يرجى الإنتباه لما يلي:
١ . لقد أخطأ الذين يكذّبون نصوص الدّين الصريحة أو يحرّفونها عن مواضعها، بالإعتماد على بعض النظريّات التي يقدّمها العلم التجريبيّ؛ كمثل الذين قال اللّه تعالى فيهم: ﴿فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُونَ﴾؛ لأنّ العلم التجريبيّ، بما أنّه معتمد على تجارب العلماء المحدودة والمتعارضة، لا يزال ناقصًا ومتغيّرًا، في حين أنّ الدّين، بما أنّه معتمد على الوحي، يتمتّع بالكمال والثبات الكافي، ولذلك قال اللّه تعالى: ﴿قُلْ أَأَنْتُمْ أَعْلَمُ أَمِ اللَّهُ﴾، وعليه فإنّ أخبار الدّين القطعيّة أولى بالثقة من النظريّات التي يقدّمها العلم التجريبيّ، إلّا في رأي المادّيّين الذين ينكرون الوحي، أو يعتبرونه من جنس التجارب البشريّة التي لا صلة لها بالغيب. هناك يظهر الفرق بين المسلم والملحد؛ لأنّ المسلم يتّخذ الوحي معيارًا للمعرفة، ويعرض عليه كلّ نظريّة، ليصدّقها إن وافقته، ويكذّبها إن خالفته، في حين أنّ الملحد يتّخذ مجرّد الحسّ والتجربة معيارين للمعرفة، ويعرض عليهما كلّ نظريّة، ليصدّقها إن وافقتهما، ويكذّبها إن خالفتهما، ولذلك ينكر الغيب، ويكفر بوجود الخالق، ويعتبر كلّ شيء ناشئًا من «الإصطفاء الطبيعيّ»؛ لأنّه مغرور بما عنده من العلم المحدود والمعيوب، ويحسب بسذاجة أنّه قد أدرك أسرار العالم كلّها، واكتشف قواعدها وقوانينها بالكامل، ولذلك يتجرّأ على معارضة الوحي، ويقوم بالإنكار أو التأويل لكلّ ما لا يرضاه منه؛ كمثل الذين ذكرهم اللّه تعالى في كتابه، فقال: ﴿يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَهُمْ عَنِ الْآخِرَةِ هُمْ غَافِلُونَ﴾، وقال: ﴿ذَلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ۚ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اهْتَدَى﴾، وقال: ﴿يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ مِنْ بَعْدِ مَوَاضِعِهِ ۖ يَقُولُونَ إِنْ أُوتِيتُمْ هَذَا فَخُذُوهُ وَإِنْ لَمْ تُؤْتَوْهُ فَاحْذَرُوا ۚ وَمَنْ يُرِدِ اللَّهُ فِتْنَتَهُ فَلَنْ تَمْلِكَ لَهُ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ۚ أُولَئِكَ الَّذِينَ لَمْ يُرِدِ اللَّهُ أَنْ يُطَهِّرَ قُلُوبَهُمْ ۚ لَهُمْ فِي الدُّنْيَا خِزْيٌ ۖ وَلَهُمْ فِي الْآخِرَةِ عَذَابٌ عَظِيمٌ﴾.
٢ . إنّ إشكال نظريّة داروين في قولها بأنّ أوّل إنسان في الأرض، وهو آدم عليه السلام، لم يُخلق من الطين كخلق جديد، بل وُلد من والدين مشتركين بينه وبين بعض الحيوانات الأخرى، وهذا قول لم نكذّبه، بل كذّبه اللّه الذي خلق آدم عليه السلام، وقال: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ﴾، ومن تكذيبه أنّه قال: ﴿إِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَائِكَةِ إِنِّي خَالِقٌ بَشَرًا مِنْ طِينٍ فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ فَسَجَدَ الْمَلَائِكَةُ كُلُّهُمْ أَجْمَعُونَ إِلَّا إِبْلِيسَ اسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ﴾، ومن الواضح أنّ هذه الآيات ظاهرة في أنّ آدم عليه السلام خُلق من طين كخلق جديد، ولم يولد من والدين، لدرجة أنّ إرادة غير هذا المعنى بها إغراء بالجهل، وهو غير جائز على اللّه، ولذلك فإنّ حملها على نظريّة داروين حملها على ما لا تحتمل، بل حملها على ضدّ ظاهرها، وهو من التحكّم والسفسطة، ولو جوّزنا ذلك لم يبق حجّيّة لظواهر القرآن، ولأصبح نصوصه بمنزلة الشعر والمغالطة، وفي ذلك مسخ الدّين وزواله، والغريب أنّك تقول لنا: «جوّزوا على الأقلّ أنّ مفهومكم عن النصوص الدينيّة غير صحيح»، مع أنّنا إذا جوّزنا ذلك فعلى الإسلام السّلام؛ لأنّ مفهومنا عن هذه النصوص هو ما يفهمه عنها كلّ عاقل لظهوره اللفظيّ؛ كما فهمه عنها أهل البيت والصحابة والتابعون وأتباعهم وسائر المسلمين حتّى القرن الأخير، وأنت أيضًا لم تكن تفهم عنها غيره قبل أن تسمع بنظريّة داروين! فهل تزعم أنّ داروين هو الذي كشف عن معنى هذه النصوص الدينيّة، ولولا هذا الكافر لم يفهمه أحد من المسلمين؟! فما بال أهل البيت والصحابة والتابعين وأتباعهم وسائر المسلمين الذين ماتوا قبله، ولم يفهموا عن هذه النصوص الدينيّة إلّا أنّ آدم عليه السلام كان أوّل إنسان في الأرض، ولم يكن له والدان؟! فهل يصدّق عقلك أنّهم ماتوا جاهلين بمعنى هذه النصوص الدينيّة؟! وقد كان فيهم من أذهب اللّه عنه الرّجس وطهّره تطهيرًا وفرض طاعته على الناس! ثمّ إنّ آدم عليه السلام لم يكن الكائن الحيّ الوحيد الذي خلقه اللّه من غير والدين حتّى يكون للشّكّ مجال، بل خلق بهذه الطريقة كائنات حيّة أخرى؛ كما خلق عيسى عليه السلام، فجعله شاهدًا على ذلك، لكي لا يكون مجال لتأويل الممترين؛ كما قال حكاية عن مريم عليها السلام: ﴿قَالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ ۖ قَالَ كَذَلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ ۚ إِذَا قَضَى أَمْرًا فَإِنَّمَا يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، وقال: ﴿إِنَّ مَثَلَ عِيسَى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ ۖ خَلَقَهُ مِنْ تُرَابٍ ثُمَّ قَالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ﴾، ومن الواضح أنّه لا تماثل بينهما لو كان لآدم عليه السلام والدان، ثمّ جعل شاهدًا آخر على يدي عيسى عليه السلام إذ قال: ﴿أَنِّي أَخْلُقُ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ فَأَنْفُخُ فِيهِ فَيَكُونُ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ﴾، أي بغير تطوّر تدريجيّ، وجعل شواهد أخرى على يدي غيره من الأنبياء، فأفسد به حساب الداروينيّين؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
«سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: أَيْنَ الدَّارْوِينِيُّونَ مِنْ مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ؟! أَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُبِينٌ، وَأَيْنَ هُمْ مِنْ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ؟! خُلِقَ مِنْ غَيْرِ وَالِدٍ، وَخَلَقَ مِنَ الطِّينِ كَهَيْئَةِ الطَّيْرِ، فَنَفَخَ فِيهِ فَكَانَ طَيْرًا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَأَيْنَ هُمْ مِنْ صَالِحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟! أَخْرَجَ لَهُمْ مِنَ الْهَضْبَةِ نَاقَةً، لَهَا شِرْبٌ وَلَهُمْ شِرْبُ يَوْمٍ مَعْلُومٍ، أَفَلَمْ يَتَبَيَّنْ لَهُمْ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ؟!»
٣ . يجب الإنتباه إلى أنّ الخلق التطوّريّ، حتّى لو كان أمرًا عاديًّا في الكائنات، لا يحدّد كيفيّة خلق الإنسان ولا شيء آخر على وجه الخصوص؛ لأنّه لم يزل من الممكن خلق شيء بشكل غير تطوّريّ وغير عاديّ؛ كخلق عيسى عليه السلام، وخلق الطير من هيئته الطينيّة، وخلق الثعبان من عصا موسى عليه السلام، وخلق ناقة صالح عليه السلام، وغير ذلك، ولهذا فلا يمكن الحكم على شيء معيّن بأنّه خُلق بشكل تطوّريّ أو غير تطوّريّ، إلّا بالإستناد إلى الوحي؛ لأنّ ذلك أمر لا يعلمه إلّا الخالق. بعبارة أخرى، إن كان تكوّن شيء بشكل تطوّريّ أمرًا ممكنًا، فإنّ خلقه بشكل غير تطوّريّ بقدرة اللّه تعالى أمر ممكن أيضًا، وقد وقع مرارًا، ولذلك فإنّ علم الأحياء لا يستطيع أن يحدّد أيّ الأشياء خُلق بشكل تطوّريّ، وأيّها خُلق بشكل غير تطوّريّ بقدرة اللّه تعالى، إلّا من باب التمثيل والتخمين استنادًا إلى الإستقراء الناقص الذي لا يفيد إلّا الظنّ. الشيء الوحيد الذي له صلاحيّة تحديد ذلك هو الوحي، والوحي قد حدّد أنّ آدم عليه السلام بصفته أوّل إنسان، خُلق بشكل غير تطوّريّ بقدرة اللّه تعالى، ولم يكن له والدان، ولذلك فإنّ القول بأنّه خُلق بشكل تطوّريّ، وكان له والدان، هو اتّباع الظنّ والتخمين مقابل الوحي، وقد قال اللّه تعالى في أهله: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾.
٤ . قد يمكن التطوّر في الكائنات، بمعنى تغيّر بعض صفاتها بالتناسب مع زمانها ومكانها، ولكنّ ذلك لا يعني أنّ اللّه تعالى لم يخلقها، أو خلقها في زمان أو مكان بشكل غير متناسب؛ لأنّ احتياج الحادث إلى المحدث واستحالة التسلسل يدلّان على أنّ اللّه تعالى خلق كلّ شيء، ومن الواضح أنّه بمقتضى كماله لا يخلق شيئًا بشكل غير متناسب؛ كما قال: ﴿اللَّهُ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ﴾، وقال: ﴿الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ﴾، وقال: ﴿وَخَلَقَ كُلَّ شَيْءٍ فَقَدَّرَهُ تَقْدِيرًا﴾، فالحقّ أنّه خلق كلّ شيء متناسبًا مع زمانه ومكانه، فكلّما تغيّر زمانه أو مكانه بما غيّر احتياجاته غيّره بالزيادة أو النقصان ليكون متناسبًا مع زمانه ومكانه دائمًا؛ كما أخبر عن ذلك فقال: ﴿نَحْنُ خَلَقْنَاهُمْ وَشَدَدْنَا أَسْرَهُمْ ۖ وَإِذَا شِئْنَا بَدَّلْنَا أَمْثَالَهُمْ تَبْدِيلًا﴾، وقال: ﴿وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ﴾، وقال: ﴿يَزِيدُ فِي الْخَلْقِ مَا يَشَاءُ﴾، ومن الواضح أنّ ذلك من آيات وجوده وحكمته وقدرته، خلافًا لما يزعم الداروينيّون الجاهلون.
٥ . البديل عن نظريّة داروين عندنا هو ما يدلّ عليه القرآن والسنّة المتواترة عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وهو أنّ آدم عليه السلام لم يكن له والدان، بل خُلق من الطين بقدرة اللّه تعالى؛ سواء استغرق خلقه آلاف السنين أو وقتًا قصيرًا مثل الوقت الذي خلق فيه عيسى عليه السلام من الطين كهيئة الطير، وأمّا سائر الكائنات الحيّة فليس من المستحيل أن كان خلقها قد تمّ بشكل تطوّريّ من خلال الإصطفاء الطبيعيّ، لا سيّما في مستوى الرتبة أو الرتيبة؛ بأن تفرّع جميع السنوريّات من أصل واحد، وجميع الكلبيّات من أصل واحد، وهكذا؛ لأنّ اللّه تعالى لم يخبر عن كيفيّة خلق هذه الكائنات كما أخبر عن خلق الإنسان، فهو أعلم بأنّه كيف خلق كلّ واحد منها.
الحاصل أنّ وقوع التطوّر والإصطفاء الطبيعيّ في الكائنات الحيّة أمر ممكن، ولكن لا بمثابة قانون عامّ لا يقبل التخلّف، كما يتصوّره الداروينيّون وينكرون به كيفيّة خلق آدم عليه السلام وحتّى وجود الخالق أحيانًا، بل بمثابة إحدى الطريقتين اللتين يخلق اللّه بهما الكائنات الحيّة، وفي المستوى الذي يجوّزه الوحي. لذلك نوصيك بأن لا تغترّ بدعايات الغربيّين في هذا الباب، ولا تحسب ما يقولون فيه فصل الخطاب؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّ أصحاب علم الأحياء ليسوا متّفقين على هذه النظريّة، ومنهم من ينكرها ويستهزئ بها؛ مثل عالم الرياضيات والبيولوجيا الجزيئيّة «ديفيد بيرلينسكي» الذي قام بوضع كتابه المشهور «وهم الشيطان» في الردّ على هذه النظريّة، وله حوارات يذكر فيها سخريّة العلماء الحقيقيّين من التطوّر وافتراضاته الخياليّة ونقاط ضعفها القاتلة، ومثل عالم الكيمياء الحيويّة «مايكل دنتون» الذي كان معتقدًا بالتطوّر في السابق إلى أن بدأ يكتشف بنفسه مع التقدّم العظيم في البيولوجيا الجزيئيّة عشرات الثغرات الفاحشة عن التطوّر، فقام بوضع كتابه المشهور «التطوّر نظريّة في أزمة»، ومثل العالم المتخصّص في الكيمياء الحيويّة «مايكل بيهي» الذي ساورته شكوك كثيرة في التطوّر حتّى قام بتأليف كتابه المشهور «صندوق داروين الأسود»، وغيرهم من العلماء المحقّقين والمستقلّين، وإن كان الداروينيّون يتّهمونهم بالتعصّب للدّين، لما هم فيه من التعصّب لداروين! ﴿بَلْ زُيِّنَ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مَكْرُهُمْ وَصُدُّوا عَنِ السَّبِيلِ ۗ وَمَنْ يُضْلِلِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ﴾.
الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني
قسم الإجابة على الأسئلة