ما حكم إمامة المرأة في الصلاة؟
لا يصلح للمرأة أن تؤمّ الرجال في الصلاة؛ لأنّ اللّه قال: ﴿الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ﴾[١]، وقال: ﴿وَلِلرِّجَالِ عَلَيْهِنَّ دَرَجَةٌ﴾[٢]، ووجه الدلالة -كما قال الشافعيّ- هو أنّه لمّا كانت الصلاة ممّا يقوم به الإمام على المأموم، لم يجز أن تكون المرأة التي عليها القيّم قيّمة على قيّمها، ولمّا كانت الإمامة درجة فضل، لم يجز أن يكون لها درجة الفضل على من جعل اللّه له عليها درجة[٣]، ويؤيّد ذلك قوله تعالى: ﴿يَا مَرْيَمُ اقْنُتِي لِرَبِّكِ وَاسْجُدِي وَارْكَعِي مَعَ الرَّاكِعِينَ﴾[٤]؛ اعتبارًا لأنّ ﴿الرَّاكِعِينَ﴾ رجال، فأمرها بالصلاة معهم، بمعنى الإقتداء بهم، ولأنّ المحبوب عند اللّه احتجاب المرأة عن الرجال وابتعادها عن مرآهم ومسمعهم، وهو يفوت بإمامتها لهم؛ نظرًا لأنّهم من أجل الإقتداء بها لا بدّ لهم من النظر والإستماع إليها في قيامها وركوعها وسجودها، وقد يوجد فيهم من يعجبه جسمها أو صوتها، فيلحقه من الإثم ما لا يدركه من الثواب! من أجل ذلك لم تؤمّ امرأة رجلًا على عهد النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولا عهد الصحابة والتابعين، وكان متسالمًا عليه بينهم تأخّر النساء عن الرجال في المساجد والبيوت؛ كما كان عبد اللّه بن مسعود يقول: «أَخِّرُوهُنَّ حَيْثُ أَخَّرَهُنَّ اللَّهُ»[٥]، وقد جاء عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَا تَؤُمَّنَّ امْرَأَةٌ رَجُلًا»[٦]، وهذا نصّ، ولهذه الوجوه اتّفق الفقهاء على القول بعدم جواز إمامة المرأة للرجال، إلّا أبا ثور والطبريّ؛ فإنّه يُنسب إليهما القول بجوازها إذا كانت المرأة أقرأ من الرجال، تعلّقًا بقول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ»[٧]، مع أنّ الضمير فيه للمذكّر، فيعني أقرأ الرجال.
نعم، لا بأس بإمامة المرأة للنساء، لا سيّما إذا قامت معهنّ في الصفّ، وبه قال عطاء، ومجاهد، وابن جريج، والثوريّ، والأوزاعيّ، والشافعيّ، وأحمد، وإسحاق، وأبو ثور، وهو أصحّ الروايتين عن أهل البيت، وقد جاء في «مسند زيد»، عن أبيه، عن جدّه، عن عليّ عليهم السلام، قال: «دَخَلْتُ أَنَا وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَإِذَا نِسْوَةٌ فِي جَانِبِ الْبَيْتِ يُصَلِّينَ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَا أُمَّ سَلَمَةَ، أَيُّ صَلَاةٍ يُصَلِّينَ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْمَكْتُوبَةَ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: أَفَلَا أَمَمْتِهِنَّ؟ قَالَتْ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَوَ يَصْلُحُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، تَقُومِينَ وَسَطَهُنَّ، لَا هُنَّ أَمَامَكِ، وَلَا خَلْفَكِ، وَلْيَكُنَّ عَنْ يَمِينِكِ وَعَنْ شِمَالِكِ»[٨]، ولذلك كانت أمّ سلمة تؤمّهنّ في الفريضة، فتقوم وسطهنّ[٩]، وكذلك عائشة[١٠]، وقد روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أمر أمّ ورقة بنت عبد اللّه بن الحارث أن تتّخذ مؤذّنًا، وتؤمّ النساء من أهل دارها في الفريضة[١١]، وقالت طائفة: تؤمّ المرأة في النافلة دون الفريضة، وهو الرواية الأخرى عن أهل البيت، وقد حُملت على الكراهية دون الحظر[١٢]، والكراهية قول أبي حنيفة، وقالت طائفة: لا تؤمّ المرأة في فريضة ولا نافلة، وبه قال سليمان بن يسار، والحسن البصريّ، وهو مرويّ عن عمر بن عبد العزيز، وقال نافع مولى ابن عمر: «لَا أَعْلَمُ الْمَرْأَةَ تَؤُمُّ النِّسَاءَ»[١٣]، وقال مالك: «لَا يَنْبَغِي لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَؤُمَّ أَحَدًا»[١٤]، والصحيح ما قلنا من الجواز، لعدم المانع من ذلك في الكتاب والسنّة، ولا وجه لتحريم ما لم يحرّمه اللّه ورسوله، وروي عن عليّ بن جعفر بن محمّد أنّه سأل أخاه موسى عن النساء، هل عليهنّ الجهر بالقراءة في الفريضة والنافلة؟ فقال: «لَا، إِلَّا أَنْ تَكُونَ امْرَأَةً تَؤُمُّ النِّسَاءَ، فَتَجْهَرُ بِقَدْرِ مَا تُسْمِعُ قِرَاءَتَهَا»[١٥]، قال: قلت: «مَا حَدُّ رَفْعِ صَوْتِهَا بِالْقِرَاءَةِ وَالتَّكْبِيرِ؟» قال: «قَدْرَ مَا تُسْمِعُ»[١٦].