ما صحّة الخطبتين المنسوبتين لأمير المؤمنين عليّ عليه السلام التطنّجيّة والنورانيّة؟
الخطبة التي يقال لها «تطنّجيّة»[١] ممّا تفرّد بروايته رجل من متأخّري غلاة الشيعة يقال له رجب البرسيّ (تنحو٨١٣هـ) في كتاب ملأه بالقصص الواهية والأحاديث الموضوعة، ثمّ سمّاه «مشارق أنوار اليقين في أسرار أمير المؤمنين عليه السلام»، ولم يذكر لها سندًا ولا مصدرًا، وفيها ألفاظ ركيكة لا يُعرف معناها، وعبارات شنيعة تشبه الهذيان كشطحات الصوفيّة؛ كقوله: «أنا صاحب الخلق الأوّل قبل نوح الأوّل، ولو علمتم ما كان بين آدم ونوح من عجائب اصطنعتها وأمم أهلكتها، فحقّ عليهم القول، فبئس ما كانوا يفعلون، أنا صاحب الطوفان الأوّل، أنا صاحب الطوفان الثاني، أنا صاحب سيل العرم، أنا صاحب الأسرار المكنونات، أنا صاحب عاد والجنّات، أنا صاحب ثمود والآيات، أنا مدمّرها، أنا مزلزلها، أنا مُرجعها، أنا مُهلكها، أنا مدبّرها، أنا بابيها، أنا داحيها، أنا مميتها، أنا محييها، أنا الأوّل، أنا الآخر، أنا الظاهر، أنا الباطن، أنا مع الكور قبل الكور، أنا مع الدّور قبل الدّور، أنا مع القلم قبل القلم، أنا مع اللوح قبل اللوح، أنا صاحب الأزليّة الأوّليّة، أنا صاحب جابلقا وجابرسا، أنا صاحب الرفوف وبهرم، أنا مدبّر العالم الأوّل حين لا سماؤكم هذه ولا غبراؤكم»[٢]، وما شابه هذه من الأباطيل التي لا يحلّ ذكرها إلّا لبيان بطلانها، ولا شكّ في أنّها مكذوبة على عليّ عليه السلام، وقد لفّقها رجب البرسيّ -لا غفر اللّه له-، أو رجل آخر من أخباث الغلاة والتناسخيّة -لعنهم اللّه-، وكذلك الخطبة الظلمانيّة التي يقال لها «نورانيّة»، فإنّها رواية موضوعة تفرّد بذكرها المجلسيّ (ت١١١١هـ) في كتابه الذي جمع فيه كلّ غثّ وسمين، ثمّ سمّاه «بحار الأنوار»، ولم يذكر لها سندًا ولا مصدرًا، إلّا أنّه قال: «ذكر والدي أنه رأى في كتاب عتيق جمعه بعض محدّثي أصحابنا في فضائل أمير المؤمنين عليه السلام هذا الخبر، ووجدته أيضًا في كتاب عتيق مشتمل على أخبار كثيرة»[٣]، فزعم أنّه قد روي في ذلك الكتاب المجهول عن محمّد بن صدقة أنّه قال: «سأل أبو ذرّ الغفاريّ سلمان الفارسيّ رضي اللّه عنهما: يا أبا عبد اللّه، ما معرفة الإمام أمير المؤمنين عليه السلام بالنورانيّة؟ قال: يا جندب، فامض بنا حتّى نسأله عن ذلك، قال: فأتيناه فلم نجده، فانتظرناه حتّى جاء، قال صلوات اللّه عليه: ما جاء بكما؟ قالا: جئناك يا أمير المؤمنين نسألك عن معرفتك بالنورانيّة! قال صلوات اللّه عليه: مرحبًا بكما من وليّين متعاهدين لدينه، لستما بمقصّرين، لعمري أنّ ذلك الواجب على كلّ مؤمن ومؤمنة، ثم قال صلوات اللّه عليه: يا سلمان ويا جندب، قالا: لبّيك يا أمير المؤمنين، قال عليه السلام: إنه لا يستكمل أحد الإيمان حتّى يعرفني كنه معرفتي بالنورانيّة، فإذا عرفني بهذه المعرفة فقد امتحن اللّه قلبه للإيمان وشرح صدره للإسلام وصار عارفًا مستبصرًا، ومن قصّر عن معرفة ذلك فهو شاكّ ومرتاب»[٤]، ثمّ ذكر الخبر حتّى قال: «فضرب عليه السلام بيده على الأخرى، وقال: صار محمّد صاحب الجمع، وصرت أنا صاحب النشر، وصار محمّد صاحب الجنّة، وصرت أنا صاحب النار... صار محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم صاحب الرّجفة، وصرت أنا صاحب الهدّة، وأنا صاحب اللوح المحفوظ، ألهمني اللّه عزّ وجلّ علم ما فيه... فمن أعطاه اللّه هذا الروح فقد أبانه من الناس، وفوّض إليه القدرة، وأحيى الموتى، وعلم بما كان وما يكون، وسار من المشرق إلى المغرب ومن المغرب إلى المشرق في لحظة عين، وعلم ما في الضمائر والقلوب، وعلم ما في السماوات والأرض... أنا الذي حملت نوحًا في السفينة بأمر ربّي، وأنا الذي أخرجت يونس من بطن الحوت بإذن ربّي، وأنا الذي جاوزت بموسى بن عمران البحر بأمر ربّي، وأنا الذي أخرجت إبراهيم من النار بإذن ربّي، وأنا الذي أجريت أنهارها وفجّرت عيونها وغرست أشجارها بإذن ربّي، وأنا عذاب يوم الظلّة... وأنا الخضر عالم موسى، وأنا معلّم سليمان بن داود، وأنا ذو القرنين»[٥]، وما شابه هذه من الأباطيل التي لا يحلّ ذكرها إلّا لبيان بطلانها، ولا شكّ في أنّها مكذوبة على عليّ عليه السلام، كما كُذبت عليه التطنّجيّة، وقد لفّقها بعض الأخباث من الغلاة والتناسخيّة -لعنهم اللّه-، فذكرها المجلسيّ بجهله وضلاله كما ذكر البرسيّ تطنّجيّته، فجرّآ بهما الأدعياء والدجّالين على أن يتكلّموا بمثلهما؛ كما كان الحلّاج (ت٣٠٩هـ) يقول: «أنا مُغرق قوم نوح، ومُهلك عاد وثمود»[٦]، ويقول كذّاب مفترٍ من أهل البصرة أنّه كان حجرًا في يمين عليّ ألقاه في يوم ليهدي به سفينة نوح، ومرّة لينجي إبراهيم من نار نمرود، وتارة ليخلّص يونس من بطن الحوت، وكلّم به موسى على الطور، وجعله عصًا تفلق البحار، ودرعًا لداوود، وتدرّع به في أُحد وطواه بيمينه في صفّين، وغير ذلك من ترّهات البسابس![٧]
لعن اللّه هؤلاء الزنادقة الذين يستحلّون الكذب على اللّه وخلفائه في الأرض؛ فإنّهم أضرّ على الإسلام والمسلمين من اليهود والنصارى والذين أشركوا؛ كما قال تعالى: ﴿فَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا لِيُضِلَّ النَّاسَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ۗ إِنَّ اللَّهَ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ﴾[٨]، وقال: ﴿وَمَنْ أَظْلَمُ مِمَّنِ افْتَرَى عَلَى اللَّهِ كَذِبًا ۚ أُولَئِكَ يُعْرَضُونَ عَلَى رَبِّهِمْ وَيَقُولُ الْأَشْهَادُ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ كَذَبُوا عَلَى رَبِّهِمْ ۚ أَلَا لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ﴾[٩].