ما حكم شرب الخمر إذا وصفه الطبيب؟
إنّما يجوز شرب الخمر للمضطرّ، وهو الذي توقّفت حياته على شرب الخمر، كمن أصابه عطش وهو في فلاة أو بحر أجاج ولا يجد غير خمر، فيجوز له شربها بقدر ما يمسك رمقه؛ لقول اللّه تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ ۚ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[١]، وقوله تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ فِي مَخْمَصَةٍ غَيْرَ مُتَجَانِفٍ لِإِثْمٍ ۙ فَإِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ﴾[٢]، وقال مالك والشافعيّ وأحمد: لا يجوز له شرب الخمر؛ لأنّ ذلك لا ينفعه، بل يزيده عطشًا[٣]، وهذا رواية عن أهل البيت[٤]، فمن استبان له ذلك فلا يجوز له شربها وإن بلغ منه العطش كلّ مبلغ، وأمّا غير المضطرّ ممّن يبتغي علاج مرض أو تخفيف ألم فلا يجوز له شرب الخمر وإن وصفه الطبيب؛ لأنّ اللّه تعالى لم يبح تناول الحرام إلا للمضطرّ، والظاهر منه من توقّفت حياته على تناول الحرام، دون من توقّف علاج مرضه أو تخفيف ألمه على شرب الخمر إذا لم يكن مرضه أو ألمه ممّا يهلك الإنسان، ومن البعيد جدًّا توقّف علاج مرض أو تخفيف ألم على شرب الخمر، لا سيّما في هذه الأيّام التي تقدّم فيها الطبّ وتنوّع فيها الأدوية، بل وردت روايات كثيرة عن النبيّ وأهل بيته تدلّ على أنّ الخمر وغيرها من المحرّمات ليس فيها شفاء أصلًا؛ كرواية وائل بن حجر قال: «إِنَّ رَجُلًا يُقَالُ لَهُ سُوَيْدُ بْنُ طَارِقٍ[٥] سَأَلَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنِ الْخَمْرِ، فَنَهَاهُ عَنْهَا، فَقَالَ: إِنَّمَا نَصِفُهَا لِلدَّوَاءِ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّهَا دَاءٌ، وَلَيْسَتْ بِدَوَاءٍ»[٦]، ورواية أمّ سلمة قالت: «نَبَذْتُ نَبِيذًا فِي كُوزٍ، فَدَخَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ يَغْلِي، فَقَالَ: مَا هَذَا؟ قُلْتُ: اشْتَكَتِ ابْنَةٌ لِي، فَنَبَذْتُ لَهَا هَذَا، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: إِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْ شِفَاءَكُمْ فِيمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمْ»[٧]، ورواية عمر بن أذينة قال: «كَتَبْتُ إِلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ أَسْأَلُهُ عَنِ الرَّجُلِ يُبْعَثُ لَهُ الدَّوَاءُ مِنْ رِيحِ الْبَوَاسِيرِ، فَيَشْرَبُهُ بِقَدْرِ أُسْكُرُّجَةٍ مِنْ نَبِيذٍ صُلْبٍ، لَيْسَ يُرِيدُ بِهِ اللَّذَّةَ، وَإِنَّمَا يُرِيدُ بِهِ الدَّوَاءَ، فَقَالَ: لَا، وَلَا جُرْعَةً، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَمْ يَجْعَلْ فِي شَيْءٍ مِمَّا حَرَّمَ شِفَاءً وَلَا دَوَاءً»[٨]، ورواية قائد بن طلحة «أَنَّهُ سَأَلَ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ النَّبِيذِ يُجْعَلُ فِي الدَّوَاءِ، فَقَالَ: لَا، لَيْسَ يَنْبَغِي لِأَحَدٍ أَنْ يَسْتَشْفِيَ بِالْحَرَامِ»[٩]، ورواية عليّ بن أسباط قال: «أَخْبَرَنِي أَبِي، قَالَ: كُنْتُ عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ: إِنَّ بِي -جُعِلْتُ فِدَاكَ- أَرْيَاحَ الْبَوَاسِيرِ، وَلَيْسَ يُوَافِقُنِي إِلَّا شُرْبُ النَّبِيذِ، فَقَالَ لَهُ: مَا لَكَ وَلِمَا حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ وَرَسُولُهُ؟! يَقُولُ لَهُ ذَلِكَ ثَلَاثًا، عَلَيْكَ بِهَذَا الْمَرِيسِ[١٠] الَّذِي تَمْرُسُهُ بِالْعَشِيِّ وَتَشْرَبُهُ بِالْغَدَاةِ، وَتَمْرُسُهُ بِالْغَدَاةِ وَتَشْرَبُهُ بِالْعَشِيِّ، فَقَالَ لَهُ: هَذَا يَنْفُخُ الْبَطْنَ، قَالَ لَهُ: فَأَدُلُّكَ عَلَى مَا هُوَ أَنْفَعُ لَكَ مِنْ هَذَا، عَلَيْكَ بِالدُّعَاءِ، فَإِنَّهُ شِفَاءٌ مِنْ كُلِّ دَاءٍ، قَالَ: فَقُلْنَا لَهُ: فَقَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ؟ فَقَالَ: نَعَمْ، قَلِيلُهُ وَكَثِيرُهُ حَرَامٌ»[١١]، ورواية الحلبيّ قال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ دَوَاءٍ عُجِنَ بِالْخَمْرِ، فَقَالَ: لَا وَاللَّهِ، مَا أُحِبُّ أَنْ أَنْظُرَ إِلَيْهِ، فَكَيْفَ أَتَدَاوَى بِهِ؟!»[١٢]، وروايات أخرى بهذا المضمون، ولا شكّ أنّ الخير والبركة في الحلال الطيّب، وليس في الحرام الخبيث.