هل السيّد المنصور الهاشميّ الخراسانيّ من سلالة الإمام الحسن بن عليّ عليهما السلام؟ هل يوجد في أصحابه من اسمه أو لقبه شعيب بن صالح؟
إنّ سؤالك هذا يرجع إلى اهتمامك ببعض أخبار الآحاد وتطبيقها على الأشخاص، وهو زلّة من زلل الخاطئين؛ لأنّه يرجع إلى اتّباع الظنّ والتخمين، وقد وبّخ اللّه تعالى أهله إذ قال: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾[١]؛ بالإضافة إلى أنّه تعرّض للفتنة؛ لأنّ أخبار الآحاد متعارضة جدًّا، بحيث أنّه لا يمكن اتّباع بعضها إلا بالإعراض عن بعضها الآخر، وهذا يؤدّي إلى الشّكّ والإختلاف، ويعسّر معرفة الحقّ على كثير من النّاس؛ لأنّه على سبيل المثال، إذا أخبرنا أنّ نسب السيّد المنصور يرجع إلى الحسن بن عليّ عليهما السلام، لفُتن رجال وقالوا أنّه لا يمكن أن يكون الممهّد الموعود لظهور المهديّ عليه السلام؛ لأنّه قد جاء في رواية أنّ الممهّد الموعود لظهور المهديّ عليه السلام رجل من ولد الحسين؛ كما روي: «يَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ وُلْدِ الْحُسَيْنِ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، لَوِ اسْتَقْبَلَتْهُ الْجِبَالُ لَهَدَّهَا وَاتَّخَذَ فِيهَا طُرُقًا»[٢]، فإذا فُتنوا بذلك تركوا النظر في دعوة السيّد المنصور ولم يقيموا لتوافقها مع العقل والشرع وزنًا، وإذا أخبرنا أنّ نسب السيّد المنصور يرجع إلى الحسين بن عليّ عليهما السلام، لفُتن رجال وقالوا أنّه لا يمكن أن يكون الممهّد الموعود لظهور المهديّ عليه السلام؛ لأنّه قد جاء في رواية أنّ الممهّد الموعود لظهور المهديّ عليه السلام رجل من ولد الحسن؛ كما روي: «ثُمَّ يَخْرُجُ الْحَسَنِيُّ»[٣] وروي: «تَحَرَّكَ الْحَسَنِيُّ»[٤]، فإذا فُتنوا بذلك تركوا النظر في دعوة السيّد المنصور ولم يقيموا لتوافقها مع العقل والشرع وزنًا، وإذا أخبرنا أنّ نسب السيّد المنصور يرجع إلى الحسن والحسين عليهما السلام جميعًا، لفُتن رجال وقالوا أنّه لا يمكن أن يكون الممهّد الموعود لظهور المهديّ عليه السلام؛ لأنّه قد جاء في رواية أنّ الممهّد الموعود لظهور المهديّ عليه السلام رجل من ولد جعفر بن أبي طالب رضي اللّه عنه؛ كما روي: «قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَا جَعْفَرُ، أَلَا أُبَشِّرُكَ؟ أَلَا أُخْبِرُكَ؟ قَالَ: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: كَانَ جَبْرَئِيلُ عِنْدِي آنِفًا، فَأَخْبَرَنِي أَنَّ الَّذِي يَدْفَعُهَا (أَيِ الرَّايَةَ) إِلَى الْقَائِمِ هُوَ مِنْ ذُرِّيَّتِكَ»[٥]، فإذا فُتنوا بذلك تركوا النظر في دعوة السيّد المنصور ولم يقيموا لتوافقها مع العقل والشرع وزنًا! بناء على هذا، فإنّ الأسلم ترك الخوض في ذلك؛ لأنّه مهما كان الأمر فإنّه يسوء رجالًا ويمنعهم من النظر لمعرفة الحقّ بمنأى عن التصوّرات المسبّقة، وهذا يرجع إلى قول اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَسْأَلُوا عَنْ أَشْيَاءَ إِنْ تُبْدَ لَكُمْ تَسُؤْكُمْ﴾[٦]، إلى أن قال: ﴿قَدْ سَأَلَهَا قَوْمٌ مِنْ قَبْلِكُمْ ثُمَّ أَصْبَحُوا بِهَا كَافِرِينَ﴾[٧]؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّ الظاهر من الأنساب قد يكون غير صحيح عند اللّه؛ لأنّ الأنساب قد تختلط، والأسماء قد تتشابه، والمخطوطات قد تضيع، حتّى يلتبس الأمر حتّى على النسّابين، ولذلك كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقول فيما جاء عنه: «كَذَبَ النَّسَّابُونَ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾[٨]»[٩]، وروي أنّه قام في مجلس وهو غضبان فقال: «لَا تَسْأَلُونِي الْيَوْمَ عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ»، فسأله رجال عن أنسابهم، فألحق بعضهم بمن يُنسب إليه وبعضهم بمن لا يُنسب إليه، حتّى قام إليه عمر بن الخطّاب فسأله الكفّ عن ذلك وقال: «إِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، حَدِيثُو عَهْدٍ بِجَاهِلِيَّةٍ وَشِرْكٍ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَنْ آبَاؤُنَا»، فسكن غضبه[١٠]، وروي عن الكلبيّ النسّابة أنّه قال: «دَخَلْتُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلَامُ، فَابْتَدَأَنِي بَعْدَ أَنْ سَلَّمْتُ عَلَيْهِ، فَقَالَ لِي: مَنْ أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: أَنَا الْكَلْبِيُّ النَّسَّابَةُ، فَضَرَبَ بِيَدِهِ عَلَى جَبْهَتِهِ وَقَالَ: كَذَبَ الْعَادِلُونَ بِاللَّهِ، وَضَلُّوا ضَلَالًا بَعِيدًا، وَخَسِرُوا خُسْرَانًا مُبِينًا، يَا أَخَا كَلْبٍ! إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ: ﴿وَعَادًا وَثَمُودَ وَأَصْحَابَ الرَّسِّ وَقُرُونًا بَيْنَ ذَلِكَ كَثِيرًا﴾، أَفَتَنْسُبُهَا أَنْتَ؟ فَقُلْتُ: لَا جُعِلْتُ فِدَاكَ، فَقَالَ لِي: أَفَتَنْسُبُ نَفْسَكَ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، أَنَا فُلَانُ بْنُ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، حَتَّى ارْتَفَعْتُ، فَقَالَ لِي: قِفْ، لَيْسَ حَيْثُ تَذْهَبُ»[١١]. لذلك، يمكن القول أنّ علم الأنساب عند اللّه ورسوله وورثة العلم من رسوله، ولا يمكن التعويل على الأنساب التي يدّعيها النّاس في معرفة العقائد الدّينيّة؛ كالتعويل على الأنساب التي يدّعيها رؤساء داعش في الإعتقاد بشرعيّة خلافتهم، والتعويل على الأنساب التي يدّعيها بعض الدّجّالين في الإعتقاد بأنّهم أوصياء المهديّ عليه السلام؛ لأنّ المطلوب في العقائد الدّينيّة اليقين، وهو لا يتحصّل من أمثال هذه الدّعاوي الشائعة بين النّاس لاحتمال كذبهم أو خطئهم فيها، وإن جاز التعويل عليها في أحكام فقهيّة مثل جواز التصرّف في الخمس أو الزكاة.
بناء على هذا، فإنّ من اعتمد في معرفة حقّانيّة الرّجال على الأنساب التي يدّعونها فقد ضلّ ضلالًا بعيدًا، وكان مَثله كمثل العنكبوت اتّخذت بيتًا، أو من أسّس بنيانه على شفا جرف هار فانهار به في نار جهنّم، وليس كذلك الحكيم الورع؛ فإنّه لا يغترّ بأمثال هذه الأمور الظنّيّة الظاهريّة التي يمكن أن تكون مخالفة للواقع، ولو كانت موافقة له أيضًا فإنّها لا تسمن ولا تغني من جوع، بل يأخذ في دينه بالقدر المتيقّن؛ كالذي وصفه عليّ عليه السلام في خطبته المشهورة إذ قال: «إِنَّ مِنْ أَحَبِّ عِبَادِ اللَّهِ إِلَيْهِ عَبْدًا أَعَانَهُ اللَّهُ عَلَى نَفْسِهِ» إلى أن قال: «وَاسْتَمْسَكَ مِنَ الْعُرَى بِأَوْثَقِهَا، وَمِنَ الْحِبَالِ بِأَمْتَنِهَا، فَهُوَ مِنَ الْيَقِينِ عَلَى مِثْلِ ضَوْءِ الشَّمْسِ»[١٢]، ولا شكّ أنّ القدر المتيقّن من صفات الممهّد الموعود لظهور المهديّ عليه السلام الذي يدلّ عليه الروايات المتواترة هو أنّه رجل يخرج من خراسان برايات سود فيمهّد لظهور المهديّ عليه السلام بطريقة موافقة للعقل والشرع، سواء كان حسنيًّا أو حسينيًّا أو جعفريًّا أو غير ذلك. لهذا، فإنّ الشيء الذي ينفعك معرفته، ليس نسب السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى، ولكن أفكاره وأقواله وأعماله؛ لأنّها تدلّك على أنّه حقّ أو باطل بلا مرية، وإن لم تكن عارفًا بنسبه، وهذه هي الحال بالنسبة لأسماء أصحابه؛ نظرًا لأنّ وجود رجل في أصحابه اسمه أو لقبه شعيب لا يدلّ على أنّه هو الممهّد الموعود لظهور المهديّ عليه السلام؛ لأنّ المسمّين بهذا الإسم كثير، وليس كلّهم الرجل الموعود؛ كما أنّ عدم وجود رجل في أصحابه اسمه أو لقبه شعيب لا يدلّ على أنّه ليس الممهّد الموعود لظهور المهديّ عليه السلام؛ لأنّ ما ورد في ذلك لا يبلغ حدّ التواتر، وإن صحّ فمن الممكن أن يلتحق به في وقت لاحق.
بناء على هذا، فإنّا نوصيك أن تدع الخوض في أمثال هذه المسائل، وتقرأ الآثار المنشورة من السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى في هذا الموقع، حتّى تتعرّف على أفكاره وأقواله وأعماله الصالحة التي تتمركز في التمهيد لظهور المهديّ عليه السلام وفقًا للعقل والشرع، بمنأى عن أيّ ادّعاء لنفسه؛ لأنّه حفظه اللّه تعالى ليس من المتكلّفين، ويكره التشبّه بالمدّعين الكاذبين، وإنّما يسير بمنأى عن أيّ قول زائد عن الحاجة في طريقه المستقيم، ويؤدّي واجبه العقليّ والشرعيّ، ويقوم بتعليم الإسلام الحقيقيّ وإصلاح عقائد وأعمال المسلمين، اعتمادًا على كتاب اللّه وسنّة نبيّه المتواترة وما يقتضيه العقل السليم، وإنّما يفعل ذلك عمليًّا وبدون أيّ ادّعاء؛ لأنّه لا يحتاج مع العمل إلى الإدّعاء، ويترك الإدّعاء لمن لا عمل له، على الرغم من أنّه يرجو فضل اللّه عليه ولا يقنط من رحمته؛ لأنّ اللّه ذو فضل عظيم ويختصّ برحمته من يشاء، ولا يقنط من رحمته إلّا الضّالّون، ولكنّه حفظه اللّه تعالى لا يخوض في ذلك[١٣]؛ على عكس الذين أصمّ طبل ادّعاءاتهم آذان العالمين، ولكنّهم لا يمهّدون لظهور المهديّ عليه السّلام بشكل عمليّ، وما هم إلا بهالين متجوّلون يجمعون حولهم حفنة من الجهلة وأهل الخرافات، وينفقون عمرهم ومالهم وعرضهم على أوهامهم وأباطيلهم؛ الذين بادّعاءاتهم المفرطة وألقابهم الغريبة وكراماتهم الموهومة وأحلامهم الملقّنة ورواياتهم الموضوعة، قصموا ظهر المهديّ عليه السلام وحوّلوا يوم المنصور حفظه اللّه تعالى -هذا الممهّد الصدّيق لظهوره- إلى ليلة باردة ومظلمة؛ كما وصفهم في بعض خطبه، فقال:
يُخْبِرُونَ عَمَّا فَوْقَ السَّمَاءِ السَّابِعَةِ وَتَحْتَ الْأَرْضِ الرَّابِعَةِ، وَلَكِنْ لَا يَمْلِكُونَ عِلْمًا صَحِيحًا بِعَقَائِدِ الْإِسْلَامِ وَلَا فِقْهًا كَبِيرًا فِي حَلَالِهِ وَحَرَامِهِ، وَكَلِمَاتُهُمُ الْقِصَارُ مُبْهَمَةٌ وَفَارِغَةٌ كَنَعِيقِ الْغُرَابِ! لَا جَذْرَ لَهُمْ فِي أَرْضِ الْمَعْرِفَةِ، وَلَا نَجْمَ لَهُمْ فِي سَمَاءِ التَّقْوَى! يُضِلُّونَ أَحَدًا بِحُلْمٍ لَمْ يَرَوْهُ، وَآخَرَ بِهَاتِفٍ لَمْ يَسْمَعُوهُ! يُلْقُونَ أَحَدًا فِي الْبِئْرِ بِآيَةٍ لَمْ تَنْزِلْ، وَآخَرَ بِرِوَايَةٍ لَمْ تَصْدُرْ! يَخْدَعُونَ أَحَدًا بِكَلَامٍ لَاغٍ، وَآخَرَ بِطِلَسْمٍ مُعَقَّدٍ! وَهَكَذَا، لَا يَتْرُكُونَ بَابًا مَفْتُوحًا إِلَى الْمَهْدِيِّ إِلَّا وَيُغْلِقُونَهُ، وَلَا طَرِيقًا قَصِيرًا لِأَنْصَارِهِ إِلَّا وَيَسُدُّونَهُ، وَلَا مَنْزِلًا طَيِّبًا لِمُحِبِّيهِ إِلَّا وَيُنَجِّسُونَهُ! كُلَّ يَوْمٍ يَتَّخِذُونَ لَوْنًا وَيَدَّعُونَ ادِّعَاءً وَيَكْتَشِفُونَ شَيْئًا جَدِيدًا عَنْ أَنْفُسِهِمْ؛ لِأَنَّهُ لَا نِهَايَةَ لِأَمَانِيِّهِمْ وَمُبَالَغَاتِهِمْ. يَشُوبُونَ الْحَقَّ بِالْبَاطِلِ، وَيَلُوثُونَ الصِّدْقَ بِالْكِذْبِ، حَتَّى لَا تَبْقَى لِلْحَقِّ حُرْمَةٌ وَلَا لِلصِّدْقِ قِيمَةٌ! عِنْدَمَا تُرْفَعُ رَايَةُ الْحَقِّ مَنْ يَعْرِفُهَا؟! وَعِنْدَمَا تُقَالُ كَلِمَةُ الصِّدْقِ مَنْ يَقْبَلُهَا؟! عَمِيَتِ الْأَبْصَارُ وَصَمَّتِ الْآذَانُ وَتَعِبَتِ الْأَيْدِي، وَلَمْ يَعُدْ هُنَاكَ صَبْرٌ لِلْمُقَايَسَةِ وَالْإِسْتِقْصَاءِ؛ لِأَنَّ الْأَدْعِيَاءَ قَدْ بَثَّوْا بَذْرَ سُوءِ الظَّنِّ فِي الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ، وَأَثَارُوا غُبَارَ التَّشَاؤُمِ بَيْنَ الْأَرْضِ وَالسَّمَاءِ، وَبَلَغُوا بِالنَّفْسِ إِلَى الْحُلْقُومِ وَبِالسِّكِّينِ إِلَى الْعَظْمِ.[١٤]