ماذا على من شكّ في خروج المنيّ ولم يتيقّن ذلك؟ كما إذا استيقظ من النوم، فوجد في ملابسه الداخليّة رطوبة لا يدري ما هي، أهي منيّ أم غير ذلك. هل يجب عليه الغسل؟
إنّ اللّه يُعبد بالعلم، ولا يُعبد بالظنّ والتخمين؛ كما قال: ﴿قُلْ هَلْ عِنْدَكُمْ مِنْ عِلْمٍ فَتُخْرِجُوهُ لَنَا ۖ إِنْ تَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ أَنْتُمْ إِلَّا تَخْرُصُونَ﴾[١]. فمن كان على يقين من طهارته ثمّ شكّ فيها، لم يجز له أن ينقض اليقين بالشكّ؛ كما روي عن أهل البيت أنّهم قالوا: «مَنْ كَانَ عَلَى يَقِينٍ فَشَكَّ، فَلْيَمْضِ عَلَى يَقِينِهِ، فَإِنَّ الشَّكَّ لَا يَنْقُضُ الْيَقِينَ»، وقالوا: «لَا يَنْقُضُ الْيَقِينَ أَبَدًا بِالشَّكِّ، وَلَكِنْ يَنْقُضُهُ بِيَقِينٍ آخَرَ»، وقالوا: «لَا يَنْقُضُ الْيَقِينَ بِالشَّكِّ، وَلَا يُدْخِلُ الشَّكَّ فِي الْيَقِينِ، وَلَا يَخْلِطُ أَحَدَهُمَا بِالْآخَرِ، وَلَكِنَّهُ يَنْقُضُ الشَّكَّ بِالْيَقِينِ، وَيُتِمُّ عَلَى الْيَقِينِ، فَيَبْنِي عَلَيْهِ، وَلَا يَعْتَدُّ بِالشَّكِّ فِي حَالٍ مِنَ الْحَالَاتِ»[٢]، ولذلك قال المنصور حفظه اللّه تعالى: «إِنَّ الْمَشْكُوكَ فِيهِ لَيْسَ بِشَيْءٍ»[٣]، وإلى ذلك يرجع قول النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إِذَا وَجَدَ أَحَدُكُمْ فِي صَلَاتِهِ حَرَكَةً فِي دُبُرِهِ، فَأَشْكَلَ عَلَيْهِ أَحْدَثَ أَوْ لَمْ يُحْدِثْ، فَلَا يَنْصَرِفْ حَتَّى يَسْمَعَ صَوْتًا أَوْ يَجِدَ رِيحًا»، رواه جماعة من الصحابة والتابعين، وبهذا قال أئمّة المذاهب كلّهم إلا مالك، فإنّ المحكيّ عنه وجوب الإحتياط، وهو غير واجب؛ لأصالة البراءة، ولزوم الحرج.
بناء على هذا، فإنّ من كان على يقين من طهارته، ثمّ شكّ في خروج المنيّ أثناء نومه، فليس عليه الغسل حتّى يستيقن، ولا يستيقن إلا إذا رأى المنيّ بعينه، أو أحسّ بخروج ماء دافق عقيب شهوة، ثمّ وجد أثره على ثوبه أو بدنه. فإن رأى في منامه ما يرى المحتلم ولم يجد أثرًا، فليس عليه غسل، وهذا قول عامّة أهل العلم؛ كما روى الحسين بن أبي العلاء، قال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الرَّجُلِ يَرَى فِي الْمَنَامِ حَتَّى يَجِدَ الشَّهْوَةَ، فَهُوَ يَرَى أَنَّهُ قَدِ احْتَلَمَ، فَإِذَا اسْتَيْقَظَ لَمْ يَرَ فِي ثَوْبِهِ الْمَاءَ وَلَا فِي جَسَدِهِ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ الْغُسْلُ، وَقَالَ: كَانَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ يَقُولُ: إِنَّمَا الْغُسْلُ مِنَ الْمَاءِ الْأَكْبَرِ، فَإِذَا رَأَى فِي مَنَامِهِ وَلَمْ يَرَ الْمَاءَ الْأَكْبَرَ، فَلَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ»[٤]، وكذلك إن وجد أثرًا، ولم يذكر احتلامًا، ولا خروج ماء بدفقة؛ كما روى محمد بن مسلم، قال: «سَأَلْتُهُ عَنْ رَجُلٍ لَمْ يَرَ فِي مَنَامِهِ شَيْئًا، فَاسْتَيْقَظَ فَإِذَا هُوَ بَلَلٌ، قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ غُسْلٌ»[٥]، وبهذا قال مالك والشافعي، وقال أبو حنيفة وأحمد بأنّ عليه الغسل؛ لما روي عن عائشة، قالت: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «إِذَا اسْتَيْقَظَ أَحَدُكُمْ فَرَأَى بَلَلًا وَلَمْ يَرَ أَنَّهُ احْتَلَمَ فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِذَا رَأَى أَنَّهُ احْتَلَمَ وَلَمْ يَرَ بَلَلًا، فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ»[٦]، وعن كعب بن مالك، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «مَنْ رَأَى فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ يُجَامِعُ فَاسْتَيْقَظَ عَلَى جَفَافٍ فَلَا غُسْلَ عَلَيْهِ، وَمَنْ لَمْ يَرَ فِي مَنَامِهِ أَنَّهُ يُجَامِعُ فَاسْتَيْقَظَ عَلَى بَلَلٍ فَعَلَيْهِ الْغُسْلُ»[٧] وإسنادهما ضعيف.
نعم، إن استيقن بأنّ البلل منيّ لبياضه وغلظته فعليه الغسل، وإن لم يذكر احتلامًا، ولا خروج ماء بدفقة؛ لأنّ المناط هو اليقين، وربما ينسى الإنسان ما حدث في نومه، وكذلك إن أحسّ بخروج ماء غير دافق عقيب شهوة إذا كان مريضًا؛ لأنّ المريض قد يخرج منه المنيّ بغير دفقة؛ كما روى عبد اللّه بن أبي يعفور عن جعفر بن محمّد عليه السلام، قال: «قُلْتُ لَهُ: الرَّجُلُ يَرَى فِي الْمَنَامِ وَيَجِدُ الشَّهْوَةَ، فَيَسْتَيْقِظُ فَيَنْظُرُ فَلَا يَجِدُ شَيْئًا، ثُمَّ يَمْكُثُ الْهُوَيْنَ بَعْدُ فَيَخْرُجُ، قَالَ: إِنْ كَانَ مَرِيضًا فَلْيَغْتَسِلْ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ مَرِيضًا فَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ، قُلْتُ: فَمَا فَرْقٌ بَيْنَهُمَا؟ قَالَ: لِأَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ صَحِيحًا جَاءَ الْمَاءُ بِدُفْقَةٍ قَوِيَّةٍ، وَإِنْ كَانَ مَرِيضًا لَمْ يَجِئْ إِلَّا بَعْدُ»، وفي رواية أخرى: «لَمْ يَجِئْ إِلَّا بِضُعْفٍ»[٨].