هل المنصور الهاشميّ الخراسانيّ هو المنصور الخراسانيّ الموعود صاحب الرايات السود الموعودة في الروايات الإسلاميّة؟
من الممكن أن يكون المنصور الهاشميّ الخراسانيّ المنصور الخراسانيّ الموعود صاحب الرايات السود الموعودة في الروايات الإسلاميّة؛ إذ ليس هناك ما يمنع ذلك عقلًا أو شرعًا، ﴿وَاللَّهُ يَخْتَصُّ بِرَحْمَتِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ﴾[١]، لكنّه لا يدّعي ذلك، ولا يجادل فيه أحدًا، وينهى أصحابه عن الجدال فيه[٢]. الأمر القطعيّ الذي هو واقع عينيّ ويكفي العلم به أنّ المنصور الهاشميّ الخراسانيّ هو عبد من عباد اللّه وأمّة نبيّه محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، يتّبع القرآن الكريم والسنّة النبويّة المتواترة في ضوء العقل السليم، ولا يدّعي نبوّة ولا إمامة من عند اللّه، ولا يرتبط بأيّ دولة أو مذهب أو فرقة في العالم، وإنّما يدعو إلى خليفة اللّه المهديّ ويمهّد لظهوره من خلال الأنشطة الثقافيّة مثل تأليف الكتاب ومحادثة المسلمين، وفي مقابل هذا العمل الصالح والشاقّ لا يسأل الناس أجرًا وإنّما يحتسب أجره عند اللّه، ولا يأكل شيئًا من أموالهم بالباطل، ولا يقتل منهم نفسًا بغير حقّ، ولا يظلم نملة صغيرة ولا دابّة أكبر منها، ولذلك إذا أجاب شخص دعوته ونصَره، فإنّما فعل ذلك بالنظر إلى صدق قوله وصحّة عمله على أساس الأدلّة العقليّة والشرعيّة وبدافع التمهيد لظهور المهديّ، وإذا لم يفعل ذلك شخص أو نصب له العداوة بدلًا من ذلك، فإنّه لا يضرّه شيئًا، ولكنّه فقط يحرم نفسه من خير أو يوقعها في شرّ ﴿وَاللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطٌ﴾[٣].
بناءً على هذا، فإنّ المنصور الهاشميّ الخراسانيّ هو مجرّد مسلم عالم تقيّ، يمنع المسلمين من اتّباع الحكّام الظالمين والمستبدّين، ويدعوهم إلى اتّباع المهديّ، وينهاهم عن اتّباع الظنون والأوهام، ويأمرهم باتّباع العلم واليقين، ويحذّرهم من الجهل والتقليد والأهواء النفسيّة والنزعة الدنيويّة والتعصّب والتكبّر والنزعة الخرافيّة، ويحرّضهم على إقامة الإسلام الخالص والكامل في ضوء القرآن والسنّة والعقل السليم، ولذلك فإنّ الذين يتّخذونه عدوًّا لا عذر لهم عند اللّه، وليتبوّأوا مقعدهم من النار؛ لأنّه من الواضح أنّه لا يجوز معاداة مثل هذا الرجل الصالح، بل يجب موالاته، ومن يعاديه فهو ظالم منحرف؛ كمن يحاول قتله، أو يكفّره، أو يسبّه، أو يستهزئ به، أو يبهته، أو يؤذيه، أو يغري الناس عليه، ومن الواضح أنّ هؤلاء كلّهم في ضلال مبين، ولهم عذاب شديد؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يَكْفُرُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ وَيَقْتُلُونَ النَّبِيِّينَ بِغَيْرِ حَقٍّ وَيَقْتُلُونَ الَّذِينَ يَأْمُرُونَ بِالْقِسْطِ مِنَ النَّاسِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ أُولَئِكَ الَّذِينَ حَبِطَتْ أَعْمَالُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَمَا لَهُمْ مِنْ نَاصِرِينَ﴾[٤] وقال: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا﴾[٥] وقال: ﴿يَكَادُونَ يَسْطُونَ بِالَّذِينَ يَتْلُونَ عَلَيْهِمْ آيَاتِنَا ۗ قُلْ أَفَأُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكُمُ ۗ النَّارُ وَعَدَهَا اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا ۖ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ﴾[٦].
قلتم في الرّدّ على الشبهة ١٤٣ أنّ اللّه عزّ ذكره هو الذي أجاز حكم الحكمين، فهو من حكمه، وأنّ حجّتكم بذلك البيّنة من اللّه عزّ ذكره، فما هو معنى خروجكم وتحرّككم في هذا الزمن وادّعائكم مقام الخراسانيّ الموعود أو التمهيد للإمام المهديّ عليه السلام؟! والحجّة عليكم والبيّنة من اللّه أن لا تحرّكوا يدًا ولا رجلًا حتّى الوقت المعلوم، وأنّ الغبرة على من أثارها، وأنّ من يتحرّك بناء على الظنون والإستعجال يسبّب العناء والمشقّة لأولي الأمر وللمؤمنين، وانظروا أهل بيت نبيّكم، فإن لبدوا فالبدوا، وإن استنصروكم، فانصروهم تؤجروا، ولا تسبقوهم فتصرعكم البلية، وغیر ذلك ممّا جاء في الروایات عن أهل البیت.
قفزت من الشرق إلی الغرب، وهذا جهل عظیم منك، والجهل إذا کان معلومًا لصاحبه حمله علی سؤال أهل العلم حتّی یتعلّم، ولکن إذا کان مجهولًا له حمله علی مجادلتهم بغیر علم حتّی یعنّتهم ویعاجزهم؛ کالذین وصفهم اللّه تعالی في کتابه فقال: ﴿إِنَّ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِ اللَّهِ بِغَيْرِ سُلْطَانٍ أَتَاهُمْ ۙ إِنْ فِي صُدُورِهِمْ إِلَّا كِبْرٌ مَا هُمْ بِبَالِغِيهِ ۚ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ ۖ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ﴾[١]. لقد بیّنّا مرارًا أنّ السیّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالی لا یدّعي أنّه الخراسانيّ الموعود، والتمهید لظهور الإمام المهديّ علیه السلام لیس مقامًا خاصًّا یدّعیه، بل هو عمل صالح یعمله کسائر ما أمر اللّه به في القرآن والسنّة من الصلاة والزکاة والصوم والحجّ، ولا یعارض الأحادیث الواردة عن أهل البیت في النهي عن الإستعجال والتحرّك وإثارة الغبرة قبل وقوع الصیحة والخسف؛ لأنّها تقصد الخروج بالسیف، وهو لا یجوز ولا ینفع حتّی یأذن الإمام المهديّ علیه السلام، ولا تقصد الدعوة إلی الإمام المهديّ علیه السلام، والأمر بطلبه وحمایته، والنهي عن طاعة الظالمین، بغیر سیف؛ لأنّ ذلك مجرّد التواصي بالحقّ، والدعوة إلی الخیر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنکر والسوء، ممّا قد أمر اللّه به علی وجه العموم لکلّ زمان؛ کما قال: ﴿إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ﴾[٢]، وقال: ﴿وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ ۚ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[٣]، وقال: ﴿فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ﴾[٤]، وقال: ﴿لَوْلَا يَنْهَاهُمُ الرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ عَنْ قَوْلِهِمُ الْإِثْمَ وَأَكْلِهِمُ السُّحْتَ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَصْنَعُونَ﴾[٥]، وقال: ﴿كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَنْ مُنْكَرٍ فَعَلُوهُ ۚ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ﴾[٦]، وقال: ﴿فَلَمَّا نَسُوا مَا ذُكِّرُوا بِهِ أَنْجَيْنَا الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنِ السُّوءِ وَأَخَذْنَا الَّذِينَ ظَلَمُوا بِعَذَابٍ بَئِيسٍ بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ﴾[٧]، ومن الواضح أنّ أهل البیت لم یقولوا ولم یقصدوا قطّ ما یخالف کتاب اللّه؛ كما قال النّبيّ صلّی اللّه علیه وآله وسلّم: «إِنَّهُمَا لَنْ یَفْتَرِقَا حَتَّی یَرِدَا عَلَيَّ الْحَوْضَ»، وقالوا: «مَا أَتَاكُمْ عَنَّا مِنْ حَدِيثٍ لَا يُصَدِّقُهُ كِتَابُ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»[٨]، وقد قام السیّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالی بما فرض اللّه تعالی علی العلماء والمؤمنین في کتابه من التواصي بالحقّ، والدعوة إلی الخیر، والأمر بالمعروف، والنهي عن المنکر والسوء، بغیر ادّعاء مقام خاصّ من عند اللّه، ولا شهر سیف علی خلقه، ولا شكّ أنّ هذا من أبرز مصادیق البرّ والتقوی، وقد قال اللّه تعالی: ﴿وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى﴾[٩]، ولذلك یجب علی المسلمین إعانته علی هذا بکلّ ما في وسعهم، ولکنّ أکثرهم یتهاونون في ذلك لضعف إیمانهم وتقواهم، وفیهم سفهاء ینهونه ویلومونه بدلًا من إعانته، ولا شكّ أنّهم أشقاهم وأخسرهم؛ کالذین ذکرهم اللّه في کتابه فقال: ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ مُرِيبٍ﴾[١٠]، وقال: ﴿يَأْمُرُونَ بِالْمُنْكَرِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمَعْرُوفِ وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ﴾[١١]، وقال: ﴿وَإِذْ قَالَتْ أُمَّةٌ مِنْهُمْ لِمَ تَعِظُونَ قَوْمًا ۙ اللَّهُ مُهْلِكُهُمْ أَوْ مُعَذِّبُهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا ۖ قَالُوا مَعْذِرَةً إِلَى رَبِّكُمْ وَلَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾[١٢]، وقال: ﴿وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ﴾[١٣].