الرجاء بيان كيفيّة الصلاة من أوّلها إلى آخرها استنادًا إلى القرآن والسنّة الصحيحة.
الصلاة في كتاب اللّه وسنّة نبيّه عبارة عن الأعمال التالية:
١ . النيّة
وهي قصد الصلاة امتثالًا لأمر اللّه خالصة؛ كما أمر اللّه بذلك، فقال: ﴿فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ﴾[١]، وذمّ المرائين فيها[٢]، وروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «الْأَعْمَالُ بِالنِّيَّةِ، وَلِكُلِّ امْرِئٍ مَا نَوَى»[٣].
٢ . استقبال القبلة
كما أمر اللّه بذلك، فقال: ﴿وَمِنْ حَيْثُ خَرَجْتَ فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ ۚ وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّوا وُجُوهَكُمْ شَطْرَهُ﴾[٤]، وروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَأَسْبِغِ الْوُضُوءَ، ثُمَّ اسْتَقْبِلِ الْقِبْلَةَ»[٥].
٣ . التكبير
كما أمر اللّه بذلك، فقال: ﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ﴾[٦]، وقال: ﴿وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا﴾[٧]، وروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ»[٨]، وروي أنّه «كَانَ إِذَا كَبَّرَ لِلصَّلَاةِ يَرْفَعُ يَدَيْهِ حَذْوَ مَنْكِبَيْهِ»[٩].
٤ . القراءة
كما أمر اللّه بذلك، فقال: ﴿عَلِمَ أَنْ لَنْ تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ ۖ فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ﴾[١٠]، ورضيها في حالة القيام، فقال: ﴿مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ أُمَّةٌ قَائِمَةٌ يَتْلُونَ آيَاتِ اللَّهِ﴾[١١]، وروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ»[١٢]، والسنّة فيها قراءة فاتحة الكتاب؛ كما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه كان يداوم عليها، ويقول: «لَا صَلَاةَ لِمَنْ لَا يَقْرَأُ فِيهَا بِفَاتِحَةِ الْكِتَابِ»[١٣]، وروي أنّها هي المراد في قول اللّه تعالى: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَاكَ سَبْعًا مِنَ الْمَثَانِي وَالْقُرْآنَ الْعَظِيمَ﴾[١٤]؛ لأنّها سبع آيات[١٥]، وكان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يقرأ بعدها بسورة أخرى كاملة[١٦]، إلّا إذا أخذه سعلة، أو طرأ عليه حاجة، فيركع قبل إكمال السورة[١٧]، ولم يكن يقرأ بسورة أخرى في الركعتين الثالثة والرابعة[١٨]، ويجب قبل القراءة الأولى الإستعاذة باللّه من الشيطان الرجيم؛ كما أمر اللّه بذلك، فقال: ﴿فَإِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾[١٩]، وروي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان إذا افتتح الصلاة يقول: «أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ، مِنْ هَمْزِهِ وَنَفْخِهِ وَنَفْثِهِ»[٢٠]، وهذه فريضة تركها أكثر الناس؛ لأنّ أكثر فقهائهم لم يعتبروها فريضة، وزعم الطبريّ (ت٣١٠هـ) أنّهم لم يختلفوا في ذلك[٢١]، وهذا وهم؛ لأنّ ابن جريج حكى عن عطاء بن أبي رباح (ت١١٤هـ) أنّه قال: «الْإِسْتِعَاذَةُ وَاجِبَةٌ لِكُلِّ قِرَاءَةٍ، فِي الصَّلَاةِ أَوْ غَيْرِهَا، مِنْ أَجْلِ قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿إِذَا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ﴾»[٢٢]، وبه قال أهل الظاهر[٢٣]، ويحرم الإفراط في الجهر والإخفات بالقراءة في الصلاة؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿وَلَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ وَلَا تُخَافِتْ بِهَا وَابْتَغِ بَيْنَ ذَلِكَ سَبِيلًا﴾[٢٤]، وكان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يجهر بالقراءة في صلاة الفجر وفي الركعتين الأوليين من المغرب والعشاء، ويخافت بها في الظهر والعصر والثالثة من المغرب والأخريين من العشاء، بغير إفراط، وقد بيّن المنصور حفظه اللّه تعالى معنى الإفراط، فقال: «لَا تَجْهَرْ بِصَلَاتِكَ كُلَّ الْجَهْرِ فَتُؤْذِي بِذَلِكَ قَرِينَكَ، وَلَا تُخَافِتْ بِهَا كُلَّ الْإِخْفَاتِ فَلَا تُسْمِعُ نَفْسَكَ».
٥ . الركوع
كما أمر اللّه بذلك، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا﴾[٢٥]، وروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ فَكَبِّرْ، ثُمَّ اقْرَأْ مَا تَيَسَّرَ مَعَكَ مِنَ الْقُرْآنِ، ثُمَّ ارْكَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ رَاكِعًا»[٢٦]، وقال: «فَإِذَا رَكَعْتَ، فَاجْعَلْ رَاحَتَيْكَ عَلَى رُكْبَتَيْكَ، وَامْدُدْ ظَهْرَكَ»[٢٧]، وقال: «ثُمَّ فَرِّجْ بَيْنَ أَصَابِعِكَ»[٢٨]، والسنّة فيه تسبيح اللّه باسمه العظيم؛ كما أمر اللّه بذلك، فقال: ﴿فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ﴾[٢٩]، وروي أنّه لمّا نزل قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «اجْعَلُوهَا فِي رُكُوعِكُمْ»[٣٠]، فيقال: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ»، والأحسن أن يقال: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ وَبِحَمْدِهِ»؛ لأنّ اللّه أمر بالتسبيح بحمده، فقال: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾[٣١]، ويجب التسبيح ثلاثًا على الأقلّ؛ لأنّ اللّه أمر بالإكثار من ذكره، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾[٣٢]، وأقلّ الإكثار ثلاث، ولذلك قال المنصور حفظه اللّه تعالى: «لَا يُجْزِي الْمُصَلِّي فِي رُكُوعِهِ وَلَا سُجُودِهِ أَقَلُّ مِنْ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ، وَذَلِكَ لِقَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيرًا﴾، وَقَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا﴾[٣٣]، فَمَنْ سَبَّحَ فِي رُكُوعِهِ أَوْ سُجُودِهِ أَقَلَّ مِنْ ثَلَاثِ تَسْبِيحَاتٍ فَلَا صَلَاةَ لَهُ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ خَائِفًا، أَوْ مَرِيضًا، أَوْ عَلَى سَفَرٍ»، وتصديق ذلك ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِذَا رَكَعَ أَحَدُكُمْ، فَقَالَ: ”سُبْحَانَ رَبِّيَ الْعَظِيمِ“ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ رُكُوعُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ»[٣٤]، والسنّة القيام من الركوع قيامًا كاملًا بعد الفراغ من التسبيحات؛ كما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَعْتَدِلَ قَائِمًا»[٣٥]، وقال: «فَإِذَا رَفَعْتَ، فَأَقِمْ صُلْبَكَ، وَارْفَعْ رَأْسَكَ، حَتَّى تَرْجِعَ الْعِظَامُ إِلَى مَفَاصِلِهَا»[٣٦]، وروي أنّه كان إذا رفع رأسه من الركوع يقول: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ»، وربما يقول: «سَمِعَ اللَّهُ لِمَنْ حَمِدَهُ، رَبَّنَا وَلَكَ الْحَمْدُ»، ثمّ يرفع يديه حذو منكبيه مكبّرًا[٣٧]، ويستحبّ القنوت في الركعة الثانية قبل الركوع، وقيل بعد الركوع، وقيل قبله وبعده سواء؛ كما روي عن أنس بن مالك أنّه قال: «كُلًّا كُنَّا نَفْعَلُ، بَعْدُ وَقَبْلُ»[٣٨]، وروي عن أبي جعفر أنّه قال: «الْقُنُوتُ قَبْلَ الرُّكُوعِ، وَإِنْ شِئْتَ فَبَعْدَهُ»[٣٩]، ويتأكّد ذلك في الفجر والمغرب، لا سيّما لمن كان له حاجة شرعيّة مهمّة؛ كما روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لمّا قتل سبعون رجلًا من أصحابه في بئر معونة، قنت في صلاة الفجر، فقال: «اللَّهُمَّ أَنْجِ الْوَلِيدَ بْنَ الْوَلِيدِ، وَسَلَمَةَ بْنَ هِشَامٍ، وَعَيَّاشَ بْنَ أَبِي رَبِيعَةَ، وَالْمُسْتَضْعَفِينَ بِمَكَّةَ، اللَّهُمُّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِينَ كَسِنِي يُوسُفَ، اللَّهُمَّ الْعَنْ لِحْيَانَ وَرِعْلًا وَذَكْوَانَ وَعُصَيَّةَ، عَصَتِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ»[٤٠].
٦ . السجود
كما أمر اللّه بذلك بعد الركوع، فقال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ارْكَعُوا وَاسْجُدُوا﴾[٤١]، والسنّة فيه سجدتان بينهما جلسة؛ كما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا، ثُمَّ ارْفَعْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ جَالِسًا، ثُمَّ اسْجُدْ حَتَّى تَطْمَئِنَّ سَاجِدًا»[٤٢]، وكان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يسجد على الأرض أو ما نبت منها[٤٣]، وإذا خرّ للسجود يضع يديه على الأرض قبل ركبتيه[٤٤]، ويسجد على سبعة أعظم: الجبهة، والكفّين، والركبتين، وإبهامي الرّجلين[٤٥]، وربما يمكّن أنفه من الأرض[٤٦]، وكان لا يفترش ذراعيه، بل يرفعهما عن الأرض، ويباعدهما عن جنبيه، حتّى يبدو بياض إبطيه من خلفه[٤٧]، والسنّة في السجود تسبيح اللّه باسمه الأعلى؛ كما أمر اللّه بذلك، فقال: ﴿سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى﴾[٤٨]، وروي أنّه لمّا نزل قال النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «اجْعَلُوهَا فِي سُجُودِكُمْ»[٤٩]، فيقال: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى»، والأحسن أن يقال: «سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى وَبِحَمْدِهِ»؛ لأنّ اللّه أمر بالتسبيح بحمده، فقال: ﴿فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ﴾[٥٠]، ولا بدّ من التسبيح بحمده في الصلاة لوجوبه، فمن تركه في الصلاة كلّها فلا صلاة له؛ كما قال المنصور حفظه اللّه تعالى: «كُلُّ صَلَاةٍ لَا يُسَبَّحُ اللَّهُ فِيهَا بِاسْمِهِ الْعَظِيمِ فَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ، وَكُلُّ صَلَاةٍ لَا يُسَبَّحُ اللَّهُ فِيهَا بِاسْمِهِ الْأَعْلَى فَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ، وَكُلُّ صَلَاةٍ لَا يُسَبَّحُ اللَّهُ فِيهَا بِحَمْدِهِ فَلَيْسَتْ بِصَلَاةٍ»، ويجب التسبيح ثلاثًا على الأقلّ، كما بيّنّاه في الركوع، وتصديق ذلك ما روي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِذَا سَجَدَ أَحَدُكُمْ، فَقَالَ: ”سُبْحَانَ رَبِّيَ الْأَعْلَى“ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ، فَقَدْ تَمَّ سُجُودُهُ، وَذَلِكَ أَدْنَاهُ»[٥١]، وكان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم إذا رفع رأسه من السجدة الأولى يفرش رجله اليسرى فيقعد عليها ويكبّر[٥٢]، ثمّ يدعو ويستغفر[٥٣]، فإذا فرغ من السجدة الثانية يجلس حتّى يرجع كلّ عظم إلى موضعه[٥٤]، ثمّ ينهض معتمدًا على يديه إذا أراد النهوض[٥٥].
٧ . التشهّد
من السنّة التشهّد في الركعة الثانية والأخيرة من كلّ صلاة، حتّى روي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان يعلّمه النّاس كما يعلّمهم السورة من القرآن[٥٦]، وأقلّه الشهادتان، والأفضل أن يقال: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ وَالصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ»، هكذا يقول المنصور حفظه اللّه تعالى في التشهّد الأوّل، ويزيد في آخره أحيانًا: «كَمَا صَلَّيْتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ وَآلِ إِبْرَاهِيمَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ»، وإن كان التشهّد الآخر فيقول: «التَّحِيَّاتُ الْمُبَارَكَاتُ وَالصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ، أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، وَأَعِذْنِي مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ، وَأَعِذْنِي مِنْ فِتْنَةِ الْمَحْيَا وَالْمَمَاتِ، وَأَعِذْنِي مِنْ عَذَابِ الْقَبْرِ وَعَذَابِ النَّارِ»، وروي أنّ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم كان إذا دعا في التشهّد يشير بإصبعه التي تلي الإبهام من كفّه اليمنى[٥٧]، ولا يجوز أن يقال في التشهّد الأوّل: «السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ»، خلافًا لرأي الجمهور؛ لأنّه تسليم يقطع الصلاة، والأحوط أن لا يقال فيه أيضًا: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ»؛ لأنّه نحو خطاب لغير اللّه، والخطاب لغير اللّه كلام يقطع الصلاة، فمن أراد التسليم على النبيّ في التشهّد الأوّل فليقل: «السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ»، وروي أنّ مخاطبة النبيّ في حكم مخاطبة اللّه؛ كما روي عن جعفر بن محمّد الصّادق أنّه قال: «كُلُّ مَا ذَكَرْتَ اللَّهَ بِهِ وَالنَّبِيَّ فَهُوَ مِنَ الصَّلَاةِ، وَإِنْ قُلْتَ: ”السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ“ فَقَدِ انْصَرَفْتَ»[٥٨]، وسأله رجل عن الركعتين الأوليين، إذا جلست فيهما للتشهّد فقلت: «السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ» انصراف هو؟ فقال: «لَا، وَلَكِنْ إِذَا قُلْتَ: ”السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ“ فَهُوَ انْصِرَافٌ»[٥٩].
٨ . التسليم
يجب الصلاة والسلام على النبيّ قبل الإنصراف من الصلاة؛ لأنّ اللّه قد أمر بذلك، فقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ ۚ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا﴾[٦٠]، وأقلّه أن يقال: «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، السَّلَامُ عَلَيْكَ أَيُّهَا النَّبِيُّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ»، أو «اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَآلِ مُحَمَّدٍ، السَّلَامُ عَلَى النَّبِيِّ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ»، وقد ذكرنا الصلاة على النبيّ في التشهّد لاستحبابها عند ذكره؛ فقد روي أنّه قال: «إِنَّ الْبَخِيلَ مَنْ ذُكِرْتُ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيَّ»[٦١]، والصلاة الواجبة عليه مرّة واحدة قبل التسليم، ويستحبّ بعده أن يقال: «السَّلَامُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللَّهِ الصَّالِحِينَ»، وهذا خير انصراف من الصلاة، وإن كان المصلّي يصلّي في جماعة فيستحبّ له أيضًا أن يسلّم على من صلّى معه عن يمينه وعن شماله، فيقول مقبلًا عليهم بوجهه: «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ»، أو «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ»، أو «السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ وَبَرَكَاتُهُ»، ويكره رفع اليدين عند ذلك؛ كما روي عن جابر بن سمرة، قال: «كُنَّا نُصَلِّي مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَإِذَا سَلَّمَ أَحَدُنَا رَمَى بِيَدِهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ هَكَذَا: السَّلَامُ عَلَيْكُمُ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: مَا بَالُكُمْ تَرْمُونَ بِأَيْدِيكُمْ كَأَنَّهَا أَذْنَابُ خَيْلٍ شُمُسٍ؟! إِنَّمَا يَكْفِي أَحَدَكُمْ أَنْ يَضَعَ يَدَهُ عَلَى فَخِذِهِ، ثُمَّ يُسَلِّمَ عَلَى أَخِيهِ عَنْ يَمِينِهِ وَعَنْ شِمَالِهِ: السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ، السَّلَامُ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَةُ اللَّهِ»[٦٢].
هذه صفة الصلاة عند السيّد المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى، وقد بيّنّاها بالإستناد إلى كتاب اللّه والسنّة الثابتة عن نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فمن أدّاها على هذه الصفة فقد أدّاها صحيحة، ولكن صحّة العمل لا تعني قبوله عند اللّه بالضرورة؛ لأنّ قبوله عنده مشروط بشرطين: صحّة العمل، وتقوى العامل؛ فقد قال تعالى: ﴿إِنَّمَا يَتَقَبَّلُ اللَّهُ مِنَ الْمُتَّقِينَ﴾[٦٣]، وأساس التقوى معرفة الدّين الخالص، وقد عرّفه السيّد المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى في كتاب «العودة إلى الإسلام» استنادًا إلى كتاب اللّه والسنّة الثابتة عن نبيّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، فراجع.