أوضحوا لنا عدد أصحاب المهديّ وصفاتهم. هل يصحّ أنّهم ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا؟
لقد اشتهر بين السلف والخلف أنّ عدد أصحاب المهديّ عند ظهوره عدد أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم بدر، وأصل ذلك ما روي عن أمّ سلمة في وصف المهديّ، قالت: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يُبَايِعُ لِرَجُلٍ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ كَعِدَّةِ أَهْلِ بَدْرٍ، فَتَأْتِيهِ عَصَائِبُ الْعِرَاقِ وَأَبْدَالُ الشَّامِ، فَيَغْزُوهُمْ جَيْشٌ مِنْ أَهْلِ الشَّامِ، حَتَّى إِذَا كَانُوا بِالْبَيْدَاءِ يُخْسَفُ بِهِمْ، ثُمَّ يَغْزُوهُمْ رَجُلٌ مِنْ قُرَيْشٍ أَخْوَالُهُ كَلْبٌ، فَيَلْتَقُونَ فَيَهْزِمُهُمُ اللَّهُ، فَكَانَ يُقَالُ: الْخَائِبُ مَنْ خَابَ مِنْ غَنِيمَةِ كَلْبٍ»[١]، ولم يرو هذا الحديث إلّا عمران القطّان، ولم يكن قويًّا في الحديث، وكان يرى رأي الخوارج، ولذلك لم يعتبروا هذا الحديث صحيح الإسناد، لكن له شاهد يقوّيه، وهو حديث عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جدّه، أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال في وصف المهديّ: «يُبَايِعُهُ مِثْلُ عِدَّةِ أَهْلِ بَدْرٍ، يَرْضَى عَنْهُ سَاكِنُ السَّمَاءِ وَسَاكِنُ الْأَرْضِ»[٢]. نعم، قد روي عن محمّد بن الحنفيّة، قال: «كُنَّا عِنْدَ عَلِيٍّ، فَسَأَلَهُ رَجُلٌ عَنِ الْمَهْدِيِّ، فَقَالَ عَلِيٌّ: هَيْهَاتَ، ثُمَّ عَقَدَ بِيَدِهِ سَبْعًا، فَقَالَ: ذَاكَ يَخْرُجُ فِي آخِرِ الزَّمَانِ، إِذَا قَالَ الرَّجُلُ: اللَّهَ اللَّهَ قُتِلَ، فَيَجْمَعُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ قَوْمًا، قَزَعًا كَقَزَعِ السَّحَابِ، يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، لَا يَسْتَوْحِشُونَ إِلَى أَحَدٍ، وَلَا يَفْرَحُونَ بِأَحَدٍ يَدْخُلُ فِيهِمْ، عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ بَدْرٍ، لَمْ يَسْبِقْهُمُ الْأَوَّلُونَ، وَلَا يُدْرِكُهُمُ الْآخِرُونَ»[٣]، وإسناده صحيح على شرط البخاريّ ومسلم، وهو في حكم المرفوع، ولذلك أصبح كالمتسالم عليه بين المسلمين أنّ عدّة أصحاب المهديّ عند ظهوره عدّة أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يوم بدر، وكانت عدّتهم ثلاثمائة وبضعة عشر رجلًا، والمرويّ أنّها كانت عدّة أصحاب طالوت الذين صبروا معه؛ كما روي عن أبي أيّوب الأنصاريّ، قال: «أَمَرَنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ نَتَعَادَّ -يَعْنِي يَوْمَ بَدْرٍ- فَفَعَلْنَا، فَإِذَا نَحْنُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ عَشَرَ رَجُلًا، فَأَخْبَرْنَا النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِعِدَّتِنَا، فَسُرَّ بِذَلِكَ وَحَمِدَ اللَّهَ وَقَالَ: عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ»[٤]، وعن أبي اليمان عامر بن عبد اللّه بن لُحَيّ الهَوزَنيّ، قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ، فَقَالَ لِأَصْحَابِهِ: تَعَادُّوا، فَوَجَدَهُمْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: تَعَادُّوا، فَتَعَادُّوا مِثْلَ ذَلِكَ مَرَّتَيْنِ، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ، وَهُمْ يَتَعَادُّونَ، عَلَى بَكْرٍ لَهُ ضَعِيفٍ، فَتَمَّتِ الْعِدَّةُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ رَجُلًا، فَقَالَ: أَنْتُمُ الْيَوْمَ عَلَى عِدَّةِ النَّبِيِّينَ، وَعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ»[٥]، وعن البراء بن عازب، قال: «كَانَتْ عِدَّةُ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ، وَكَانُوا يَرَوْنَ أَنَّهُمْ عَلَى عِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ يَوْمَ جَالُوتَ الَّذِينَ جَازُوا النَّهَرَ»[٦]، وفي رواية أخرى، قال: «حَدَّثَنِي أَصْحَابُ مُحَمَّدٍ مَنْ شَهِدَ بَدْرًا أَنَّهُمْ كَانُوا عِدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ الَّذِينَ جَازُوا مَعَهُ النَّهَرَ: بِضْعَةَ عَشَرَ وَثَلَاثَمِائَةٍ»[٧]، وفي رواية أخرى، قال: «كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ أَصْحَابَ بَدْرٍ يَوْمَ بَدْرٍ كَعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ: ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ عَشَرَ رَجُلًا»[٨]، وعن ابن عبّاس، قال: «كَانَ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ بِعَدَدِ أَصْحَابِ طَالُوتَ: ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَ عَشَرَ رَجُلًا»[٩]، وعن عبد اللّه بن عمرو، قال: «خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَوْمَ بَدْرٍ بِثَلَاثِمِائَةٍ وَخَمْسَةَ عَشَرَ مِنَ الْمُقَاتِلَةِ كَمَا خَرَجَ طَالُوتُ»[١٠]، وعن أبي موسى الأشعريّ، قال: «كَانَ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ عِدَّةَ أَصْحَابِ طَالُوتَ يَوْمَ جَالُوتَ: ثَلَاثَمِائَةٍ وَسَبْعَةَ عَشَرَ»[١١]، وأشهر الروايات أنّهم كانوا ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، ولذلك تواترت الروايات عن أهل البيت أنّ عدّة أصحاب المهديّ عند ظهوره ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا؛ منها صحيحة جابر بن يزيد، عن أبي جعفر أنّه قال في وصف المهديّ: «فَيَجْمَعُ اللَّهُ عَلَيْهِ أَصْحَابَهُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَثَلَاثَةَ عَشَرَ رَجُلًا، وَيَجْمَعُهُمُ اللَّهُ لَهُ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ، قَزَعًا كَقَزَعِ الْخَرِيفِ، وَهِيَ الْآيَةُ الَّتِي ذَكَرَهَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ: ﴿أَيْنَ مَا تَكُونُوا يَأْتِ بِكُمُ اللَّهُ جَمِيعًا ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾[١٢]، فَيُبَايِعُونَهُ بَيْنَ الرُّكْنِ وَالْمَقَامِ»[١٣]، وصحيحة أبان بن تغلب، عن جعفر بن محمّد الصادق أنّه قال في وصف أصحاب المهديّ: «سَيَأْتِي مَسْجِدَكُمْ هَذَا -يَعْنِي مَسْجِدَ الْحَرَامِ- ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ عَشَرَ، يَعْلَمُ أَهْلُ مَكَّةَ أَنَّهُ لَمْ يَلِدْهُمْ آبَاؤُهُمْ وَلَا أَجْدَادُهُمْ، عَلَيْهِمُ السُّيُوفُ، مَكْتُوبٌ عَلَى كُلِّ سَيْفٍ كَلِمَةٌ تَفْتَحُ أَلْفَ كَلِمَةٍ، فَيَبْعَثُ اللَّهُ تَبَارَكَ وَتَعَالَى رِيحًا، فَتُنَادِي بِكُلِّ وَادٍ: هَذَا الْمَهْدِيُّ، يَقْضِي بِقَضَاءِ دَاوُدَ وَسُلَيْمَانَ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، وَلَا يُرِيدُ عَلَيْهِ بَيِّنَةً»[١٤]، ويؤيّد هذه الروايات ما روي عنهم من وجوب الجهاد على الإمام إذا اجتمع له ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا؛ كما روي عن عليّ عليه السلام أنّه قال في بعض خطبه: «أَمَا وَاللَّهِ لَوْ كَانَ لِي عِدَّةُ أَصْحَابِ طَالُوتَ، أَوْ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ، وَهُمْ أَعْدَاؤُكُمْ، لَضَرَبْتُكُمْ بِالسَّيْفِ، حَتَّى تَؤُولُوا إِلَى الْحَقِّ، وَتُنِيبُوا لِلصِّدْقِ، فَكَانَ أَرْتَقَ لِلْفَتْقِ، وَآخَذَ بِالرِّفْقِ، اللَّهُمَّ فَاحْكُمْ بَيْنَنَا بِالْحَقِّ وَأَنْتَ خَيْرُ الْحَاكِمِينَ»[١٥]، وروي عن أبي جعفر أنّه قال: «إِذَا اجْتَمَعَ لِلْإِمَامِ عِدَّةُ أَهْلِ بَدْرٍ، ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ عَشَرَ، وَجَبَ عَلَيْهِ الْقِيَامُ وَالتَّغْيِيرُ»[١٦]، وعن زيد بن عليّ أنّه قال: «إِذَا كَانَ الْإِمَامُ فِي قِلَّةٍ مِنَ الْعَدَدِ لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ قِتَالُ أَهْلِ الْبَغْيِ، فَإِذَا كَانَ أَصْحَابُهُ ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَ عَشْرَةَ عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ، وَجَبَ عَلَيْهِ وَعَلَيْهِمُ الْقِتَالُ، وَلَمْ يُعْذَرُوا بِتَرْكِ الْقِتَالِ، فَإِنَّهُ لَيْسَ مِنَ الْأَعْمَالِ شَيْءٌ أَفْضَلَ مِنْ جِهَادِهِمْ»[١٧]، ولذلك قالت الزيديّة: «أَقَلُّ الْمِقْدَارِ الَّذِي يَجُوزُ لَهُمُ الْخُرُوجُ أَنْ يَكُونُوا كَعِدَّةِ أَهْلِ بَدْرٍ، فَيَعْقِدُونَ الْإِمَامَةَ لِلْإِمَامِ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مَعَهُ عَلَى السُّلْطَانِ»[١٨]، وهذا صحيح في الجملة نظرًا لقول اللّه تعالى: ﴿لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا﴾[١٩]، وقد جاهد رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم عندما اجتمع له ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، وروي «أَنَّهُ قَالَ لِأَصْحَابِهِ يَوْمَ بَدْرٍ: تَعَادُّوا، فَتَعَادُّوا، فَوَجَدَهُمْ ثَلَاثَمِائَةٍ وَأَرْبَعَةَ عَشَرَ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: تَعَادُّوا، فَتَعَادُّوا عَلَى مِثْلِ ذَلِكَ، فَقَالَ لَهُمْ: لَعَلَّكُمْ لَمْ تَعُدُّوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالُوا: بَلَى، عَدَدْنَاكَ أَوَّلَنَا، فَأَقْبَلَ رَجُلٌ، وَهُمْ يَتَعَادُّونَ، عَلَى بَكْرٍ ضَعِيفٍ، فَتَمَّتِ الْعِدَّةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَخَمْسَةُ عَشَرَ، فَقَالَ: أَنْتُمْ عَلَى عِدَّةِ النَّبِيِّينَ وَعِدَّةِ أَصْحَابِ طَالُوتَ، لَا تَجْتَمِعُ عِدَّتُكُمْ إِلَّا غَلَبُوا مَنْ نَاوَأَهُمْ مِنَ النَّاسِ»[٢٠]، وهذا يرجع إلى قول اللّه تعالى: ﴿فَلَمَّا فَصَلَ طَالُوتُ بِالْجُنُودِ قَالَ إِنَّ اللَّهَ مُبْتَلِيكُمْ بِنَهَرٍ فَمَنْ شَرِبَ مِنْهُ فَلَيْسَ مِنِّي وَمَنْ لَمْ يَطْعَمْهُ فَإِنَّهُ مِنِّي إِلَّا مَنِ اغْتَرَفَ غُرْفَةً بِيَدِهِ ۚ فَشَرِبُوا مِنْهُ إِلَّا قَلِيلًا مِنْهُمْ ۚ فَلَمَّا جَاوَزَهُ هُوَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ قَالُوا لَا طَاقَةَ لَنَا الْيَوْمَ بِجَالُوتَ وَجُنُودِهِ ۚ قَالَ الَّذِينَ يَظُنُّونَ أَنَّهُمْ مُلَاقُو اللَّهِ كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللَّهِ ۗ وَاللَّهُ مَعَ الصَّابِرِينَ﴾[٢١]؛ لأنّ المراد بالفئة القليلة فيه ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا، كما تقدّم، فهم يغلبون فئة كثيرة بإذن اللّه إذا كانوا صابرين، وفقًا لقوله تعالى، وروي عن أبي جعفر أنّه قال لأصحابه: «لَا تَجْزَعُوا مِنْ مَرَّةٍ، وَلَا مِنْ مَرَّتَيْنِ، وَلَا مِنْ ثَلَاثٍ، وَلَا مِنْ أَرْبَعٍ، فَإِنَّمَا مَثَلُنَا وَمَثَلُكُمْ مَثَلُ نَبِيٍّ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ، فَأَوْحَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ إِلَيْهِ أَنِ ادْعُ قَوْمَكَ لِلْقِتَالِ، فَإِنِّي سَأَنْصُرُكَ، فَجَمَعَهُمْ مِنْ رُؤُوسِ الْجِبَالِ وَمِنْ غَيْرِ ذَلِكَ، ثُمَّ تَوَجَّهَ بِهِمْ، فَمَا ضَرَبُوا بِسَيْفٍ وَلَا طَعَنُوا بِرُمْحٍ حَتَّى انْهَزَمُوا، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ أَنِ ادْعُ قَوْمَكَ إِلَى الْقِتَالِ، فَإِنِّي سَأَنْصُرُكَ، فَجَمَعَهُمْ، ثُمَّ تَوَجَّهَ بِهِمْ، فَمَا ضَرَبُوا بِسَيْفٍ وَلَا طَعَنُوا بِرُمْحٍ حَتَّى انْهَزَمُوا، ثُمَّ أَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ أَنِ ادْعُ قَوْمَكَ إِلَى الْقِتَالِ، فَإِنِّي سَأَنْصُرُكَ، فَدَعَاهُمْ، فَقَالُوا: وَعَدْتَنَا النَّصْرَ، فَمَا نُصِرْنَا، فَأَوْحَى اللَّهُ تَعَالَى إِلَيْهِ: إِمَّا أَنْ يَخْتَارُوا الْقِتَالَ أَوِ النَّارَ، فَقَالَ: يَا رَبِّ، الْقِتَالُ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنَ النَّارِ، فَدَعَاهُمْ، فَأَجَابَهُ مِنْهُمْ ثَلَاثُمِائَةٍ وَثَلَاثَةُ عَشَرَ، عِدَّةَ أَهْلِ بَدْرٍ، فَتَوَجَّهَ بِهِمْ، فَمَا ضَرَبُوا بِسَيْفٍ وَلَا طَعَنُوا بِرُمْحٍ حَتَّى فَتَحَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ لَهُمْ»[٢٢].
نعم، لا شكّ أنّ المراد بالثلاثمائة والثلاثة عشر الذين يكفون الإمام ويوجبون عليه الجهاد إذا اجتمعوا له، هم المؤمنون المخلصون المطيعون الصابرون الذين يضاهئون أصحاب طالوت وأهل بدر في إيمانهم وإخلاصهم وطاعتهم وصبرهم، دون الذين ﴿قَالُوا آمَنَّا بِأَفْوَاهِهِمْ وَلَمْ تُؤْمِنْ قُلُوبُهُمْ﴾[٢٣]، ﴿وَيَقُولُونَ طَاعَةٌ فَإِذَا بَرَزُوا مِنْ عِنْدِكَ بَيَّتَ طَائِفَةٌ مِنْهُمْ غَيْرَ الَّذِي تَقُولُ﴾[٢٤]، ويقولون ما لا يفعلون[٢٥]، و﴿يَبْخَلُونَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ﴾[٢٦]، و﴿يَقُولُونَ نَخْشَى أَنْ تُصِيبَنَا دَائِرَةٌ﴾[٢٧]؛ فلا يقال قد يوجد اليوم آلاف من المعتقدين بالمهديّ المدّعين لمودّته، فلماذا لا يظهر ولا يقوم بالجهاد؛ إذ من الواضح أنّ أكثر هؤلاء ليسوا من المؤمنين المخلصين المطيعين الصابرين، بل هم كما قال الفرزدق للحسين بن عليّ عليهما السلام: «قُلُوبُهُمْ مَعَكَ، وَسُيُوفُهُمْ مَعَ بَنِي أُمَيَّةَ»، فقال له الحسين عليه السلام: «صَدَقْتَ، إِنَّ النَّاسَ عَبِيدُ الدُّنْيَا، وَالدِّينُ لَعْقٌ عَلَى أَلْسِنَتِهِمْ، يَحُوطُونَهُ مَا دَرَّتْ مَعَايِشُهُمْ، فَإِذَا مُحِّصُوا بِالْبَلَاءِ قَلَّ الدَّيَّانُونَ»[٢٨]، وروى المفضّل بن قيس، قال: «قَالَ لِي أَبُو عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: كَمْ شِيعَتُنَا بِالْكُوفَةِ؟ قُلْتُ: خَمْسُونَ أَلْفًا، فَمَا زَالَ يَقُولُ إِلَى أَنْ قَالَ: وَاللَّهِ لَوَدَدْتُ أَنْ يَكُونَ بِالْكُوفَةِ خَمْسَةٌ وَعِشْرُونَ رَجُلًا يَعْرِفُونَ أَمْرَنَا الَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ وَلَا يَقُولُونَ عَلَيْنَا إِلَّا الْحَقَّ»[٢٩]، وروى عليّ بن جعفر، قال: «سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ -يَعْنِي أَخَاهُ مُوسَى بْنَ جَعْفَرٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: لَيْسَ كُلُّ مَنْ قَالَ بِوَلَايَتِنَا مُؤْمِنًا، وَلَكِنْ جُعِلُوا أُنْسًا لِلْمُؤْمِنِينَ»[٣٠]، بل لا يكاد يوجد فيهم من كان على صفات أصحاب طالوت وأهل بدر حتّى يجوز الإعتماد عليهم للقيام؛ كما روى سدير الصيرفيّ، قال: «دَخَلْتُ عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقُلْتُ لَهُ: وَاللَّهِ مَا يَسَعُكَ الْقُعُودُ، فَقَالَ: وَلِمَ يَا سَدِيرُ؟ قُلْتُ: لِكَثْرَةِ مَوَالِيكَ وَشِيعَتِكَ وَأَنْصَارِكَ، فَقَالَ: يَا سَدِيرُ، وَكَمْ عَسَى أَنْ يَكُونُوا؟ قُلْتُ: مِائَةَ أَلْفٍ! قَالَ: مِائَةَ أَلْفٍ؟! قُلْتُ: نَعَمْ، وَمِائَتَيْ أَلْفٍ! قَالَ: مِائَتَيْ أَلْفٍ؟! قُلْتُ: نَعَمْ، وَنِصْفَ الدُّنْيَا! قَالَ: فَسَكَتَ عَنِّي، ثُمَّ قَالَ: يَخِفُّ عَلَيْكَ أَنْ تَبْلُغَ مَعَنَا إِلَى يَنْبُعَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، فَأَمَرَ بِحِمَارٍ وَبَغْلٍ أَنْ يُسْرَجَا، فَرَكِبَ الْحِمَارَ وَرَكِبْتُ الْبَغْلَ، فَسِرْنَا حَتَّى صِرْنَا إِلَى أَرْضٍ حَمْرَاءَ وَنَظَرَ إِلَى غُلَامٍ يَرْعَى جِدَاءً، فَقَالَ: وَاللَّهِ يَا سَدِيرُ، لَوْ كَانَ لِي شِيعَةٌ بِعَدَدِ هَذِهِ الْجِدَاءِ مَا وَسِعَنِي الْقُعُودُ، وَنَزَلْنَا وَصَلَّيْنَا، فَلَمَّا فَرَغْنَا مِنَ الصَّلَاةِ عَطَفْتُ عَلَى الْجِدَاءِ فَعَدَدْتُهَا، فَإِذَا هِيَ سَبْعَةُ عَشَرَ»[٣١]، وهذا كالصريح في أنّ المراد بالثلاثمائة والثلاثة عشر الذين يكفون الإمام ويوجبون عليه الجهاد إذا اجتمعوا له، ليسوا كلّ من يعتقد إمامته ويظهر مودّته، بل هم المؤمنون المخلصون الذين يطيعونه ويصبرون معه في المواطن الحرجة؛ كما روي أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم يعزم على الجهاد يوم بدر حتّى قال له أصحابه: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، امْضِ لِمَا أُمِرْتَ بِهِ، فَنَحْنُ مَعَكَ، وَاللَّهِ لَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى: ﴿اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ﴾[٣٢]، وَلَكِنِ اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى بَرْكِ الْغِمَادِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مَنْ دُونَهُ حَتَّى تَبْلُغَهُ»[٣٣]، وروي عن عليّ عليه السلام أنّه قال لأصحابه: «إِنَّه لَا غَنَاءَ فِي كَثْرَةِ عَدَدِكُمْ، مَعَ قِلَّةِ اجْتِمَاعِ قُلُوبِكُمْ»[٣٤]، وقال للنّاس: «اتَّقُوا اللَّهَ -عِبَادَ اللَّهِ- وَتَحَاثُّوا عَلَى الْجِهَادِ مَعَ إِمَامِكُمْ، فَلَوْ كَانَ لِي مِنْكُمْ عِصَابَةٌ بِعَدَدِ أَهْلِ بَدْرٍ، إِذَا أَمَرْتُهُمْ أَطَاعُونِي، وَإِذَا اسْتَنْهَضْتُهُمْ نَهَضُوا مَعِي، لَاسْتَغْنَيْتُ بِهِمْ عَنْ كَثِيرٍ مِنْكُمْ، وَأَسْرَعْتُ النُّهُوضَ إِلَى حَرْبِ مُعَاوِيَةَ وَأَصْحَابِهِ، فَإِنَّهُ الْجِهَادُ الْمَفْرُوضُ»[٣٥]، فصرّح بأنّ هذا العدد لا يكفونه ولا يوجبون عليه الجهاد حتّى يكونوا إذا أمرهم أطاعوه وإذا استنهضهم نهضوا معه، والأكثر من ذلك صراحة ما روي عن جعفر بن محمّد الصّادق «أَنَّهُ دَخَلَ عَلَيْهِ بَعْضُ أَصْحَابِهِ، فَقَالَ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي وَاللَّهِ أُحِبُّكَ وَأُحِبُّ مَنْ يُحِبُّكَ، يَا سَيِّدِي، مَا أَكْثَرَ شِيعَتَكُمْ! فَقَالَ لَهُ: أُذْكُرْهُمْ، فَقَالَ: كَثِيرٌ، فَقَالَ: تُحْصِيهِمْ؟ فَقَالَ: هُمْ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ، فَقَالَ جَعْفَرٌ عَلَيْهِ السَّلَامُ: أَمَا لَوْ كَمُلَتِ الْعِدَّةُ الْمَوْصُوفَةُ ثَلَاثُمِائَةٍ وَبِضْعَةُ عَشَرَ كَانَ الَّذِي تُرِيدُونَ، وَلَكِنْ شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَعْدُو صَوْتُهُ سَمْعَهُ، وَلَا شَحْنَاؤُهُ بَدَنَهَ، وَلَا يَمْدَحُ بِنَا مُعْلِنًا، وَلَا يُخَاصِمُ بِنَا قَالِيًا، وَلَا يُجَالِسُ لَنَا عَائِبًا، وَلَا يُحْدِثُ لَنَا ثَالِبًا، وَلَا يُحِبُّ لَنَا مُبْغِضًا، وَلَا يُبْغِضُ لَنَا مُحِبًّا، فَقُلْتُ: فَكَيْفَ أَصْنَعُ بِهَذِهِ الشِّيعَةِ الْمُخْتَلِفَةِ الَّذِينَ يَقُولُونَ إِنَّهُمْ يَتَشَيَّعُونَ؟! فَقَالَ: فِيهِمُ التَّمْيِيزُ، وَفِيهِمُ التَّمْحِيصُ، وَفِيهِمُ التَّبْدِيلُ، يَأْتِي عَلَيْهِمْ سِنُونَ تُفْنِيهِمْ، وَسَيْفٌ يَقْتُلُهُمْ، وَاخْتِلَافٌ يُبَدِّدُهُمْ، إِنَّمَا شِيعَتُنَا مَنْ لَا يَهِرُّ هَرِيرَ الْكَلْبِ، وَلَا يَطْمَعُ طَمَعَ الْغُرَابِ، وَلَا يَسْأَلُ النَّاسَ بِكَفِّهِ وَإِنْ مَاتَ جُوعًا، قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَأَيْنَ أَطْلُبُ هَؤُلَاءِ الْمَوْصُوفِينَ بِهَذِهِ الصِّفَةِ؟ فَقَالَ: اطْلُبْهُمْ فِي أَطْرَافِ الْأَرْضِ، أُولَئِكَ الْخَفِيضُ عَيْشُهُمُ، الْمُنْتَقِلَةُ دَارُهُمْ، الَّذِينَ إِنْ شَهِدُوا لَمْ يُعْرَفُوا، وَإِنْ غَابُوا لَمْ يُفْتَقَدُوا، وَإِنْ مَرِضُوا لَمْ يُعَادُوا، وَإِنْ خَطَبُوا لَمْ يُزَوَّجُوا، وَإِنْ مَاتُوا لَمْ يُشْهَدُوا، أُولَئِكَ الَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ يَتَوَاسَوْنَ، وَفِي قُبُورِهِمْ يَتَزَاوَرُونَ، وَلَا تَخْتَلِفُ أَهْوَاؤُهُمْ وَإِنِ اخْتَلَفَتْ بِهِمُ الْبُلْدَانُ»[٣٦]، والأكثر من ذلك صراحة ما روي في وصف المهديّ من أنّه يفرّ من أصحابه مرارًا بعد اجتماعهم له حتّى يمتحنهم، «فَلَا يَزَالُونَ بِهِ إِلَى أَنْ يُجِيبَهُمْ، فَيَقُولُ لَهُمْ: إِنِّي لَسْتُ قَاطِعًا أَمْرًا حَتَّى تُبَايِعُونِي عَلَى ثَلَاثِينَ خَصْلَةً تَلْزَمُكُمْ، لَا تُغَيِّرُونَ مِنْهَا شَيْئًا، وَلَكُمْ عَلَيَّ ثَمَانُ خِصَالٍ، قَالُوا: قَدْ فَعَلْنَا ذَلِكَ، فَاذْكُرْ مَا أَنْتَ ذَاكِرٌ يَا ابْنَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَيَخْرُجُونَ مَعَهُ إِلَى الصَّفَا، فَيَقُولُ: أَنَا مَعَكُمْ عَلَى أَنْ لَا تُوَلُّوا، وَلَا تَسْرَقُوا، وَلَا تَزْنُوا، وَلَا تَقْتُلُوا مُحَرَّمًا، وَلَا تَأْتُوا فَاحِشَةً، وَلَا تَضْرَبُوا أَحَدًا إِلَّا بِحَقِّهِ، وَلَا تَكْنَزُوا ذَهَبًا وَلَا فِضَّةً وَلَا تِبْرًا وَلَا شَعِيرًا، وَلَا تَأْكُلُوا مَالَ الْيَتِيمِ، وَلَا تَشْهَدُوا بِغَيْرِ مَا تَعْلَمُونَ، وَلَا تُخَرِّبُوا مَسْجِدًا، وَلَا تُقَبِّحُوا مُسْلِمًا، وَلَا تَشْرَبُوا مُسْكِرًا، وَلَا تَلْبَسُوا الذَّهَبَ وَلَا الْحَرِيرَ وَلَا الدِّيبَاجَ، وَلَا تَبِيعُوهَا رِبًا، وَلَا تَسْفِكُوا دَمًا حَرَامًا، وَلَا تَغْدِرُوا بِمُسْتَأْمِنٍ، وَلَا تُبْقُوا عَلَى كَافِرٍ وَلَا مُنَافِقٍ، وَتَلْبَسُونَ الْخَشِنَ مِنَ الثِّيَابِ، وَتَتَوَسَّدُونَ التُّرَابَ عَلَى الْخُدُودِ، وَتُجَاهِدُونَ فِي اللَّهِ حَقَّ جِهَادِهِ، وَلَا تَشْتُمُونَ، وَتَكْرَهُونَ النَّجَاسَةَ، وَتَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ، وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ، فَإِذَا فَعَلْتُمْ ذَلِكَ فَعَلَيَّ أَنْ لَا أَتَّخِذَ حَاجِبًا، وَلَا أَلْبَسَ إِلَّا كَمَا تَلْبَسُونَ، وَلَا أَرْكَبَ إِلَّا كَمَا تَرْكَبُونَ، وَأَرْضَى بِالْقَلِيلِ، وَأَمْلَأَ الْأَرْضَ عَدْلًا كَمَا مُلِئَتْ جَوْرًا، وَأَعْبُدَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ حَقَّ عِبَادَتِهِ، وَأَفِيَ لَكُمْ وَتَفُوا لِي، قَالُوا: رَضِينَا وَاتَّبَعْنَاكَ عَلَى هَذَا، فَيُصَافِحُهُمْ رَجُلًا رَجُلًا»[٣٧]، وروي عن أبي جعفر أنّه ذكر المهديّ فقال: «يَكُونُ لِصَاحِبِ هَذَا الْأَمْرِ غَيْبَةٌ فِي بَعْضِ هَذِهِ الشِّعَابِ -وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ إِلَى نَاحِيَةِ ذِي طُوًى- حَتَّى إِذَا كَانَ قَبْلَ خُرُوجِهِ أَتَى الْمَوْلَى الَّذِي كَانَ مَعَهُ حَتَّى يَلْقَى بَعْضَ أَصْحَابِهِ، فَيَقُولُ: كَمْ أَنْتُمْ هَاهُنَا؟ فَيَقُولُونَ: نَحْوٌ مِنْ أَرْبَعِينَ رَجُلًا، فَيَقُولُ: كَيْفَ أَنْتُمْ لَوْ رَأَيْتُمْ صَاحِبَكُمْ؟ فَيَقُولُونَ: وَاللَّهِ لَوْ نَاوَى بِنَا الْجِبَالَ لَنَاوَيْنَاهَا مَعَهُ، ثُمَّ يَأْتِيهِمْ مِنَ الْقَابِلَةِ وَيَقُولُ: أَشِيرُوا إِلَى رُؤَسَائِكُمْ أَوْ خِيَارِكُمْ عَشَرَةً، فَيُشِيرُونَ لَهُ إِلَيْهِمْ، فَيَنْطَلِقُ بِهِمْ حَتَّى يَلْقَوْا صَاحِبَهُمْ، وَيَعِدُهُمُ اللَّيْلَةَ الَّتِي تَلِيهَا»[٣٨]، وروي أنّهم «كَدَّادُونَ مُجِدُّونَ فِي طَاعَتِهِ»[٣٩]، وأنّهم «رُهْبَانٌ بِاللَّيْلِ، وَلُيُوثٌ بِالنَّهَارِ»[٤٠]، وأنّهم «أَجْرَأُ مِنْ لَيْثٍ، وَأَمْضَى مِنْ سِنَانٍ»[٤١]، وأنّهم «لَوْ مَرُّوا بِجِبَالِ الْحَدِيدِ لَقَلَعُوهَا، وَلَا يَكُفُّونَ سُيُوفَهُمْ حَتَّى يَرْضَى اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ»[٤٢]، ولا يخفى أنّ هذه الصفات الجميلة هي علّة كفايتهم، وإلّا فإنّ عدّتهم قليلة جدًّا، لا تسمن ولا تغني من جوع، ولكنّهم إذا أحرزوا هذه الصفات الجميلة كثّرهم اللّه، وأنزل عليهم الملائكة، وأيّدهم بنصره، وبارك في سعيهم، وقذف في قلوب أعدائهم الرعب؛ كما روي عن أبي جعفر أنّه قال: «لَكَأَنِّي أَنْظُرُ إِلَيْهِمْ مُصْعِدِينَ مِنْ نَجَفِ الْكُوفَةِ، ثَلَاثَمِائَةٍ وَبِضْعَةَ عَشَرَ رَجُلًا، كَأَنَّ قُلُوبَهُمْ زُبَرُ الْحَدِيدِ، جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ يَسَارِهِ، يَسِيرُ الرُّعْبُ أَمَامَهُ شَهْرًا وَخَلْفَهُ شَهْرًا، أَمَدَّهُ اللَّهُ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ»[٤٣]، وفي رواية أخرى: «كَأَنِّي بِالْقَائِمِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَلَى نَجَفِ الْكُوفَةِ، قَدْ سَارَ إِلَيْهَا مِنْ مَكَّةَ فِي خَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ، جَبْرَئِيلُ عَنْ يَمِينِهِ، وَمِيكَائِيلُ عَنْ شِمَالِهِ، وَالْمُؤْمِنُونَ بَيْنَ يَدَيْهِ، وَهُوَ يُفَرِّقُ الْجُنُودَ فِي الْبِلَادِ»[٤٤]، وعن جعفر بن محمّد الصادق، قال: «لَا تَسْتَعْجِلْ بِهِ حَتَّى يُؤَيِّدَهُ اللَّهُ بِثَلَاثَةِ أَجْنَادٍ: بِالْمَلَائِكَةِ، وَالْمُؤْمِنِينَ، وَالرُّعْبِ»[٤٥]، وأخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: إِنَّ صَاحِبَكُمْ لَا يَخْرُجُ حَتَّى يَرَى الَّذِي يُحِبُّ، وَلَوْ صَارَ أَنْ يَأْكُلَ أَغْصَانَ الشَّجَرِ! قُلْتُ: وَمَا الَّذِي يُحِبُّ؟ قَالَ: اجْتِمَاعُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَى نُصْرَتِهِ، قُلْتُ: وَمَا فِي اجْتِمَاعِهِمْ، وَهُمُ الضُّعَفَاءُ وَالْفُقَرَاءُ؟! قَالَ: إِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا فِيهِ، فِيهِ مِفْتَاحُ أَبْوَابِ السَّمَاءِ.[٤٦]
وأخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الْمَهْدِيِّ كَيْفَ يَغْلِبُ الظَّالِمِينَ، وَلَهُمْ مَا تَرَى مِنَ الْقُوَّةِ؟ قَالَ: يَنْصُرُهُ اللَّهُ بِجُنْدٍ مِنَ الْأَرْضِ، وَجُنْدٍ مِنَ السَّمَاءِ، فَوَاللَّهِ لَوْ أَطَاقُوا جُنْدَ الْأَرْضِ لَا طَاقَةَ لَهُمْ بِجُنْدِ السَّمَاءِ! قُلْتُ: مَتَى يَنْزِلُ عَلَيْهِ جُنْدُ السَّمَاءِ؟ قَالَ: إِذَا حُشِرَ لَهُ جُنْدُ الْأَرْضِ.[٤٧]
وأخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَمِعْتُ الْمَنْصُورُ يَقُولُ: لَا يَقُومُ الْقَائِمُ حَتَّى يَكُونَ اللَّهُ ﴿هُوَ مَوْلَاهُ وَجِبْرِيلُ وَصَالِحُ الْمُؤْمِنِينَ ۖ وَالْمَلَائِكَةُ بَعْدَ ذَلِكَ ظَهِيرٌ﴾[٤٨]، قُلْتُ: بَعْدَ صَالِحِ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: نَعَمْ، أَمَا سَمِعْتَ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿إِنْ تَصْبِرُوا وَتَتَّقُوا وَيَأْتُوكُمْ مِنْ فَوْرِهِمْ هَذَا يُمْدِدْكُمْ رَبُّكُمْ بِخَمْسَةِ آلَافٍ مِنَ الْمَلَائِكَةِ مُسَوِّمِينَ﴾[٤٩]؟[٥٠]
فالعمدة توفّر هذه الصفات في هذه العدّة على الأقلّ، ولا شكّ أنّ الإمام يعرف أهل زمانه، ولا يغترّ بأقوالهم التي يكذّبها أعمالهم، ولا يعتمد على ما يظهرون له من الإيمان والمودّة حتّى يرى ويسمع منهم ما يدلّ على صدقهم؛ كما روي أنّ عليًّا عليه السلام قال لأصحابه بالكوفة: «وَاللَّهِ لَكَأَنِّي بِكُمْ فِيمَا إِخَالُكُمْ أَنْ لَوْ حَمِسَ الْوَغَى وَحَمِيَ الضِّرَابُ، قَدِ انْفَرَجْتُمْ عَنِ ابْنِ أَبِي طَالِبٍ انْفِرَاجَ الْمَرْأَةِ عَنْ قُبُلِهَا»[٥١]، وقال لرجل أفرط في الثناء عليه ولم يكن من أهل الصدق في طاعته: «أَنَا دُونَ مَا تَقُولُ، وَفَوْقَ مَا فِي نَفْسِكَ»[٥٢]، وقال لرجل آخر حلف باللّه ثلاثًا أنّه يحبّه: «كَذَبْتَ»[٥٣]، وروى بريد العجليّ، قال: «قِيلَ لِأَبِي جَعْفَرٍ الْبَاقِرِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ أَصْحَابَنَا بِالْكُوفَةِ جَمَاعَةٌ كَثِيرَةٌ، فَلَوْ أَمَرْتَهُمْ لَأَطَاعُوكَ وَاتَّبَعُوكَ، فَقَالَ: يَجِيءُ أَحَدُهُمْ إِلَى كِيسِ أَخِيهِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ حَاجَتَهُ؟ فَقَالَ: لَا، قَالَ: فَهُمْ بِدِمَائِهِمْ أَبْخَلُ»[٥٤]، ولذلك نهى أخاه زيد بن عليّ عن الخروج بالإعتماد عليهم وقال له: «لَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ، إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا، فَلَا تَعْجَلْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يَعْجَلُ لِعَجَلَةِ الْعِبَادِ، وَلَا تَسْبِقَنَّ اللَّهَ فَتُعْجِزَكَ الْبَلِيَّةُ فَتَصْرَعَكَ»، إلى أن قال: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ إِمَامٍ ضَلَّ عَنْ وَقْتِهِ، فَكَانَ التَّابِعُ فِيهِ أَعْلَمَ مِنَ الْمَتْبُوعِ»[٥٥].
من هنا يعلم أنّ المهديّ لا يجب عليه الظهور حتّى يجتمع له على الأقلّ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا معروفًا عنده بالإيمان والإخلاص والطاعة والصبر، فيشترط فيهم الإجتماع من جانب، والإتّصاف بهذه الصفة من جانب آخر، ولذلك يحاول المنصور لتمهيد ظهور المهديّ أن يجمع له الناس من جانب، ويعلّمهم ويزكّيهم بالكتاب والسنّة من جانب آخر، حتّى يتحصّل منهم على الأقلّ ثلاثمائة وثلاثة عشر رجلًا معروفًا عنده بالإيمان والإخلاص والطاعة والصبر، فيتيسّر له الظهور بإذن اللّه تعالى؛ كما قال في رسالة له:
إِنَّمَا جِئْتُ لِأُصَدِّقَ خَلِيفَةَ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ، وَأُمَهِّدَ لَهُ الطَّرِيقَ، فَأَجْمَعَ لَهُ جَمْعًا، وَأُرَبِّيَهُمْ تَحْتَ جَنَاحِي، بِالْكُتُبِ وَالْحِكَمِ وَالْمَوَاعِظِ وَالْآدَابِ، كَشَمْعَةٍ تُضِيءُ فِي الظُّلْمَةِ، حَتَّى أُقَرِّبَ مَا بَعَّدْتُمُوهُ، وَأُسَهِّلَ مَا صَعَّبْتُمُوهُ، وَأَكُونَ لِلْمَظْلُومِينَ مِنْكُمْ بَشِيرًا، وَلِلظَّالِمِينَ مِنْكُمْ نَذِيرًا.[٥٦]
وقال لأصحابه في رسالة أخرى:
اسْتَمِعُوا لِقَوْلِي لِتَكْسِبُوا الْمَعْرِفَةَ، وَتَدَبَّرُوا فِيهِ لِتُؤْتَوُا الْحِكْمَةَ؛ فَإِنِّي أُرَبِّيكُمْ بِهِ كَمَا يُرَبِّي الْبُسْتَانِيُّ أَشْجَارَ الْفَاكِهَةِ، حَتَّى أَجْعَلَكُمْ جَمْعًا كَافِيًا لِخَلِيفَةِ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ.[٥٧]
وقال في بعض أقواله:
إِنِّي وَاللَّهِ لَوْ بَقِيتُ فِيكُمْ لَأَشْحَذَنَّ رِجَالًا مِنْكُمْ شَحْذَ الْقَيْنِ النَّصْلَ، أَجْلِي بِالتَّنْزِيلِ أَبْصَارَهُمْ، وَأَرْمِي بِالتَّفْسِيرِ فِي مَسَامِعِهِمْ، وَأَسْقِيهِمْ كَأْسَ الْحِكْمَةِ حَتَّى يَمْتَلِئُوا! أَلَا إِنِّي أَخْتَارُ خِيَارَكُمْ لِلْمَهْدِيِّ كَمَا يَخْتَارُ النَّحْلُ لِيَعْسُوبِهَا خِيَارَ الْأَزَاهِيرِ.[٥٨]
هذا هو التمهيد العينيّ الخالص لظهور المهديّ، ولا نجد في الدّنيا أحدًا قام به غير المنصور؛ لأنّ كلّ من يوجد فيها من الدعاة إمّا يدعو إلى غير المهديّ، مثل الدواعش الذين يدعون إلى خليفتهم المفسد في الأرض، وطالبان الذين يدعون إلى أميرهم الجاهل، وإمّا يدعو إلى المهديّ وغيره معًا، مثل أصحاب ولاية الفقيه الذين يظهرون الإهتمام بالمهديّ، ثمّ يدعون إلى فقيههم الجائر المستبدّ، ويثبتون له ولاية كولاية المهديّ[٥٩]، وأتباع الدّجّالين الذين يظهرون الإهتمام بالمهديّ، ثمّ يدعون إلى دجّالهم الذي يدّعي إمامة من عند اللّه كإمامة المهديّ[٦٠]، وأتباع الكذّابين الذين يظهرون الإهتمام بالمهديّ، ثمّ يدعون إلى مهديّهم الكاذب الذي هو أضلّ من حمار أهله، وليس بالمهديّ الذي وصفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم[٦١]، وحزب التحرير الذين يدعون إلى الخلافة بغير تعيين للمهديّ ولا غيره. فيعلم بالإستقراء أنّه ليس هناك أحد يدعو إلى المهديّ الذي وصفه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بلا شرك ولا شائبة إلّا المنصور الذي يدعو إليه بكلّ وضوح ونزاهة، ولا يدّعي لنفسه إمامة ولا ولاية ولا مهديّة[٦٢]، ولذلك ينبغي لكلّ مؤمن يحبّ نصرة المهديّ أن يعينه على دعوته، ولا يرغب عنه في بعض هؤلاء الدّعاة الضالّين المضلّين الذين يدعون إلى غير المهديّ، أو إلى المهديّ وغيره معًا؛ لأنّهم يدعون إلى النار، وهو يدعو إلى الجنّة، والفرق بينهم وبينه الفرق بين الكفر والإيمان، والشرك والتوحيد، وذلك واللّه فرق عظيم؛ كما ينبغي له بعد اللحوق به أن يجتهد في إصلاح نفسه وتربيتها من الناحية العلميّة والأخلاقيّة والعسكريّة في ضوء تعاليمه الإسلاميّة الطيّبة؛ كما روي عن أهل البيت أنّهم قالوا: «مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَكُونَ مِنْ أَصْحَابِ الْقَائِمِ، فَلْيَنْتَظِرْ وَلْيَعْمَلْ بِالْوَرَعِ وَمَحَاسِنِ الْأَخْلَاقِ وَهُوَ مُنْتَظِرٌ»[٦٣]، وقالوا: «مَنِ ارْتَبَطَ فِينَا دَابَّةً كَانَ لَهُ وَزْنُهَا وَوَزْنُ وَزْنِهَا مَا كَانَتْ عِنْدَهُ، وَمَنِ ارْتَبَطَ فِينَا سِلَاحًا كَانَ لَهُ وَزْنُهُ مَا كَانَ عِنْدَهُ»[٦٤]، وقالوا: «لَيُعِدَّنَ أَحَدُكُمْ لِخُرُوجِ الْقَائِمِ وَلَوْ سَهْمًا، فَإِنَّ اللَّهَ إِذَا عَلِمَ ذَلِكَ مِنْ نِيَّتِهِ رَجَوْتُ لِأَنْ يُنْسِئَ فِي عُمْرِهِ حَتَّى يُدْرِكَهُ، وَيَكُونَ مِنْ أَعْوَانِهِ وَأَنْصَارِهِ»[٦٥]، وقالوا: «لَا يَكُونُ ذَلِكَ حَتَّى تَمْسَحُوا الْعَلَقَ وَالْعَرَقَ»[٦٦]، وكتب المنصور إلى بعض أصحابه:
إِنَّ الَّذِينَ يَعْصُونَ اللَّهَ لَيْسُوا بِأَنْصَارِ الْمَهْدِيِّ؛ إِنَّما أَنْصَارُهُ الَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَصَغَائِرَهُ؛ يَقُومُونَ اللَّيْلَ بِالصَّلَاةِ، وَيَقْضُونَ النَّهَارَ بِطَلَبِ الْعِلْمِ وَتَعْلِيمِهِ الْآخَرِينَ؛ يُؤْمِنُونَ بِمَوَاعِيدِ اللَّهِ، وَيَخَافُونَ يَوْمَ الْجَزَاءِ؛ الْيَوْمَ الَّذِي يَشْخَصُونَ بَيْنَ يَدَيْ رَبِّهِمْ، وَيَجِدُونَ مَا عَمِلُوا حَاضِرًا. إِنَّ أَنْصَارَ الْمَهْدِيِّ مُتَخَلِّقُونَ بِأَخْلَاقِ الأَنْبِيَاءِ، وَمُتَأَدِّبُونَ بِآدَابِ الصِّدِّيقِينَ؛ يَخْضَعُونَ لِلْحَقِّ عِنْدَمَا يَتَبَيَّنُ لَهُمْ، وَيُعْرِضُونَ عَنِ الْبَاطِلِ عِنْدَمَا يَفْتَضِحُ عِنْدَهُمْ؛ لَيْسُوا بِمُتَعَصِّبِينَ وَلَا مُتَعَنِّتِينَ، وَلَا أَبْذِيَاءَ وَلَا مَهَاذِيرَ؛ لَا يَفْتَرُونَ عَلَى اللَّهِ الْكَذِبَ، وَيُجَانِبُونَ الْمُفْتَرِينَ؛ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ فِي وَقْتِ فَضِيلَتِهَا، وَيُنْفِقُونَ مِنْ أَمْوَالِهِمْ عَلَى الْفُقَرَاءِ؛ يَكْظِمُونَ الْغَيْظَ، وَيَتَجَاوَزُونَ عَنْ إِسَاءَةِ النَّاسِ؛ يُحْسِنُونَ بِوَالِدَيْهِمْ، وَيَصْبِرُونَ عَلَى سُوءِ خُلْقِهِمَا؛ لَا يُهِينُونَ أَصْدِقَاءَهُمْ بِذَرِيعَةِ الصَّدَاقَةِ، وَلَا يَظْلِمُونَ أَعْدَاءَهُمْ بِحُجَّةِ الْعَدَاوَةِ؛ يُدَارُونَ الْجُهَّالَ، وَلَا يُمَارُونَ السُّفَهَاءَ؛ لَيْسُوا بِثَرْثَارِينَ وَلَا ضَحَّاكِينَ وَلَا نَوَّامِينَ وَلَا أَكَّالِينَ؛ يَمْسِكُونَ عِنَانَ شَهْوَتِهِمْ، وَلَا يُهْمِلُونَ جَانِبَ الْعِفَّةِ؛ لَيْسُوا زَائِغِي أَعْيُنٍ وَلَا قَلِيلِي حَيَاءٍ وَلَا مُرآئِينَ وَلَا هَذَّائِينَ؛ لَا يُوَالُونَ الْفَاسِقِينَ، وَلَا يُجَالِسُونَ الظَّالِمِينَ؛ يَشْتَغِلُونَ بِالْأَعْمَالِ النَّافِعَةِ، وَلَا يُضِيعُونَ وَقْتَهُمْ؛ يَأْنِسُونَ بِكِتَابِ اللَّهِ، وَيَعْرِفُونَ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ؛ لَا يُنْكِرُونَ تَعَالِيمَ الْعَالِمِ وَلَا يُعَادُونَهُ، بَلْ يُجِيبُونَ دَعْوَتَهُ وَيُسَارِعُونَ إِلَى نُصْرَتِهِ، حِينَ يَدْعُوهُمْ إِلَى الْمَهْدِيِّ لِيَجْمَعَهُمْ لِنُصْرَتِهِ.[٦٧]
جعلنا اللّه وإيّاكم من أنصار المهديّ، ووفّقنا لتمهيد ظهوره مع المنصور، وجعل خاتمة أمرنا الشهادة في سبيله والدخول في الجنّة، ﴿وَذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ﴾[٦٨].