ما هي شروط إمام الجماعة وما هو معيار التقدّم للإمامة -إمام الجماعة- لو توفرت الشروط في أكثر من واحد؟ جزاكم اللّه خيرًا.
يشترط في إمام الجماعة العدالة وهي حسن الإعتقاد والعمل؛ لأنّ من ساء اعتقاده أو عمله فهو ظالم والإئتمام به ركون إليه والركون إليه حرام؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَرْكَنُوا إِلَى الَّذِينَ ظَلَمُوا فَتَمَسَّكُمُ النَّارُ وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ أَوْلِيَاءَ ثُمَّ لَا تُنْصَرُونَ﴾[١] وأمّا طهارة المولد وسلامة البدن من الجذام والبرص والعمي فليستا بشرط فيه؛ لأنّ ولد الزنا لا يعتبر ظالمًا؛ لقول اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى﴾[٢] وكذلك المصاب في بدنه وإنّما تكره إمامتهما لغلبة الفسق على أولاد الزنا بسبب فقد الأسرة والحرمان من رعاية الآباء ولغلبة التنجّس على العُمي بسبب العجز عن رؤية النجاسات ولكراهة كثير من الناس لإمامة من يستقبحون وجهه؛ كما يفهم من المرويّ عن أهل البيت، قالوا: «لَا يُصَلِّي بِالنَّاسِ مَنْ فِي وَجْهِهِ آثَارٌ»[٣] مع ما روي عن عبد الرحمن بن يزيد أنّه قال: «سَمِعْتُ الْقَاسِمَ بْنَ مُخَيْمِرَةَ يَذْكُرُ أَنَّ سَلْمَانَ قَدَّمَهُ قَوْمٌ يُصَلِّي بِهِمْ فَأَبَى فَدَفَعُوهُ، فَلَمَّا صَلَّى بِهِمْ قَالَ: أَكُلُّكُمْ رَاضٍ؟ قَالُوا: نَعَمْ، قَالَ: الْحَمْدُ لِلَّهِ، إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: ثَلَاثَةٌ لَا تُقْبَلُ صَلَاتُهُمُ: الْمَرْأَةُ تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهَا بِغَيْرِ إِذْنِهِ وَالْعَبْدُ الْآبِقُ وَالرَّجُلُ يَؤُمُّ النَّاسَ وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ»[٤] وروي عن موسى بن طلحة: «أَنَّ طَلْحَةَ صَلَّى بِقَوْمٍ فَلَمَّا انْصَرَفَ، قَالَ: نَسِيتُ أَنْ أَسْتَأْمِرَكُمْ قَبْلَ أَنْ أَتَقَدَّمَكُمْ أَفَرَضِيتُمْ بِصَلَاتِي؟ قَالُوا: نَعَمْ وَمَنْ يَكْرَهُ ذَلِكَ يَا حَوَارِيَّ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؟ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: أَيُّمَا رَجُلٍ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ لَمْ تَجُزْ صَلَاتُهُ أُذُنَهُ»[٥] وروي عن أبي عبد الرحمن الصنعاني: «أَنَّ جُنَادَةَ الْأَزْدِيَّ أَمَّ قَوْمًا، فَلَمَّا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ الْتَفَتَ عَنْ يَمِينِهِ، فَقَالَ: أَتَرْضَوْنَ؟ قَالُوا: نَعَمْ، ثُمَّ فَعَلَ مِثْلَ ذَلِكَ عَنْ يَسَارِهِ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، يَقُولُ: مَنْ أَمَّ قَوْمًا وَهُمْ لَهُ كَارِهُونَ فَإِنَّ صَلَاتَهُ لَا تُجَاوِزُ تَرْقُوَتَهُ»[٦] وروي ذلك عن أهل البيت وابن عبّاس وأبي أمامة وأنس بن مالك وعبد اللّه بن عمرو وأبي هريرة وأبي سعيد وعمرو بن الحارث وثوبان مولى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وبهذا يتحصّل التواتر.
أمّا إذا كانت العدالة في أكثر من واحد فيقدّم الأعدل لقوّة الأهليّة فيه ولأنّه الأتقى وقد قال اللّه تعالى: ﴿إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ﴾[٧]، فإن لم يُعرف الأعدل فيقدّم الأقرأ؛ لأنّ الإمام يتميّز بالقرائة وقد قال اللّه تعالى: ﴿فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾[٨] وروي عن أنس بن مالك أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَؤُهُمْ لِلْقُرْآنِ»[٩] وروي عن عمرو بن سلمة: «انْطَلَقَ أَبِي وَافِدًا إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ فِي نَفَرٍ مِنْ قَوْمِهِ، فَعَلَّمَهُمُ الصَّلَاةَ وَقَالَ: لِيَؤُمَّكُمْ أَقْرَؤُكُمْ، فَكُنْتُ أَقْرَأَهُمْ لِمَا كُنْتُ أَحْفَظُ، فَقَدَّمُونِي وَكُنْتُ أَؤُمُّهُمْ وَأَنَا ابْنُ سَبْعِ سِنِينَ أَوْ ثَمَانِي سِنِينَ»[١٠] وروي عن ابن عمر: «أَقْبَلَ سَالِمٌ مَوْلَى أَبِي حُذَيْفَةَ يَؤُمُّ الْمُهَاجِرِينَ مِنْ مَكَّةَ حَتَّى قَدِمَ الْمَدِينَةَ لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمْ»[١١] وروي عن عروة بن الزبير: «أَنَّ ذَكْوَانَ غُلَامَ عَائِشَةَ كَانَ يَؤُمُّ قُرَيْشًا وَخَلْفَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ، لِأَنَّهُ كَانَ أَقْرَأَهُمْ لِلْقُرْآنِ»[١٢]، فإن لم يُعرف الأقرأ فيقدّم الأعلم؛ لقول اللّه تعالى: ﴿قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾[١٣] وقوله تعالى: ﴿يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ﴾[١٤]، فإن لم يُعرف الأعلم فالأقدم هجرة؛ لقول اللّه تعالى: ﴿الَّذِينَ آمَنُوا وَهَاجَرُوا وَجَاهَدُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ أَعْظَمُ دَرَجَةً عِنْدَ اللَّهِ ۚ وَأُولَئِكَ هُمُ الْفَائِزُونَ﴾[١٥] فإن لم يُعرف الأقدم هجرة فالأكبر سنًّا؛ لأنّ الحسن أمّ الحسين عليهما السلام وهما متساويان في كلّ شيء غير السنّ ويؤيّد هذا الترتيب ما روي عن أبي مسعود الأنصاري أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم قال: «يَؤُمُّ الْقَوْمَ أَقْرَأُهُمْ لِكِتَابِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَإِنْ كَانُوا فِي الْقِرَاءَةِ سَوَاءً فَأَعْلَمُهُمْ بِالسُّنَّةِ، فَإِنْ كَانُوا فِي السُّنَّةِ سَوَاءً فَأَقْدَمُهُمْ هِجْرَةً، فَإِنْ كَانُوا فِي الْهِجْرَةِ سَوَاءً فَأَكْبَرُهُمْ سِنًّا»[١٦].