ما رأي العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حول زرع أعضاء المصابين بموت الدّماغ؟
هناك خمس مسائل رئيسيّة حول زرع أعضاء المصابين بموت الدّماغ تتمّ الإجابة عليها فيما يلي:
١ . هل المصابون بموت الدّماغ يعتبرون أمواتًا؟
وفقًا لرأي العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى، الموت هو الإنقطاع التامّ للرّوح عن الجسد، وذلك يتحقّق بالتوقّف التامّ لنشاط الدّماغ والقلب جميعًا، وعليه فإنّ التوقّف التامّ لنشاط الدّماغ قبل التوقّف التامّ لنشاط القلب، لا يعتبر موتًا، ولا يكفي لجريان أحكام الأموات؛ فلا يمكن دفن من لديه نبضان القلب وجريان الدّم والتنفّس، وإن لم يكن لدماغه نشاط. نعم، التوقّف التامّ لنشاط الدّماغ هو بداية عمليّة الموت الممدّدة ومرحلة من مراحله التي لا رجعة فيها، وهي ما تسمّى في المصطلح «حياة غير مستقرّة»؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلَنِي طَبِيبٌ بِإِيرَانَ أَنْ أَسْأَلَ الْمَنْصُورَ الْهَاشِمِيَّ الْخُرَاسَانِيَّ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنْ تَوَقُّفِ نَشَاطِ الدِّمَاغِ طُرًّا، فَسَأَلْتُهُ عَنْهُ، فَقَالَ: سَكْرَةٌ مِنْ سَكَرَاتِ الْمَوْتِ، قُلْتُ: تُرِيدُ حَيَاةً غَيْرَ مُسْتَقِرَّةٍ؟ قَالَ: هَكَذَا يَقُولُونَ.[١]
بناء على هذا، فإنّ من مات دماغه، لم يصل بعد إلى المنزل الآخر من منازل الموت، لكنّه يطوي مراحله، وقد وصل إلى مرحلة منه لا يقدر على الرجوع عنها، ولا يقدر على شيء من أفعال الأحياء الإختياريّة، مثل العبادات والمعاملات، وهو من هذه الجهة شبه الميّت؛ كمن خرّ من السماء، وهو في حالة السقوط القسريّ إلى الأرض، وبالطبع ليس هناك أمل في رجعته ولا في بقائه حيًّا، ولا يقدر على شيء.
٢ . هل يجوز التوقّف عن معالجة المصابين بموت الدّماغ إذا لم تكن نافعة؟
وفقًا لرأي العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى، إذا كان نشاط قلب من مات دماغه بسبب عامل خارجيّ وتنفّس صناعيّ فقطّ، بحيث أنّه يتوقّف فورًا بانقطاع ذلك ولا يحتمل استغناؤه عن ذلك ولو بعد مدّة طويلة، لم يجب الإستمرار في ذلك؛ لأنّه لغو، وقد يكون إضاعة للمال، وإيذاء لمن يموت؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُهُ عَنِ الطَّبِيبِ يُدْخِلُ جِهَازًا فِي جَوْفِ مَنْ مَاتَ دِمَاغُهُ، فَيُحَرِّكُ قَلْبَهُ، قَالَ: ذَلِكَ لَحْمٌ يَعْبَثُ بِهِ.[٢]
٣ . هل يجوز استئصال أعضاء المصابين بموت الدّماغ لزرعها في أجساد المحتاجين إليها لبقاء حياتهم؟
وفقًا لرأي العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى، لا بأس باستئصال أعضاء المصابين بموت الدّماغ لزرعها في أجساد المؤمنين الذين يجب حفظ حياتهم شرعًا ولا يمكن بغير ذلك عادةً؛ لأنّه هذا هو الإضطرار، وللإضطرار حكومة على أحكام الشرع؛ بالنظر إلى أنّ تكليف المضطرّ قبيح عقلًا، ولا يصدر من اللّه سبحانه؛ كما قال كقاعدة كلّيّة: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[٣]. نعم، الإضطرار لا يرفع حرمة القتل؛ لأنّ سلب حياة الآخر لحفظ حياة النفس «بغي وعدوان»، لكنّ استئصال عضو من أصبحت حياته غير مستقرّة سابقًا، وهي في طور الزوال المحتوم وغير قابل التوقّف، لا يعتبر قتله؛ لأنّ موته في هذه الحالة لا يستند إلى ذلك، بل يستند إلى ما جعل حياته في منحدر الزوال؛ كإخراج أمعاء الرّجل بعد أن قُطع منه الوتين، أو إطلاق الرصاص عليه في رأسه بعد أن أُطلق عليه الرصاص في قلبه ورئته، على افتراض أنّ قطع وتينه أو إطلاق الرصاص عليه في قلبه ورئته يكفي لموته، وإخراج أمعائه أو إطلاق الرصاص عليه في رأسه كتحصيل الحاصل أو في حكم الجناية على الميّت. من هنا يعلم أنّ استئصال عضو من مات دماغه وإن كان من الأعضاء الرئيسة لا يعتبر قتله، ولا يستوجب القصاص؛ لأنّ موته كان حتميًّا بدون استئصال العضو، ولم يكن لاستئصال العضو دور حاسم في ذلك. بناء على هذا، لا شكّ أنّ قاعدة الإضطرار تشمل استئصال العضو في هذه الحالة؛ لأنّ استئصال العضو في هذه الحالة هو دون القتل، وكلّ ما كان دون القتل فهو جائز في حالة الإضطرار، ومن الواضح أنّ حرمة الجناية على الميّت ومن هو في حكم الميّت إذا تزاحمت مع وجوب إنقاذ نفس مسلمة سقطت؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُهُ عَنِ الْمَرْأَةِ يُدْرِكُهَا الْمَوْتُ وَفِي بَطْنِهَا وَلَدٌ يَرْكُلُ، قَالَ: يُشَقُّ بَطْنُهَا وَيُخْرَجُ الْوَلَدُ، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلَيْنِ يَخِرُّ السَّقْفُ عَلَيْهِمَا فِي زَلْزَلَةٍ أَوْ طُوفَانٍ أَوْ سَيْلٍ، فَيَهْلِكُ أَحَدُهُمَا وَيَبْقَى الْآخَرُ أَيَّامًا لَا يَعْثِرُ عَلَيْهِ النَّاسُ، فَيَخَافُ أَنْ يُهْلِكَهُ الْجُوعُ، أَيَأْكُلُ مِنْ أَخِيهِ؟ قَالَ: يَأْكُلُ مِنْهُ مَا يَسُدُّ بِهِ رَمَقَهُ إِنْ عَلِمَ أَنَّهُ قَدْ هَلَكَ، ثُمَّ يَتَصَدَّقُ بِدِيَةِ مَا أَكَلَ مِنْهُ إِنْ نَجَّاهُ اللَّهُ، وَسَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُحِيطُ بِهِ الْمَوْتُ لِمَرَضٍ لَا عِلَاجَ لَهُ أَوْ نَقْصٍ فِي عُضْوِهِ، فَلَا يَجِدُ إِلَّا عُضْوَ مَيِّتٍ، أَيَقْطَعُهُ وَيُرَقِّعُهُ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ عَلَى هَذِهِ الْحَالِ، وَيُنْفِقُ دِيَةَ مَا قَطَعَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ إِنْ أَرَادَ شُكْرًا أَوْ أَرَادَ إِحْسَانًا.[٤]
٤ . هل استئصال أعضاء المصابين بموت الدّماغ لزرعها في أجساد المحتاجين إليها لبقاء حياتهم، يستوجب الدّية؟
وفقًا لرأي العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى، استئصال أعضاء المصابين بموت الدّماغ في حالة الإضطرار جائز، والجائز لا يستوجب الدّية؛ كقطع العضو في الحدّ والقصاص؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّ الدّية عقوبة، والعقوبة مناسبة لمن فعل ما لا يجوز، مع أنّ قاطع عضو الميّت لإنقاذ نفس مسلمة فعل ما يجوز، بل أحسن شرعًا وعرفًا، ولذلك لا يستحقّ العقوبة؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾[٥]، وقال: ﴿هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ﴾[٦]. من هنا يعلم أنّ القائلين بوجوب دفع دية الميّت مع جواز استئصال أعضائه، يفتون بصورة متناقضة؛ لأنّه إن كان دفع دية الميّت واجبًا، فليس من الجائز استئصال أعضائه، وإن كان استئصال أعضائه جائزًا، فليس من الواجب دفع ديته، والجمع بينهما مخالف للقاعدة. بالإضافة إلى ذلك، فإنّهم لا يعتبرون دية الميّت لورثته، بل يقولون أنّها للإنفاق عنه في الخيرات فقطّ، في حين أنّ استئصال أعضائه لإنقاذ نفس مسلمة هو من أعظم الخيرات، ويفي بالغرض من دفع الدّية بأحسن طريقة ممكنة؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ أَيَّدَهُ اللَّهُ تَعَالَى عَنِ الرَّجُلِ مَاتَ دِمَاغُهُ وَقَلْبُهُ نَابِضٌ، أَهُوَ مَيِّتٌ؟ قَالَ: لَوْ كَانَ مَيِّتًا مَا سَأَلْتَنِي عَنْهُ! قُلْتُ: إِنَّهُ لَا شُعُورَ لَهُ، وَلَا تَكَلُّمَ، وَلَا تَحَرُّكَ، وَلَا تَنَفُّسَ، إِلَّا إِذَا أُجْبِرَ عَلَيْهِ بِجِهَازٍ وَلَا يُرْجَى بَقَاؤُهُ، وَإِنَّمَا يَنْبَضُ قَلْبُهُ لِمَا يُجْبَرُ عَلَيْهِ مِنَ التَّنَفُّسِ، وَلَوْ لَمْ يُجْبَرْ عَلَيْهِ لَسَكَنَ! قَالَ: لَيْسَ عَلَيْكَ أَنْ تُجْبِرَهُ عَلَيْهِ إِذَا كَانَ عَبَثًا لَا طَائِلَ تَحْتَهُ، دَعْهُ يَذْهَبُ إِلَى رَبِّهِ إِذَا دَعَاهُ، قُلْتُ: فَإِنْ كَانَ مَرِيضٌ يُضْطَرُّ إِلَى عُضْوٍ مِنْ أَعْضَائِهِ كَقَلْبٍ أَوْ كَبِدٍ، أَيَجُوزُ أَنْ يُؤْخَذَ ذَلِكَ الْعُضْوُ فَيُلْصَقَ بِهِ؟ قَالَ: لَا بَأْسَ بِهِ إِذَا كَانَ الْمَرِيضُ مُؤْمِنًا يُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، وَلَا دِيَةَ عَلَيْهِ وَلَا عَلَى الْآخِذِ، قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ عَلَيْهِ دِيَةُ الْمَيِّتِ تُصْرَفُ عَنْهُ فِي وُجُوهِ الْخَيْرِ! قَالَ: وَأَيُّ خَيْرٍ أَخْيَرُ مِنْ إِحْيَاءِ نَفْسٍ مُؤْمِنَةٍ مَنْ أَحْيَاهَا فَكَأَنَّمَا أَحْيَى النَّاسَ جَمِيعًا؟! ثُمَّ قَالَ: مَنْ أَخْرَجَ قَلْبَ مَيِّتٍ أَوْ كَبِدَهُ ظُلْمًا فَعَلَيْهِ الدِّيَةُ.[٧]
نعم، دفع دية الميّت لإنفاقها عنه في وجوه الخير، خاصّة إذا تمّ استئصال عضوه قبل توقّف نشاط قلبه، هو مستحبّ؛ كما مضى ذكره في قول منير من السيّد الخراسانيّ حفظه اللّه تعالى، وقد أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُ الْعَالِمَ عَنِ الْمَيِّتِ يُخْرَجُ قَلْبُهُ لِيُلْحَقَ بِحَيٍّ مُضْطَرٍّ إِلَيْهِ، قَالَ: لَا أَرَى بِذَلِكَ بَأْسًا، ذَلِكَ مِنْ آيَاتِ اللَّهِ، ذَلِكَ مِمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: ﴿يُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ﴾[٨]، قُلْتُ: لَا تَزَالُ تَفْتَحُ عَلَيْنَا أَبْوَابًا مِنَ الْعِلْمِ! فَهَلْ لَهُ مِنْ دِيَةٍ عَلَى مَنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ؟ قَالَ: إِنْ فَعَلَ ذَلِكَ بِهِ وَقَدْ سَكَنَتْ أَنْفَاسُهُ فَلَيْسَ عَلَيْهِ دِيَةٌ، وَإِنْ فَعَلَ وَهُوَ يَتَنَفَّسُ أَرَى أَنْ يَتَصَدَّقَ عَنْهُ عُشْرَ الدِّيَةِ لِئَلَّا يَخْتَلِجَ فِي صَدْرِهِ أَنَّهُ آثِمٌ! فَأَخَذَنِي الْبُكَاءُ، فَقَالَ: وَمَا يُبْكِيكَ؟! قُلْتُ: رَأَيْتُ عَظَمَتَكَ فِي غُرْبَتِكَ فَبَكَيْتُ! قَالَ: الْعَظَمَةُ لِلَّهِ، وَإِنَّمَا أَنَا عَبْدٌ آتَانِي مِنْ عِنْدِهِ رَحْمَةً، وَجَعَلَنِي هَادِيًا مَهْدِيًّا.[٩]
٥ . هل استئصال أعضاء المصابين بموت الدّماغ لزرعها في أجساد المحتاجين إليها لبقاء حياتهم، يتوقّف على إذن أوليائهم؟
وفقًا لرأي العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى، استئصال أعضاء المصابين بموت الدّماغ في حالة الإضطرار، لا يحتاج إلى إذن أوليائهم؛ لأنّه من ناحية ليس هناك دليل على شمول ولاية أولياء الميّت ومن هو في حكم الميّت على أعضاء جسده، والأصل عدمها، ومن ناحية أخرى وجوب إنقاذ نفس مسلمة باستئصال أعضاء جسد الميّت ومن هو في حكم الميّت أشدّ من وجوب استئذان أوليائه على فرض ثبوته، لدرجة أنّه يقدّم عليه في حالة التزاحم. نعم، إن كان وجوب استئذان الأولياء لاستئصال أعضاء المصابين بموت الدّماغ ثابتًا لم يسقط إلّا إذا تعذّر استئذانهم بسبب غيبتهم أو استنكافهم؛ لكنّ وجوب استئذانهم في هذه الحالة كاللّغو؛ لأنّ إذنهم وعدم إذنهم سواء؛ إذ لا مانع من استئصال أعضاء المصابين بموت الدّماغ في حالة الإضطرار. من هنا يعلم أنّه لا يجب استئذان الأولياء على المضطرّ، وإن استأذنهم وجب عليهم الإذن؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُهُ عَنِ الْمُضْطَرِّ الَّذِي قَدْ أَحَاطَ بِهِ الْمَوْتُ لِنَقْصٍ فِي عُضْوِهِ أَوْ عَيْبٍ، فَلَا يَجِدُ إِلَّا مَيِّتًا، أَلَهُ أَنْ يَقْطَعَ ذَلِكَ الْعُضْوَ مِنْهُ، فَيُلْحِقَهُ بِنَفْسِهِ، إِذَا خَافَ أَنْ يُدْرِكَهُ الْمَوْتُ؟ قَالَ: مَاذَا يُرِيدُ؟! أَيُرِيدُ أَنْ يَفِرَّ مِنَ الْمَوْتِ؟! ﴿قُلْ لَنْ يَنْفَعَكُمُ الْفِرَارُ إِنْ فَرَرْتُمْ مِنَ الْمَوْتِ أَوِ الْقَتْلِ وَإِذًا لَا تُمَتَّعُونَ إِلَّا قَلِيلًا﴾[١٠]، ثُمَّ سَكَتَ حَتَّى ظَنَنْتُ أَنَّهُ لَا يُجَوِّزُهُ، ثُمَّ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ جُنَاحٌ إِذَا كَانَ بَالِغًا ذَلِكَ الْمَبْلَغَ، قُلْتُ: فَهَلْ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَ لِذَلِكَ أَوْلِيَاءَ الْمَيِّتِ؟ قَالَ: لَيْسَ عَلَيْهِ أَنْ يَسْتَأْذِنَهُمْ إِذَا كَانَ بَالِغًا ذَلِكَ الْمَبْلَغَ، وَإِنِ اسْتَأْذَنَهُمْ فَلَيْسَ لَهُمْ أَنْ يَمْنَعُوهُ إِنْ وَجَدُوهُ مُؤْمِنًا، فَإِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ بِمَنْزِلَةِ الْجَسَدِ الْوَاحِدِ، إِذَا اشْتَكَى عُضْوًا مِنْهُ وَجَدَ أَلَمَ ذَلِكَ فِي سَائِرِ أَعْضَائِهِ، لِأَنَّ أَرْوَاحَهُمْ مِنْ رُوحٍ وَاحِدَةٍ، وَإِنَّ رُوحَ الْمُؤْمِنِ لَأَشَدُّ اتِّصَالًا بِرُوحِ اللَّهِ مِنِ اتِّصَالِ الشُّعَاعِ بِالشَّمْسِ.[١١]
نعم، ينبغي لأولياء المصابين بموت الدّماغ أن يأذنوا للمرضى المحتاجين المعرّضين لخطر الموت -إذا كانوا مؤمنين، لا كافرين ولا ظالمين- بأن يستفيدوا من أعضائهم لإنقاذ أنفسهم؛ لأنّ هذا نافع لهؤلاء المرضى وعوائلهم، ونافع للمصابين بموت الدّماغ، ونافع لأوليائهم، جميعًا؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
اسْتَشَارَهُ رَجُلٌ فِي تَرْقِيعِ قَلْبِ أَبِيهِ بَعْدَ أَنْ مَاتَ دِمَاغُهُ، وَقَالَ: يَأْتِينِي رَجُلٌ مَرِيضٌ يُخَافُ عَلَيْهِ الْمَوْتُ، فَيَسْأَلُنِي أَنْ آذَنَ لَهُ فِي ذَلِكَ، فَلَا أَدْرِي مَا أَقُولُ لَهُ، قَالَ: انْظُرْ، فَإِنْ كَانَ مُسْلِمًا يُوَالِي آلَ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَيُوَالِينِي فَأْذَنْ لَهُ، فَإِنَّكَ لَوْ دَفَنْتَ قَلْبَ أَبِيكَ فِي صَدْرِ مُؤْمِنٍ يَذْكُرُ اللَّهَ وَيَعْمَلُ الصَّالِحَاتِ خَيْرٌ مِنْ أَنْ تَدْفَنَهُ فِي التُّرَابِ يَأْكُلَهُ الدُّودُ! ثُمَّ قَالَ: ائْذَنْ لَهُ يُحْيِي اللَّهُ بِهِ جُزْءَ أَبِيكَ يَعْبُدَهُ وَيَكُونَ لَهُ ثَوَابُ عِبَادَتِهِ.[١٢]
سلام على الممهّد الوحيد لظهور الإمام المهديّ وأصحابه المخلصين
قرأت إجابتكم على السؤال الراجع إلى زرع الأعضاء. قلتم أنّ زرع العضو يجوز للمؤمن فقطّ، لا للكافر ولا للظالم. لديّ سؤالان حول هذا القول: الأول ماذا على الذين يأخذون بطاقة التبرّع بأعضائهم؟ فإنّهم لا يدرون من يُزرع له أعضاؤهم بعد موتهم! الثاني إن كان هناك كافر أو ظالم يحتاج إلى زرع عضو، فهل من الجائز أن نتجاهل حقّه الإنسانيّ ونتركه على مرضه حتّى يموت؟! أليس هذا ينافي عدل اللّه والإنسانيّة؟ شكرًا لكم مقدّمًا على إجابتكم.
سلام عليكم وعلى جميع المؤمنين الذين ينصرون الممهّد لظهور الإمام المهديّ عليه السلام ابتغاء مرضات اللّه؛
وأمّا بعد، فإنّ إبقاء الذين يكفرون باللّه ورسوله ويظلمون الناس، هي إبقاء لكفرهم وظلمهم، ولذلك لا يجوز، ولا يعتبر عادلًا ولا إنسانيًّا؛ كما روي عن جعفر بن محمّد الصّادق عليهما السلام أنّه قال: «مَنْ أَحَبَّ بَقَاءَ الظَّالِمِينَ فَقَدْ أَحَبَّ أَنْ يُعْصَى اللَّهُ»[١]، وروي عن موسى بن جعفر عليهما السلام أنّه قال: «مَنْ أَحَبَّ بَقَاءَهُمْ فَهُوَ مِنْهُمْ، وَمَنْ كَانَ مِنْهُمْ كَانَ وَرَدَ النَّارَ»[٢]؛ إلّا أن يتوبوا، وقد يبتليهم اللّه ليتوبوا؛ كما قال: ﴿فَأَخَذْنَاهُمْ بِالْبَأْسَاءِ وَالضَّرَّاءِ لَعَلَّهُمْ يَتَضَرَّعُونَ﴾[٣]، وقال: ﴿وَلَنُذِيقَنَّهُمْ مِنَ الْعَذَابِ الْأَدْنَى دُونَ الْعَذَابِ الْأَكْبَرِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ﴾[٤]؛ فإن لم يتوبوا فليس للمؤمنين أن يوادّوهم أصلًا؛ كما قال اللّه: ﴿لَا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كَانُوا آبَاءَهُمْ أَوْ أَبْنَاءَهُمْ أَوْ إِخْوَانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ۚ أُولَئِكَ كَتَبَ فِي قُلُوبِهِمُ الْإِيمَانَ وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ ۖ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ۚ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ ۚ أُولَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ ۚ أَلَا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ﴾[٥]؛ بغضّ النظر عن أنّ الكفّار والظالمين لا يكونون مضطرّين إلى أعضاء المؤمنين غالبًا؛ لأنّ أمثالهم كثير، والمؤمنون قليل؛ فغالبًا ما يوجد كافر أو ظالم يتبرّع لهم بأعضائه! أمّا المؤمن الذي زُرع عضوه بعد موته لكافر أو ظالم بغير رضاه فلا إثم عليه؛ لأنّه لم يكن باختيار منه، وقد كان إثمه على من زرع عضوه لكافر أو ظالم، إن كان عالمًا بأنّه كافر أو ظالم.