هل توفّي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أم قتل؟ وإذا قتل، من قتله؟ أرجو الإجابة مع كامل تحيّاتي.
لقد وردت روايات كثيرة في أنّ اليهود سمّت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بخيبر، وتفصيل ذلك أنّه لمّا فتح خيبر، وأقرّ أهلها بأرضهم على أن يعملوها ويزرعوها، ويكون لهم شطر ما يخرج منها، أهدت له زينب بنت الحارث اليهوديّة شاة مصلية، وهي بنت أخي مرحب وامرأة سلّام بن مِشكَم، وقد سألت قبل ذلك: أيّ عضو من الشاة أحبّ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؟ فقيل لها: الذراع، فأكثرت فيها من السّمّ، وسمّمت سائر الشاة، ثمّ جاءت بها، وكان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقبل الهدية، ولا يأكل الصدقة، فلمّا وضعتها بين يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم تناول الذراع، فلاك منها مضغة، فلم يسغها، ومعه بشر بن البراء بن معرور الأنصاريّ، وقد أخذ منها كما أخذ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فأمّا بشر فأساغها، وأمّا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم فلفظها، وفي رواية أخرى أنّه أكلها كما أكل بشر، ثمّ قال: «ارْفَعُوا أَيْدِيَكُمْ، فَإِنَّهَا أَخْبَرَتْنِي أَنَّهَا مَسْمُومَةٌ»، فأرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلى اليهوديّة، فاعترفت، فقال: «مَا حَمَلَكِ عَلَى ذَلِكِ؟» فقالت: نلت من قومي ما نلت، فقلت: إن كنت نبيًّا، لم يضرّك الذي صنعت، وإن كنت ملكًا، أرحت النّاس منك! فمات بشر بن البراء من أكلته التي أكل، واحتجم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على كاهله من أجل الذي أكل[١]، وكان يعاوده أحيانًا؛ كما روي عن أنس بن مالك، قال: «مَا زِلْتُ أَعْرِفُهَا فِي لَهَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٢]، فكان إذا وجد من ذلك شيئًا احتجم، وعاش بعد ذلك ثلاث سنين، حتّى كان وجعه الذي قبض فيه، دخلت عليه أمّ بشر بن البراء تعوده، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «يَا أُمَّ بِشْرٍ، مَا زِلْتُ أَجِدُ أَلَمَ الْأَكْلَةِ الَّتِي أَكَلْتُ مَعَ ابْنِكِ بِخَيْبَرَ، تُعَاوِدُنِي كُلَّ عَامٍ، حَتَّى كَانَ هَذَا أَوَانَ انْقِطَاعِ أَبْهَرِي مِنْ ذَلِكَ السُّمِّ»[٣]، ولذلك كان المسلمون يرون أن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مات شهيدًا، مع ما أكرمه اللّه به من النبوّة؛ كما روي عن عبد اللّه بن مسعود، قال: «لَأَنْ أَحْلِفَ تِسْعًا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قُتِلَ قَتْلًا أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَحْلِفَ وَاحِدَةً أَنَّهُ لَمْ يُقْتَلْ، وَذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ اتَّخَذَهُ نَبِيًّا وَجَعَلَهُ شَهِيدًا»[٤]، وروي عن الشعبيّ، قال: «وَاللَّهِ لَقَدْ سُمَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَسُمَّ أَبُو بَكْرٍ، وَقُتِلَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ صَبْرًا، وَقُتِلَ عُثْمَانُ بْنُ عَفَّانَ صَبْرًا، وَقُتِلَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ صَبْرًا، وَسُمَّ الْحَسَنُ بْنُ عَلِيٍّ، وَقُتِلَ الْحُسَيْنُ بْنُ عَلِيٍّ صَبْرًا، فَمَا نَرْجُو بَعْدَهُمْ»[٥]، وفي رواية أخرى، قال: «مَاذَا يُتَوَقَّعُ مِنْ هَذِهِ الدُّنْيَا الدَّنِيَّةِ؟!» ثمّ ذكر ذلك[٦].