يقول الشيعة أنّ المهدي عليه السلام إذا قام يقضي بقضاء داود وسليمان عليهما السلام. هل هذا القول صحيح أم خاطئ؟
لقد روى الشيعة عن أهل البيت أنّ المهديّ إذا قام حكم بحكم داود وسليمان عليهما السلام، رواها جعيد الهمداني عن الحسين وعليّ بن الحسين، ورواها أبان بن تغلب وحمران بن أعين وحريز بن عبد اللّه وأبو عبيدة الحذاء وعمّار الساباطي وعبد اللّه بن عجلان عن جعفر بن محمّد، ورواها الحسن بن ظريف عن أبي محمّد العسكريّ[١]، وقد بالغ بعض المعاصرين من السنّة في إنكار هذه الرواية وتشنيعها عليهم قائلين بأنّها تدلّ على أنّ مهديّهم ينسخ شريعة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ويحكم بغير حكمه، ولا يخفى على المنصف ما في هذا القول من الجهل والتعسّف؛ لأنّ الرواية ناظرة إلى قول اللّه تعالى إذ مدح حكم داود وسليمان عليهما السلام فقال: ﴿وَدَاوُودَ وَسُلَيْمَانَ إِذْ يَحْكُمَانِ فِي الْحَرْثِ إِذْ نَفَشَتْ فِيهِ غَنَمُ الْقَوْمِ وَكُنَّا لِحُكْمِهِمْ شَاهِدِينَ فَفَهَّمْنَاهَا سُلَيْمَانَ ۚ وَكُلًّا آتَيْنَا حُكْمًا وَعِلْمًا﴾[٢]، وقوله تعالى لداود عليه السلام: ﴿يَا دَاوُودُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الْأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلَا تَتَّبِعِ الْهَوَى فَيُضِلَّكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾[٣]، فتريد الرواية أنّ حكم المهديّ سيكون في الدقّة والعدالة مثل حكم داود وسليمان عليهما السلام الذي مدحه اللّه تعالى في كتابه، ولا تريد أنّ حكم المهديّ سيكون مخالفًا لحكم محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ كما أنّ حكم محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لم يكن مخالفًا لحكم داود وسليمان عليهما السلام؛ لأنّه إذا كان حكمهما حقًّا لم يكن من الجائز مخالفته، وإذا كان حكمهما غير حقّ لم يكن من الجائز مدحه في كتاب اللّه تعالى، ولذلك جاء في رواية عمّار الساباطي عن جعفر بن محمّد أنّه قال: «بِحُكْمِ اللَّهِ وَحُكْمِ آلِ دَاوُدَ وَحُكْمِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»[٤]، وروى وكيع الضبّي (ت٣٠٦هـ) في «أخبار القضاة» أنّ حبيب بن سنار كان يقوم على رأس شريح، فيقول: «شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ»، فقال رجل: «مَنْ لَا يُحْسِنُ هَذَا؟! شَاهِدَاكَ أَوْ يَمِينُهُ»، فسمعها شريح، فقال لرجل إلى جنبه: «يَعِيبُ عَلَى قَضَاءِ دَاوُدَ»[٥]! يعني أنّ قضاء داود كان على هذه الطريقة الإسلاميّة المألوفة بين المسلمين، وقال ابن تيميّة (ت٧٢٨هـ) بعد ذكر قضاء داود وسليمان عليهما السلام: «هَذِهِ الْقَضِيَّةُ الَّتِي قَضَى فِيهَا دَاوُدُ وَسُلَيْمَانُ، لِعُلَمَاءِ الْمُسْلِمِينَ فِيهَا وَمَا يُشْبِهُهَا أَيْضًا قَوْلَانِ: مِنْهُمْ مَنْ يَقْضِي بِقَضَاءِ دَاوُدَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقْضِي بِقَضَاءِ سُلَيْمَانَ»[٦]، ومن الواضح أنّه لم يرد بقوله هذا أنّ علماء المسلمين ليسوا على دين محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم!
نعم، قد جاء في ذيل الرواية أنّ المهديّ لا يسأل البيّنة، وهذا ما تعلّق به من لا علم له ولا إنصاف، محتجًّا بأنّ سؤال البيّنة هو أحد أصول القضاء في الإسلام، وعليه فإنّ تركه يعني ترك الإسلام، ولكنّ الحقّ أنّ أصول القضاء في الإسلام لا تنحصر في سؤال البيّنة، وهناك أصول أخرى أحدها القضاء بالعلم، بل سؤال البيّنة يتعيّن إذا لم يكن هناك علم للقاضي، فإذا كان الحقّ معلومًا له باليقين فلا وجه لسؤاله البيّنة في غير حدود اللّه تعالى؛ لأنّ البيّنة تؤدّي إلى الظنّ، والعلم أولى بالإتّباع من الظنّ، وهذا ما ذهب إليه الشافعيّة، وهو مذهب صاحبي أبي حنيفة ورواية عند الحنابلة، ولم يذهب إليه الآخرون لغلبة الفساد على أهل الزمان واحتمال ظلم القاضي أو إهماله، وهذا الإحتمال غير موجود بالنسبة للمهديّ، وعليه فإنّ مقتضى القاعدة عند جميع المذاهب جواز قضاء المهديّ بعلمه، وهذا هو مراد الرواية؛ كما جاء ذلك مفسّرًا في رواية الحسن بن ظريف عن أبي محمّد العسكريّ؛ فإنّه قال في المهديّ: «إِذَا قَامَ قَضَى بَيْنَ النَّاسِ بِعِلْمِهِ كَقَضَاءِ دَاوُدَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَا يَسْأَلُ الْبَيِّنَةَ»[٧]، ومن الواضح أنّ هذا ليس من نسخ الإسلام في شيء؛ لأنّ حكم القاضي بعلمه هو حكم ثابت من أحكام الإسلام، وليس حكمًا محدثًا أو مختصًّا بشريعة داود عليه السلام؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّ علم القاضي قد يحصل بطرق معروفة، ومثال ذلك ما روي عن عليّ عليه السلام: «أَنَّهُ دَخَلَ الْمَسْجِدَ، فَاسْتَقْبَلَهُ شَابٌّ يَبْكِي وَحَوْلَهُ قَوْمٌ يُسْكِتُونَهُ، فَقَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَا أَبْكَاكَ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، إِنَّ شُرَيْحًا قَضَى عَلَيَّ بِقَضِيَّةٍ مَا أَدْرِي مَا هِيَ، إِنَّ هَؤُلَاءِ النَّفَرَ خَرَجُوا بِأَبِي مَعَهُمْ فِي السَّفَرِ فَرَجَعُوا وَلَمْ يَرْجِعْ أَبِي، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا: مَاتَ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ مَالِهِ فَقَالُوا: مَا تَرَكَ مَالًا، فَقَدَّمْتُهُمْ إِلَى شُرَيْحٍ فَاسْتَحْلَفَهُمْ، وَقَدْ عَلِمْتُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ أَنَّ أَبِي خَرَجَ وَمَعَهُ مَالٌ كَثِيرٌ، فَقَالَ لَهُمْ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: ارْجِعُوا، فَرَجَعُوا وَالْفَتَى مَعَهُمْ إِلَى شُرَيْحٍ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا شُرَيْحُ، كَيْفَ قَضَيْتَ بَيْنَ هَؤُلَاءِ؟ فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، ادَّعَى هَذَا الْفَتَى عَلَى هَؤُلَاءِ النَّفَرِ أَنَّهُمْ خَرَجُوا فِي سَفَرٍ وَأَبُوهُ مَعَهُمْ، فَرَجَعُوا وَلَمْ يَرْجِعْ أَبُوهُ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا: مَاتَ، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْ مَالِهِ فَقَالُوا: مَا خَلَّفَ مَالًا، فَقُلْتُ لِلْفَتَى: هَلْ لَكَ بَيِّنَةٌ عَلَى مَا تَدَّعِي؟ فَقَالَ: لَا، فَاسْتَحْلَفْتُهُمْ فَحَلَفُوا، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هَيْهَاتَ يَا شُرَيْحُ، هَكَذَا تَحْكُمُ فِي مِثْلِ هَذَا؟! فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، فَكَيْفَ؟ فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَاللَّهِ لَأَحْكُمَنَّ فِيهِمْ بِحُكْمٍ مَا حَكَمَ بِهِ خَلْقٌ قَبْلِي إِلَّا دَاوُدُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، يَا قَنْبَرُ، ادْعُ لِي شُرْطَةَ الْخَمِيسِ، فَدَعَاهُمْ فَوَكَّلَ بِكُلِّ رَجُلٍ مِنْهُمْ رَجُلًا مِنَ الشُّرْطَةِ، ثُمَّ نَظَرَ إِلَى وُجُوهِهِمْ فَقَالَ: مَا ذَا تَقُولُونَ؟ أَتَقُولُونَ إِنِّي لَا أَعْلَمُ مَا صَنَعْتُمْ بِأَبِي هَذَا الْفَتَى؟ إِنِّي إِذًا لَجَاهِلٌ! ثُمَّ قَالَ: فَرِّقُوهُمْ وَغَطُّوا رُؤُوسَهُمْ، قَالَ: فَفُرِّقَ بَيْنَهُمْ وَأُقِيمَ كُلُّ رَجُلٍ مِنْهُمْ إِلَى أُسْطُوَانَةٍ مِنْ أَسَاطِينِ الْمَسْجِدِ وَرُؤُوسُهُمْ مُغَطَّاةٌ بِثِيَابِهِمْ، ثُمَّ دَعَا بِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ كَاتِبِهِ فَقَالَ: هَاتِ صَحِيفَةً وَدَوَاةً، وَجَلَسَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي مَجْلِسِ الْقَضَاءِ وَجَلَسَ النَّاسُ إِلَيْهِ، فَقَالَ لَهُمْ: إِذَا أَنَا كَبَّرْتُ فَكَبِّرُوا، ثُمَّ قَالَ لِلنَّاسِ: اخْرُجُوا، ثُمَّ دَعَا بِوَاحِدٍ مِنْهُمْ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ لِعُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَافِعٍ: اكْتُبْ إِقْرَارَهُ وَمَا يَقُولُ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْهِ بِالسُّؤَالِ فَقَالَ لَهُ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: فِي أَيِّ يَوْمٍ خَرَجْتُمْ مِنْ مَنَازِلِكُمْ وَأَبُو هَذَا الْفَتَى مَعَكُمْ؟ فَقَالَ الرَّجُلُ: فِي يَوْمِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَفِي أَيِّ شَهْرٍ؟ قَالَ: فِي شَهْرِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فِي أَيِّ سَنَةٍ؟ قَالَ: فِي سَنَةِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَإِلَى أَيْنَ بَلَغْتُمْ فِي سَفَرِكُمْ حَتَّى مَاتَ أَبُو هَذَا الْفَتَى؟ قَالَ: إِلَى مَوْضِعِ كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَفِي مَنْزِلِ مَنْ مَاتَ؟ قَالَ: فِي مَنْزِلِ فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، قَالَ: وَمَا كَانَ مَرَضُهُ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: وَكَمْ يَوْمًا مَرِضَ؟ قَالَ: كَذَا وَكَذَا، قَالَ: فَفِي أَيِّ يَوْمٍ مَاتَ وَمَنْ غَسَّلَهُ وَمَنْ كَفَّنَهُ وَبِمَا كَفَّنْتُمُوهُ وَمَنْ صَلَّى عَلَيْهِ وَمَنْ نَزَلَ قَبْرَهُ؟ فَلَمَّا سَأَلَهُ عَنْ جَمِيعِ مَا يُرِيدُ كَبَّرَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ وَكَبَّرَ النَّاسُ جَمِيعًا، فَارْتَابَ أُولَئِكَ الْبَاقُونَ وَلَمْ يَشُكُّوا أَنَّ صَاحِبَهُمْ قَدْ أَقَرَّ عَلَيْهِمْ وَعَلَى نَفْسِهِ، فَأَمَرَ أَنْ يُغَطَّى رَأْسُهُ وَيُنْطَلَقَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ، ثُمَّ دَعَا بِآخَرَ فَأَجْلَسَهُ بَيْنَ يَدَيْهِ وَكَشَفَ عَنْ وَجْهِهِ، ثُمَّ قَالَ: كَلَّا زَعَمْتُمْ أَنِّي لَا أَعْلَمُ مَا صَنَعْتُمْ؟! فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، مَا أَنَا إِلَّا وَاحِدٌ مِنَ الْقَوْمِ، وَلَقَدْ كُنْتُ كَارِهًا لِقَتْلِهِ، فَأَقَرَّ، ثُمَّ دَعَا بِوَاحِدٍ بَعْدَ وَاحِدٍ كُلُّهُمْ يُقِرُّ بِالْقَتْلِ وَأَخْذِ الْمَالِ، ثُمَّ رَدَّ الَّذِي كَانَ أَمَرَ بِهِ إِلَى السِّجْنِ فَأَقَرَّ أَيْضًا، فَأَلْزَمَهُمُ الْمَالَ وَالدَّمَ. فَقَالَ شُرَيْحٌ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، وَكَيْفَ حَكَمَ دَاوُدُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ؟ فَقَالَ: إِنَّ دَاوُدَ النَّبِيَّ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَرَّ بِغِلْمَةٍ يَلْعَبُونَ وَيُنَادُونَ بَعْضَهُمْ بِيَا مَاتَ الدِّينُ، فَيُجِيبُ مِنْهُمْ غُلَامٌ، فَدَعَاهُمْ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فَقَالَ: يَا غُلَامُ، مَا اسْمُكَ؟ قَالَ: مَاتَ الدِّينُ! فَقَالَ لَهُ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: مَنْ سَمَّاكَ بِهَذَا الْإِسْمِ؟ فَقَالَ: أُمِّي، فَانْطَلَقَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَى أُمِّهِ فَقَالَ لَهَا: يَا أَيَّتُهَا الْمَرْأَةُ، مَا اسْمُ ابْنِكِ هَذَا؟ قَالَتْ: مَاتَ الدِّينُ! فَقَالَ لَهَا: وَمَنْ سَمَّاهُ بِهَذَا؟ قَالَتْ: أَبُوهُ، قَالَ: وَكَيْفَ كَانَ ذَاكِ؟ قَالَتْ: إِنَّ أَبَاهُ خَرَجَ فِي سَفَرٍ لَهُ وَمَعَهُ قَوْمٌ وَهَذَا الصَّبِيُّ حَمْلٌ فِي بَطْنِي، فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ وَلَمْ يَنْصَرِفْ زَوْجِي، فَسَأَلْتُهُمْ عَنْهُ فَقَالُوا: مَاتَ، فَقُلْتُ لَهُمْ: فَأَيْنَ مَا تَرَكَ؟ قَالُوا: لَمْ يُخَلِّفْ شَيْئًا، فَقُلْتُ: هَلْ أَوْصَاكُمْ بِوَصِيَّةٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، زَعَمَ أَنَّكِ حُبْلَى، فَمَا وَلَدْتِ مِنْ وَلَدٍ جَارِيَةٍ أَوْ غُلَامٍ فَسَمِّيهِ مَاتَ الدِّينُ! فَسَمَّيْتُهُ، قَالَ دَاوُدُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: وَتَعْرِفِينَ الْقَوْمَ الَّذِينَ كَانُوا خَرَجُوا مَعَ زَوْجِكِ؟ قَالَتْ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَحْيَاءٌ هُمْ أَمْ أَمْوَاتٌ؟ قَالَتْ: بَلْ أَحْيَاءٌ، قَالَ: فَانْطَلِقِي بِنَا إِلَيْهِمْ، ثُمَّ مَضَى مَعَهَا فَاسْتَخْرَجَهُمْ مِنْ مَنَازِلِهِمْ، فَحَكَمَ بَيْنَهُمْ بِهَذَا الْحُكْمِ بِعَيْنِهِ، وَأَثْبَتَ عَلَيْهِمُ الْمَالَ وَالدَّمَ، وَقَالَ لِلْمَرْأَةِ: سَمِّي ابْنَكِ هَذَا عَاشَ الدِّينُ»[٨]، وفي رواية أخرى أنّه قال لشريح: «<أَوْرَدَهَا سَعْدٌ وَسَعْدٌ يَشْتَمِلُ ... مَا هَكَذَا تُورَدُ يَا سَعْدُ الْإِبِلُ> مَا يُغْنِي قَضَاؤُكَ يَا شُرَيْحُ، ثُمَّ قَالَ: وَاللَّهِ لَأَحْكُمَنَّ فِيهِمْ بِحُكْمٍ مَا حَكَمَ أَحَدٌ قَبْلِي إِلَّا دَاوُدُ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ»[٩]. هذه الرواية تفسّر الرواية الواردة في أنّ المهديّ يقضي بقضاء داود عليه السلام ولا يسأل البيّنة، فقد قضى عليّ بقضاء داود عليه السلام ولم يسأل البيّنة، مع أنّه لم ينسخ شريعة محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ولم يخالفها، وقد وردت عنه أقضية أخرى من هذا النوع تزيد الأمر وضوحًا، فراجع.
الحاصل أنّ الرواية الواردة عن أهل البيت في أنّ المهديّ إذا قام يقضي بقضاء داود عليه السلام ولا يسأل البيّنة لا إشكال فيها من حيث الدلالة، وهذا واضح جدًّا، لولا التعصّب والعناد. وممّا يجب التنبيه عليه أنّه ليس هناك مهديّان أحدهما للشيعة والآخر للسنّة، بل هو مهديّ واحد يختلفون في بعض صفاته لاختلاف رواياتهم، ولو أنّهم انتقدوا على بعضهم البعض بعلم وإنصاف لكان خيرًا لهم وأقرب من أن يصلحهم ويبيّن لهم الحقّ؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ۖ وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا ۚ اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى ۖ وَاتَّقُوا اللَّهَ ۚ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ﴾[١٠].