هل يجوز تعلّم السّحر من أجل إبطاله، أو الإستفادة منه لغاية شرعيّة مثل الإضرار بأعداء الإسلام؟
إنّ السحر لا يُبطل بالسحر، ولكن يُبطل بذكر اللّه ودعائه وتلاوة آياته؛ كما أنّ النار لا تطفئ بالنار، ولكن تطفئ بالماء، ولم يحاول موسى عليه السلام إبطال السحر بسحر مثله، ولكن استعاذ باللّه، فأبطله اللّه بآية منه؛ كما قال: ﴿مَا جِئْتُمْ بِهِ السِّحْرُ ۖ إِنَّ اللَّهَ سَيُبْطِلُهُ﴾[١]، وروي عن جابر بن عبد اللّه، وأنس بن مالك، قالا: «سُئِلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ النُّشْرَةِ، فَقَالَ: هُوَ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ»[٢]، والمراد بالنشرة حلّ السحر بالسحر، ولذلك قال الحسن: «لَا يَحُلُّ السِّحْرَ إِلَّا سَاحِرٌ»[٣]، وأمّا حلّ السحر بذكر اللّه ودعائه وتلاوة آياته فجائز قطعًا، وعلى هذا يُحمل ما روي عن جعفر بن محمّد أنّه قال لعيسى بن شقفيّ: «حُلَّ، وَلَا تَعْقِدْ»[٤]، إن صحّت الرواية، ولا شكّ أنّ ما يلحق أكبر ضرر بأعداء الإسلام هو اتّباع أحكام الإسلام، وليس تركه، ولذلك لا يجوز السحر مطلقًا، خلافًا لزعم الكفّار؛ فإنّهم يجعلونه سحرين: السحر الأسود والسحر الأبيض، ويقولون أنّ السحر الأبيض حلال افتراءً على اللّه، وفيهم أناس يزعمون أنّ سليمان عليه السلام كان صاحب سحر أبيض، فردّ اللّه عليهم في كتابه، فقال: ﴿وَمَا كَفَرَ سُلَيْمَانُ وَلَكِنَّ الشَّيَاطِينَ كَفَرُوا يُعَلِّمُونَ النَّاسَ السِّحْرَ﴾[٥]، فاعتبر السحر كفرًا.
نعم، لا بأس بمعرفة أنواعه وأسبابه لمنعه أو ميزه من المعجز عند الضرورة؛ لأنّ الحرام استعماله فقطّ؛ كما قال اللّه تعالى عن ملكين ببابل هاروت وماروت: ﴿وَمَا يُعَلِّمَانِ مِنْ أَحَدٍ حَتَّى يَقُولَا إِنَّمَا نَحْنُ فِتْنَةٌ فَلَا تَكْفُرْ﴾[٦]؛ أي لا تستخدم ما تعلّمته من السّحر؛ فإنّ ذلك كفر؛ كما روي عن أهل البيت في تفسير ذلك: «إِنَّ هَارُوتَ وَمَارُوتَ كَانَا مَلَكَيْنِ عَلَّمَا النَّاسَ السِّحْرَ لِيَحْتَرِزُوا عَنْ سِحْرِ السَّحَرَةِ وَيُبْطِلُوا بِهِ كَيْدَهُمْ، وَمَا عَلَّمَا أَحَدًا مِنْ ذَلِكَ شَيْئًا إِلَّا قَالَا لَهُ: ﴿إِنَّمَا نَحْنُ فِتَنُهُ فَلَا تَكْفُرْ﴾، فَكَفَرَ قَوْمٌ بِاسْتِعْمَالِهِمْ لِمَا أُمِرُوا بِالْإِحْتِرَازِ مِنْهُ»[٧]، وفي رواية أخرى: «كَانَ بَعْدَ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَدْ كَثُرَ السَّحَرَةُ وَالْمُمَوِّهُونَ، فَبَعَثَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مَلَكَيْنِ إِلَى نَبِيِّ ذَلِكَ الزَّمَانِ بِذِكْرِ مَا تَسْحَرُ بِهِ السَّحَرَةُ، وَذِكْرِ مَا يُبْطَلُ بِهِ سِحْرُهُمْ وَيُرَدُّ بِهِ كَيْدُهُمْ، فَتَلَقَّاهُ النَّبِيُّ عَنْ الْمَلَكَيْنِ، وَأَدَّاهُ إِلَى عِبَادِ اللَّهِ بِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَقِفُوا بِهِ عَلَى السِّحْرِ، وَنَهَاهُمْ أَنْ يَسْحَرُوا بِهِ النَّاسَ، وَهَذَا كَمَا يَدُلُّ عَلَى السُّمِّ مَا هُوَ، وَعَلَى مَا يُدْفَعُ بِهِ غَائِلَةُ السُّمِّ»[٨].
لمزيد المعرفة عن السحر وطريقة إبطاله، راجع: السؤال والجواب ٣٩٨.