ما رأي العلامة المنصور الهاشمي الخراساني في وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة؟
لا خلاف بين المسلمين في عدم وجوب وضع اليد اليمنى على اليد اليسرى في الصلاة؛ لأنّ أكثر الروايات الواردة في وصف صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خالية من ذكره، ولو كان واجبًا لم تخل من ذكره؛ لأنّه تأخير البيان عن وقت الحاجة، ولكنّهم اختلفوا في حكمه بعد الإتّفاق على عدم وجوبه؛ فرأى أكثرهم أنّه مستحبّ، لوروده في بعض الروايات، ورأى قوم أنّه غير مستحبّ؛ لأنّ الأوجب المصير إلى الروايات التي ليست فيها هذه الزيادة؛ نظرًا لأنّها أكثر، ولكون هذه ليست مناسبة لأفعال الصلاة، وإنّما هي من باب الإستعانة[١]. ثمّ اختلفوا هؤلاء فيما بينهم؛ فرأى بعضهم -وهم أكثر المالكيّة- أنّه مكروه؛ لأنّه من الإعتماد، والإعتماد في الصلاة مكروه، إلا في النافلة إذا طال القيام، ورأى بعضهم -وهم أكثر الإماميّة- أنّه حرام يبطل الصلاة؛ لما روي عن أهل البيت من النهي عن ذلك؛ كما روي عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «لَا يَجْمَعُ الْمُسْلِمُ يَدَيْهِ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الْكُفْرِ»[٢]، وروي عن علي بن الحسين عليهما السلام أنّه قال: «وَضْعُ الرَّجُلِ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فِي الصَّلَاةِ عَمَلٌ، وَلَيْسَ فِي الصَّلَاةِ عَمَلٌ»[٣]، وروي مثله عن عليّ عليه السلام[٤]، وروي عن أبي جعفر عليهما السلام أنّه قال: «إِذَا قُمْتَ فِي الصَّلَاةِ فَعَلَيْكَ بِالْإِقْبَالِ عَلَى صَلَاتِكَ، وَلَا تُكَفِّرْ فَإِنَّمَا يَفْعَلُ ذَلِكَ الْمَجُوسُ»[٥]، وروي عن جعفر عليه السلام أنّه قال: «إِذَا كُنْتَ قَائِمًا فِي الصَّلَاةِ، فَلَا تَضَعْ يَدَكَ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى وَلَا الْيُسْرَى عَلَى الْيُمْنَى، فَإِنَّ ذَلِكَ تَكْفِيرُ أَهْلِ الْكِتَابِ، وَلَكِنْ أَرْسِلْهُمَا إِرْسَالًا، فَإِنَّهُ أَحْرَى أَنْ لَا يَشْغَلَ نَفْسَكَ عَنِ الصَّلَاةِ»[٦]، وروى عليّ بن جعفر عن أخيه موسى بن جعفر عليهما السلام قال: «سَأَلْتُهُ عَنِ الرَّجُلِ يَكُونُ فِي صَلَاتِهِ، أَيَضَعُ إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى بِكَفِّهِ أَوْ ذِرَاعِهِ؟ قَالَ: لَا يَصْلُحُ ذَلِكَ، فَإِنْ فَعَلَ فَلَا يَعُودُ لَهُ»[٧]، لكنّه كما ترى غير صريح في حرمته، فضلًا عن مبطليّته، بل هو أدلّ على الكراهة التي ذهب إليها أكثر المالكيّة وبعض الإماميّة؛ لا سيّما بالنظر إلى أنّه لا يخلّ بالقيام ولا ينافي الطمأنينة ولا يفسد هيئة الصلاة ولا يعتبر بدعة فاحشة، وعليه فلا يبقى إلا الكراهة، وهي الحقّ عند السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الْقَبْضِ فِي الصَّلَاةِ، فَكَرِهَهُ وَقَالَ: أَقُولُ فِيهِ بِقَوْلِ فُقَهَاءِ الْمَدِينَةِ، قُلْتُ: تُرِيدُ مَالِكًا؟ قَالَ: مَالِكًا وَخَيْرًا مِنْ مَالِكٍ.[٨]
وبهذا قال عبد اللّه بن الزبير، وسعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبير، وإبراهيم النخعي، والحسن البصري، وعطاء، وابن جريج، وليث بن سعد، ومحمّد بن سيرين، وغيرهم، وروي «أَنَّ سَعِيدَ بْنَ جُبَيْرٍ رَأَى رَجُلًا يُصَلِّي وَاضِعًا إِحْدَى يَدَيْهِ عَلَى الْأُخْرَى فَذَهَبَ فَفَرَّقَ بَيْنَهُمَا»[٩]، والدليل على ذلك -كما تقدّم- هو أنّ أكثر الروايات الواردة في وصف صلاة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم خالية من ذكره، بل لم يرد ذكره في رواية صحيحة، والروايات التي ورد فيها ذكره إمّا ضعيفة أو مرسلة أو موقوفة، ولذلك لم يخرج البخاري في صحيحه إلا واحدة منها، وهي رواية أبي حازم عن سهل بن سعد أنّه قال: «كَانَ النَّاسُ يُؤْمَرُونَ أَنْ يَضَعَ الرَّجُلُ الْيَدَ الْيُمْنَى عَلَى ذِرَاعِهِ الْيُسْرَى فِي الصَّلَاةِ، قَالَ أَبُو حَازِمٍ: لَا أَعْلَمُهُ إِلَّا يَنْمِي ذَلِكَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ إِسْمَاعِيلُ: يُنْمَى ذَلِكَ وَلَمْ يَقُلْ يَنْمِي»[١٠]، وهي كما ترى موقوفة، وفيها من الظنّ والإبهام ما يسقطها؛ كما قال أبو العباس أحمد بن طاهر الداني في أطراف الموطأ: «هَذَا حَدِيثٌ مَعْلُولٌ؛ لِأَنَّهُ ظَنٌّ وَحُسْبَانٌ»[١١]، وممّا يزيدها وهنًا أنّ أوّل من أخرجها مالك، وهو ممّن قال بالكراهة، وهذا يعني أنّه لم يرها معتبرة، ولذلك لم يخرجها مسلم في صحيحه، وإنّما أخرج رواية أخرى، وهي رواية علقمة بن وائل عن أبيه وائل بن حجر: «أَنَّهُ رَأَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رَفَعَ يَدَيْهِ حِينَ دَخَلَ فِي الصَّلَاةِ، كَبَّرَ، ثُمَّ الْتَحَفَ بِثَوْبِهِ، ثُمَّ وَضَعَ يَدَهُ الْيُمْنَى عَلَى الْيُسْرَى، فَلَمَّا أَرَادَ أَنْ يَرْكَعَ أَخْرَجَ يَدَيْهِ مِنَ الثَّوْبِ، ثُمَّ رَفَعَهُمَا، ثُمَّ كَبَّرَ فَرَكَعَ»[١٢]، ولكنّها مرسلة على الأرجح؛ كما قال ابن أبي خيثمة: «سُئِلَ يَحْيَى بْنُ مَعِيْنٍ عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، عَنْ أَبِيهِ، فَقَالَ: مُرْسَلٌ»[١٣]، وقال الترمذي: «سَأَلْتُ مُحَمَّدًا -يَعْنِي الْبُخَارِيَّ- عَنْ عَلْقَمَةَ بْنِ وَائِلٍ، هَلْ سَمِعَ مِنَ أَبِيهِ؟ فَقَالَ: إِنَّهُ وُلِدَ بَعْدَ مَوْتِ أَبِيهِ بِسِتَّةِ أَشْهُرٍ»[١٤]، بالإضافة إلى ما يُرى فيها من التناقض؛ لأنّ فيها أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم التحف بثوبه وأدخل يديه فيه، فكيف علم الراوي أنّه وضع يده اليمنى على اليسرى وهما تحت الثوب؟! فلعلّ ذلك شبّه له، أو لعلّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أخذ طرفي الثوب لئلّا يسقط أو ينفرج عنه، أو فعل ذلك لبرد أصابه أو وجع في يده؛ كما يظهر هذا من قول مالك؛ فإنّه قال في وضع اليمنى على اليسرى في الصلاة: «لَا أَعْرِفُ ذَلِكَ فِي الْفَرِيضَةِ -وَكَانَ يَكْرَهُهُ- وَلَكِنْ فِي النَّوَافِلِ إِذَا طَالَ الْقِيَامُ فَلَا بَأْسَ بِذَلِكَ يُعِينُ بِهِ نَفْسَهُ»[١٥]، وعليه فلا تقوم بهذه الرواية حجّة.
نعم، لم ينفرد بها علقمة بن وائل؛ لأنّ عاصم بن كليب أيضًا روى عن أبيه، عن وائل بن حجر أنّه قال: «رَأَيْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَلِّي، فَأَخَذَ شِمَالَهُ بِيَمِينِهِ»[١٦]، ولكن حكي عن عليّ بن المديني أنّه قال في عاصم بن كليب: «لَا يُحْتَجُّ بِهِ إِذَا انْفَرَدَ»[١٧] وهذا تضعيفه، وروي عن الحسن بن عبيد اللّه أنّه قال: «قُلْتُ لِعَاصِمِ بْنِ كُلَيْبٍ: إِنَّكَ شَيْخٌ قَدْ ذَهَبَ عَقْلُكَ»[١٨]، وقيل إنّه كان مرجئًا[١٩]، وإن صحّت روايته فهي لا تسمن ولا تغني من جوع؛ لأنّها تنتهي إلى وائل بن حجر، وهو لم ير النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إلا أيّامًا قليلة في قدومه عليه، ولو كان هذا الفعل معروفًا من النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم في صلواته بالليل والنهار لاشتهر وتواتر عن أصحابه، مع أنّه لم يصحّ عن أحدهم ما صحّ عن وائل بن حجر، ولذلك أنكر إبراهيم النخعيّ حديثه، وقال: «أَتَرَى وَائِلَ بْنَ حُجْرٍ أَعْلَمَ مِنْ عَلِيٍّ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ؟! هُوَ أَعْرَابِيٌّ لَا يَعْرِفُ شَرَائِعَ الْإِسْلَامِ، وَلَمْ يُصَلِّ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَّا صَلَاةً وَاحِدَةً، فَلَعَلَّهُ كَانَ فَعَلَهُ مَرَّةً وَاحِدَةً»[٢٠]، وصدق إبراهيم النخعيّ، وكان من كبار التابعين وعقلائهم، والمحتمل أنّ رواية عاصم بن كليب هي مختصرة من رواية علقمة بن وائل، وتقدّم ما في رواية علقمة من التناقض، وهكذا سائر الروايات الواردة في ذلك؛ فإنّها أضعف سندًا أو دلالة ممّا ذكرناه.
هكذا ما روي عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ السُّرَّةِ مِنَ السُّنَّةِ»[٢١]، وما روي عن عقبة بن ظبيان عن عليّ عليه السلام أنّه قال في قول اللّه تعالى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾[٢٢]: «وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ»[٢٣]، فإنّهما لا تصحّان؛ لأنّ الرواية الأولى فيها زياد بن زيد، وهو لا يعرف، والرواية الثانية فيها عاصم الجَحدَريّ، وهو من القرّاء و«قِرَاءَتُهُ شَاذَّةٌ لَمْ تَثْبُتْ» كما قال الذهبيّ[٢٤]، ومن كانت قراءته هكذا فإنّ روايته أكثر شذوذًا وأقلّ ثبوتًا، ولذلك لم يعتبره الهيثمي ثقة إذ قال بعد حديث من طريقه: «فِيهِ عَاصِمٌ الْجَحْدَرِيُّ، وَهُوَ قَارِئٌ، قَالَ الذَّهَبِيُّ: قِرَاءَتُهُ شَاذَّةٌ، وَفِيهَا مَا يُنْكَرُ، وَبَقِيَّةُ رِجَالِهِ ثِقَاتٌ»[٢٥]، بالإضافة إلى أنّ روايته عن عقبة بن ظبيان غير ثابتة؛ كما قال ابن أبي حاتم: «رَوَى عَنْ عُقْبَةَ بْنِ ظَبْيَانَ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ: عَنْ أَبِيهِ عَنْ عُقْبَةَ»[٢٦]، ولا يعرف أبوه، بل جعل المَاتُرِيديّ هذه الرواية من قول عاصم، ولم يسندها إلى عليّ عليه السلام[٢٧]. ثمّ ما يزيد روايته هذه ضعفًا أنّها معارضة لما روي عن عليّ عليه السلام في قول اللّه عزّ وجلّ: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ أنّه قال: «النَّحْرُ رَفْعُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ نَحْوَ الْوَجْهِ»[٢٨]، وفي رواية أخرى أنّه قال: «لَمَّا نَزَلَتْ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: يَا جِبْرِيلُ، مَا هَذِهِ النَّحِيرَةُ الَّتِي أَمَرَنِي بِهَا رَبِّي؟ فَقَالَ: إِنَّهَا لَيْسَتْ بِنَحِيرَةٍ، وَلَكِنَّهَا رَفْعُ الْأَيْدِي فِي الصَّلَاةِ»[٢٩]، وبهذا قال الأئمّة من أولاد عليّ عليه السلام؛ كما قال البيهقي: «رُوِّينَا عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ قَالَ: رَفْعُ الْيَدَيْنِ»[٣٠]، وروي مثله عن جعفر بن محمّد[٣١]، ولا يبعد أن يكون هذا ما قد بلغ عاصم الجحدري من عليّ عليه السلام، فغلط فيه فحمل رفع اليدين في الصلاة على وضع اليمين على الشمال؛ كما غلط فيه القاضي حسين في التعليقة إذ قال: «لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ﴾ قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِجِبْرِيلَ: مَا هَذِهِ النَّحِيرَةُ الَّتِي أَمَرَنِي بِهَا رَبِّي؟ فَقَالَ جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ: لَيْسَتْ هَذِهِ مِنْ نَحَائِرِكُمْ، وَإِنَّمَا هِيَ وَضْعُ الْيَمِينِ عَلَى الشِّمَالِ فِي الصَّلَاةِ تَحْتَ النَّحْرِ»[٣٢]. ثمّ إنّها معارضة لما روي عن عليّ عليه السلام من طريق أولاده أنّه قال: «لَا يَجْمَعُ الْمُسْلِمُ يَدَيْهِ فِي صَلَاتِهِ وَهُوَ قَائِمٌ بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ يَتَشَبَّهُ بِأَهْلِ الْكُفْرِ»، وهذا الذي جاء في روايته ورواية أولاده من كراهية ذلك لأنّه تشبّه بأهل الكفر هو حجّة قاطعة؛ لأنّه لا خلاف بين المسلمين في كراهية التشبّة بأهل الكفر، ولا شكّ أنّ قبض اليدين تشبّه بأهل الكفر؛ لأنّه ظاهر فيما بقي من آثار آل فرعون؛ كما يمكنك مشاهدته على تماثيلهم في الصورة أدناه:
هذا ما أشار إليه السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى بصراحة فيما أخبرنا به بعض أصحابه، قال:
سَأَلْتُهُ عَنِ التَّكْفِيرِ فِي الصَّلَاةِ، فَقَالَ: إِنِّي وَاللَّهِ لَأَكْرَهُ أَنْ أَتَشَبَّهَ بِآلِ فِرْعَوْنَ، أَلَا تَنْظُرُونَ إِلَى تَمَاثِيلِهِمْ كَيْفَ يُكَفِّرُونَ؟! قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ سُنَّةٌ! قَالَ: سُنَّةٌ لِآلِ فِرْعَوْنَ! ثُمَّ قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُرْسِلُ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ، وَكَانَ لَا يَتَصَنَّعُ كَمَا تَتَصَنَّعُونَ.[٣٣]
والتصنّع تكلّف حسن السمت، وقد يتمثّل في الإهتمام بجعل الأعضاء على هيئة مخصوصة ليست عليها في الحالة العاديّة إظهارًا للخشوع أو غيره ممّا ينبغي وجوده في القلب، بغضّ النظر عمّا إذا كان موجودًا فيه بالفعل أم لا، وقد روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ خُشُوعِ النِّفَاقِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَمَا خُشُوعُ النِّفَاقِ؟ قَالَ: خُشُوعُ الْبَدَنِ وَنِفَاقُ الْقَلْبِ»[٣٤] وقال أبو الدرداء في تفسير ذلك: «أَنْ تَرَى الْجَسَدَ خَاشِعًا وَالْقَلْبُ لَيْسَ بِخَاشِعٍ»[٣٥]، وفي رواية أخرى عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «مَا زَادَ خُشُوعُ الْجَسَدِ عَلَى مَا فِي الْقَلْبِ فَهُوَ عِنْدَنَا نِفَاقٌ»[٣٦]، ولذلك قال الفضيل بن عياض: «كَانَ يُكْرَهُ أَنْ يُرَى عَلَى الرَّجُلِ مِنَ الْخُشُوعِ أَكْثَرُ مِمَّا فِي قَلْبِهِ»[٣٧]، وذكر عن عمر بن الخطاب أنّه رأى رجلًا طأطأ رقبته في الصلاة، فقال: «يَا صَاحِبَ الرَّقَبَةِ! ارْفَعْ رَقَبَتَكَ، لَيْسَ الْخُشُوعُ فِي الرِّقَابِ، إِنَّمَا الْخُشُوعُ فِي الْقُلُوبِ»[٣٨]، وقال ابن القيّم: «رَأَى بَعْضُهُمْ رَجُلًا خَاشِعَ الْمَنْكِبَيْنِ وَالْبَدَنِ، فَقَالَ: يَا فُلَانُ، الْخُشُوعُ هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى صَدْرِهِ، لَا هَاهُنَا، وَأَشَارَ إِلَى مَنْكِبَيْهِ»[٣٩]، وحكى أبو الحسن اللخمي عن بعضهم القول بكراهية قبض اليدين في الصلاة «خِيفَةَ أَنْ يَظْهَرَ بِجَوَارِحِهِ مِنَ الْخُشُوعِ مَا لَمْ يُضْمِرْهُ بِقَلْبِهِ»[٤٠]، وهذا هو الوجه.