الثلاثاء ١٩ شعبان ١٤٤٦ هـ الموافق لـ ١٨ فبراير/ شباط ٢٠٢٥ م

المنصور الهاشمي الخراساني

 جديد الأسئلة والأجوبة: ما حكم قتل الكلاب السائبة؟ وما حكم العمل في الشركات التي تقوم بذلك؟ اضغط هنا لقراءة الجواب. جديد الشبهات والردود: لا شكّ أنّ رايتكم راية الحقّ؛ لأنّها تدعو إلى المهديّ بالحكمة والموعظة الحسنة والمجادلة بالتي هي أحسن، ولكن قد تأخّر ظهورها إلى زمان سوء. فلما لم تظهر قبل ذلك، ولما تأخّرت حتّى الآن؟! اضغط هنا لقراءة الرّدّ. جديد الكتب: تمّ نشر الكتاب القيّم «الدّرّ المنضود في طرق حديث الرّايات السّود؛ من أمالي السيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ أيّده اللّه تعالى». اضغط هنا لقراءته. جديد الدروس: دروس من جنابه في حقوق العالم الذي جعله اللّه في الأرض خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره؛ ما صحّ عن النّبيّ في ذلك؛ الحديث ٢. اضغط هنا لقراءته. جديد الأقوال: ثلاثة أقوال من جنابه في حكم التأمين. اضغط هنا لقراءتها. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة. جديد المقالات والملاحظات: تمّ نشر مقالة جديدة بعنوان «مقال حول كتاب <تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين> للعلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى» بقلم «حسن الميرزائي». اضغط هنا لقراءتها. جديد الرسائل: جزء من رسالة جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من الجليس السوء. اضغط هنا لقراءتها. جديد السمعيّات والبصريّات: تمّ نشر فيلم جديد بعنوان «الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني (٢)». اضغط هنا لمشاهدته وتحميله. لقراءة أهمّ محتويات الموقع، قم بزيارة الصفحة الرئيسيّة.
loading
إقامة عين الإسلام

إنّ الإسلام، إذا كان مختلطًا بعقائد وأحكام غير أصليّة، لا علاقة له باللّه عمومًا، والعمل به غير مجزٍ؛ لأنّ ما تكوّن من تمازج العناصر الإسلاميّة والعناصر غير الإسلاميّة ليس الإسلام في الحقيقة، بل هو مخترَع جديد يسمّى الإسلام تسامحًا، وبالتّالي فإنّ إقامته ليست إقامة الإسلام، وإن اعُتبرت عند العرف إقامة الإسلام. [العودة إلى الإسلام، ص١٠٧]

إقامة عين الإسلام

إنّ عبادة اللّه بدين لم يُخلص له وقد خُلّط بالعقائد والأحكام الناشئة من غيره، ليست ما تعلّق به أمره ولا تجزي، ومن هنا يعلم فساد الأعمال العباديّة المبنيّة على الظنّ أو المختلطة بالبدعة، أو عدم قبولها؛ لأنّ الظنّيّات ليست من الإسلام، وبدعة واحدة في العبادة تبطل كلّها. [العودة إلى الإسلام، ص١٠٨]

إقامة كلّ الإسلام

من الضروريّ إقامة كلّه كاملة وبعيدة عن التبعيض والإختيار؛ لأنّ الإسلام هو مجموعة مترابطة ومتشابكة مثل نظام دقيق وسلسلة متّصلة الحلقات، قد تمّ تشريع كلّ جزء منها اعتبارًا لأجزائها الأخرى، بحيث أنّه لولا الأجزاء الأخرى لما كان قابلًا للتشريع، وربما كان تشريعه ناقضًا للغرض؛ كحبّات المسبحة، التي كلّ منها مصنوعة على أنّها جزء من الكلّ، وليس لها قيمة بمفردها، ولا تنفع إلّا في ضمن الكلّ، ولذلك يعتمد وجود أجزائها على وجود كلّها، وبزوال كلّها تزول أجزاؤها أيضًا. هكذا قد تمّ تشريع أجزاء الإسلام بالنّظر إلى كلّه، وهي غير نافعة إلّا في حالة إقامة كلّه، بل قد تكون إقامة بعضها بمفردها من دون إقامة كلّه ضارّة؛ كأدوية وصفها الطبيب بالنّظر إلى مجموعها معًا، ومن الخطير تناول بعضها بشكل منفصل عن بعضها الآخر. [العودة إلى الإسلام، ص١٠٨]

إقامة كلّ الإسلام

إنّ الإلتزام بالإسلام النّاقص لا يقلّ خطورة من عدم الإلتزام بالإسلام، إن لم يكن أكثر خطورة منه؛ كما أنّ المسلمين لديهم مشاكل أكبر من غيرهم في نواحٍ عديدة، وهذا يرجع إلى التزامهم بالإسلام النّاقص. طبعًا هذا لا يعني ضرورة نبذ الإسلام، بل على العكس من ذلك يعني ضرورة إقامته بشكل كامل؛ لأنّ اللّه بمقتضى كماله قد أكمله وأخبر عن كماله، وإن كان قد ظهر فيه نقص تسبّب في عدم تكامل المسلمين، فذلك لم يكن من عند اللّه، ولكن كان من عند أنفسهم؛ لأنّهم قد أخذوا أجزاء من الإسلام وتركوا أجزاء منه ولم يقيموا كلّه بالكامل. [العودة إلى الإسلام، ص١٠٩]

إقامة كلّ الإسلام

إنّ الإسلام يؤدّي إلى تحقّق السّعادة والخلاص من المشاكل إذا أقيم كلّه كحكم واحد؛ نظرًا لأنّ الإسلام هو في الحقيقة حكم واحد، والأجزاء الموجودة فيه تشبه أجزاء موجودة في جهاز تشكّل على تعدّدها جهازًا واحدًا، وعدم عمل كلّ منها يؤثّر على عمل سائر الأجزاء ويمنع الجهاز كلّه من العمل. [العودة إلى الإسلام، ص١٠٩]

رسالة من جنابه إلى بعض أصحابه يعظه فيها ويحذّره من حبّ الدّنيا.

إِنَّ أَنْصَارَ الْمَهْدِيِّ مُتَخَلِّقُونَ بِأَخْلَاقِ الأَنْبِيَاءِ، وَمُتَأَدِّبُونَ بِآدَابِ الصِّدِّيقِينَ؛ يَخْضَعُونَ لِلْحَقِّ عِنْدَمَا يَتَبَيَّنُ لَهُمْ، وَيُعْرِضُونَ عَنِ الْبَاطِلِ عِنْدَمَا يَفْتَضِحُ عِنْدَهُمْ؛ لَيْسُوا بِمُتَعَصِّبِينَ وَلَا مُتَعَنِّتِينَ، وَلَا أَبْذِيَاءَ وَلَا مَهَاذِيرَ؛ لَا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، وَيُجَانِبُونَ الْمُفْتَرِينَ؛ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِ فَضِيلَتِهَا، وَيُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ يَكْظِمُونَ الْغَيْظَ، وَيَتَجَاوَزُونَ عَنْ إِسَاءَةِ النَّاسِ؛ يُحْسِنُونَ بِوَالِدَيْهِمْ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى سُوءِ خُلْقِهِمَا؛ لَا يُهِينُونَ أَصْدِقَاءَهُمْ بِذَرِيعَةِ الصَّدَاقَةِ، وَلَا يَظْلِمُونَ أَعْدَاءَهُمْ بِحُجَّةِ الْعَدَاوَةِ؛ يُدَارُونَ الْجُهَّالَ، وَلَا يُمَارُونَ السُّفَهَاءَ؛ لَيْسُوا بِثَرْثَارِينَ وَلَا ضَحَّاكِينَ وَلَا نَوَّامِينَ وَلَا أَكَّالِينَ؛ يَمْسِكُونَ عِنَانَ شَهْوَتِهِمْ، وَلَا يُهْمِلُونَ جَانِبَ الْعِفَّةِ؛ لَيْسُوا زَائِغِي أَعْيُنٍ وَلَا قَلِيلِي حَيَاءٍ وَلَا مُرآئِينَ وَلَا هَذَّائِينَ؛ لَا يُوَالُونَ الْفَاسِقِينَ، وَلَا يُجَالِسُونَ الظَّالِمِينَ؛ يَشْتَغِلُونَ بِالْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ، وَلَا يُضِيعُونَ وَقْتَهُمْ؛ يَأْنِسُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَعْرِفُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ؛ لَا يُنْكِرُونَ تَعَالِيمَ الْعَالِمِ وَلَا يُعَادُونَهُ، بَلْ يُجِيبُونَ دَعْوَتَهُ وَيُسَارِعُونَ إِلَى نُصْرَتِهِ، حِينَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْمَهْدِيِّ لِيَجْمَعَهُمْ لِنُصْرَتِهِ. [الرسالة الثانية]

جزء من رسالة جنابه يحذّر فيها المسلمين من عدم المعرفة، ويدعوهم إلى طلب العلم بالدّين، ومعرفة الحقّ والباطل.

اعْلَمُوا أَنَّ الدُّنْيَا قَدْ أَوْشَكَتْ عَلَى نِهَايَتِهَا، وَحَانَ آخِرُ الزَّمَانِ، وَبَزَغَ فَجْرُ الْمَوَاعِيدِ. الْآنَ نَعِيشُ نَحْنُ وَأَنْتُمْ فِي عَصْرٍ قَدْ عَمَّ فِيهِ الْفِتْنَةُ وَالْهَرْجُ جَمِيعَ الْأَرْجَاءِ، وَشَاعَ فِيهِ الظُّلْمُ وَالْفَسَادُ، وَكَثُرَتِ الشُّبْهَةُ، وَإِنَّمَا سُمِّيَتِ الشُّبْهَةُ «شُبْهَةً» لِأَنَّهَا تُوقِعُ الْإِنْسَانَ فِي «الْإِشْتِبَاهِ»، وَتَجْعَلُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ «مُشْتَبِهَيْنِ». فَلَوْ كَانَ الْحَقُّ وَاضِحًا لَمْ يَخْفَ عَلَى أَحَدٍ، وَلَوْ كَانَ الْبَاطِلُ سَافِرًا لَافْتَضَحَ عِنْدَ الْجَمِيعِ، لَكِنَّ الْحَقَّ يَتَوَارَى خَلْفَ سُحُبِ الْبَاطِلِ، وَالْبَاطِلَ يَتَقَنَّعُ بِقِنَاعِ الْحَقِّ، وَهُنَالِكَ يَصْعُبُ تَمْيِيزُهُمَا. لَقَدْ عَلِمَ الشَّيْطَانُ أَنَّهُ إِنْ يَدْعُكُمْ إِلَى الْبَاطِلِ وَيَأْمُرْكُمْ بِالضَّلَالَةِ صَرَاحَةً، لَا تُجِيبُوا دَعْوَتَهُ وَلَا تُطِيعُوا أَمْرَهُ، وَلِذَلِكَ عَنِ الْيَمِينِ يَدْعُوكُمْ إِلَى الْحَقِّ وَيَأْمُرُكُمْ بِالْهِدَايَةِ، وَعَنِ الشِّمَالِ يُزَيِّنُ لَكُمُ الْبَاطِلَ حَتَّى تَرَوْهُ حَقًّا، وَيُسَوِّلُ لَكُمُ الضَّلَالَةَ حَتَّى تَحْسَبُوهَا هِدَايَةً! هُنَالِكَ تُجِيبُونَ دَعْوَتَهُ وَتُطِيعُونَ أَمْرَهُ، فَتَقَعُونَ فِي الْبَاطِلِ شَوْقًا إِلَى الْحَقِّ، وَتَخْضَعُونَ لِلضَّلَالَةِ بِاسْمِ الْهِدَايَةِ، وَعَصْرُنَا طَافِحٌ بِهَذِهِ الشُّبُهَاتِ. [الرسالة الثالثة]

جزء من رسالة جنابه يحذّر فيها المسلمين من عدم المعرفة، ويدعوهم إلى طلب العلم بالدّين، ومعرفة الحقّ والباطل.

أَفِيقُوا، وَاسْتَيْقِظُوا، وَقُومُوا! فَوَاللَّهِ لَا بُدَّ لَكُمْ مِنَ «الْمَعْرِفَةِ»، وَلَا يَسْتَقِيمُ أَمْرُكُمْ إِلَّا «بِالْعِلْمِ». الْآنَ يَدْعُوكُمُ الْمَعْرِفَةُ كَمَلَكٍ، وَيُنَادِيكُمُ الْعِلْمُ كَنَبِيٍّ، صَائِحًا فِي أَسْوَاقِكُمْ، وَهَاتِفًا عَلَى سُطُوحِ بُيُوتِكُمْ، أَنْ «يَا أَيُّهَا الْغَافِلُونَ! قَدْ أَدْبَرَ لَيْلُ الْغَفْلَةِ، وَطَلَعَ فَجْرُ الْمَعْرِفَةِ. فَالْآنَ اسْتَيْقِظُوا، وَسَارِعُوا إِلَيَّ، وَلَا يَصُدَّنَّكُمْ عَنِّي شَيْءٌ؛ لِأَنِّي أَكْثَرُ ضَرُورَةً لَكُمْ مِنْ قُوتِ يَوْمِكُمْ، وَأَكْثَرُ نَفْعًا لَكُمْ مِنْ مَكَاسِبِكُمْ وَأَهْلِيكُمْ. أَنَا الْوَحِيدُ الَّذِي يَبْقَى مَعَكُمْ، وَلَا يُفَارِقُكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ؛ فَإِنَّ أَمْوَالَكُمْ تَفْنَى، وَأَزْوَاجَكُمْ تَمُوتُ، وَأَوْلَادَكُمْ تَفْتَرِقُ، وَلَكِنِّي لَا أَفْنَى وَلَا أَمُوتُ وَلَا أُفَارِقُكُمْ أَبَدًا، بَلْ أَحْفَظُكُمْ كَمَا أَحْفَظُ نَفْسِي، وَأُوصِلُكُمْ مَعِي إِلَى الْخُلُودِ. إِنْ كُنْتُ مَعَكُمْ لَمْ يَضُرَّكُمْ شَيْءٌ، وَإِنْ لَمْ أَكُنْ مَعَكُمْ لَمْ يَنْفَعْكُمْ شَيْءٌ. فَأَيُّ صَادٍّ يَصُدُّكُمْ عَنِّي، وَأَيُّ مُغْنٍ يُغْنِيكُمْ عَنِّي؟!»، هَكَذَا يَدْعُوكُمُ الْمَعْرِفَةُ إِلَى نَفْسِهَا، وَيُنَادِيكُمُ الْعِلْمُ إِلَى نَفْسِهِ. فَأَجِيبُوا دَعْوَةَ الْمَعْرِفَةِ، وَاسْمَعُوا نِدَاءَ الْعِلْمِ. قُومُوا لِمَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَاهْتَمُّوا بِتَعَلُّمِ الصَّحِيحِ مِنَ الْخَطَإِ؛ وَمَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ؟! وَمَعْرِفَةُ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ قِوَامُ إِنْسَانِيَّتِكُمْ، وَتَعَلُّمُ الصَّحِيحِ وَالْخَطَإِ أَسَاسُ شَخْصِيَّتِكُمْ. كَيْفَ يُسَمِّي نَفْسَهُ إِنْسَانًا مَنْ يُبْغِضُ الْمَعْرِفَةَ؟! وَلِمَ لَا يُسَمِّي نَفْسَهُ فَرَسًا مَنْ هُوَ بَعِيدٌ مِنَ الْعِلْمِ؟! عِلْمُ الْإِنْسَانِ عِمَادُ شَرَفِهِ، وَمَعْرِفَتُهُ سَبَبُ عِزَّتِهِ. لَا أَعْنِي بِالْمَعْرِفَةِ الرِّيَاضِيَّاتِ وَالْهَنْدَسَةَ وَمَا شَابَهَهُمَا، وَلَا أُرِيدُ بِالْعِلْمِ الْفِقْهَ وَالْأُصُولَ وَالْمَنْطِقَ وَالْفَلْسَفَةَ! هَذِهِ كُلُّهَا فَضْلٌ قَدْ أَصْبَحَ الْيَوْمَ فِتْنَةً، وَلَا تَقُومُ عَلَيْهَا إِنْسَانِيَّتُكُمْ! إِنَّمَا أُرِيدُ بِالْعِلْمِ تَمْيِيزَ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَأَعْنِي بِالْمَعْرِفَةِ تَشْخِيصَ الْهِدَايَةِ مِنَ الضَّلَالَةِ. كَمْ مِنْ فَقِيهٍ وَفَيْلَسُوفٍ قَدْ أُدْخِلَ النَّارَ، وَكَمْ مِنْ طَبِيبٍ وَمُهَنْدِسٍ لَمْ يَنَالِ الْفَلَاحَ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يَعْرِفِ الْحَقَّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَلَمْ يَعْلَمِ الْهِدَايَةَ مِنَ الضَّلَالَةِ! [الرسالة الثالثة]

جزء من رسالة جنابه يحذّر فيها المسلمين من عدم المعرفة، ويدعوهم إلى طلب العلم بالدّين، ومعرفة الحقّ والباطل.

الْمَعْرِفَةُ تَنْصُرُ صَاحِبَهَا، وَالْعِلْمُ يُنْجِي صَدِيقَهُ. هَذَانِ لَكُمْ كَالْمَاءِ لِلْعَطْشَانِ، وَالطَّعَامِ لِلْجَائِعِ، وَالدَّلِيلِ لِلتَّائِهِ، وَالْأَنِيسِ لِلْوَحِيدِ. هَذَانِ ظَهِيرٌ لَكُمْ، وَعَصًا لِأَيْدِيكُمْ. هَذَانِ دَوَاءٌ لِأَدْوَائِكُمْ، وَبَلْسَمٌ لِجُرُوحِكُمْ. هَذَانِ مِفْتَاحٌ لِأَبْوَابِكُمُ الْمُغْلَقَةِ، وَبَوَّابَةٌ إِلَى سَعَادَتِكُمْ. هَذَانِ رَأْسُ مَالِكُمْ فِي يَوْمِ حَاجَتِكُمْ، وَمُغِيثُكُمْ فِي يَوْمِ مَسْكَنَتِكُمْ. هَذَانِ لَكُمْ قَادَةٌ لَا يُضِلُّونَ، وَحُكَّامٌ لَا يَظْلِمُونَ. هَذَانِ لَكُمْ بُيُوتٌ لَا تَنْهَارُ، وَأَرَاضٍ دَائِمَةُ الْخَضَارِ. هَذَانِ لَكُمْ أَمْوَالٌ لَا تُسْرَقُ، وَعُمَّالٌ لَا تَنِي. هَذَانِ لَكُمْ أَزْوَاجٌ لَا تُفَارِقُ، وَأَوْلَادٌ لَا تَجْفُو. هَذَانِ لَكُمْ أَصْدِقَاءُ لَنْ يَخُونُوا، وَرُفَقَاءُ لَنْ يَخْذُلُوا. فَتَوَجَّهُوا إِلَيْهِمَا، وَلَا يَصُدَّنَّكُمْ عَنْهُمَا شَيْءٌ. اعْرِفُوا الصِّدْقَ مِنَ الْكَذِبِ، وَالصَّحِيحَ مِنَ الْخَطَإِ؛ فَإِنَّ عَدَمَ الْمَعْرِفَةِ سَارِقُ دِينِكُمْ وَدُنْيَاكُمْ، وَعَدَمَ التَّمْيِيزِ سَبَبُ نَدَامَتِكُمْ. [الرسالة الثالثة]

جزء من رسالة جنابه يحذّر فيها المسلمين من عدم المعرفة، ويدعوهم إلى طلب العلم بالدّين، ومعرفة الحقّ والباطل.

الْجَهْلُ فِي هَذَا الزَّمَانِ ذَنْبٌ لَا يُغْتَفَرُ وَخَطَأٌ لَا يُتَدَارَكُ. فِي هَذَا الزَّمَانِ، إِنْ لَا تَعْرِفُوا الْحَقَّ تُخْدَعُوا، وَإِنْ لَا تَمِيزُوا الْهِدَايَةَ تُغَرُّوا؛ إِنَّ شَيَاطِينَ الْجِنِّ يَبِيعُونَكُمُ الْبَاطِلَ بَدَلًا مِنَ الْحَقِّ، وَشَيَاطِينَ الْإِنْسِ يُطْعِمُونَكُمُ الضَّلَالَةَ بِاسْمِ الْهِدَايَةِ. لَا يَزَالُ يُوجَدُ مُنْتَهِزُونَ يَنْتَهِزُونَ جَهْلَكُمْ وَيَسْتَغِلُّونَ غَفْلَتَكُمْ، لِيَتَسَبَّبُوا بِكُمْ إِلَى السُّلْطَةِ وَالثَّرْوَةِ، فَيَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ وَأَنْفُسَكُمْ. فَلَوْ كُنْتُمْ وَاعِينَ لَمْ يَتَسَلَّطُوا عَلَيْكُمْ، وَلَوْ كُنْتُمْ فَاطِنِينَ لَمْ يَتَغَلَّبُوا عَلَيْكُمْ. أَلَيْسَ يَقْصُدُ السَّارِقُ الْبَيْتَ فِي ظُلْمَةِ اللَّيْلِ، وَيَقَعُ السَّمَكُ فِي الشَّبَكَةِ فِي الْمَاءِ الْعَكِرِ؟! كُونُوا عَلَى حَذَرٍ، وَلَا تَظِلُّوا جَاهِلِينَ وَغَافِلِينَ بَعْدَ هَذَا. بَادِرُوا إِلَى مَعْرِفَةِ الْحَقِّ مِنَ الْبَاطِلِ، وَاسْعَوْا لِتَشْخِيصِ الْهِدَايَةِ مِنَ الضَّلَالَةِ، قَبْلَ أَنْ يَفُوتَكُمُ الْأَوَانُ... أَلَيْسَ فِيكُمْ رَجُلٌ عَاقِلٌ يَتَلَقَّى حِكْمَتِي، وَامْرَأَةٌ فَاهِمَةٌ تَقْبَلُ نَصِيحَتِي؟! أَيْنَ فُطُنُكُمْ لِيَفْقَهُوا قَوْلِي، وَمَنْ وُعَاتُكُمْ لِيُجِيبُوا دَعْوَتِي؟! طُوبَى لِلَّذِينَ يَطْلُبُونَ الْعِلْمَ؛ لِأَنَّهُمْ سَيُفْلِحُونَ، وَتَعْسًا لِلَّذِينَ يَتَمَادَوْنَ فِي الْجَهَالَةِ؛ لِأَنَّهُمْ سَيَشْقَوْنَ... [الرسالة الثالثة]

في تعريف العلم وأصله

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ يَقُولُ: الْعِلْمُ نُورٌ يَقْذِفُهُ اللَّهُ فِي قَلْبِ مَنْ يَشَاءُ لِيُرِيَهُ فِيهِ مَا يَكُونُ، وَلَوْ أَنَّ النَّاسَ أَجْهَدُوا أَنْفُسَهُمْ وَرَكِبَ بَعْضُهُمْ بَعْضًا لِكَيْ يَعْلَمُوا مِمَّا يَكُونُ شَيْئًا لَا يَعْلَمُونَهُ حَتَّى يُعَلِّمَهُمُ اللَّهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿سُبْحَانَكَ لَا عِلْمَ لَنَا إِلَّا مَا عَلَّمْتَنَا ۖ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ. [القول ٣٥]

في من ينكر المهديّ قبل ظهوره وبعده.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ يُنْكِرُ الْمَهْدِيَّ وَيَقُولُ إِنَّهُ مِنَ الْخُرَافَاتِ! قَالَ: أَفَيُنْكِرُهُ رَجُلٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ؟! كَالْمُسْتَبْعِدِ لِذَلِكَ! قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: سَوْفَ يَتَبَيَّنُ لَهُ أَنَّهُ الْحَقُّ، قُلْتُ: أَفَلَمْ يَكْفُرْ بِذَلِكَ؟! قَالَ: لَا، وَلَكِنْ ضَلَّ ضَلَالًا مُبِينًا، ثُمَّ قَالَ: لَا يَكْفُرُونَ حَتَّى يَجْحَدُوا آيَةً مِنَ الْقُرْآنِ. [الفقرة ١ من القول ٣٦]

في من ينكر المهديّ قبل ظهوره وبعده.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: رِوَايَةٌ يَرْوُونَهَا عَنْ جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ آبَائِهِ، عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: مَنْ أَنْكَرَ الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِي يَعْنِي الْمَهْدِيَّ فَقَدْ أَنْكَرَنِي، فَقَالَ: هُوَ كَذَلِكَ إِذَا أَنْكَرَهُ بَعْدَ أَنْ سَمِعَ النِّدَاءَ بِاسْمِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِذَا سَمِعْتُمُ النِّدَاءَ بِاسْمِهِ فَقَدْ رَدِفَ لَكُمْ بَعْضُ الِّذِي تَسْتَعْجِلُونَ. [الفقرة ٢ من القول ٣٦]

في من ينكر المهديّ قبل ظهوره وبعده.

أَخْبَرَنَا بَعْضُ أَصْحَابِنَا، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: لَقَدْ حَيَّرَتْنِي آيَةٌ فِي الْقُرْآنِ! قَالَ: وَمَا هِيَ؟ قُلْتُ: قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿فَمِنْكُمْ كَافِرٌ وَمِنْكُمْ مُؤْمِنٌ، فَأَيْنَ الضَّالُّ الَّذِي لَيْسَ بِكَافِرٍ وَلَا مُؤْمِنٍ؟! قَالَ: يَا فُلَانُ! إِنَّ النَّاسَ كَانُوا أُمَّتَيْنِ مَا دَامَ فِيهِمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أُمَّةً كَافِرَةً وَأُمَّةً مُؤْمِنَةً، فَلَمَّا تُوُفِّيَ أَصْبَحُوا ثَلَاثَ أُمَمٍ: أُمَّةً كَافِرَةً وَأُمَّةً ضَالَّةً وَأُمَّةً مُؤْمِنَةً، وَلَا يَزَالُونَ كَذَلِكَ حَتَّى يَأْتِيَهُمُ الْمَهْدِيُّ، فَإِذَا أَتَاهُمُ الْمَهْدِيُّ أَصْبَحُوا أُمَّتَيْنِ كَمَا كَانُوا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أُمَّةً كَافِرَةً وَأُمَّةً مُؤْمِنَةً، قُلْتُ: لِمَ ذَلِكَ؟ قَالَ: لِأَنَّهُ يَأْتِيهِمْ بِآيَةٍ مِنَ اللَّهِ كَمَا أَتَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَمَنْ صَدَّقَهُ فَهُوَ مُؤْمِنٌ وَمَنْ كَذَّبَهُ فَهُوَ كَافِرٌ، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَرَّجْتَ عَنِّي فَرَّجَ اللَّهُ عَنْكَ! [الفقرة ٣ من القول ٣٦]

في ذكر المذاهب وبيان أنّه حنيف مسلم لا يتمذهب بأحد منها، ولا يصدق عليه السنّيّ أو الشيعيّ بالمعنى الشائع.

أَخْبَرَنَا رَجُلَانِ مِنْ أَصْحَابِنَا، قَالَا: كُنَّا عِنْدَ الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ فِي دَارِهِ، فَذَكَرْنَا الْمَذَاهِبَ، فَقَالَ: لَا يَذْهَبَنَّ بِكُمُ الْمَذَاهِبُ! إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ وَأَكْمَلَهُ لَكُمْ، وَجَعَلَ لَهُ حَدًّا بَيِّنًا كَحُدُودِ دَارِي هَذِهِ، فَمَا كَانَ فِي الطَّرِيقِ فَهُوَ مِنَ الطَّرِيقِ، وَمَا كَانَ فِي الدَّارِ فَهُوَ مِنَ الدَّارِ! [الفقرة ١ من القول ٣٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ صَفْوَانَ بْنِ يَحْيَى، عَنِ ابْنِ مُسْكَانَ، عَنِ الْحَسَنِ بْنِ زِيَادٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لَا يَصْلُحُ النَّاسُ إِلَّا بِإِمَامٍ وَلَا تَصْلُحُ الْأَرْضُ إِلَّا بِذَلِكَ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: بِهَذَا نَقُولُ وَإِلَيْهِ نَدْعُو، وَقَالَ: لَا يَزَالُ أَمْرُ النَّاسِ يَذْهَبُ سَفَالًا حَتَّى يَرْجِعُوا إِلَى الْإِمَامِ الَّذِي أَمَرَهُمُ اللَّهُ بِطَاعَتِهِ. [الباب ١، الدرس ٦٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنْ سَعْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى بْنِ عُبَيْدٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سِنَانٍ وَصَفْوَانِ بْنِ يَحْيَى وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْمُغَيْرَةِ وَعَلِيِّ بْنِ النُّعْمَانِ كُلِّهِمْ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُسْكَانَ، عَنْ أَبِي بَصِيرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَدَعِ الْأَرْضَ إِلَّا وَفِيهَا عَالِمٌ يَعْلَمُ الزِّيَادَةَ وَالنُّقْصَانَ، فَإِذَا زَادَ الْمُؤْمِنُونَ رَدَّهُمْ وَإِنْ نَقَصُوا أَكْمَلَهُ لَهُمْ، فَقَالَ: خُذُوهُ كَامِلًا، وَلَوْلَا ذَلِكَ لَالْتَبَسَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَمْرُهُمْ، وَلَمْ يُفَرَّقْ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: كَذَلِكَ نَقُولُ لِلنَّاسِ: خُذُوا الدِّينَ كَامِلًا لَا نُقْصَانَ فِيهِ وَخَالِصًا لَا زِيَادَةَ مَعَهُ؛ فَإِنَّمَا مَثَلُهُ كَمَثَلِ النَّارِ إِنِ ازْدَادَتْ حَرَّقَتِ الطَّعَامَ وَإِنْ نَقَصَتْ لَمْ تَطْبَخْهُ. [الباب ١، الدرس ٧٣]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ بِإِمَامٍ مَيِّتٍ؛ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ فِيهَا إِقَامَةُ حُدُودِهِ وَتَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ وَإِدَارَةُ أَمْوَالِهِ وَجِهَادُ أَعْدَائِهِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى إِمَامٍ حَيٍّ، فَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ أَبْدَلَ اللَّهُ مَكَانَهُ مِثْلَهُ أَوْ خَيْرًا مِنْهُ عَلَى سُنَّتِهِ فِي النَّسْخِ وَالْإِنْسَاءِ؛ كَمَا قَالَ: ﴿مَا نَنْسَخْ مِنْ آيَةٍ أَوْ نُنْسِهَا نَأْتِ بِخَيْرٍ مِنْهَا أَوْ مِثْلِهَا ۗ أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَإِلَى قَوْلِي هَذَا أَشَارَ جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ -فِيمَا رُوِيَ عَنْهُ- إِذْ قَالَ لِعِيسَى بْنِ عَبْدِ اللَّهِ: أَمَا إِنَّكَ يَا عِيسَى لَا تَكُونُ مُؤْمِنًا حَتَّى تَعْرِفَ النَّاسِخَ مِنَ الْمَنْسُوخِ، قَالَ: جُعِلْتُ فِدَاكَ وَمَا مَعْرِفَةُ النَّاسِخِ مِنَ الْمَنْسُوخِ؟ قَالَ: أَلَيْسَ تَكُونُ مَعَ الْإِمَامِ مُوَطِّنًا نَفْسَكَ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ فِي طَاعَتِهِ فَيَمْضِي ذَلِكَ الْإِمَامُ وَيَأْتِي إِمَامٌ آخَرُ فَتُوَطِّنُ نَفْسَكَ عَلَى حُسْنِ النِّيَّةِ فِي طَاعَتِهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: هَذَا مَعْرِفَةُ النَّاسِخِ مِنَ الْمَنْسُوخِ وَرُوِيَ أَنَّ الْمُعَلَّى بْنَ خُنَيْسٍ سَأَلَهُ عَنِ الْحَدِيثِ الَّذِي يُرْوَى عَنِ الْإِمَامِ الْمَاضِي، فَقَالَ: خُذُوا بِهِ حَتَّى يَبْلُغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ، فَإِنْ بَلَغَكُمْ عَنِ الْحَيِّ فَخُذُوا بِقَوْلِهِ. [الباب ١، الدرس ٧٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ بِإِمَامٍ غَائِبٍ؛ لِأَنَّهُ لَا يَسْتَطِيعُ فِي غَيْبَتِهِ أَنْ يُقِيمَ الْحُدُودَ وَيَأْخُذَ الصَّدَقَاتِ وَيُنَفِّذَ الْأَحْكَامَ وَيُجَاهِدَ الْأَعْدَاءَ وَلَوْ تَنَاوَلَ ذَلِكَ غَيْرُهُ عَجَزَ عَنْ كَثِيرٍ؛ لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِيهِ وَلَا يُوَفِّقُهُ وَلَوْ أَدْرَكَ شَيْئًا لَا يُقْبَلُ مِنْهُ؛ لِأَنَّهُ لَمْ يُدْرِكْهُ مِنَ الْوَجْهِ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ وَقَدْ قَالَ اللَّهُ: ﴿وَلَيْسَ الْبِرُّ بِأَنْ تَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ ظُهُورِهَا وَلَكِنَّ الْبِرَّ مَنِ اتَّقَى ۗ وَأْتُوا الْبُيُوتَ مِنْ أَبْوَابِهَا ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ. [الباب ١، الدرس ٧٨]

في أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره.

رَوَى عَلِيُّ بْنُ بَابَوَيْهِ [ت٣٢٩ه‍] فِي «الْإِمَامَةِ وَالتَّبْصِرَةِ»، عَنِ الْحِمْيَرِيِّ، عَنِ السِّنْدِيِّ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْعَلَاءِ بْنِ رَزِينٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: لَا تَبْقَى الْأَرْضُ بِغَيْرِ إِمَامٍ ظَاهِرٍ أَوْ بَاطِنٍ.

قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّ اللَّهَ لَا يُعْبَدُ فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِإِمَامٍ حَيٍّ ظَاهِرٍ؛ لِأَنَّ عِبَادَتَهُ فِيهَا إِقَامَةُ حُدُودِهِ وَتَنْفِيذُ أَحْكَامِهِ وَإِدَارَةُ أَمْوَالِهِ وَجِهَادُ أَعْدَائِهِ وَهِيَ مُحْتَاجَةٌ إِلَى إِمَامٍ حَيٍّ ظَاهِرٍ، فَإِنْ لَمْ يَجْعَلْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا فَمَا أَتَمَّ نِعْمَتَهُ عَلَى عِبَادِهِ وَمَا جَعَلَ لَهُمْ طَرِيقًا إِلَى عِبَادَتِهِ. فَإِنْ تَرَكُوا عِبَادَتَهُ فَلَيْسَ لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةٌ، إِلَّا أَنْ يَجْعَلَ لَهُمْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا، فَحَمَلُوهُ عَلَى الْإِخْتِفَاءِ بِظُلْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ثُمَّ تَرَكُوا عِبَادَةَ اللَّهِ فَقَدْ جَعَلُوا لِلَّهِ عَلَيْهِمْ حُجَّةً؛ كَمَا قَالَ: ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ أَيْدِيكُمْ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ، وَقَالَ: ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ إِنْ جَعَلَ لَهُمْ إِمَامًا حَيًّا ظَاهِرًا فَقَتَلُوهُ بِظُلْمِهِمْ؛ لِأَنَّهُمْ إِذَا حَمَلُوهُ عَلَى الْإِخْتِفَاءِ يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُظْهِرُوهُ إِذَا تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَلَكِنَّهُمْ إِنْ قَتَلُوهُ لَا يَسْتَطِيعُونَ أَنْ يُحْيُوهُ وَالْإِمَامُ إِذَا كَانَ مُخْتَفِيًا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُعِينَهُمْ عَلَى التَّوْبَةِ وَالْإِصْلَاحِ بِدُعَائِهِ وَبَرَكَاتِهِ وَاتِّصَالِهِ بِبَعْضِ الصَّالِحِينَ وَرُبَمَا يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْمُنْكَرِ مِنْ دُونِ أَنْ يَعْرِفُوهُ وَلَكِنَّهُ إِنْ مَاتَ لَا يَسْتَطِيعُ شَيْئًا وَلِذَلِكَ يَجُوزُ فِي عَدْلِ اللَّهِ وَلُطْفِهِ أَنْ يُخْفِيَ الْإِمَامَ إِذَا عَلِمَ مِنْ عِبَادِهِ الشَّرَّ وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُمِيتَهُ مِنْ دُونِ أَنْ يَجْعَلَ لَهُ بَدِيلًا. [الباب ١، الدرس ٧٩]

مشاكل العالم كلّها متجذّرة في عدم حاكميّة اللّه عليه، وحاكميّة اللّه عليه تتحقّق بحاكميّة المهديّ عليه، وحاكميّة المهديّ عليه تصبح ممكنة من خلال التمهيد لها، والتمهيد لها يعتمد على اجتماع عدد كافٍ من الناس لدعمه، والسيّد المنصور الهاشمي الخراساني هو في سبيل إنشاء هذا الإجتماع، وكلّ من لا يعينه قدر استطاعته هو مساهم في خلق مشاكل العالم، سواء كان من الحكّام أو المواطنين. [السؤال والجواب ٥٧]

مثل النّاس في غياب المهديّ كمثل رجل فقد شرابه في فلاة، فهو لا يقدر على إرواء عطشه بمصّ الحجر وتناول الشوك، ويكون هلاكه في هذا الوضع أمرًا حتميًّا ناشئًا من تقصيره في حفظ شرابه، إلّا أن يرجع إلى المكان الذي ترك فيه شرابه فيأخذه. فالآن إن كان يسأل كيف يمكنه إرواء عطشه قبل أن يفعل ذلك، فليس لسؤاله جواب؛ لأنّ اللّه لم يجعل في الحجر والشوك ما يغنيه من العطش، وهذا ما يريد المنصور الهاشمي الخراساني إفهامه للمسلمين... هذا يعني أنّ اللّه لم يجعل أيّ بدّ ومندوحة من خليفته في الأرض، والإضطرار إليه قضاء محتوم على الناس، ولذلك فإنّ مجادلتهم في إيجاد بديل عنه لا طائل تحتها. بعبارة أخرى، فإنّ عدم ظهور المهديّ مصيبة عظيمة وخسارة فادحة لا يمكن تداركها، وجهود الناس لملء شاغره عقيمة. في مثل هذا الوضع الرهيب والمؤسف، من الأفضل للناس، بدلًا من إهدار وقتهم وطاقتهم بمثل هذه المجادلات والجهود غير المثمرة، أن يجيبوا دعوة المنصور ويمهّدوا لظهور المهديّ في أقرب وقت ممكن؛ لأنّ هذا هو أحكم شيء يمكن أن يفعله العطاشى والحيارى في الفلاة، ولكن للأسف أكثرهم ليسوا حكماء. [السؤال والجواب ٥]

يعتقد المنصور الهاشمي الخراساني اعتقادًا جازمًا بأنّ المهديّ موجود وحيّ في الوقت الحاضر، وممّا يدلّ على ذلك ما أخبرنا به بعض أصحابه، قال: «دَخَلْتُ عَلَى الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِنَّ اللَّهَ قَدْ جَعَلَ لَكُمُ الْمَهْدِيَّ وَلِيًّا، فَاتَّخِذُوهُ وَلِيًّا، وَلَا تَتَّخِذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ، قَلِيلًا مَا تَذَكَّرُونَ! فَقَامَ رَجُلٌ أَحْوَلُ مِنْ بَيْنِ النَّاسِ فَقَالَ: وَهَلْ خَلَقَ اللَّهُ الْمَهْدِيَّ؟! قَالَ: نَعَمْ، وَإِنَّهُ لَيَأْكُلُ الطَّعَامَ وَيَمْشِي فِي الْأَسْوَاقِ...»، هذا صريح في أنّه على بيّنة من وجود المهديّ في الوقت الحاضر، وإن كان غائبًا عن النّاس أي غير معروف لهم بسبب الخوف منهم على نفسه، وهذا أمر ممكن عقلًا وشرعًا، بل قريب جدًّا بالنظر إلى ظهور العلامات الواردة في الأحاديث المتواترة لوقت خروجه من غلبة الظلم والجور على الدّنيا وكثرة البلايا وغير ذلك، فلا داعي لتكذيبه، ومن يكذّبه فإنّما يكذّبه بغير علم، بالإضافة إلى أنّه كقانط من رحمة اللّه، ﴿وَمَنْ يَقْنَطُ مِنْ رَحْمَةِ رَبِّهِ إِلَّا الضَّالُّونَ، ومن الواضح أنّه ليس للجاهل حجّة على العالم، والمنصور عالم بوجود المهديّ، ولم يكتف بالإخبار عن رؤيته، وإن كان ثقة في ذلك لعدالته وجلالته، بل قد أقام على وجوده حجّة من العقل والشرع. أمّا حجّته من العقل فهي ضرورة وجود خليفة للّه تعالى في الأرض لتعليم الإسلام كلّه وإقامته بشكل خالص وكامل، بالنظر إلى أنّ هذا التعليم والإقامة ضروريّان وليسا ممكنين إلا إذا كان هناك خليفة للّه في الأرض... أمّا حجّته من الشرع فهي قول اللّه تعالى: ﴿إِنِّي جَاعِلٌ فِي الْأَرْضِ خَلِيفَةً؛ لأنّه من وعده الذي لا يمكن إخلافه، ومن سنّته التي لا يمكن تبديلها... [السؤال والجواب ٦]

إنّ الأرض لا تخلو أبدًا من خليفة جعله اللّه تعالى فيها، ومن المعلوم أنّ الخليفة الوحيد للّه تعالى في آخر الزمان هو المهديّ؛ لأنّه لم يرد عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خبر ثابت في خلافة غيره للّه تعالى في آخر الزمان، وبالتالي لا يمكن اليقين بخلافة أحد غيره بعد السلف الصالح، في حين أنّه لا شيء سوى اليقين يعتبر كافيًا في الإسلام، وهذا يعني أنّه لا يمكن خلافة أحد غير المهديّ في الوقت الحاضر... بناءً على هذا، يمكن الإعتقاد بوجود المهديّ وحياته في الوقت الحاضر، وهذا الإعتقاد لا يعتبر مخالفًا للإسلام أو مخالفًا للعقل، وإن كان مستلزمًا للإعتقاد بطول عمره؛ لأنّ طول العمر ليس أمرًا مستحيلًا عقلًا أو شرعًا، بل ليس أمرًا غريبًا بالنسبة لخلفاء اللّه تعالى في الأرض بعد قول اللّه تعالى في نوح عليه السلام: ﴿فَلَبِثَ فِيهِمْ أَلْفَ سَنَةٍ إِلَّا خَمْسِينَ عَامًا ومن المعلوم ﴿أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، وقد وافق المنصور على قوله هذا جماعة، منهم محمّد بن طلحة الشافعي (ت٦٥٢هـ)، وسبط بن الجوزي الحنبلي (ت٦٥٤هـ)، ومحمّد بن يوسف الشافعي (ت٦٥٨هـ)، وابن صبّاغ المالكي (ت٨٥٥هـ)، وعبد الوهاب الشعراني (ت٩٧٣هـ)، والشبراوي الشافعي (ت١١٧١هـ)، والقندوزي الحنفيّ (ت١٢٩٤هـ)، والشبلنجي الشافعي (ت١٣٠٨هـ)، وقال ابن عربيّ (ت٦٣٨هـ) في الفتوحات المكّيّة بعد ذكر المهديّ: «قد جاءكم زمانه وأظلّكم أوانه، وظهر في القرن الرابع اللّاحق بالقرون الثلاثة الماضية...»، وقال: «وهو في زماننا اليوم موجود، عرفت به سنة خمس وتسعين وخمسمائة، ورأيت العلامة التي له قد أخفاها الحقّ فيه عن عيون عباده، وكشفها لي بمدينة فاس حتّى رأيت خاتم الولاية منه، وهو خاتم النبوّة المطلقة، لا يعلمها كثير من الناس...»، وهذا كقول المنصور بأنّ المهديّ موجود وقد رءاه. [السؤال والجواب ٦]

يجب الإنتباه إلى أنّ المنصور لم يؤسّس دعوته إلى التمهيد لظهور المهديّ على الإعتقاد بوجوده وحياته في الوقت الحاضر، بل صرّح في كتابه بأنّ التمهيد لظهوره، حتّى مع عدم وجوده وحياته في الوقت الحاضر، أمر ضروريّ؛ بالنظر إلى أنّ في هذه الحالة، سيكون وجوده وحياته منوطًا بقابليّة الناس بمعنى استعدادهم، وإن كان منوطًا بفاعليّة اللّه تعالى بمعنى خلقه، وسوف يخلقه اللّه تعالى في وقت يتمكّن فيه من الظهور لهم. لذلك، إذا لم يكن هو موجودًا وحيًّا في الوقت الحاضر، فمن الضروريّ التمهيد لوجوده وحياته، مثل التمهيد لظهوره، وهذا يرجع إلى قول اللّه تعالى: ﴿إِنَّ اللَّهَ لَا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ. الحاصل أنّه سواء كان المهديّ موجودًا وحيًّا في الوقت الحاضر أو لم يكن، فمن الواجب على جميع المسلمين التمهيد لظهوره، والمراد بذلك اتّخاذ الترتيبات اللازمة لتأمين سلامته وتحقيق حكومته، كما بيّن المنصور تفاصيلها في كتابه القيّم «العودة إلى الإسلام». [السؤال والجواب ٦]

انظر حولك؛ كم ترى من أضاع أفضل سنوات شبابه في دعم ألعاب سياسيّة حمقاء أو ادّعاءات كاذبة جنونيّة، ولكن لا يخصّص ساعة للتعرّف على النهضة العقلانيّة والقرآنيّة «العودة إلى الإسلام» ودعم زعيمها العالم الذي لا يدّعي لنفسه شيئًا! انظر حولك مرّة أخرى؛ كم ترى من يلقي بثروات طائلة في بحر الأوهام والأماني، أملًا في كسب الأجر وخدمة الإسلام، لكنّه لا ينفق فلسًا في سبيل التمهيد لظهور المهديّ عليه السلام وملء الأرض قسطًا وعدلًا! أولئك الذين أخبر اللّه تعالى عنهم فقال: ﴿قُلْ هَلْ نُنَبِّئُكُمْ بِالْأَخْسَرِينَ أَعْمَالًا ۝ الَّذِينَ ضَلَّ سَعْيُهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ يَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ يُحْسِنُونَ صُنْعًا. طبعًا لا شكّ أن هذا المكتب في سبيل استمرار رسالته العقليّة والشرعيّة، لا يعتمد على دعم أيّ شخص في العالم إلا ربّه، وسيستمرّ في طريقه المستقيم على الرغم من كلّ المتاعب والصعوبات المتصوّرة، حتى يصل إلى مثله الأعلى المقدّس، وهو إظهار المهديّ عليه السلام وإيصاله إلى الحكم. فذر الذين يملكون السلطة والثروة في الحياة الدنيا ولا ينفقونها في سبيل اللّه، يغترّوا بسلطتهم وثروتهم؛ لأنّنا لسنا في حاجة إليهم، وليست سلطتهم وثروتهم أكثر قيمة عندنا من ميتة كلب. ﴿إِنَّ الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ وليست لأصحاب السلطة والثروة، ﴿وَسَيَعْلَمُ الَّذِينَ ظَلَمُوا أَيَّ مُنْقَلَبٍ يَنْقَلِبُونَ. [الشبهة والرّدّ ١٤]

إنّ المنصور الهاشمي الخراساني هو مجرّد عالم مسلم، نهض بهدف إظهار المهديّ عليه السلام وإيصاله إلى السلطة، ويدعو المسلمين إلى مبايعته بدلًا من مبايعة الآخرين، وبهذه الطريقة يمهّد لإقامة الإسلام الخالص والكامل في العالم ولهذا السبب، يجب على كلّ مسلم نصره. مع ذلك، إن تبيّن لك ولبعض المسلمين الآخرين، لأيّ سبب من الأسباب، أنّه موعود أيضًا بالإضافة إلى هذه الصّفة العينيّة والمشهودة، فإنّ نصره واجب عليكم من باب أولى؛ كما أنّ نصره واجب على المسلمين الذين لم يتبيّن لهم هذا الأمر؛ لأنّ هذا العالم المسلم يدعو إلى المهديّ عليه السلام ويمهّد لظهوره بشكل عينيّ ومشهود، وهذا يكفي لنصرته من قبل أيّ مسلم يخاف اللّه واليوم الآخر؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى... لا يأخذ المنصور الهاشمي الخراساني لنفسه بيعة من أيّ مسلم؛ لأنّه يرى أنّ البيعة للّه وحده، ويريد بذلك أنّ البيعة لمن قد أمر اللّه بمبايعته، وما هو في زماننا هذا إلا المهديّ الذي يجب على كلّ مسلم مبايعته. بناءً على هذا، فإنّ المنصور الهاشمي الخراساني يأخذ البيعة من مسلمي العالم للمهديّ؛ بمعنى أنّه يأخذ منهم عهدًا وموثقًا على أنّهم إن ظهر لهم المهديّ سيحفظونه وينصرونه ويطيعونه، ولا يخذلونه كما خذله الذين من قبلهم. هذا هو موضوع الميثاق الذي يأخذه المنصور الهاشمي الخراساني من كلّ مسلم، وإذا واثقه عدد كافٍ من المسلمين على هذا الموضوع، فسيتمّ تهيئة الظروف لظهور المهديّ إن شاء اللّه. [الشبهة والرّدّ ١٥]

الرسالة الرئيسيّة والواضحة لهذا الكتاب العظيم [كتاب «العودة إلى الإسلام»]، ليست فقطّ «نفي الآخرين»، بل «إثبات المهديّ» و«نفي الآخرين»، وهذا هو مظهر «لا إله إلا اللّه» وتأويل «البيعة للّه» وشعار المنصور الهاشمي الخراساني وركيزة دعوته. كلّ كلام هذا العالم المصلح والمجاهد هو أنّه لا حكومة إلا للّه، ومراده بحكومة اللّه، على عكس مراد الخوارج السخيف والخاطئ، ليس عدم حكومة الإنسان، بل حكومة إنسان اختاره اللّه ونصّ عليه بواسطة كتابه وسنّة نبيّه المتواترة أو بواسطة آية بيّنة، وهو «المهديّ» الذي يعيش الآن بين الناس، لكنّه غائب أي مستتر، وسبب غيبته، خلافًا لتصوّر أكثر الناس، ليس إرادة اللّه وفعله الإبتدائيّين، بل إرادة الناس وفعلهم الإبتدائيّين، إذ أخافوه على نفسه ولم يوفّروا الظروف المناسبة لحكومته ولذلك، فهم مسؤولون عن جميع عواقب وتبعات غيبته، وإن اعُتبرت هذه العواقب والتبعات «طريقًا مسدودًا في أمّة آخر الزمان»؛ لأنّ هذا «الطريق المسدود» لا يُنسب إلى «الإسلام» حتّى يتعارض مع «كماله»، بل يُنسب إلى الناس الذين سبّبوه بسوء اختيارهم؛ ﴿فَاعْتَبِرُوا يَا أُولِي الْأَبْصَارِ. [الشبهة والرّدّ ١٦]

استراتيجيّة المنصور الهاشمي الخراساني لظهور المهديّ وحكومته هي استراتيجيّة شاملة ذات أبعاد أمنيّة وثقافيّة وسياسيّة؛ لأنّه من أجل ظهور المهديّ بمعنى إمكانيّة الوصول إليه، يرى من الضروريّ وجود عدد كافٍ من المسلمين الأقوياء والأمناء لحمايته من الأخطار المحتملة؛ نظرًا لأنّه يرى أنّ السبب الوحيد لعدم ظهوره بمعنى عدم إمكانيّة الوصول إليه، هو خوفه من القتل أو الأسر، ويعتقد أنّه إذا تمّ ضمان سلامته من قبل هذا العدد من المسلمين فإنّ ظهوره بمعنى إمكانيّة الوصول إليه أمر محتوم. بناء على هذا، فإنّه بمقتضى وجوب التمهيد لظهور المهديّ عقلًا وشرعًا، يسعى لجمع عدد كافٍ من المسلمين الأقوياء والأمناء لحمايته من الأخطار المحتملة ويطلب منهم جميعًا المساعدة لهذا الغرض؛ لأنّ في رأي هذا العالم الصدّيق، سيكون ظهور المهديّ أمرًا حتميًّا إذا كان أمنه مضمونًا، حتّى لو لم تكن حكومته ممكنة؛ إذ ليس هناك تلازم بين ظهوره وحكومته، وظهوره بدون حكومته مفيد أيضًا، بل ظهوره مقدّمة لحكومته؛ لأنّ حكومة من ليس بظاهر صعبة، وعليه فإنّ التمهيد لظهوره مقدّمة للتمهيد لحكومته. [الشبهة والرّدّ ١٦]

يرى المنصور الهاشمي الخراساني أنّ شرط حكومة المهديّ هو اجتماع عدد كافٍ من الناس على إعانته وطاعته، ويعتقد أنّ قيامه بالحكومة سيكون أمرًا محتومًا إذا تعهّد هذا العدد منهم بهذه الإعانة والطاعة؛ لأنّ الحكومة ليست حقًّا للمهديّ فحسب، بل تكليف له أيضًا، بحيث أنّه لو لم يقم بها بعد توفّر الشروط لكان من الحقّ أن يُضرب عنقه؛ كما جاء في الرواية عن عليّ عليه السلام: «وَاللَّهِ لَوْ لَمْ يَخْرُجْ لَضُرِبَتْ عُنُقُهُ»؛ نظرًا لأنّه في هذه الحالة سيكون هو المسؤول الوحيد عن جميع المفاسد والمظالم الجارية على الأرض. لذلك، فإنّ المنصور الهاشمي الخراساني، بينما يجمع عددًا كافيًا من المسلمين لحماية المهديّ، يجمع عددًا كافيًا منهم لإعانته وطاعته، ويطلب منهم جميعًا المساعدة لهذا الغرض؛ لأنّ في رأي فريد دهره هذا، ستكون حكومة المهديّ أمرًا حتميًّا إذا كانت إعانته وطاعته مضمونة، وهذا الضمان يسمّى في الإسلام «البيعة». لذلك، فإنّ المنصور الهاشمي الخراساني يأخذ من مسلمي العالم بيعة للمهديّ؛ بمعنى أنّه يأخذ ميثاقهم أنّه مهما جاءهم المهديّ سيعينونه ويطيعونه، ولا يخذلونه ولا يعصونه كما فعلوا مع خلفاء اللّه من قبله، وبالتالي إذا بايعه عدد كافٍ من المسلمين على الإعانة والطاعة للمهديّ سيتحقّق لهم حكومته بإذن اللّه؛ كما إذا بايعه عدد كافٍ من المسلمين على حماية المهديّ سيتحقّق لهم ظهوره بإذن اللّه. هذه خطّة كاملة ودقيقة صادرة من العقل توافق كتاب اللّه وسنّة نبيّه ولذلك، كلّ من استنكف عن قبولها فهو في ضلال بعيد. [الشبهة والرّدّ ١٦]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

إنّ بعض الناس يقرؤون الكتاب ويفهمونه، لكنّهم لا يقبلونه ولا يستحسنونه أو بعض أجزائه على الأقلّ، نظرًا إلى كونه جديدًا بديعًا واختلافه الواضح عن القرائات الرائجة والمشهورة. هذه الطريقة أيضًا طريقة غير صحيحة؛ لأنّ كلّ شيء ما سوى اللّه سبحانه حادث وتمّ إيجاده في زمان ما وهذا لا يدلّ على كونه باطلًا! في الواقع، إنّ نفس العقائد والأعمال القديمة التي يعتبرها الناس صحيحة وقد اعتادوها، لم تكن موجودة من اليوم الأوّل وتعتبر جديدة وبديعة بالنسبة إلى العقائد والأعمال السابقة عليها وإن قبلنا هذه الطريقة فلا يبقى أيّ حقّ! من الواضح أنّ هذه عادة خاطئة ولها جذور نفسية وذهنيّة وتجب إزالتها. إنّ الطريقة الصحيحة التي مدحها القرآن هي استماع جميع الأقوال بغضّ النظر عن زمانها ومكانها وقائلها ثمّ اتّباع أحسنها استنادًا إلى العقل بصفة معيار المعرفة بمعزل عن موانع المعرفة. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

فريق آخر من الناس هم بعض العلماء والمشاهير الذين بلغهم خبر الكتاب، لكن بما أنّهم يحسبون أنفسهم عالمين بكلّ شيء وأبرياء من كلّ عيب ونقص وأغنياء من السؤال والتعلّم، لا يقرؤون الكتاب أو يقرؤونه ولكن لا يسمح لهم تكبّرهم بأن يخضعوا أمام حقائقه ويتحدّثوا حوله. بالطبع هؤلاء الأشخاص قد أخطؤوا في حساباتهم من جهات شتّى؛ لأنّه من جانب، الإذعان بالخطأ والإقرار بالجهل ليس فحسب لا يحطّ من قدر شخص وإن كان جليل المنزلة، بل العكس يرفعه ومن جانب آخر، العظيم الحقيقيّ هو من كان عند اللّه عظيمًا لا عند الناس والمشهور الحقيقيّ هو من كان في السّماء مشهورًا لا في الأرض والعظماء عند اللّه والمشاهير في السّماء هم الذين يخشون اللّه ويتّقونه ويرون الحقّ ويسمعونه وينطقون به ويتّبعونه ويدعون إليه، لكنّ أكثر الناس لا يعلمون هذه الحقيقة مع الأسف. بالإضافة إلى ذلك أنّ الحقّ يشقّ طريقه ويصل إلى المنزل المقصود شاء هؤلاء العظماء والمشاهير أم أبوا ويومئذ لا يبقى لهم شيء سوى الخزي! لهذا يحكم العقل بأن يتدبّروا اليوم لغد ويطئوا اليوم تكبّرهم لئلا يتمّ غدًا وطئ جميع ما لديهم! [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

أناس آخرون أيضًا ينظرون في الكتاب بتصوّراتهم المسبّقة. يكذّبون الكتاب ويعتبرونه باطلًا ويتّهمونه بكلّ سوء ولمّا يقرؤوه! هؤلاء الذين قد اتّخذوا موقفهم من قبل وإن قرؤوا الكتاب فلا يقرؤونه للدراية والرشد، بل يقرؤونه لتتبّع العثرة وطلب الذريعة والإستهزاء ولا يبتغون الحكمة والهداية. هؤلاء سيعلمون في يوم تشخص فيه الأبصار أنّهم استعجلوا في الحكم وغرّهم الشيطان وخسروا المعركة... فريق آخر متعصّبون لدرجة إذا رأوا في الكتاب أدنى اختلاف عن الأشياء التي يقبلونها أو الأشخاص الذين يحبّونهم، يفقدون عنان الإختيار ويطلقون اللسان بالسبّ واللعن والإهانة والبهتان. هذا الفريق أيضًا سيعرفون الحقّ في يوم يدخلون النار مع محبوبيهم ومعبوديهم؛ النار التي أوقدها تعصّبهم الأعمى وحميّتهم الجاهليّة. ذلك اليوم يوم الحسرة ويجب اللجوء إلى اللّه من ذلك اليوم... فريق آخر مقلّدون لدرجة لا يشربون حتّى الماء بدون إذن مرجع تقليدهم، ناهيك عن قراءة كتاب مهمّ مثل «العودة إلى الإسلام» والإلتزام به! هؤلاء أيضًا إذا يواجهون هذا الكتاب يغلقون أعينهم ويكتفون بما قال مرجع تقليدهم حوله. هؤلاء أيضًا في يوم عسير لا يغيثهم فيه مرجع تقليدهم سيلقون حسرة عظيمة. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

فريق آخر يقرؤون هذا الكتاب القيّم ويدركون معارفه، لكنّهم في بحبوحة الفتنة والفوضى والتهميش والغوغاء والإعلانات السامّة لأعداء اللّه يصبحون مخدوعين ومتشائمين وتصبح قلوبهم مظلمة وينشغلون بالحاشية بدلًا من النصّ وينحرفون في النهاية عن الحقّ. بالطبع هذا الإثم الكبير هو أولًا في عنق الفتّانين الذين يصدّون عن سبيل اللّه. هؤلاء المهاذير بالرغم من انفتاح باب النقد العلميّ والمنطقيّ، بما أنّهم لا يملكون أيّ برهان وحجّة، يحاولون إثارة الجوّ وتلويثه، لكن ليعلم مخاطبو هذا الكتاب أنّ حركة جميع الأنبياء والأولياء في التاريخ أيضًا قد واجهت الإهانة والبهتان وإثارة الفتنة من قبل المستبدّين والمستكبرين والجبّارين وكان أعداء اللّه يلوّثون الجوّ ويصدّون الناس عن سبيل اللّه بأسوء طريقة ممكنة. فلم يحدث حادث جديد ويجب على مخاطبي هذا الكتاب النظر في أدلّته وبراهينه بحرّيّة وإنصاف والعثور على الحقّ والعمل بمقتضاه بمنأى عن المشاعر العابرة والعواطف الكاذبة إن شاء اللّه. [المقالة ٣]

من لا يقرأ كتاب العودة إلى الإسلام أو يقرأه ولا يستفيد منه؟
رضا غفوريان

قد يمكن أن يقال نظرًا إلى معرفة «معيار وموانع المعرفة» التي بيّنها سماحة العلامة في كتاب «العودة إلى الإسلام» بأنّه إذا كان شخص ملتزمًا بمعيار المعرفة ومبتعدًا عن موانع المعرفة، سيهتدي إلى الحقّ بإذن اللّه ويوفّق للعمل بمقتضاه بتوفيق اللّه، لكن يجب الإلتفات إلى أنّ كتاب «العودة إلى الإسلام» هو نقطة البداية. إنّه يبدأ بمعرفة المعرفة ويعلّمنا الطريقة الصحيحة للمعرفة، ثمّ لا يتركنا، بل يكشف لنا عن حقيقة الإسلام والإسلام الحقيقيّ بنفس الطريقة التي علّمنا. قد يمكن أن يقال بأنّ هذا الكتاب يعطي مخاطبه علمًا تفصيليًا يكون مقدّمة للعمل، لكنّ مقدّمة هذا العلم التفصيليّ هي علم إجماليّ وهو علم المخاطب بجهله؛ أعني أن يحتمل المخاطب أنّه لا يعلم بعض الأشياء وأن يكون خاطئًا وأن يكون الذين يحبّونهم ويحترمونهم ويتّبعونهم خاطئين. مثل هذا الشخص يأخذ الكتاب ويقرأه مع الإلتفات إلى هذا الإحتمال ومع الإنصاف وبمعزل عن سوء الظنّ ويهتدي إلى الحقّ إن شاء اللّه. يمكننا تقديم مثال لتبيين هذا الموضوع وهو مثال قرآنيّ. إنّ الطبيب يمكنه معالجة المريض بإذن اللّه ولكن لا يمكنه معالجة الميّت! كذلك سماحة العلامة يمكنه أن يهدي بإذن اللّه من كان مريضًا وليس ميّتًا. من كان قلبه ميّتًا في مستنقع الجهل المركّب والخوف من غير اللّه والتعصّبات الجاهليّة والتكبّر والتقليد الأعمى، لا يمكن هدايته بأيّ حكمة؛ كما قال اللّه: ﴿وَمَا أَنْتَ بِمُسْمِعٍ مَنْ فِي الْقُبُورِ. لذلك يجب أن نعوذ باللّه من هذه العيوب التي تميت القلب ونسأله الهداية والرشد لنا وللناس، عسى أن تلين قلوب الناس برحمته ويعودوا إلى خليفته في الأرض ويقيموا الإسلام الخالص والكامل والعدالة العالميّة في الأرض. هذه هي المعرفة التي بيّنها العالم الجليل سماحة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في كتابه ويدعو إليها والحمد للّه ربّ العالمين. [المقالة ٣]