هل هناك ضابطة شرعية في حلية أكل لحم الحيوانات؟ أرجو بيان ذلك.
الضابطة قول اللّه تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾[١]؛ لأنّه خاصّ ولا يمكن تعميمه بالسنّة حسب ما قرّره المنصور حفظه اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام»[٢]، وعليه فإنّ النواهي الواردة في السنّة تحمل على الكراهة جمعًا بينها وبين كتاب اللّه؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال: «سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّكُمْ لَتُحَرِّمُونَ أَشْيَاءَ مَا جَعَلَهَا اللَّهُ إِلَّا مَكْرُوهَةً، فَكُلُوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مَا حَرَّمَ كِتَابُ اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾[٣]»[٤]، وأخبرنا بعض أصحابنا، قال: «سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الْأَرْنَبِ وَالسَّنْجَابِ وَالسُّلَحْفَاةِ وَالْحَيْوَانِ الَّذِي لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ: كُلٌّ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، فَاخْتَارُوا الْأَطْيَبَ مِنْهَا فَالْأَطْيَبَ»[٥]، وهذا الذي قاله المنصور حفظه اللّه تعالى هو الرواية الصحيحة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأهل بيته عليهم السلام؛ لأنّهم لا يفارقون كتاب اللّه بدلالة حديث الثقلين؛ كما روي عن أبي الدرداء قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «مَا أَحَلَّ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ فَهُوَ حَلَالٌ وَمَا حَرَّمَ فَهُوَ حَرَامٌ وَمَا سَكَتَ عَنْهُ فَهُوَ عَافِيَةٌ، فَاقْبَلُوا مِنَ اللَّهِ عَافِيَتَهُ، فَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَكُنْ نَسِيًّا، ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿وَمَا كَانَ رَبُّكَ نَسِيًّا﴾»[٦]، وروي عن أبي جعفر عليه السلام «أَنَّهُ سُئِلَ عَنْ سِبَاعِ الطَّيْرِ وَالْوَحْشِ حَتَّى ذُكِرَ لَهُ الْقَنَافِذُ وَالْوَطْوَاطُ وَالْحَمِيرُ وَالْبِغَالُ وَالْخَيْلُ، فَقَالَ: لَيْسَ الْحَرَامُ إِلَّا مَا حَرَّمَ اللَّهُ فِي كِتَابِهِ الْعَزِيزِ وَقَدْ نَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ خَيْبَرَ عَنْ أَكْلِ لُحُومِ الْحَمِيرِ وَإِنَّمَا نَهَاهُمْ مِنْ أَجْلِ ظُهُورِهِمْ أَنْ يُفْنُوهُ وَلَيْسَتِ الْحُمُرُ بِحَرَامٍ، ثُمَّ قَالَ: اقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾»[٧].
لقد شاع في بعض البلاد الإسلاميّة أكل لحم السرطان والتمساح والأخطبوط وسمك القرش. ما حكم ذلك عند السيّد المنصور الهاشمي الخراساني؟
ليس من الحرام أكل لحم السرطان والتمساح والأخطبوط وسمك القرش، وذلك لما يأتي:
١ . الأصل إباحة ما لا يضرّ بالإنسان حتّى يرد دليل قطعيّ من الشرع على أنّه حرام؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَأُحِلَّتْ لَكُمُ الْأَنْعَامُ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ﴾[١]، ولم يرد دليل قطعيّ من الشرع على أنّ لحم هذه الحيوانات حرام.
٢ . لقد أحصى اللّه تعالى في كتابه المأكولات المحرّمة، وليست هذه الحيوانات في عدادها؛ كما قال تعالى: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾[٢]، ومن المعلوم أنّه تعالى لم يترك ذكر هذه الحيوانات نسيانًا.
٣ . هناك روايات عن أهل البيت تنهى عن أكل ما لا فلس له من الحيتان، وفي عداده السرطان والأخطبوط وسمك القرش، ولكنّ القاعدة عند السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى عدم تخصيص كتاب اللّه تعالى أو تعميمه بالروايات[٣]؛ لا سيّما إذا كانت متعارضة في نفسها، وقد ورد عن أهل البيت روايات تدلّ على إباحة كلّ مأكول إلا ما حرّمه كتاب اللّه تعالى، وهذا دليل واضح على أنّ رواياتهم الناهية ليست في مقام التحريم، وإنّما تريد بيان الكراهة، وهناك روايات صريحة في ذلك؛ كصحيحة زرارة قال: «سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْجِرِّيثِ، فَقَالَ وَمَا الْجِرِّيثُ؟ فَنَعَتُّهُ لَهُ، فَقَالَ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ إِلَى آخِرِ الْآيَةِ، ثُمَّ قَالَ: لَمْ يُحَرِّمِ اللَّهُ شَيْئًا مِنَ الْحَيَوَانِ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا الْخِنْزِيرَ بِعَيْنِهِ، وَيُكْرَهُ كُلُّ شَيْءٍ مِنَ الْبَحْرِ لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ مِثْلُ الْوَرِقِ، وَلَيْسَ بِحَرَامٍ، إِنَّمَا هُوَ مَكْرُوهٌ»[٤]، وصحيحة محمد بن مسلم قال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْجِرِّيِّ وَالْمَارْمَاهِي وَالزِّمِّيرِ وَمَا لَيْسَ لَهُ قِشْرٌ مِنَ السَّمَكِ، أَحَرَامٌ هُوَ؟ فَقَالَ لِي: يَا مُحَمَّدُ، اقْرَأْ هَذِهِ الْآيَةَ الَّتِي فِي الْأَنْعَامِ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾، قَالَ: فَقَرَأْتُهَا حَتَّى فَرَغْتُ مِنْهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا الْحَرَامُ مَا حَرَّمَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ فِي كِتَابِهِ، وَلَكِنَّهُمْ قَدْ كَانُوا يَعَافُونَ أَشْيَاءَ فَنَحْنُ نَعَافُهَا»[٥]، وهذا هو الحقّ الذي يقول به السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال:
سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى يَقُولُ: إِنَّكُمْ لَتُحَرِّمُونَ أَشْيَاءَ مَا جَعَلَهَا اللَّهُ إِلَّا مَكْرُوهَةً، فَكُلُوا مِنْ كُلِّ شَيْءٍ إِلَّا مَا حَرَّمَ كِتَابُ اللَّهِ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿قُلْ لَا أَجِدُ فِي مَا أُوحِيَ إِلَيَّ مُحَرَّمًا عَلَى طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ إِلَّا أَنْ يَكُونَ مَيْتَةً أَوْ دَمًا مَسْفُوحًا أَوْ لَحْمَ خِنْزِيرٍ فَإِنَّهُ رِجْسٌ أَوْ فِسْقًا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ﴾.[٦]
نعم، لا شكّ أنّ لحم بعض الحيوانات كالغنم والبقر والإبل والسمك الذي له فلس أطيب من لحم بعضها كالسرطان والتمساح والأخطبوط وسمك القرش، وينبغي اختيار الأطيب مع الإمكان؛ لقول اللّه تعالى: ﴿أَتَسْتَبْدِلُونَ الَّذِي هُوَ أَدْنَى بِالَّذِي هُوَ خَيْرٌ﴾[٧]؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الْأَرْنَبِ وَالسَّنْجَابِ وَالسُّلَحْفَاةِ وَالْحَيْوَانِ الَّذِي لَمْ يُحَرِّمْهُ اللَّهُ فِي الْقُرْآنِ، فَقَالَ: كُلٌّ مِنَ الطَّيِّبَاتِ، فَاخْتَارُوا الْأَطْيَبَ مِنْهَا فَالْأَطْيَبَ.[٨]
بالطبع لا يعني هذا وجوب أكل لحم السرطان والتمساح والأخطبوط وسمك القرش وأمثاله حتّى يخاف الذين يشمئزّون منه، بل يعني جوازه فقطّ، فلا جناح عليهم أن يجتنبوه ما لم يحرّموه؛ لأنّ تحريم ما أحلّ اللّه تعالى ذنب عظيم؛ كما قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُحَرِّمُوا طَيِّبَاتِ مَا أَحَلَّ اللَّهُ لَكُمْ﴾[٩]، ومن الواضح أنّ أحكام اللّه تعالى لا تتّبع أهواء الناس؛ كما قال: ﴿وَلَوِ اتَّبَعَ الْحَقُّ أَهْوَاءَهُمْ لَفَسَدَتِ السَّمَاوَاتُ وَالَارْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ﴾[١٠]، وقال: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[١١].
هناك أشياء أخرى يحرم أكلها دون أدنى شكّ، وهي النجاسات كالبول والغائط والمنيّ. فلماذا لم يذكرها اللّه تعالى في الآية ١٤٥ من سورة الأنعام؟ أليس هذا دليلًا على أنّ الآية ليست في مقام الحصر، ولا يجوز الأخذ بظاهرها؟
الآية كما يظهر من عبارة ﴿طَاعِمٍ يَطْعَمُهُ﴾ فيها، هي في مقام بيان المحرّمات من «الأطعمة»، ولذلك لم تتعرّض للبول والغائط والمنيّ؛ لأنّ هذه الثلاثة ليست في عداد الأطعمة عند قوم من البشر. مع ذلك، إن كان هناك أحد يشتهي أن يأكل البول أو الغائط أو المنيّ فليعلم أنّ أكل النجاسات محرّم في كتاب اللّه تعالى، حيث يقول: ﴿وَيُحِلُّ لَهُمُ الطَّيِّبَاتِ وَيُحَرِّمُ عَلَيْهِمُ الْخَبَائِثَ﴾[١]؛ بالنظر إلى أنّ ﴿الْخَبَائِثَ﴾ عامّة تشمل النجاسات المأكولة والنجاسات غير المأكولة؛ كما أنّ أكل السمّ أيضًا محرّم في كتاب اللّه تعالى، وإن لم يكن من الأطعمة المحرّمة المذكورة؛ لقوله: ﴿وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ﴾[٢]، وقوله: ﴿وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ﴾[٣].