خبر خروج رجل من وراء النهر يقال له «المنصور» بين يدي رجل يقال له «الحارث» من أجل التمهيد لحكومة آل محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، خبر رواه أبو داود في سننه، وقال المغربيّ: «إِسْنَادُهُ صَحِيحٌ أَوْ حَسَنٌ بِلَا شَكٍّ وَلَا رِيبَةٍ»، وضعّفه غيره، وفي نُسَخه اختلاف؛ ففي نسخة: «الحارث بن حرّاث»، وفي النسخ الأخرى: «الحارث حرّاث»، وقال العظيم آبادي: «هَكَذَا فِي أَكْثَرِ النُّسَخِ وَهُوَ الْمُعْتَمَدُ»، وقال السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى في شرح الخبر:
المراد بالنهر جيحون، وهو نهر بلخ من خراسان، وليس للحارث ذكر في غير هذا الحديث، وإنّما المذكور المهديّ والمنصور، وقد رواه ابن حيّون من طريق عبد الرزاق، وليس فيه ذكر للحارث، وإنّما فيه: «يَقُومُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِي، عَلَى مُقَدِّمَتِهِ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ: الْمَنْصُورُ، يُوَطِّئُ لَهُ -أَوْ قَالَ: يُمَكِّنُ لَهُ- وَاجِبٌ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ نُصْرَتُهُ -أَوْ قَالَ:- إِجَابَتُهُ»؛ فأخشى أن يكون الحارث ما زاده أصحاب الحارث بن سريج؛ فإنّه خرج من خراسان سنة ١١٦ وزعم أنّه صاحب الرايات السّود، ولو صحّ فإنّ المراد به المهديّ، لُقّب به لقلبه الأرض، كما لُقّب بالجابر في حديث حذيفة لجبره أمّة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، ويؤيّد ذلك قوله: «إِذَا رَأَيْتُمُ الرَّايَاتِ السُّودَ قَدْ جَاءَتْ مِنْ قِبَلِ خُرَاسَانَ فَائْتُوهَا، فَإِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ». نعم، يحتمل أن يكون الحديث مصحّفًا؛ فقد جاء في بعض الكتب: «يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وَرَاءِ النَّهْرِ يُقَالُ لَهُ: الْحَارِثُ، عَلَى مُقَدِّمَةِ رَجُلٍ يُقَالُ لَهُ: مَنْصُورٌ»، وعليه فإنّ المراد بالحارث شعيب بن صالح؛ كما جاء: «تَخْرُجُ رَايَاتٌ سُودٌ، فِيهِمْ شَابٌّ مِنْ بَنِي هَاشِمٍ، عَلَى مُقَدِّمَتِهِ رَجُلٌ مِنْ بَنِي تَمِيمٍ يُقَالُ لَهُ: شُعَيْبُ بْنُ صَالِحٍ»، ويؤيّد ذلك ما جاء من أنّ خروج شعيب بن صالح من سمرقند من وراء النهر، يخرج إلى المنصور في خمسة آلاف إذا بلغه خروجه، فيبايعه، فيصيّره على مقدّمته، وهذا قريب جدًّا لولا أنّ الأصل عدم التصحيف، وكيفما كان فإنّ الحديث يدلّ على وجوب نصر المنصور، وإنّما يقال له «منصور» لوجوب نصره، ولقول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في أصحابه أنّهم «يُنْصَرُونَ».
انتهى قوله حفظه اللّه تعالى، وحاصل ذلك أنّ الحارث من ألقاب الإمام المهديّ عليه السلام على الأظهر؛ فقد يكون قبل ظهوره بما وراء النهر ويصاحبه المنصور الخراسانيّ؛ كما روي في الرايات السود التي تخرج من خراسان: «إِنَّ فِيهَا خَلِيفَةَ اللَّهِ الْمَهْدِيَّ»، وفي رواية: «فَإِنَّ الْمَهْدِيَّ وَالنَّصْرَ مَعَهُمْ»، ولا يبعد أن تكون كلمة «النصر» تصحيفًا لكلمة «المنصور»، ويكون أصل الرواية «فَإِنَّ الْمَهْدِيَّ وَالْمَنْصُورَ مَعَهُمْ»؛ كما جاء في رواية: «مِنَّا الْمَهْدِيُّ وَالْمَنْصُورُ»، وهذا يوضّح معنى خبر أبي داود، وقد يكون في باب الرواية التي تقول في المهديّ: «مِنَ الْمَغْرِبِ يَقُومُ، وَأَصْلُهُ مِنَ الْمَشْرِقِ، وَهُنَاكَ يَسْتَوِي قِيَامُهُ وَيَتِمُّ أَمْرُهُ».
كيفما كان، فإنّ الأخبار الواردة في خروج رجل من خراسان مع الرايات السّود يدعو إلى المهديّ ويوطّئ له سلطانه، لا تقتصر على هذا الخبر، وقد جمع السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى ما ورد في ذلك في جزء اسمه «الدّرّ المنضود في طرق حديث الرايات السّود»، فوقعت له رواية سبعة وأربعين نفسًا من الصحابة والتابعين وأهل البيت، من مائة وسبعة وأربعين طريقًا، ويعتقد قوم أنّه قد جاء تأويل ذلك، وهو السيّد العلامة المنصور الهاشميّ الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى؛ لأنّه قد خرج من خراسان مع رايات سود، ويدعو إلى المهديّ عليه السلام، ويوطّئ له سلطانه، كما جاء في الأخبار تمامًا، ولكنّ الواقع أنّه لا يدّعي ذلك، ولعلّه هو، ولكنّه لا يخوض في ذلك لكراهته التكلّف والكلام فيما لا يعنيه، وقد أغناه اللّه تعالى عن ذلك بما لا غبار عليه؛ إذ ليست حركته حركة وهميّة ومصطنعة حتّى تحتاج إلى أمثال هذه الإدّعاءات، لكنّها حركة تقوم على الحقائق العينيّة والواقعيّة؛ كما أنّ خروجه من خراسان هو أمر محسوس، وراياته السود هي أمر محسوس، ودعوته إلى المهديّ والتمهيد لسلطانه هي أمر محسوس، وكتابه الكبير «العودة إلى الإسلام» هو هندسة علميّة وفكريّة للثورة العالميّة، وكذلك كتابه الصغير «هندسة العدل». لذلك، فإنّه غنيّ عن ادّعاء ذلك، كغناء الشمس عن ادّعاء أنّها شمس؛ كما أخبرنا عدّة من أصحابنا، قالوا:
جاء رجل من أرض بعيدة إلى المنصور الهاشميّ الخراسانيّ، وبعد كلام جرى بينهما أمسك بيده وقال: «أشهد أنّك الممهّد الموعود للمهديّ الذي أمرنا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم بنصره»! فلمّا سمع المنصور هذا، سحب يده على الفور من يد الرجل وقال له معاتبًا إيّاه:
دَعْنِي مِنْ هَذَا يَا أَخِي! أَقَطَعْتَ كُلَّ هَذَا الطَّرِيقِ مِنْ أَرْضِكَ لِتَأْتِيَنِي، فَتَخْدَعَنِي عَنْ دِينِي؟! وَاللَّهِ إِنِّي لَأُمَهِّدُ لِظُهُورِ الْمَهْدِيِّ، وَلَكِنْ لَا أُبَالِي بِأَيِّ الْأَسْمَاءِ تُسَمِّينِي؛ فَإِنِّي لَمْ أَجْعَلِ السَّمَاءَ سَقْفِي وَالْأَرْضَ بِسَاطِي، وَلَمْ أَرْمِ نَفْسِي فِي مُحِيطِ الْبَلَاءِ كَقِطْعَةٍ مِنَ الصَّخْرَةِ، لِتَأْتِيَنِي أَنْتَ مِنْ أَرْضِكَ، فَتُسَمِّيَنِي الْمَوْعُودَ! أَلَسْتُ ابْنَ الْإِنْسَانِ؟! فَسَمِّنِي ابْنَ الْإِنْسَانِ، وَصَاحِبْنِي فِي الطَّرِيقِ الَّذِي أَسْلُكُهُ؛ فَإِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى الْمَهْدِيِّ، وَسَوْفَ أَصِلُ إِلَيْهِ، مَعَكَ أَوْ بِدُونِكَ.
ثمّ نهض ليذهب، فقال بصوت عالٍ:
أَنَا مُنَادٍ بَيْنَ يَدَيِ الْمَهْدِيِّ يُنَادِي: افْتَحُوا الطَّرِيقَ!
الآن أيّها «الشباب المحبّون للمهديّ»!
إن كنتم محبّين للمهديّ حقًّا فاعلموا أنّ نصرة «الممهّد الموعود لظهور المهديّ» ليست واجبة لأنّه «موعود»، لكنّها واجبة لأنّه «ممهّد لظهور المهديّ»، إذ لم يعده اللّه ورسوله إلا لذلك، فإن كنتم «الشباب المحبّين للمهديّ» كما تقولون، فيجب عليكم أن تقوموا بنصرة «الممهّد لظهور المهديّ» وإن لم تعتبروه «موعودًا».
طوبى لمن كانت له بصيرة؛ لأنّه يرى الحقّ من وراء ألف حجاب، وويل لمن كان أعمى؛ لأنّه لا يرى الحقّ وإن كان أمام عينيه!
أمّا روايتكم المذكورة في تقارن المريخ وزحل ودلالة ذلك على الأحداث القريبة من ظهور المهديّ، فهي رواية ضعيفة جدًّا لا يجوز الإعتماد عليها؛ لا سيّما بالنظر إلى مخالفتها لنواهي الإسلام عن النظر في النجوم للتنبّؤ بالحوادث، وإن كانت له حقيقة كالسحر.
الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني
قسم الإجابة على الأسئلة