ما رأي السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني في حلق اللحية؟
إبقاء اللحية سنّة بلا خلاف، بل روي أنّه من الفطرة[١]، ولم يزل شعارًا للمسلمين، ولا يتركه منهم إلا كلّ متهاون في دينه، وعليه فلا يجوز حلق اللحية؛ لأنّه تشبّه بالكافرين والفاسقين، وقد نهى اللّه تعالى عن التشبّه بهم إذ قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ كَفَرُوا﴾[٢]، وقال: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[٣]، وقال: ﴿إِنَّكُمْ إِذًا مِثْلُهُمْ﴾[٤]، وقال ﴿يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾[٥]، وقد روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «خَالِفُوا الْمُشْرِكِينَ، وَفِّرُوا اللِّحَى، وَأَحْفُوا الشَّوَارِبَ»[٦]، وقال: «أَعْفُوا لِحَاكُمْ وَلَا تَشَبَّهُوا بِالْيَهُودِ»[٧]، وقال: «إِنَّ الْمَجُوسَ تُعْفِي شَوَارِبَهَا، وَتُحْفِي لِحَاهَا، فَخَالِفُوهُمْ، خُذُوا شَوَارِبَكُمْ، وَاعْفُوا لِحَاكُمْ»[٨]، وفي رواية أنّ قصّ اللحية من خصال عملتها قوم لوط بها أهلكوا[٩].
نعم، لا بأس بتهذيب اللحية وتخفيفها بحيث لا يؤدّي إلى التشبّه بالكافرين والفاسقين، بل هو واجب تميّزًا عن أحبار اليهود ومتقشّفي الهنود؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الرَّجُلِ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ فَقَالَ: لَا جُنَاحَ عَلَيْهِ مَا لَمْ يَحْلِقْ فَيَتَشَبَّهْ بِالْفَاسِقِينَ، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا يُؤْخَذُ مِنْهَا شَيْءٌ وَإِنْ بَلَغَتِ الرُّكْبَةَ! قَالَ: سُبْحَانَ اللَّهِ! هَذَا قَوْلُ الْكُهَّانِ وَالْجُوكِيَّةِ، بَلْ يَأْخُذُ مِنْهَا وَيَتَجَمَّلُ.
ويدلّ على هذا ما روى عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِنْ عَرْضِهَا وَطُولِهَا»[١٠]، وروى مروان بن معاوية، عن سعيد بن أبى راشد المكّي، عن أبي جعفر محمّد بن علي قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ يَأْخُذُ اللِّحْيَةَ فَمَا طَلَعَ عَلَى الْكَفِّ جَزَّهُ»[١١]، وروى جابر بن عبد اللّه قال: «رَأَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا مُجْفِلَ الرَّأْسِ وَاللِّحْيَةِ، فَقَالَ: عَلَامَ يُشَوِّهُ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ؟ قَالَ: وَأَشَارَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ يَقُولُ: خُذْ مِنْ لِحْيَتِكَ وَرَأْسِكَ»[١٢]، وروي: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَرَّ بِهِ رَجُلٌ طَوِيلُ اللِّحْيَةِ فَقَالَ: مَا كَانَ عَلَى هَذَا لَوْ هَيَّأَ مِنْ لِحْيَتِهِ؟ فَبَلَغَ ذَلِكَ الرَّجُلَ فَهَيَّأَ لِحْيَتَهُ بَيْنَ اللِّحْيَتَيْنِ، ثُمَّ دَخَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فَلَمَّا رَآهُ قَالَ: هَكَذَا فَافْعَلُوا»[١٣]. قال الطيبيّ: «هَذَا لَا يُنَافِي قَوْلَهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ”أَعْفُوا اللِّحَى“؛ لِأَنَّ الْمَنْهِيَّ هُوَ قَصُّهَا كَفِعْلِ الْأَعَاجِمِ أَوْ جَعْلُهَا كَذَنَبِ الْحَمَامِ، وَالْمُرَادُ بِالْإِعْفَاءِ التَّوْفِيرُ مِنْهَا كَمَا فِي الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى، وَالْأَخْذُ مِنَ الْأَطْرَافِ قَلِيلًا لَا يَكُونُ مِنَ الْقَصِّ فِي شَيْءٍ»[١٤]، وروي عن عمر أنّه رأى رجلًا قد ترك لحيته حتّى كبرت فأخذ بحدّيها ثمّ قال: «ائْتُونِي بِجَلَمَيْنِ»، ثمَّ أمر رجلًا فجزّ ما تحت يده، ثمّ قال: «اذْهَبْ فَأَصْلِحْ شَعْرَكَ أَوْ أَفْسِدْهُ، يَتْرُكُ أَحَدُكُمْ نَفْسَهُ حَتَّى كَأَنَّهُ سَبُعٌ مِنَ السِّبَاعِ»[١٥]، وهذا قول مشهور من ابن عمر، وهو مروي عن أهل البيت؛ كما روى جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن علي بن أبي طالب عليهم السّلام أنّه كان يقول: «خُذُوا مِنْ شَعْرِ الصُّدْغَيْنِ وَمِنْ عَارِضَيِ اللِّحْيَةِ، وَمَا جَاوَزَ الْقُبْضَةَ مِنْ مُقَدَّمِ اللِّحْيَةِ فَجُزُّوهُ»[١٦]، وروى الحسن الزيّات قال: «رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ خَفَّفَ لِحْيَتَهُ»[١٧]، وروى محمّد بن مسلم قال: «رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَالْحَجَّامُ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ، فَقَالَ: دَوِّرْهَا»[١٨]، وروى زرارة قال: «قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: الرَّجُلُ يَقْلِمُ أَظْفَارَهُ وَيَجُزُّ شَارِبَهُ وَيَأْخُذُ مِنْ شَعْرِ لِحْيَتِهِ وَرَأْسِهِ، هَلْ يَنْقُضُ ذَلِكَ وُضُوئَهُ؟ فَقَالَ: يَا زُرَارَةُ، كُلُّ هَذَا سُنَّةٌ، وَالْوُضُوءُ فَرِيضَةٌ، وَلَيْسَ شَيْءٌ مِنَ السُّنَّةِ يَنْقُضُ الْفَرِيضَةَ، وَإِنَّ ذَلِكَ لَيَزِيدُهُ تَطْهِيرًا»[١٩]، وروي عن جعفر بن محمّد عليه السّلام أنّه قال: «تَقْبِضُ بِيَدِكَ عَلَى اللِّحْيَةِ وَتَجُزُّ مَا فَضَلَ»[٢٠]، وفي رواية أخرى أنّه قال: «مَا زَادَ مِنَ اللِّحْيَةِ عَنِ الْقُبْضَةِ فَهُوَ فِي النَّارِ»[٢١]، وبه قال طاوس وإبراهيم وقتادة وابن سيرين، وقال الحسن البصري: «كَانُوا يُرَخِّصُونَ فِيمَا زَادَ عَلَى الْقُبْضَةِ مِنَ اللِّحْيَةِ أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا»[٢٢] والظاهر أنّه أراد الصحابة، وقال: «يُؤْخَذُ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا مَا لَمْ يُفْحِشْ»[٢٣]، وعن عطاء نحوه، وقال القاسم: «سَمِعْتُ مَالِكًا يَقُولُ: لَا بَأْسَ أَنْ يُؤْخَذَ مَا تَطَايَلَ مِنَ اللِّحْيَةِ وَشَذَّ، قَالَ: فَقِيلَ لِمَالِكٍ: فَإِذَا طَالَتْ جِدًّا فَإِنَّ مِنَ اللِّحَى مَا تَطُولُ، قَالَ: أَرَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهَا وَتُقَصَّرَ»[٢٤]، وقال ابن رشد: «مَا اسْتَحْسَنَهُ مَالِكُ مِنْ أَنْ يُؤْخَذَ مِنَ اللِّحَى إِذَا طَالَتْ جِدًّا حَسَنٌ لَيْسَ فِيهِ مَا يُخَالِفُ أَمْرَ النَّبِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِإِعْفَائِهَا، بَلْ فِيهِ مَا يَدُلُّ عَلَى ذَلِكَ بِالْمَعْنَى، لِأَنَّهُ إِنَّمَا أَمَرَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِإِعْفَاءِ اللِّحَى لِأَنَّ حَلْقَهَا أَوْ قَصَّهَا تَشْوِيهٌ وَمُثْلَةٌ، وَكَذَلِكَ طُولُهَا نِعِمَّا سَمَاجَةً وَشُهْرَةً، وَلَوْ تَرَكَ بَعْضُ النَّاسِ الْأَخْذَ مِنْ لِحْيَتِهِ لَانْتَهَتْ إِلَى سُرَّتِهِ أَوْ إِلَى مَا هُوَ أَسْفَلُ مِنْ ذَلِكَ، وَذَلِكَ مِمَّا يُسْتَقْبَحُ»[٢٥]، وقال إسحاق: «سَأَلْتُ أَحْمَدَ عَنِ الرَّجُلِ يَأْخُذُ مِنْ عَارِضَيْهِ؟ قَالَ: يَأْخُذُ مِنَ اللِّحْيَةِ مَا فَضُلَ عَنِ الْقُبْضَةِ، قُلْتُ: فَحَدِيثُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: ”أَحِفُّوا الشَّوَارِبَ وَأَعْفُوا اللِّحَى“؟ قَالَ: يَأْخُذُ مِنْ طُولِهَا وَمِنْ تَحْتِ حَلْقِهِ. قَالَ: وَرَأَيْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ يَأْخُذُ مِنْ طُولِهَا وَمِنْ تَحْتِ حَلْقِهِ»[٢٦] وفي رواية أخرى أنّه قال: «يَأْخُذُ مِنْ عَارِضَيْهِ وَلَا يَأْخُذُ مِنَ الطُّولِ»[٢٧]، وهذه إحدى الروايتين عن أهل البيت؛ كما روى سماك بن يزيد قال: «كَانَ عَلِيٌّ يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ مِمَّا يَلِي وَجْهَهُ»[٢٨]، وروى سدير الصيرفيّ قال: «رَأَيْتُ أَبَا جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَأْخُذُ عَارِضَيْهِ وَيُبَطِّنُ لِحْيَتَهُ»[٢٩]، وروى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى قال: «سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ أَيَصْلُحُ أَنْ يَأْخُذَ مِنْ لِحْيَتِهِ؟ قَالَ: أَمَّا مِنْ عَارِضَيْهِ فَلَا بَأْسَ، وَأَمَّا مِنْ مُقَدَّمِهَا فَلَا»[٣٠]، وقال إبراهيم: «كَانُوا يَأْخُذُونَ مِنْ جَوَانِبِ اللِّحْيَةِ»[٣١]، ورفعه أبو عبد اللّه العطار راويًا عن عائشة: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: خُذُوا مِنْ عَرْضِ لِحَاكُمْ وَاعْفُوا طُولَهَا»[٣٢]، والخبر ضعيف، لكن يقوّيه ما روي عن جعفر بن محمّد، عن أبيه، عن جدّه عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن عليّ بن أبي طالب عليهم السّلام قال: «قَالَ لَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: لِيَأْخُذْ أَحَدُكُمْ مِنْ شَعْرِ صُدْغَيْهِ وَمِنْ عَارِضَيْ لِحْيَتِهِ. قَالَ: وَأَمَرَ أَنْ يُرَجَّلَ اللِّحْيَةُ»[٣٣]، والمعتمد هو الرواية الأولى، وإن صحّت الثانية لا بدّ من الجمع بينهما، وحاصله كراهية الأخذ من طول اللحية ما لم يتجاوز القبضة، وقال الأوزاعي: «مَا زَادَ عَلَى الْقُبْضَةِ فَلَا بَأْسَ بِأَخْذِهِ»[٣٤]، وفي النهاية شرح الهداية: «اللِّحْيَةُ عِنْدَنَا طُولُهَا بِقَدْرِ الْقُبْضَةِ بِضَمِّ الْقَافِ وَمَا وَرَاءَ ذَلِكَ يَجِبُ قَطْعُهُ»[٣٥]، وقال القاضي عياض: «أَمَّا الْأَخْذُ مِنْ طُولِهَا وَعَرْضِهَا فَحَسَنٌ وَتُكْرَهُ الشُّهْرَةُ فِي تَعْظِيمِهَا»[٣٦]، وقال ابن الملك: «تَسْوِيَةُ شَعْرِ اللِّحْيَةِ سُنَّةٌ وَهِيَ أَنْ يَقُصَّ كُلَّ شَعْرَةٍ أَطْوَلَ مِنْ غَيْرِهَا لِيَسْتَوِيَ جَمِيعُهَا»[٣٧]، وقال الغزاليّ: «قَدِ اخْتَلَفُوا فِيمَا طَالَ مِنَ اللِّحْيَةِ، فَقِيلَ: إِنْ قَبَضَ الرَّجُلُ عَلَى لِحْيَتِهِ وَأَخَذَ مَا تَحْتَ الْقُبْضَةِ فَلَا بَأْسَ بِهِ، وَقَدْ فَعَلَهُ ابْنُ عُمَرَ وَجَمَاعَةٌ مِنَ التَّابِعِينَ، وَاسْتَحْسَنَهُ الشَّعْبِيُّ، وَابْنُ سِيرِينَ، وَكَرِهَهُ الْحَسَنُ وَقَتَادَةُ وَمَنْ تَبِعَهُمَا وَقَالُوا: تَرْكُهَا عَافِيَةً أَحَبُّ لِقَوْلِهِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: ”أَعْفُوا اللِّحَى“، لَكِنَّ الظَّاهِرَ هُوَ الْقَوْلُ الْأَوَّلُ، فَإِنَّ الطُّولَ الْمُفْرِطَ يُشَوِّهُ الْخِلْقَةَ، وَيُطْلِقُ أَلْسِنَةَ الْمُغْتَابِينَ بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِ، فَلَا بَأْسَ لِلِاحْتِرَازِ عَنْهُ عَلَى هَذِهِ النِّيَّةِ. قَالَ النَّخَعِيُّ: عَجِبْتُ لِرَجُلٍ عَاقِلٍ طَوِيلِ اللِّحْيَةِ كَيْفَ لَا يَأْخُذُ مِنْ لِحْيَتِهِ فَيَجْعَلُهَا بَيْنَ لِحْيَتَيْنِ أَيْ طَوِيلٍ وَقَصِيرٍ، فَإِنَّ التَّوَسُّطَ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ أَحْسَنُ، وَمِنْهُ قِيلَ: خَيْرُ الْأُمُورِ أَوْسَطُهَا، وَمِنْ ثَمَّ قِيلَ: كُلَّمَا طَالَتِ اللِّحْيَةُ نَقَصَ الْعَقْلُ»[٣٨].
نظرًا لإجابتكم على السؤال الراجع إلى حلق اللحية، عرض لي سؤال. قال السيّد العلامة بتحريم حلق اللحية اعتبارًا لأنّه تشبّه بالكافرين، مع أنّه في الوقت الحاضر، في إيران وتركيا وحتّى الدول العربيّة وسائر أنحاء العالم، يحلق المسلمون أيضًا لحاهم، وذلك من ناحية الصحّة أو العادة أو القواعد الإداريّة وما إلى ذلك، ولا يعتبره العرف تشبّهًا بالكافرين. بناء على هذا، هل يمكن القول أنّ تحريم حلق اللحية حكم منسوخ في الوقت الحاضر؟ مع جزيل الشكر.
حلق اللحية ليس له حكم في حدّ ذاته؛ لأنّ الإنسان حسب القاعدة مسلّط على جسده ويمكنه التصرّف فيه بكلّ ما لا يضرّ به أو بالآخرين، ولكن إبقاء اللحية ممّا داوم عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وأصحابه وأهل بيته والتابعون لهم وأتباع التابعين لهم وعلماء البلاد وصلحاؤها على مرّ القرون، ولذلك أصبح من أبرز السّنن الإسلاميّة وعلامات المسلمين في العالم. الآن أيضًا، على عكس تصوّرك، يعتبر سنّة إسلاميّة وعلامة للمسلمين في العالم، ويلتزم به من يلتزم منهم بالإسلام، سواء من السنّة أو الشيعة؛ كما أنّ حلق اللحية هو بوضوح من عادات غير المسلمين ومن عادات المسلمين الذين لديهم التزام أقلّ بالإسلام ورغبة ظاهرة في تقليد الغربيّين ويحلقون لحاهم تحت تأثير ثقافة غير المسلمين الذين يعتبرون ذلك علامة للحضارة والحداثة، وبالتالي فإنّهم مذنبون لذلك، ومن الواضح أنّ التشبّه بالمذنبين حرام مثل التشبّه بالكافرين؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ ۚ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ﴾[١].
نعم، ليس الذنوب في الإسلام على مستوى واحد، بل بعضها أكبر من بعض، وحلق اللحية ليس من الكبائر، وهو أصغر من الكذب والبهتان وإعانة الظالمين والصدّ عن سبيل اللّه وأكل أموال الناس بالباطل ممّا هو شائع بين علماء الزمان وأتباعهم الذين لهم لحى كبيرة، وقد أحسن عليّ بن حجر إذ نظر إلى لحية رجل من المنسوبين إلى العلم وهو طويل اللحية، فقال: «لَيْسَ بِطُولِ اللِّحَى ... يَسْتَوْجِبُونَ الْقَضَا ... إِنْ كَانَ هَذَا كَذَا ... فَالتَّيْسُ عَدْلٌ رِضَا»[٢] والتيس الذّكر من المعز، وروي عن مالك بن مغول البجلي أنّه قال: «قَرَأْتُ فِي بَعْضِ كُتُبِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: لَا تَغُرَّنَّكُمُ اللِّحَى فَإِنَّ التَّيْسَ لَهُ لِحْيَةٌ»[٣].
لمزيد من المعلومات حول هذا الموضوع، راجع: «ستّة أقوال من السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني في فضل إبقاء اللحية وأحكامه».
كان إيضاحكم حول حكم اللحية دقيقًا وكاملًا جدًّا، ولكن يوجد بين الناس رجال ليس لهم لحية تامّة وسويّة بشكل طبيعيّ، وإبقاؤهم اللحية الناقصة والمتفرّقة يجعلهم كريهي الوجوه في أعين الناس، وهذا ما يضرّ بهم في حياتهم. فهل يجب عليهم أيضًا إبقاء اللحية أو يجوز لهم حلقها؟
إذا كان نقص اللحية وتفرّقها بحيث يضرّ بصاحبها ويعسّر عليه معاشرة الناس يجوز حلقها بمقتضى الضرورة؛ لقول اللّه تعالى: ﴿يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلَا يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ﴾[١]، وقوله تعالى: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾[٢]، وقوله تعالى: ﴿وَلَا عَلَى الْمَرِيضِ حَرَجٌ﴾[٣]، وقوله تعالى: ﴿وَقَدْ فَصَّلَ لَكُمْ مَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ﴾[٤]، وقول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «لَا ضَرَرَ وَلَا ضِرَارَ فِي الْإِسْلَامِ»، وقد روي عن جعفر بن محمّد أنّه قال: «إِنَّ الْمَرِيضَ لَيْسَ كَالصَّحِيحِ، كُلُّ مَا غَلَبَ اللَّهُ عَلَيْهِ فَاللَّهُ أَوْلَى بِالْعُذْرِ فِيهِ»[٥].