ما حكم السفر فرارًا من الصيام؟ هل يجوز لنا أن نغدو كلّ يوم من شهر رمضان إلى خارج البلد فنفطر ثمّ نعود؟
السفر في شهر رمضان إذا كان لغير ضرورة فهو مكروه؛ كما روي عن بعض أهل البيت أنّه سئل عن الرّجل يدخل شهر رمضان وهو مقيم لا يريد براحًا، ثمّ يبدو له أن يسافر، فقال: «يُقِيمُ أَفْضَلُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ لَهُ حَاجَةٌ لَا بُدَّ مِنَ الْخُرُوجِ فِيهَا، أَوْ يَتَخَوَّفَ عَلَى مَالِهِ»[١]، والظاهر من بعض رواياتهم أنّه حرام؛ كما جاء عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «لَيْسَ لِلْعَبْدِ أَنْ يُسَافِرَ إِذَا حَضَرَ شَهْرُ رَمَضَانَ، لِقَوْلِ اللَّهِ: ﴿فَمَنْ شَهِدَ مِنْكُمُ الشَّهْرَ فَلْيَصُمْهُ﴾[٢]»[٣]، يعني أنّه يدلّ بدلالة الإلتزام أنّ من شهد منكم الشهر لم يسافر حتّى يصومه، وبهذا قال جماعة من الصحابة والتابعين؛ كما روي عن خيثمة، قال: «كَانُوا يَقُولُونَ: إِذَا حَضَرَ رَمَضَانُ فَلَا تُسَافِرْ حَتَّى تَصُومَ»[٤]، ويُستثنى من ذلك السفر لضرورة، لقول اللّه: ﴿مَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ﴾[٥]، وكذلك السفر لطاعة كحجّ أو عمرة أو جهاد، لقول اللّه: ﴿مَا عَلَى الْمُحْسِنِينَ مِنْ سَبِيلٍ﴾[٦]؛ كما روي عن أهل البيت أنّهم قالوا: «لَيْسَ لِلرَّجُلِ إِذَا دَخَلَ شَهْرُ رَمَضَانَ أَنْ يَخْرُجَ، إِلَّا فِي حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ، أَوْ مَالٍ يَخَافُ تَلَفَهُ، أَوْ أَخٍ يَخَافُ هَلَاكَهُ»[٧]، وقالوا: «لَا تَخْرُجْ فِي رَمَضَانَ إِلَّا لِلْحَجِّ أَوِ الْعُمْرَةِ، أَوْ مَالٍ تَخَافُ عَلَيْهِ الْفَوْتَ، أَوْ لِزَرْعٍ يَحِينُ حَصَادُهُ»[٨]، وهذه أمثلة للطاعة والضرورة. فإن سافر لغير واحدة منهما فعليه أن يصوم؛ كما روي عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «لَا أَرَى الصَّوْمَ عَلَيْهِ إِلَّا وَاجِبًا»[٩]، وذلك لأنّه سافر للهو أو معصية، ومن سافر لأحدهما لم يكن له إفطار صوم، ولا قصر صلاة؛ كما روي عن أهل البيت أنّهم قالوا: «لَا يُفْطِرُ الرَّجُلُ فِي شَهْرِ رَمَضَانَ إِلَّا فِي سَبِيلِ حَقٍّ»[١٠]، وقالوا في الرجل يخرج إلى الصيد: «يُتِمُّ، لِأَنَّهُ لَيْسَ بِمَسِيرِ حَقٍّ»[١١]، وقالوا: «لَا يَقْصُرُ، إِنَّمَا خَرَجَ فِي لَهْوٍ»[١٢]، وقالوا: «إِنْ خَرَجَ لِقُوتِهِ وَقُوتِ عِيَالِهِ فَلْيُفْطِرْ وَلْيَقْصُرْ، وَإِنْ خَرَجَ لِطَلَبِ الْفُضُولِ فَلَا وَلَا كَرَامَةَ»[١٣]، وبهذا قال المحقّقون من أهل العلم؛ كما قال ابن جريج: «قُلْتُ لِعَطَاءٍ: قَوْلُهُمْ لَا تَقْصُرُوا الصَّلَاةَ إِلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، قَالَ: إِنِّي لَأَحْسَبُ أَنَّ ذَلِكَ كَذَلِكَ، قُلْتُ: لِمَ؟ قَالَ: مِنْ أَجْلِ أَنَّ إِمَامَ الْمُتَّقِينَ لَمْ يَقْصُرِ الصَّلَاةَ إِلَّا فِي سَبِيلٍ مِنْ سُبُلِ اللَّهِ، حَجٍّ أَوْ عُمْرَةٍ أَوْ غَزْوَةٍ، وَالْأَئِمَّةُ بَعْدَهُ أَيُّهُمْ كَانَ يَضْرِبُ فِي الْأَرْضِ يَبْتَغِي الدُّنْيَا؟! قُلْتُ: فَمَا تَرَى؟ قَالَ: أَرَى أَلَّا تُقْصَرَ إِلَّا فِي سَبِيلِ اللَّهِ، فِي سَبِيلِ الْخَيْرِ»[١٤]، وقال مالك في الرجل يخرج إلى الصيد: «إِنْ كَانَ ذَلِكَ عَيْشَهُ قَصَرَ الصَّلَاةَ، وَإِنْ كَانَ خَرَجَ مُتَلَذِّذًا لَمْ أُحِبَّ لَهُ قَصْرَ الصَّلَاةِ»[١٥].
هذا فيمن سافر لغير ضرورة ولا طاعة إذا لم يرد فرارًا من الصوم، وأمّا إذا أراد فرارًا فلا بحث في حرمة سفره؛ لأنّه مكر وخدعة في الدّين، وقد نهى اللّه عن ذلك في كثير من آياته؛ كما سئل المنصور -حفظه اللّه- عن قوله تعالى: ﴿لَا تَتَّخِذُوا آيَاتِ اللَّهِ هُزُوًا﴾[١٦]، فقال: «ذَلِكَ الْحِيلَةُ فِي الدِّينِ»، وسئل عن قوله تعالى: ﴿فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ﴾[١٧]، فقال: «تَحَيَّلُوا فِي الدِّينِ»، وسئل عن قوله تعالى: ﴿يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا كَلَامَ اللَّهِ﴾[١٨]، فقال: «هُمْ أَصْحَابُ الْحِيَلِ، يُرِيدُونَ أَنْ يُبَدِّلُوا أَحْكَامَ اللَّهِ»، وسئل عن قوله تعالى: ﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ﴾[١٩]، فقال: «مِنْهُمْ أَصْحَابُ الْحِيَلِ، كَرِهُوا مَا أَنْزَلَ اللَّهُ، فَاسْتَبْدَلُوهُ»، وسئل عن قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ اتَّخَذُوا دِينَهُمْ لَهْوًا وَلَعِبًا﴾[٢٠]، فقال: «هُمُ الْيَهُودُ، احْتَالُوا لِتَحْلِيلِ مَا حَرَّمَ اللَّهُ»، قيل: ومن المسلمين من يفعل مثل ذلك، فقال: «هُمْ يَهُودُ هَذِهِ الْأُمَّةِ».