوز تعطيلها مع الإمكان، ولأنّه إذا اجتمع أهل المعرفة والتقوى على الخروج من هذه البلاد الظالم أهلها، قد يأتيها العذاب المذكور في الروايات أو ما هو أشدّ من ذلك؛ لأنّ اللّه تعالى يدفع البلاء عن مثل هذه البلاد بمن فيها من أهل المعرفة والتقوى ما داموا يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. لذلك ينبغي أن يكون في كلّ بلد من بلاد المسلمين عدد من أهل المعرفة والتقوى يدعون فيه إلى الدّين الخالص والتوحيد الكامل والتمهيد لظهور المهديّ عليه السلام سرًّا وجهرًا. [السؤال والجواب ١١٤]

«الإمام» يعني من يؤتمّ به، ولذلك لا يجوز إطلاق الإمام على أحد إلا إذا كان الإئتمام به جائزًا على الإطلاق؛ لأنّ إطلاق الإمام على من لا يجوز الإئتمام به على الإطلاق كذب، وإن كان من الصحيح تسميته بالإمام مقيّدًا، مثل «إمام الجماعة» لمن يؤتمّ به في الصلاة، و«إمام اللغة» لمن يقبل قوله فيها، و«إمام الحديث» لمن يقبل قوله فيه، ومثل ذلك. بناء على هذا، فإنّ من يسمّي نفسه إمامًا دون قيد، أو يسمّيه الآخرون إمامًا دون قيد وهو لا ينهاهم عن ذلك، لا يخلو من حالتين: إمّا أنّ اللّه قد أذن بالإئتمام به مطلقًا، فإنّ إطلاق الإمام عليه في هذه الحالة هو عبادة اللّه، أو أنّ اللّه لم يأذن بالإئتمام به مطلقًا، فإنّ إطلاق الإمام عليه في هذه الحالة هو عبادة الطاغوت أو مثلها؛ لأنّ الإمام في كتاب اللّه قد أُطلق على رجلين: أحدهما رجل يهدي بأمر اللّه؛ كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا، والآخر رجل يهدي بغير أمر اللّه؛ كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ دون قيد ﴿بِأَمْرِنَا، وبالتالي فإنّ إطلاق الإمام على غير خليفة اللّه في الأرض، إذا كان عن اعتقاد بوجوب الإئتمام به مثل الإئتمام بخليفة اللّه في الأرض فهو شرك، وإذا كان بدون هذا الإعتقاد فهو سوء تعبير وتشبّه بالمشركين، في حين أنّ اللّه تعالى قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا، وقال: ﴿ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّى يُؤْفَكُونَ. [السؤال والجواب ٤٩]

إنّ اللّه تعالى أحصى في كتابه أربعة تكاليف للإنسان فقال: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ. من الواضح أنّ «الإنسان» يعمّ الرجل والمرأة ولذلك، فإنّ التكاليف الأربعة المذكورة في كتاب اللّه تعالى، أي الإيمان والعمل الصالح والتواصي بالحقّ والتواصي بالصبر، هي متوجّهة إلى كلاهما. بناءً على هذا، يجب على كلّ من الرّجل والمرأة أن يؤمن بالحقّ أوّلًا، أي يعرفه ويقبله بقلبه، ثمّ يعمل به ثانيًا، أي يقوم بتطبيقه وإجرائه في الممارسة العمليّة، ثمّ يوصي به ثالثًا، أي يدعو الآخرين إلى معرفته وقبوله بقلوبهم، ثمّ يوصي بالصّبر عليه رابعًا، أي يدعو الآخرين إلى تطبيقه وإجرائه في الممارسة العمليّة رغم كلّ صعوباتها وأخطارها. هكذا، فإنّ الإيمان والعمل بالحقّ هما الواجب الفرديّ، وتوصية الآخرين بهما هي الواجب الإجتماعيّ للرجل والمرأة، وإذا فعلا ذلك سيخرجان من «الخسر»، وإذا لم يفعلا سيبقيان في «الخسر»، وليس هناك أيّ فرق بينهما في هذا الصدد. إنّ التمهيد لظهور المهديّ عليه السلام أيضًا يتمّ تعريفه في نفس الإطار؛ لأنّ ذلك بالطريقة التي أوضحها السّيّد المنصور في كتاب «العودة إلى الإسلام»، هو من أعظم مصاديق الحقّ، وبالتالي فإنّ قبوله نظريًّا وإقامته عمليًّا ودعوة الآخرين إلى ذلك، واجب كلّ مسلم وسبب نجاته من الخسران، سواء كان ذكرًا أو أنثى. [السؤال والجواب ١٩]

يجب على كلّ إنسان أن يعرف قيمة لحظات حياته، وأن يفكّر في طريقة للتخلّص من الخسر قبل لحظة وفاته التي لا يدري أيّ لحظة هي، والطريقة ما بيّنه اللّه الرّحمن الرّحيم في كتابه على أربعة مراحل: الإيمان والعمل الصالح والإيصاء بالحقّ والإيصاء بالصبر؛ كما قال: ﴿بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ ۝ وَالْعَصْرِ ۝ إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ ۝ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ. هذا يعني أنّ الإنسان للتخلّص من الخسر مكلّف بأربعة تكاليف رئيسيّة: الأوّل أن يصلح عقائده من خلال معرفة الحقّ، وهذا هو «الإيمان» الذي يعتبر تكليفًا فرديًّا، والثاني أن يصلح أعماله من خلال الإلتزام بالحقّ، وهذا هو «العمل الصالح» الذي يعتبر تكليفًا فرديًّا، الثالث أن يدعو الآخرين إلى الإيمان بمعنى إصلاح عقائدهم من خلال ترويج الحقّ، وهذا هو «الإيصاء بالحقّ» الذي يعتبر تكليفًا اجتماعيًّا، والرابع أن يدعو الآخرين إلى العمل الصالح بمعنى إصلاح أعمالهم من خلال ترويج الإلتزام بالحقّ، وهذا هو «الإيصاء بالصبر» الذي يعتبر تكليفًا اجتماعيًّا. بناء على هذا، فإنّ واجبك في المرحلة الأولى هو إصلاح عقائدك، وفي المرحلة الثانية إصلاح أعمالك، وفي المرحلة الثالثة إصلاح عقائد الناس، وفي المرحلة الرابعة إصلاح أعمال الناس، ولا يخفى أنّ مراعاة هذا الترتيب ضروريّة... فعليك بمعرفة النفس، بمعنى معرفة نقائصك في كلّ من هذه المجالات الأربعة؛ لأنّ من لا يعرف داءه لا يقدر على علاجه، ويكون كمن يرمي في الظلمات. [السؤال والجواب ٨٧]

الذي لا يستطيع الوصول إلى المهديّ بسبب تقصيره، هو مكلّف بالتمهيد لظهور المهديّ قبل أن يكون مكلّفًا بالصلاة والصيام والحجّ والزكاة. فإن قام بالتمهيد لظهور المهديّ فهو معذور في العمل بالظنّ في صلاته وصيامه وحجّه وزكاته حسبما قدّمنا، وإن لم يفعل فلا يُقبل منه ما عمل فيه بالظنّ من صلاته وصيامه وحجّه وزكاته. بناء على هذا، فإنّ التمهيد لظهور المهديّ هو واجب فوريّ مقدّم على سائر الواجبات... الذي لا يستطيع الوصول إلى المهديّ بسبب قصوره، ليس مضطرًّا إلى العمل بالظنّ في جميع الموضوعات؛ لأنّ هناك موضوعات يُعلم حكمها بآية من القرآن، أو خبر متواتر عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته المطهّرين، ولا شكّ أنّ العمل فيها استنادًا إليهما لا يعتبر عملًا بالظنّ، بل هو عمل باليقين، والظاهر أنّ أركان الصلاة والصيام والحجّ والزكاة هي من تلك الموضوعات، ولذلك يجب على القاصر في عدم الوصول إلى المهديّ طلب العلم بالأحكام من خلال النظر في القرآن والسنّة، ليحصل على اليقين بقدر الإمكان. فإن قصّر في ذلك فليس بمعذور في العمل بالظنّ في الموضوعات التي يمكنه التيقّن فيها من خلال ذلك، وإن كان قاصرًا في عدم الوصول إلى المهديّ. [الشبهة والرّدّ ٢٢]

تنبّأت بأنّ العلماء لو رجع إليهم أحد وسألهم دليل فتاويهم من القرآن والسنّة، لا يبخلون بذكره ويقدّمون له، وهذا أمر غير بعيد، إلا أنّه خارج عن موضوع البحث؛ إذ ليس موضوع البحث أنّ العلماء ماذا يفعلون لو رجع إليهم أحد وسألهم دليل فتاويهم من القرآن والسنّة، بل هو هل يجب على الناس أن يرجعوا إليهم ويسألوهم عن دليل فتاويهم من القرآن والسنّة أم لا يجب؟! إنّ هؤلاء يقولون لا يجب؛ لأنّهم يزعمون أنّ الناس يجزيهم العمل بفتاويهم المجرّدة عن الدليل بغير أن يرجعوا إليهم ويسألوهم عن الدليل؛ كما جرت عادة الناس على ذلك، لا سيّما الشيعة؛ لأنّ المعمول به بينهم هو اتّخاذ كتاب يسمّونه «الرسالة العمليّة» أو «رسالة توضيح المسائل» فيه فتاوي مجرّدة عن الدليل لرجل يسمّونه «مرجع التقليد»، وقد بلغ من جهل مراجع تقليدهم أنّهم يكتبون في صدر الكتاب فتوى صورتها: «العمل بما في هذه الرسالة العمليّة مجزية إن شاء اللّه»، في حين أنّ هذا دور واضح لا يصدر ممّن له أدنى نصيب من العلم؛ إذ معناه إفتاؤهم بإجزاء العمل بإفتائهم؛ كما أشار إلى ذلك السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى في مبحث «عدم إمكان تقليد العلماء استنادًا إلى تقليدهم» من كتاب «العودة إلى الإسلام»... هذا مثال واحد على جهل مراجع تقليدهم بالرغم من عِظَم تكبّرهم! فلا عجب أنّهم لا يقومون بدعم السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى، بل لا يبالون بدعوته إلى الدّين الخالص؛ لأنّهم أجهل من أن يعقلوا من هو وماذا يقول! كما لا ينبغي التعجّب من عداوة مقلّديهم معه؛ لأنّ من لا يفهم جهل هؤلاء الجهّال المشهورين، كيف يفهم علم هذا العالم المستور، ومن لا يتنبّه لأفحش التناقضات، كيف يتنبّه لأدقّ الأدلّة والبراهين؟! [الشبهة والرّدّ ٢١]

الحديث المعروف بين أهل الحديث بـ«حديث الرايات»، هو أقدم وأشهر وأصحّ ما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأصحابه وأهل بيته في باب علامات ظهور المهديّ عليه السلام، بحيث أنّه كان مصدر إلهام لكثير من الثورات في تاريخ الإسلام، كثورة عبد الرحمن بن الأشعث (ت٨٥هـ) ضدّ عبد الملك بن مروان، وثورة حارث بن سريج (ت١٢٨هـ) ضدّ نصر بن سيّار، وثورة أبي مسلم الخراسانيّ (ت١٣٧هـ) ضدّ بني أميّة، وانعكس في كتب جميع المذاهب الإسلاميّة... كما روى كثير منهم أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم نظر يومًا إلى فتية من بني هاشم، فتغيّر لونه واغرورقت عيناه، فقيل: يا رسول اللّه، لا نزال نرى في وجهك شيئًا نكرهه، فقال: «إِنَّا أَهْلُ بَيْتٍ اخْتَارَ لَنَا اللَّهُ الْآخِرَةَ عَلَى الدُّنْيَا وَإِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلَاءً وَتَشْرِيدًا وَتَطْرِيدًا، حَتَّى يَأْتِيَ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ -أَوْ قَالَ: مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ- مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ يَسْأَلُونَ الْحَقَّ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، ثُمَّ يَسْأَلُونَهُ فَلَا يُعْطَوْنَهُ، فَيُقَاتِلُونَ فَيُنْصَرُونَ، فَيُعْطَوْنَ مَا سَأَلُوا، فَمَنْ أَدْرَكَهُمْ مِنْكُمْ أَوْ مِنْ أَعْقَابِكُمْ، فَلْيَأْتِهِمْ وَلْيُبَايِعْهُمْ وَلَوْ حَبْوًا عَلَى الثَّلْجِ، فَإِنَّهَا رَايَاتُ هُدًى، يَدْفَعُونَهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا وَظُلْمًا»، وهذا حديث صحيح الإسناد؛ لأنّ رواته من الرجال المشهورين والمرضيّين بين المسلمين... بل الحقّ أنّ هذا الحديث بالغ مبلغ التواتر... والحقّ أنّه لا يوجد في هذا الباب حديث آخر له مثل هذه القدمة والشهرة والأسناد والتأثيرات التاريخيّة. [الشبهة والرّدّ ٢٣]

وفقًا لهذا الحديث [حديث الرايات]، يجب على كلّ مسلم اللحوق بنهضة تظهر في خراسان الكبرى من شرق دار الإسلام مع رايات سود، فتدعو إلى أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عمومًا وإلى المهديّ عليه السلام خصوصًا وتمهّد لحكومة المهديّ عليه السلام، وهي نهضة يعتقد كثير من أهل العلم أنّها نهضة المنصور الهاشمي الخراساني؛ لأنّ نهضة هذا العالم الصالح الجليل قد ظهرت في خراسان الكبرى من شرق دار الإسلام مع رايات سود، فتدعو إلى أهل بيت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عمومًا وإلى المهديّ عليه السلام خصوصًا وتمهّد لحكومة المهديّ عليه السلام، ولم تظهر قبلها في هذه المنطقة نهضة بهذه الصفة، ولو ظهرت بعدها في هذه المنطقة نهضة بهذه الصفة فرضًا ستكون لا محالة تابعة ومواصلة لها؛ لأنّها ستفعل ما بدأته من قبل، ولا معنى لإعادة بدئه كما هو واضح، وعليه فلا يمكن ظهور نهضة أخرى في هذه المنطقة بهذه الصفة إلا أن تكون تابعة لنهضة المنصور، ولا شكّ أنّ اللحوق بالمتبوع أولى من اللحوق بالتابع، بل ليس من المعقول أن لا يأمر اللّه بلحوق المتبوع ثمّ يأمر بلحوق التابع؛ كما قال: ﴿أَفَمَنْ يَهْدِي إِلَى الْحَقِّ أَحَقُّ أَنْ يُتَّبَعَ أَمَّنْ لَا يَهِدِّي إِلَّا أَنْ يُهْدَى ۖ فَمَا لَكُمْ كَيْفَ تَحْكُمُونَ... لذلك، يعتقد المتعقّلون من أهل العلم أنّه لو لم تكن نهضة المنصور الظاهرة في هذه المنطقة للدعوة إلى المهديّ والتمهيد لظهوره تأويل هذا الحديث، فلن تكون أيّ نهضة بعدها تأويل هذا الحديث؛ لأنّ كلّ نهضة ظهرت بعدها في هذه المنطقة لن تخلو من إحدى الحالتين: إمّا ستكون مثلها داعية إلى المهديّ وممهّدة لظهوره، فلن تكون تأويل هذا الحديث مثلها، أو ستكون غير داعية إلى المهديّ وغير ممهّدة لظهوره، فلن تكون تأويل هذا الحديث من باب أولى؛ لأنّ هذا الحديث قد جعل الدعوة إلى المهديّ والتمهيد لظهوره أهمّ صفة تأويله، فإذا لم تكن النهضة التي تدعو إلى المهديّ وتمهّد لظهوره تأويله، فكيف تكون النهضة التي لا تدعو إلى المهديّ ولا تمهّد لظهوره تأويله؟! [الشبهة والرّدّ ٢٣]

لا يُحكم على قائل نظرًا إلى اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة، ولكن يُحكم عليه نظرًا إلى ما يقول. فإن كان ما يقول موافقًا للعقل والشّرع فهو صادق يجب تصديقه وكذلك نصره إن احتاج إلى نصر، بغضّ النظر عن اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة؛ لقول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ... وقوله تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى، وإن كان ما يقول مخالفًا للعقل والشّرع فهو كاذب يجب تكذيبه وكذلك نهيه ومنعه، بغضّ النظر عن اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة؛ لقول اللّه تعالى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ... وقوله تعالى: ﴿تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، ومن الواضح أنّ ما يقول السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى ليس به خفاء؛ لأنّ كتبه ورسائله وأقواله ودروسه وما يتعلّق بها من الأسئلة والأجوبة والشبهات والردود والمقالات والملاحظات منشورة في موقعه الإعلاميّ، ويمكن لكلّ عاقل أن ينظر فيها حتّى تتبيّن له موافقة ما يقول للعقل والشّرع. فمن توقّف في الحكم عليه بعدها لعدم الإطّلاع على اسمه واسم أبيه وبلده وسنّه وصورته وقامته ولباسه وغير ذلك من أوصافه الشخصيّة الظاهريّة، فلا يخلو من إحدى الخصلتين: إمّا سفيه يحكم على الرّجال بالنظر إلى أوصافهم الشخصيّة الظاهريّة، فإن استحسنها مال إليهم، وإن لم يستحسنها أعرض عنهم، وكفى بذلك سفاهة، أو عدوّ لهذا العبد الصالح يتجسّسه ابتغاء السوء والفتنة، ويستطلع أوصافه الشخصيّة التي تمكّنه من الوصول إليه ليقتله أو يأخذه، من فرط بغضه وبغض ما يقول، ومن الواضح أنّه لا وجه لإعانته على ما يريد في أيّ من الحالتين؛ لأنّها إعانة على الإثم والعدوان، وقد قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَعَاوَنُوا عَلَى الْإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۖ إِنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ. [الشبهة والرّدّ ٢٤]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

قد يمكن أن يقال نظرًا إلى معرفة «معيار وموانع المعرفة» التي بيّنها سماحة العلامة في كتاب «العودة إلى الإسلام» بأنّه إذا كان شخص ملتزمًا بمعيار المعرفة ومبتعدًا عن موانع المعرفة، سيهتدي إلى الحقّ بإذن اللّه ويوفّق للعمل بمقتضاه بتوفيق اللّه، لكن يجب الإلتفات إلى أنّ كتاب «العودة إلى الإسلام» هو نقطة البداية. إنّه يبدأ بمعرفة المعرفة ويعلّمنا الطريقة الصحيحة للمعرفة، ثمّ لا يتركنا، بل يكشف لنا عن حقيقة الإسلام والإسلام الحقيقيّ بنفس الطريقة التي علّمنا. قد يمكن أن يقال بأنّ هذا الكتاب يعطي مخاطبه علمًا تفصيليًا يكون مقدّمة للعمل، لكنّ مقدّمة هذا العلم التفصيليّ هي علم إجماليّ وهو علم المخاطب بجهله؛ أعني أن يحتمل المخاطب أنّه لا يعلم بعض الأشياء وأن يكون خاطئًا وأن يكون الذين يحبّونهم ويحترمونهم ويتّبعونهم خاطئين. مثل هذا الشخص يأخذ الكتاب ويقرأه مع الإلتفات إلى هذا الإحتمال ومع الإنصاف وبمعزل عن سوء الظنّ ويهتدي إلى الحقّ إن شاء اللّه. يمكننا تقديم مثال لتبيين هذا الموضوع وهو مثال قرآنيّ. إنّ الطبيب يمكنه معالجة المريض بإذن اللّه ولكن لا يمكنه معالجة الميّت! كذلك سماحة العلامة يمكنه أن يهدي بإذن اللّه من كان مريضًا وليس ميّتًا. من كان قلبه ميّتًا في مستنقع الجهل المركّب والخوف من غير اللّه والتعصّبات الجاهليّة والتكبّر والتقليد الأعمى، لا يمكن هدايته بأيّ حكمة؛ كما قال اللّه: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ. لذلك يجب أن نعوذ باللّه من هذه العيوب التي تميت القلب ونسأله الهداية والرشد لنا وللناس، عسى أن تلين قلوب الناس برحمته ويعودوا إلى خليفته في الأرض ويقيموا الإسلام الخالص والكامل والعدالة العالميّة في الأرض. هذه هي المعرفة التي بيّنها العالم الجليل سماحة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في كتابه ويدعو إليها والحمد للّه ربّ العالمين. [المقالة ٣]

المهديّ؛ محور اتّحاد المسلمين
محمّد سجّاد العامل

ليس هناك شكّ في أنه على رأس كلّ التطلعات والأهداف المشتركة للعالم الإسلامي، هو إقامة العدل العالمي والقضاء على الظلم والفساد في الأرض في ظلّ دولة إسلامية مستقلة وذات حقيقة إسلامية؛ حكومة وعدها الإسلام المسلمين منذ الأيام الأولى، ولا شكّ أنّ أيّ رغبة مشروعة وصحيحة أخرى سوف تتحقّق في هذه الصورة فقطّ، وأنّ جميع مسلمي العالم لديهم هذه الرغبة، سواء كانوا منتبهين أو غير منتبهين. في هذه الأثناء، ما أوقع كثيرًا من المسلمين في الخطأ وحرّفهم عن المسار الأصلي للإسلام، كان هذا الوهم المشؤوم وبلا اساس بأن لا حاجة لهم إلى هداية من اللّه لتحقيق هذه الأهداف السحيقة والأمنية الجميلة وكلّ مجموعة منهم يمكنها أن تتبع أيّ طريقة تراها صحيحة وتختار أيّ شخص رضيت به لقيادتها وإمامتها نحو هذا الطموح الكبير! لكن نرى بوضوح أنّ هكذا وهم مشؤوم وتصوّر ساذج لحدّ الآن أدّى إلى أيّ نتائج وذهب بالمسلمين إلى أيّ وضع! اليوم كلّ مجموعة من المسلمين سلّطت شخصًا على نفسها وبايعت حاكمًا أعجبها. فئة منهم تحالفت مع الكفّار وجعلت الحكّام المسلمين الذين في الواقع هم منافقون خونة وأشرار حكامًا عليهم وفئة أخرى بتحكّم وتهوّر عجيب تقرّ البيعة للأمراء والخلفاء الداعين لأنفسهم وتحميهم من أجل اكتساب المزيد من القوة والسلطة. لذا فالجهل والظلم والعدوان والحرب والفقر صار مستوليًا عليهم وظلّ الفناء والسقوط يثقل على رأسهم. [المقالة ٤]

المهديّ؛ محور اتّحاد المسلمين
محمّد سجّاد العامل

إنّ المسلمين تجاهلوا اللّه ولم يضعوا إرادته ومشيئته في هذا الأمر في الحسبان وتخلّفوا عن الطريقة التي وضعها لهم للوصول إلى هذا الهدف السامي. لقد نسي المسلمون أنّ إذن اللّه وأمره هو أصل واُسّ الخلق وحجر أساس خلقة هذا العالم وكلّ الأُمور والمعادلات والحسابات لا تجري إلّا بمشيئته وإرادته ومن دونها لا تتحرّك حصاة على الأرض. لقد نسي المسلمون أنّ اللّه عيّن سبيلًا وطريقة لتحقيق وعوده ولتحصيلها جعل الإلتزام بهذا السبيل والطريقة ضروريًا. غفل مسلمو العالم عن هذه الحقيقة العظيمة أنّ اللّه تعالى جعل الولاية والبيعة لنفسه فقطّ ونهاهم عن اتّخاذ شريك له فيها وجعل الإشراك فيها مصداقًا للشرك باللّه. حقًّا، كيف لهم أن يصلوا إلى مثل هذا الهدف المقدّس بالشرك باللّه وبمخالفة أمره؟! لا شكّ أنّ اللّه المتعال هو الحاكم الحقيقي والمالك الأصلي لهذا العالم والحكم عليه يليق به حصرًا. لذلك فإنّ تحقّق حكومة العدل العالمية تتيسّر بالطريقة التي يريدها هو فقطّ والحاكم الذي اختاره للناس هو الوحيد الذي يقدر على إقامة العدل لا أحد آخر. هذه حقيقة قد أغفلت ونسيت تمامًا بالرغم من وضوحها وحقانيّتها وبالطبع فإنّ هذا النسيان غريب جدًّا؛ إذ أنّ جميع المسلمين متّفقون على أنّ القائم بالحقّ ومقيم العدل على الأرض والشخص الوحيد الذي أخبر اللّه بخروجه وقيامه بالحقّ والعدل وانتصاره النهائي، بحسب الأخبار المتواترة هو مهديّ آل محمد؛ «الذي يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملأت ظلمًا وجورًا» ولا يوجد هكذا اتّفاق حول شخص آخر. هذا يعني أنّه هو الحاكم الوحيد المشروع والمرضيّ للّه في هذا الزمان وحاليًا الشخص الوحيد الذي يجوز لمسلمي العالم بل يجب عليهم مبايعته، هو المهديّ وكلّ بيعة مع غيره، هي عصيان لأمر اللّه، وبالتالي اتّباع الشيطان وبتعبير القرآن يعدّ التحاكم إلى الطاغوت وهذا يدلّ على غاية أهمية ومحورية مبايعة المهديّ في التعاليم الإسلامية. [المقالة ٤]

المهديّ؛ محور اتّحاد المسلمين
محمّد سجّاد العامل

إنّ مبايعة المهديّ هي بديل مبايعة ظلمة وطواغيت العالم، وبالتالي ستكون السبب في تضعيف قواهم وسقوط حاكميّتهم ومن جهة أخرى يضمن وحدة مسلمي العالم واجتماعهم تحت راية واحدة؛ لأنّه يبدو أنّ اختلاف وتفرّق الأمة ناشئ من الحكومات المختلفة وتحزّب المسلمين هو معلول اتّباعهم للحكّام والقوى السياسية المتفرّقة ومن الطبيعيّ أنّ كلّ فرقة ومجموعة وقوم من المسلمين تتبع زعيمها، وأنّ زعماء العالم الإسلامي كلّ يدعو إلى نفسه ونسي المهدي؛ لأنّهم إمّا أن يكونوا متجاهلين له بالأساس وعاجزين عن ذكر اسمه أو أنّهم يبلّغون أنّ ظهور المهديّ بعيد جدًّا ولا يُعلم في أيّ زمان سيحدث. كذلك يواجه زعماء العالم الإسلامي المهديّ علموا أم جهلوا ويمنعون الرأي العامّ من التأمّل حوله. في مثل هذه الظروف، لو تصوّرنا أنّ نداء الدّعوة للمهديّ والإلتحاق به والإنسلاخ عن غيره يصل إلى جميع المسلمين في العالم ويترك جميعهم الحكّام الذين انتخبوهم من دون إذن اللّه ويهرعون إلى المهديّ، ماذا سيحصل؟ حقًا مع انطلاق نهضة الحماية والطاعة للمهديّ وارتفاع شعار عودة المسلمين إليه، ماذا سيحدث في المنطقة والعالم؟ [المقالة ٤]

المهديّ؛ محور اتّحاد المسلمين
محمّد سجّاد العامل

الظاهر أنّ أول نتيجة مباركة لهكذا حركة توعوية، هي اتّحاد المسلمين في صفّ واحد وتحت بيرق واحد وتعاونهم وتوافقهم في ظلّ مبايعة خليفة اللّه وهذه أول خطوة في طريق تحقّق غايتنا الإسلامية العالية يعني تحقّق حاكميّة المهديّ عليه السلام؛ لأنّه لا ريب أنّ الإتّحاد الحقيقي والتكاتف العميق بين صفوف المسلمين، هو مقدّمة للثورة العالمية المهدوية. باعتقادنا أنّ هكذا نهضة إسلامية مباركة جعلت غايتها اتّحاد جميع المسلمين تحت بيرق المهديّ قد بدأت ونادت بنداء «العودة إلى الإسلام». إنّ قيادة هذه النهضة هي على عاتق العالم الحاذق والمناضل، سماحة العلامة المنصور الهاشمي الخراساني الذي بشجاعة خارقة ومدهشة، وضع كلمة «البيعة للّه» شعارًا لنهضته ويعتقد أنّ المصداق الوحيد للبيعة مع اللّه في عصرنا هو البيعة مع خليفة اللّه المهديّ من آل محمّد وكلّ بيعة أخرى في هذا الزمان، تعدّ مصداقًا لمبايعة الطاغوت. إذن «البيعة للّه» هي بمعنى انحصار الحكومة والقدرة في من اختاره اللّه كخليفة له وذلك ليس سوى المهديّ. هذا الذي بيده راية الإسلام الخالص والكامل، بتقديمه لهكذا قرائة أصيلة ومعتبرة، يعتقد أنّ المهديّ هو عمود خيمة الإسلام وإذا لم يثبَّت هذا العمود في الأرض، لن تقوم خيمة الإسلام. لذا فإنّ وظيفة كلّ فرد من مسلمي العالم، الحماية الكاملة والصادقة للمهديّ والنصرة والعون والطاعة له. لذلك يمكننا تسمية نهضة هذا العالم الكبير نهضة «العودة إلى الإسلام» أو نهضة العودة إلى المهديّ؛ لأنّه هو الركن الركين والمقيم الموعود للإسلام وأنّ العودة إليه في الحقيقة هي العودة إلى الإسلام الحقيقي. [المقالة ٤]