هل يجوز الإتيان بالتسبيح بدلًا من قراءة السورة في الركعة الأخيرة من صلاة المغرب أو الركعتين الأخيرتين من الصلاة الرباعية؟
إنّ المشهور بين المسلمين وجوب قراءة الحمد في الركعتين الأخيرتين؛ كما روي عن ابن سيرين، قال: «كَانُوا يَقُولُونَ اقْرَأْ فِي الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَفِي الْآخِرَةِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»[١]، وذلك لما رووا عن أبي قتادة، قال: «أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَسُورَةٍ وَيُسْمِعُنَا الْآيَةَ أَحْيَانًا وَيَقْرَأُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»[٢]، ولكن قد تواتر عن أهل البيت عليهم السلام جواز التسبيح في الركعتين الأخيرتين بدلًا من قراءة الحمد، وهو مشهور عن عليّ عليه السلام؛ كما قال يحيى بن الحسين (ت٢٩٨ه): «الَّذِي صَحَّ لَنَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ كَانَ يُسَبِّحُ فِي الْآخِرَتَيْنِ، يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ، يَقُولُهَا ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، ثُمَّ يَرْكَعُ، وَعَلَى ذَلِكَ رَأَيْنَا مَشَايِخَ آلِ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمْ، وَبِذَلِكَ سَمِعْنَا عَمَّنْ لَمْ نَرَ مِنْهُمْ، وَلَسْنَا نُضَيِّقُ عَلَى مَنْ قَرَأَ فِيهِمَا بِالْحَمْدِ، وَلَكِنَّا نَخْتَارُ مَا رُوِيَ لَنَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَذَلِكَ أَنَّا نَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَخْتَرْ وَلَمْ يَفْعَلْ إِلَّا مَا اخْتَارَهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَفَعَلَهُ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَفْعَلْ إِلَّا مَا أَمَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ بِفِعْلِهِ وَاخْتَارَهُ لَهُ فِي دِينِهِ. حَدَّثَنِي أَبِي، عَنْ أَبِيهِ الْقَاسِمِ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، أَنَّهُ قَالَ: يُسَبِّحُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْآخِرَتَيْنِ، وَقَالَ: عَلَى ذَلِكَ رَأَيْنَا مَشَايِخَ آلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَكَذَلِكَ رُوِيَ لَنَا عَنْ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ رَحْمَةُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَنَّهُ قَالَ: يُسَبِّحُ فِي الْآخِرَتَيْنِ يُسَبِّحُ فِي كُلِّ رَكْعَةٍ ثَلَاثًا يَقُولُ: سُبْحَانَ اللَّهِ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ، وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَاللَّهُ أَكْبَرُ»[٣]، وهو قول عبد اللّه بن مسعود، وأصحابه، وقول أبي حنيفة، والثوري، والأوزاعي، وأحمد في رواية، وعزاه ابن عبد البرّ إلى «جماعة الكوفيين وسلف أهل العراق»[٤]، وروى أهل المدينة عن عليّ عليه السلام قراءة الحمد، وروي عن ابن سيرين، قال: «نُبِّئْتُ أَنَّ ابْنَ مَسْعُودٍ كَانَ يَقْرَأُ فِي الظُّهْرِ وَالْعَصْرِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأُولَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَمَا تَيَسَّرَ وَفِي الْأُخْرَيَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»[٥]، ولا تنافي بينهما؛ لأنّ كلاهما معمول بهما، والظاهر أنّ قراءة الحمد على جهة الثناء كالتسبيح، ولذلك لا يجهر به؛ كما روي عن جعفر بن محمّد الصادق عليهما السلام أنّه قال في الركعتين الأخيرتين من الظهر: «تُسَبِّحُ وَتَحْمَدُ اللَّهَ وَتَسْتَغْفِرُ لِذَنْبِكَ، فَإِنْ شِئْتَ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ فَإِنَّهَا تَحْمِيدٌ وَدُعَاءٌ»[٦]، وروى السرخسيّ أنّ أبا بكر كان يقرأ في الركعتين الأخيرتين زمن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم على جهة الثناء، وسأل رجل عائشة عن قراءة الفاتحة في الأخيرتين، فقالت: اقرأ ليكون على جهة الثناء[٧]، وقد اختُلف في فضلهما وما يذهب إليه المنصور حفظه اللّه تعالى هو «أَنَّ الْقِرَاءَةَ أَفْضَلُ لِلْإِمَامِ وَالْمُنْفَرِدِ وَالتَّسْبِيحَ أَفْضَلُ لِلْمَأْمُومِ»، ويدلّ عليه ما روى منصور بن حازم عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد عليهما السّلام، قال: «إِذَا كُنْتَ إِمَامًا فَاقْرَأْ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَإِنْ كُنْتَ وَحْدَكَ فَيَسَعُكَ فَعَلْتَ أَوْ لَمْ تَفْعَلْ»[٨]، وما روى معاوية بن عمّار، قال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْقِرَاءَةِ خَلْفَ الْإِمَامِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ، فَقَالَ: الْإِمَامُ يَقْرَأُ فَاتِحَةَ الْكِتَابِ وَمَنْ خَلْفَهُ يُسَبِّحُ، فَإِذَا كُنْتَ وَحْدَكَ فَاقْرَأْ فِيهِمَا وَإِنْ شِئْتَ فَسَبِّحْ»[٩]، وما روى جميل بن دراج، قال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَمَّا يَقْرَأُ الْإِمَامُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ فِي آخِرِ الصَّلَاةِ، فَقَالَ: بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ وَلَا يَقْرَأُ الَّذِينَ خَلْفَهُ وَيَقْرَأُ الرَّجُلُ فِيهِمَا إِذَا صَلَّى وَحْدَهُ بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»[١٠]، وما روى محمّد بن حكيم، قال: «سَأَلْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَيُّهُمَا أَفْضَلُ الْقِرَاءَةُ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ أَوِ التَّسْبِيحُ؟ فَقَالَ: الْقِرَاءَةُ أَفْضَلُ»[١١].