يرجى التنبّه للنكات التالية:
١ . لقد جاءت روايات كثيرة في باب الملاحم والفتن تخبر عن أحداث قبل ظهور المهديّ تشبه بعض الأحداث الأخيرة في العراق والشام، ولذلك من الممكن أن تكون بعض هذه الأحداث تأويل هذه الروايات، ولكنّ القول بأنّ الحادث الفلانيّ هو تأويل الرواية الفلانيّة يحتاج إلى دليل مفيد للعلم، وهو غير موجود غالبًا، ولهذا فإنّ القول بذلك، الشائع بين العامّة والدّجّالين، هو في أغلب الأحيان اتّباع للظنّ والحدس، وهو عمل خاطئ وخطير للغاية؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾.
٢ . هناك غير واحد من الأماكن سمّيت بـ«الزوراء»، والمشهور منها ثلاثة:
الأوّل موضع بالمدينة؛ كما قال الفرزدق (ت١١٠هـ): «تَحِنُّ بِزَوْرَاءِ الْمَدِينَةِ نَاقَتِي ... حَنِينَ عَجُولٍ تَبْتَغِي الْبَوَّ رَائِمِ ... وَيَا لَيْتَ زَوْرَاءَ الْمَدِينَةِ أَصْبَحَتْ ... بِأَحْفَارِ فَلْجٍ أَوْ بِسَيْفِ الْكَوَاظِمِ»، وهي الزوراء التي وردت ذكرها في الروايات المعتبرة؛ كما روي بسند صحيح عن أنس بن مالك أنّه قال: «أُتِيَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِإِنَاءٍ وَهُوَ بِالزَّوْرَاءِ، فَوَضَعَ يَدَهُ فِي الْإِنَاءِ، فَجَعَلَ الْمَاءُ يَنْبُعُ مِنْ بَيْنِ أَصَابِعِهِ، فَتَوَضَّأَ الْقَوْمُ، وَهُمْ ثَلَاثُ مِائَةٍ»، ويقال أنّها كانت بالمدينة عند السوق والمسجد، قريبًا من أحجار الزيت، وفيها قبر إبراهيم بن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وتُعرف اليوم بالمناخة.
الثاني دار عثمان في المدينة بناها في أيّام خلافته، فأمر بالنداء الثالث عليها يوم الجمعة، وقال ابن كثير (ت٧٧٤هـ): «كَانَتْ أَرْفَعَ دَارٍ بِالْمَدِينَةِ»، ولعلّها كانت دارًا بناها في زوراء المدينة فسمّيت بها.
الثالث بغداد، وإنّما سمّيت بها في روايات ضعيفة وردت في ذمّ بني عباس، وقد جمع هذه الروايات الخطيب البغداديّ (ت٤٦٣هـ) في «تاريخ بغداد»، منها رواية عن عليّ عليه السلام أنّه قال: «سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: تَكُونُ مَدِينَةٌ بَيْنَ الْفُرَاتِ وَدِجْلَةَ يَكُونُ فِيهَا مُلْكُ بَنِي الْعَبَّاسِ، وَهِيَ الزَّوْرَاءُ، يَكُونُ فِيهَا حَرْبٌ مُقَطِّعَةٌ، يُسْبَى فِيهَا النِّسَاءُ وَيُذْبَحُ فِيهَا الرِّجَالُ كَمَا تُذْبَحُ الْغَنَمُ، فَقِيلَ لِعَلِيٍّ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، لِمَ سَمَّاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ الزَّوْرَاءَ؟ قَالَ: لِأَنَّ الْحَرْبَ تَدُورُ فِي جَوَانِبِهَا حَتَّى تَطْبِقَهَا»، وقال المسعوديّ (ت٣٤٦هـ): «يُسَمَّى الْجَانِبُ الْغَرْبِيُّ مِنْ بَغْدَادَ الزَّوْرَاءَ، لِازْوِرَارِ النَّاسِ فِي قِبْلَتِهِمْ، وَالْجَانِبُ الشَّرْقِيُّ الرَّوْحَاءَ إِلَى وَقْتِنَا هَذَا»، وقال الأزهريّ (ت٣٧٠هـ): «مَدِينَةُ الزَّوْرَاءِ بِبَغْدَادَ فِي الْجَانِبِ الشَّرْقِيِّ، سُمِّيَتْ زَوْرَاءَ لِازْوِرَارٍ فِي قِبْلَتِهَا»، وزعم ياقوت الحمويّ (ت٦٢٦هـ) أنّ قول المسعوديّ أصحّ ممّا ذهب إليه الأزهريّ بإجماع أهل السير، وذهب بعض المحقّقين إلى أنّ بغداد لم تسمّ بالزوراء لانحراف محرابها عن القبلة، بل السّبب الأصليّ هو أنّ يوم تأسيسها كان موافقًا لطالع القوس كما أنبأ به بعض التواريخ، وللزوراء جملة معان في العربيّة منها القوس والقدح، بل ربما سمّيت بذلك لأنّها بنيت مدوّرة كالقدح، كما يشاهد حتّى يومنا هذا استدارة أطلال سور المدينة وخندقها، وجاء في تاريخ أخبار الدّول وآثار الأول: «لَيْسَ فِي الدُّنْيَا مَدِينَةٌ مُدَوَّرَةٌ غَيْرُهَا»، وهذا أشبه ما قيل في وجه تسميتها، واللّه أعلم.
أمّا الرّيّ فلم تكن له شهرة كبيرة بهذا الإسم، والظاهر أنّ أوّل من سمّاها به كعب الأحبار، وهو معروف بحكاية الإسرائيليّات؛ فقد روى عنه ابن عقدة (ت٣٣٣هـ) بإسناده أنه قال في كلام طويل: «إِنَّ الْقَائِمَ مِنْ وُلْدِ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَهُ غَيْبَةٌ كَغَيْبَةِ يُوسُفَ، وَرَجْعَةٌ كَرَجْعَةِ عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ، ثُمَّ يَظْهَرُ بَعْدَ غَيْبَتِهِ مَعَ طُلُوعِ النَّجْمِ الْأَحْمَرِ، وَخَرَابِ الزَّوْرَاءِ وَهِيَ الرَّيُّ». نعم، قد روى الكلينيّ (ت٣٢٩هـ) بإسناده عن معاوية بن وهب أنّه قال: «تَمَثَّلَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ بِبَيْتِ شِعْرٍ لِابْنِ أَبِي عَقِبٍ: وَيُنْحَرُ بِالزَّوْرَاءِ مِنْهُمْ لَدَى الضُّحَى ... ثَمَانُونَ أَلْفًا مِثْلُ مَا تُنْحَرُ الْبُدْنُ، ثُمَّ قَالَ لِي: تَعْرِفُ الزَّوْرَاءَ؟ قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، يَقُولُونَ إِنَّهَا بَغْدَادُ، قَالَ: لَا، ثُمَّ قَالَ: دَخَلْتَ الرَّيَّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: أَتَيْتَ سُوقَ الدَّوَابِّ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، قَالَ: رَأَيْتَ الْجَبَلَ الْأَسْوَدَ عَنْ يَمِينِ الطَّرِيقِ؟ تِلْكَ الزَّوْرَاءُ، يُقْتَلُ فِيهَا ثَمَانُونَ أَلْفًا، مِنْهُمْ ثَمَانُونَ رَجُلًا مِنْ وُلْدِ فُلَانٍ كُلُّهُمْ يَصْلُحُ لِلْخِلَافَةِ، قُلْتُ: وَمَنْ يَقْتُلُهُمْ جُعِلْتُ فِدَاكَ؟ قَالَ: يَقْتُلُهُمْ أَوْلَادُ الْعَجَمِ»، ولكن إسنادها ضعيف، وفيها ما يخالف المعلوم من مذهب أهل البيت، وهو القول بأنّ في القوم رجالًا يصلحون للخلافة، ولكنّ الظاهر من قول أبي عبيد البكريّ (ت٤٨٧هـ) أنّها مرويّة من وجه آخر، وليس فيها ذكر للخلافة، فإنّه قال: «رَوَى أَبُو عُمَرَ الزَّاهِدُ، عَنِ الْعَطَّافِيِّ، عَنْ رِجَالِهِ، قَالَ: تَذَاكَرُوا عِنْدَ الصَّادِقِ الزَّوْرَاءَ، فَقَالُوا: الزَّوْرَاءُ بَغْدَادُ، فَقَالَ الصَّادِقُ: لَيْسَ الزَّوْرَاءُ بَغْدَادَ، وَلَكِنَّ الزَّوْرَاءَ الرَّيُّ»، ويؤيّدها ما ذُكر عن أبي يزيد بن أبي عتاب أنّه قال في قصّة خروج الحسن بن زيد العلويّ الحسنيّ على الطاهريّة في سنة تسع وأربعين ومائتين: «رَأَيْتُ فِيمَا يَرَى النَّائِمُ سَنَةَ ثَمَانٍ وَأَرْبَعِينَ وَمِائَتَيْنِ وَأَنَا بِمَدِينَةِ الرَّيِّ، كَأَنَّ قَائِلًا يَقُولُ:
هَذَا ابْنُ زَيْدٍ أَتَاكُمْ ثَائِرًا حَرْدًا ... يُقِيمُ بِالسَّيْفِ دُنْيَا وَاهِيَ الْعَمَدِ
يَثُورُ بِالشَّرْقِ فِي شَعْبَانَ مُنْتَضِيًا ... سَيْفَ النَّبِيِّ صَفِيِّ الْوَاحِدِ الصَّمَدِ
فَيَفْتَحُ السَّهْلَ وَالْأَجْبَالَ مُقْتَحِمًا ... مِنَ الْكِلَارِ إِلَى جُرْجَانَ فَالْجَلَدِ
وَآمُلًا ثُمَّ شَالُوسًا وَغَيْرَهُمَا ... إِلَى الْجَزَائِرِ مِنْ رُويَانَ فَالْبَلَدِ
وَيَصْرِفُ الْخَيْلَ عَنْهَا بَعْدَ ثَالِثَةٍ ... مِنَ السِّنِينَ إِلَى الزَّوْرَاءِ بِالْعَمَدِ
فَيَهْدِمُ السُّورَ مِنْهَا ثُمَّ يَنْهَبُهَا ... وَيَقْصُدُ الثَّغْرَ مِنْ قَزْوِينَ بِالْحَرَدِ»
فالمراد بالزوراء في شعره الرّيّ، وهذا يدلّ على إطلاق هذا الإسم عليها في القرن الثالث، ولذلك يمكن القول أنّ الرّيّ هي رابع الأمكنة التي سمّيت بالزوراء في القرون الأولى.
٣ . لقد جاءت روايات في خراب الزوراء في آخر الزمان، ولكنّها ضعيفة عند أهل الحديث، ولعلّ أقواها ما روي عن أبي عثمان النهديّ في شأن بغداد، قال: «كُنَّا مَعَ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، فَلَمَّا أَتَيْنَا قُطْرُبُّلَ أَسْرَعَ السَّيْرَ، فَقُلْتُ لَهُ: رَأَيْنَاكَ أَسْرَعْتَ السَّيْرَ، فَقَالَ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: تُبْنَى مَدِينَةٌ بَيْنَ دِجْلَةَ وَدُجَيْلٍ وَقُطْرُبُّلَ وَالصُّرَاةِ، يَجْتَمِعُ إِلَيْهَا جَبَابِرَةُ الْأَرْضِ وَكُنُوزُهَا، لَهِيَ أَسْرَعُ فِي الْأَرْضِ مِنَ الْوَتَدِ فِي الْأَرْضِ الْخَوَارِ»، وفي رواية أخرى: «يُخْسَفُ بِأَهْلِهَا، فَلَهِيَ أَسْرَعُ هَوِيًّا فِي الْأَرْضِ مِنْ وَتَدِ الْحَدِيدِ فِي الْأَرْضِ الرَّخْوَةِ»، وهذا حديث يُعرف برواية عمّار بن سيف الضبّيّ عن سفيان الثوريّ؛ كما قال ابن عديّ (ت٣٦٥هـ): «هَذَا حَدِيثٌ مُنْكَرٌ لَا يُرْوَى إِلَّا عَنْ عَمَّارِ بْنِ سَيْفٍ»، وحكي عن يحيى بن آدم (ت٢٠٣هـ) أنّه قال: «إِنَّمَا أَصَابَ عَمَّارُ بْنُ سَيْفٍ هَذَا الْحَدِيثَ عَلَى ظَهْرِ كِتَابٍ فَرَوَاهُ»، وعمّار هذا ضعيف عند أكثر أهل الحديث، ولكنّ الظاهر أنّه لم ينفرد بها، فقد رواها عبد العزيز بن أبان وصالح بن بيان وعبيد اللّه بن سفيان وإسماعيل بن يحيى وإسماعيل بن نجيح وهمّام بن مسلم جميعًا عن سفيان، وتحكّم أحمد (ت٢٤١هـ) فقال: «كُلُّ مَنْ حَدَّثَ بِهِ عَنْ سُفْيَانَ فَهُوَ كَذَّابٌ»، فقيل له: رواها المحاربيّ أيضًا، وهو ثقة! فقال: «كَانَ الْمُحَارِبِيُّ جَلِيسًا لِسَيْفِ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ أُخْتِ سُفْيَانَ، وَكَانَ سَيْفٌ كَذَّابًا، وَأَظُنُّ الْمُحَارِبِيَّ سَمِعَهُ مِنْهُ»، فقيل له: رواها لُوَين عن محمّد بن جابر أيضًا! فقال: «كَانَ مُحَمَّدُ بْنُ جَابِرٍ رُبَّمَا يُلْحِقُ فِي كِتَابِهِ الْحَدِيثَ»، وهذا شبه المكابرة، والإنصاف أنّ الحديث حسن كالصّحيح، وذلك لكثرة من رواه عن سفيان، وقال أحمد بن محمّد اليماميّ: «قُلْتُ لِعَبْدِ الرَّزَّاقِ: أَحَدَّثَكَ سُفْيَانُ الثَّوْرِيُّ هَذَا الْحَدِيثَ؟ قَالَ: نَعَمْ، عَنْ عَاصِمٍ الْأَحْوَلِ عَنْ أَبِي عُثْمَانَ النَّهْدِيِّ، عَنْ جَرِيرٍ»، ولأنّ له طريقًا آخر عند الخطيب البغداديّ، قال: «أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ إِبْرَاهِيمَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ عَلِيِّ بْنِ مَخْلَدٍ الْجَوْهَرِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُوسَى الشَّطَوِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الرَّبِيعِ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو شِهَابٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي عُثْمَانَ، عَنْ جَرِيرٍ يَرْفَعُهُ»، وهذا إسناد قويّ؛ لأنّ محمّد بن أحمد الجوهريّ حسن الحديث، وسائر رجاله ثقات، ويؤيّده ما روى أبو جعفر الطوسيّ (ت٤٦٠هـ) بإسناده عن حميد بن قيس، قال: «سَمِعْتُ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبِي يَقُولُ: سَمِعْتُ أَبَا جَعْفَرٍ مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ عَلَيْهِمُ السَّلَامُ يَقُولُ: إِنَّ أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا رَجَعَ مِنْ وَقَعَةِ الْخَوَارِجِ اجْتَازَ بِالزَّوْرَاءِ، فَقَالَ لِلنَّاسِ: إِنَّهَا الزَّوْرَاءُ، فَسِيرُوا وَجَنِّبُوا عَنْهَا، فَإِنَّ الْخَسْفَ أَسْرَعُ إِلَيْهَا مِنَ الْوَتَدِ فِي النُّخَالَةِ».
٤ . قال ابن الفقيه (ت٣٦٥هـ) في «البلدان»: «قَدْ كَرِهَ قَوْمٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ السُّكْنَى بِبَغْدَادَ وَالْمُقَامَ بِهَا»، وممّا يدلّ على ذلك ما روي عن سفيان بن عيينة (ت١٩٨هـ)، قال: «رَآنِي قَيْسُ بْنُ الرَّبِيعِ عَلَى قَنْطَرَةِ الصُّرَاةِ، فَقَالَ: النَّجَاءَ، النَّجَاءَ، فَإِنَّا كُنَّا نَتَحَدَّثُ أَنَّ هَذَا الْمَكَانَ الَّذِي يُخْسَفُ بِهِ»، قال سفيان: «وَرَآنِي أَبُو بَكْرٍ الْهُذَلِيُّ بِبَغْدَادَ، فَقَالَ: بِأَيِّ ذَنْبٍ دَخَلْتَ بَغْدَادَ؟!»، وذلك لأنّ بغداد كانت في ذلك الزمان عاصمة الجبابرة من بني عبّاس، وأمّا اليوم فليست كما كانت في ذلك الزمان؛ لأنّها لم تعد تختلف عن سائر بلاد المسلمين، وقد سلّمت مقامها السابق إلى الزوراء الآخرة، وهي طهران؛ لأنّ طهران اليوم مثل بغداد في عهد بني عبّاس، بل أسوأ حالًا لاستيلاء شرّ المنافقين والجبّارين عليها، وتليها في هذه الصفة الرياض، وهما تتنافسان على هدم الإسلام وإضلال المسلمين، إحداهما باسم الشيعة والأخرى باسم السنّة، ولذلك ينبغي لأهل المعرفة والتقوى أن لا يسكنوا فيهما، ولا في كلّ بلد آخر يحكمه طاغية تحت ستار الإسلام، إلا لأجل الدعوة إلى الخير والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر إذا كانوا متمكّنين من ذلك؛ لأنّ ذلك فريضة مهمّة لا يجوز تعطيلها مع الإمكان، ولأنّه إذا اجتمع أهل المعرفة والتقوى على الخروج من هذه البلاد الظالم أهلها، قد يأتيها العذاب المذكور في الروايات أو ما هو أشدّ من ذلك؛ لأنّ اللّه تعالى يدفع البلاء عن مثل هذه البلاد بمن فيها من أهل المعرفة والتقوى ما داموا يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر. لذلك ينبغي أن يكون في كلّ بلد من بلاد المسلمين عدد من أهل المعرفة والتقوى يدعون فيه إلى الدّين الخالص والتوحيد الكامل والتمهيد لظهور المهديّ عليه السلام سرًّا وجهرًا، وهذا ما يستفاد من أقوال السيّد المنصور حفظه اللّه تعالى لأنصاره العارفين المتّقين؛ كما أخبرنا بعضهم، قال:
قَالَ لِيَ الْمَنْصُورُ: كَمْ أَنْتُمْ بِهَذِهِ الْقَرْيَةِ؟ قُلْتُ: سَبْعَةٌ جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: مَا عَذَّبَ اللَّهُ قَرْيَةً فِيهَا سَبْعَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ.
وأخبرنا بعضهم، قال:
دَخَلَ عَلَيْنَا الْمَنْصُورُ فِي بَلْدَتِنَا، فَقَالَ: كَمْ أَنْتُمْ بِهَذِهِ الْبَلْدَةِ؟ قُلْتُ: أَرْبَعُونَ، قَالَ: أَنْتُمْ نُورُ اللَّهِ فِي ظُلُمَاتِ الْأَرْضِ.
وفّقنا اللّه لنصرة هذا العبد الصالح في هذا العمل الصالح، وهو التمهيد لظهور المهديّ عليه السلام، حتّى نجعل راية المهديّ عليه السلام منصوبة مرفوعة في كلّ بلد من بلاد العالم، ﴿وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ﴾.
الموقع الإعلامي لمكتب المنصور الهاشمي الخراساني
قسم الإجابة على الأسئلة