مفطرات الصوم ثلاثة: الأكل والشرب والجماع عمدًا؛ لقول اللّه تعالى: ﴿فَالْآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ ۚ وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الْأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الْأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ۖ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ﴾، فليس الكذب من مفطرات الصوم. مع ذلك، قد جاءت روايات كثيرة عن أهل البيت في أنّ الصائم إذا كذب على اللّه أو على رسوله أو على خليفته في الأرض عمدًا بطل صومه، وروي عن إبراهيم النخعيّ (ت٩٦هـ) أنّه قال: «كَانُوا يَقُولُونَ: الْكَذِبُ يُفْطِرُ الصَّائِمَ»، فلعلّه أراد هذا، وروي مثله عن أنس، وابن مسعود، ومجاهد، والأوزاعيّ، وهذا حقّ، ودليله عند السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى أنّ من فعل ذلك فقد كفر، ومن كفر بطلت عبادته؛ نظرًا لقول اللّه تعالى: ﴿مَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ ۖ أَعْمَالُهُمْ كَرَمَادٍ اشْتَدَّتْ بِهِ الرِّيحُ فِي يَوْمٍ عَاصِفٍ ۖ لَا يَقْدِرُونَ مِمَّا كَسَبُوا عَلَى شَيْءٍ ۚ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَعْمَالُهُمْ كَسَرَابٍ بِقِيعَةٍ يَحْسَبُهُ الظَّمْآنُ مَاءً حَتَّى إِذَا جَاءَهُ لَمْ يَجِدْهُ شَيْئًا وَوَجَدَ اللَّهَ عِنْدَهُ فَوَفَّاهُ حِسَابَهُ ۗ وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ كَفَرُوا فَتَعْسًا لَهُمْ وَأَضَلَّ أَعْمَالَهُمْ﴾، وقوله تعالى: ﴿وَمَنْ يَكْفُرْ بِالْإِيمَانِ فَقَدْ حَبِطَ عَمَلُهُ وَهُوَ فِي الْآخِرَةِ مِنَ الْخَاسِرِينَ﴾، وقوله تعالى: ﴿أُولَئِكَ لَمْ يُؤْمِنُوا فَأَحْبَطَ اللَّهُ أَعْمَالَهُمْ ۚ وَكَانَ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرًا﴾؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
«سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الْكَذِبِ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى الرَّسُولِ وَعَلَى الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، أَيُفَطِّرُ الصَّائِمَ، فَقَالَ: نَعَمْ، قُلْتُ: لِمَاذَا يُفَطِّرُهُ، وَلَيْسَ بِأَكْلٍ وَلَا شُرْبٍ وَلَا جِمَاعٍ؟! قَالَ: لِأَنَّهُ كُفْرٌ إِذَا كَانَ مُتَعَمَّدًا، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَهُ تَعَالَى: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ ۖ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ﴾؟ هُوَ الْكَذِبُ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى الرَّسُولِ وَعَلَى الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، قُلْتُ: فَقَدْ يَكْفُرُ الْمُسْلِمُ بِذَنْبٍ؟! قَالَ: قَدْ يَكْفُرُ، وَلَا يُكَفَّرُ، فَيَكُونُ مُنَافِقًا حَتَّى يَتُوبَ أَوْ يَشْهَدَ عَلَى نَفْسِهِ بِالْكُفْرِ».
وممّا يدلّ على ذلك -بعد ما تقدّم من قول اللّه تعالى- ما روى أهل الحديث أنّ رجلًا في زمان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم جاء إلى قوم، فادّعى أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أرسله إليهم ليزوّجوه وليفعل فيهم كذا وكذا، فبعثوا إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يستعلموه، فقال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «كَذَبَ عَدُوُّ اللَّهِ»، ثمّ أرسل رسولًا وقال: «إِنْ وَجَدْتَهُ حَيًّا فَاضْرِبْ عُنُقَهُ، وَلَا أَرَاكَ تَجِدُهُ حَيًّا، وَإِنْ وَجَدْتَهُ مَيِّتًا فَأَحْرِقْهُ بِالنَّارِ»، فجاء، فوجده قد لدغته أفعى فمات، فأحرقه بالنار، وعند ذلك قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «مَنْ كَذَبَ عَلَيَّ مُتَعَمِّدًا فَلْيَتَبَوَّأْ مَقْعَدَهُ مِنَ النَّارِ»، وممّا يدلّ على ذلك أيضًا ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «آيَةُ الْمُنَافِقِ أَنَّهُ إِذَا حَدَّثَ كَذَبَ»، ومعناه عندنا أنّه يكذب فيما يحدّث عن اللّه ورسوله وخليفته، وما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه سُئل: «هَلْ يَكْذِبُ الْمُؤْمِنُ؟» فقال: «لَا»، ثمّ قرأ هذه الآية: ﴿إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ﴾، وهو عندنا الكذب على اللّه ورسوله وخليفته، وما روي عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «جَانِبُوا الْكَذِبَ، فَإِنَّ الْكَذِبَ مُجَانِبٌ لِلْإِيمَانِ»، وروي مثله عن أبي بكر، وقال عليّ بن زيد البيهقيّ (ت٥٦٥هـ) في شرحه: «قَالَ قَوْمٌ: هَاهُنَا إِضْمَارٌ، وَهُوَ أَنَّ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ كُفْرٌ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ لَا يَكْذِبُ عَلَى اللَّهِ قَطُّ»، وما روي عن أبي جعفر الباقر عليه السلام أنّه قال لأبي النعمان: «يَا أَبَا النُّعْمَانِ، لَا تَكْذِبْ عَلَيْنَا كَذِبَةً، فَتُسْلَبَ الْحَنِيفِيَّةَ»، وما روي عن جعفر الصادق عليه السلام أنّه «ذُكِرَ لَهُ أَنَّ الْحَائِكَ مَلْعُونٌ، فَقَالَ: إِنَّمَا ذَاكَ الَّذِي يَحُوكُ الْكَذِبَ عَلَى اللَّهِ وَعَلَى رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»، وغير ذلك من الروايات.
هذا حكم من نسب إلى اللّه أو إلى الرسول أو إلى الإئمّة من أهل البيت قولًا يعلم أنّه لم يرد عن أحدهم بلفظ ولا معنى، ولا يشمل من نسب ما ورد عن بعضهم إلى بعضهم الآخر، إن كان يحسبه ثابتًا، ومن نسب إليهم ما يحسبه ثابتًا، ثمّ تبيّن له أنّه غير ثابت، فليستغفر لتقصيره في البحث والنظر، وليصلح حتّى يغفر اللّه له، والإصلاح إعلام من أخبره ذلك من الناس بأنّه كان خطأ منه، والصحيح كذا وكذا؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿إِلَّا الَّذِينَ تَابُوا وَأَصْلَحُوا وَبَيَّنُوا فَأُولَئِكَ أَتُوبُ عَلَيْهِمْ ۚ وَأَنَا التَّوَّابُ الرَّحِيمُ﴾.
الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني
قسم الإجابة على الأسئلة