ما حكم مصافحة الزميلات وفقًا للقواعد والمعايير العرفيّة والإجتماعيّة، بغير شهوة؟
مصافحة المسلمة الأجنبيّة غير جائزة مطلقًا؛ لأنّ مسّها أكبر من النظر إليها، وقد نهى اللّه تعالى عن النظر إليها، وروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «إِنِّي لَا أُصَافِحُ النِّسَاءَ»[١]، فما مسّت يده يد امرأة قطّ إلّا امرأة يملكها[٢]، وروي جواز ذلك إذا كان من وراء حاجز مثل القُفّاز، ولم يكن معه غمز أو ريبة؛ لأنّه ليس من مسّها، وإنّما هو مسّ الحاجز؛ كما روي عن إبراهيم النخعيّ (ت٩٦هـ)، قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُصَافِحُ النِّسَاءَ وَعَلَى يَدِهِ ثَوْبٌ»[٣]، وعن قيس بن أبي حازم (ت٩٨هـ)، قال: «إِنَّ النِّسْوَةَ لَمَّا جِئْنَ يُبَايِعْنَ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، بَسَطَ رِدَاءَهُ فَوْقَ يَدِهِ، فَبَايَعَهُنَّ مِنْ وَرَاءِ الرِّدَاءِ»[٤]، وعن الشعبيّ (ت١٠٤هـ)، قال: «إِنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَايَعَ النِّسَاءَ وَضَعَ عَلَى يَدِهِ بُرْدًا قَطَرِيًّا، فَبَايَعَهُنَّ»[٥]، وعن طارق التيمي قال: «جِئْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ قَاعِدٌ فِي الشَّمْسِ، وَعَلَيْهِ ثَوْبٌ أَصْفَرُ قَدْ قَنَّعَ بِهِ رَأْسَهُ، فَلَمَّا قَامَ انْتَهَى إِلَى بَعْضِ الْحُجَرِ، فَإِذَا سِتُّ نِسْوَةٍ، فَسَلَّمَ عَلَيْهِنَّ، وَبَايَعَهُنَّ وَعَلَى يَدِهِ ثَوْبٌ أَصْفَرُ»[٦]، وروي عن سعيدة وأيمنة أختي محمّد بن أبي عمير، قالتا: «دَخَلْنَا عَلَى أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقُلْنَا: تَعُودُ الْمَرْأَةُ أَخَاهَا فِي اللَّهِ؟ قَالَ: نَعَمْ، قُلْنَا: فَتُصَافِحُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ مِنْ وَرَاءِ ثَوْبٍ، كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَبِسَ الصُّوفَ يَوْمَ بَايَعَ النِّسَاءَ، فَكَانَتْ يَدُهُ فِي كُمِّهِ، وَهُنَّ يَمْسَحْنَ أَيْدِيَهُنَّ عَلَيْهِ»[٧]، وروي عن أبي بصير، قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: هَلْ يُصَافِحُ الرَّجُلُ الْمَرْأَةَ لَيْسَتْ بِذِي مَحْرَمٍ؟ فَقَالَ: لَا، إِلَّا مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ»[٨]، وروي عن سماعة بن مهران، قال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنْ مُصَافَحَةِ الرَّجُلِ الْمَرْأَةَ، قَالَ: لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يُصَافِحَ الْمَرْأَةَ إِلَّا امْرَأَةً يَحْرُمُ عَلَيْهِ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا، أُخْتٌ أَوْ بِنْتٌ أَوْ عَمَّةٌ أَوْ خَالَةٌ أَوِ ابْنَةُ أُخْتٍ أَوْ نَحْوُهَا، فَأَمَّا الْمَرْأَةُ الَّتِي يَحِلُّ لَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَهَا فَلَا يُصَافِحْهَا، إِلَّا مِنْ وَرَاءِ الثَّوْبِ، وَلَا يَغْمِزْ كَفَّهَا»[٩]، وقد روي عن سوداء بنت عاصم، قالت: «أَتَيْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أُبَايِعُهُ، فَقَالَ: اخْتَضِبِي، فَاخْتَضَبْتُ، ثُمَّ جِئْتُ فَبَايَعْتُهُ»[١٠]، لكنّه شاذّ، ولا يصحّ؛ لأنّ الخضاب ليس بحاجز، ولذا يصحّ الوضوء معه، وأمّا ما روي عن أنس بن مالك، قال: «إِنْ كَانَتِ الْأَمَةُ مِنْ إِمَاءِ أَهْلِ الْمَدِينَةِ لَتَأْخُذُ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَتَنْطَلِقُ بِهِ حَيْثُ شَاءَتْ»[١١]، فلا ينافي ما تقدّم من الروايات؛ لأنّ الأمة لم تكن مثل الحرّة، وربما كانت تأخذ بثوبه، وقد ورد في رواية أخرى لفظ «الْوَلِيدَةِ»[١٢]، وهي الصبيّة التي لم تبلغ، ولعلّ ذلك أصحّ، والأحوط ترك مصافحة الكتابيّة الأجنبيّة أيضًا، وإن احتمل جوازها بدون ريبة؛ لأنّ أدلّة المنع منصرفة إلى المسلمة، وليست للكافرة حرمة، ولذلك يجوز النظر إليها بدون ريبة؛ كما روي عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَا حُرْمَةَ لِنِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ أَنْ يُنْظَرَ إِلَى شُعُورِهِنَّ وَأَيْدِيهِنَّ»[١٣]، وفي رواية أخرى: «لَيْسَ لِنِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ حُرْمَةٌ، لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَيْهِنَّ مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ»[١٤] يعني ما لم يتلذّد بذلك، وروي عن عليّ بن أبي طالب عليه السلام أنّه قال: «لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى رُؤُوسِ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ»[١٥]، وروي عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى رُؤُوسِ أَهْلِ التِّهَامَةِ وَالْأَعْرَابِ وَأَهْلِ السَّوَادِ وَالْعُلُوجِ، لِأَنَّهُمْ إِذَا نُهُوا لَا يَنْتَهُونَ، وَالْمَجْنُونَةِ وَالْمَغْلُوبَةِ عَلَى عَقْلِهَا، وَلَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى شَعْرِهَا وَجَسَدِهَا مَا لَمْ يَتَعَمَّدْ ذَلِكَ»[١٦] يعني ما لم يتلذّد بذلك؛ لأنّ جواز ذلك مع عدم التعمّد لا يختصّ بهذه الأصناف، وبهذا قال سفيان الثوريّ فيما حكي عنه[١٧]، إذ قال: «لَا بَأْسَ بِالنَّظَرِ إِلَى زِينَةِ نِسَاءِ أَهْلِ الذِّمَّةِ، إِنَّمَا يُنْهَى عَنْ ذَلِكَ لِخَوْفِ الْفِتْنَةِ، لَا لِحُرْمَتِهِنَّ»، واستدلّ بقوله تعالى: ﴿وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ﴾[١٨]، وروي عن جعفر بن محمّد عليهما السلام أنّه قال: «إِنَّمَا كُرِهَ النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ الْمُسْلِمِ، فَأَمَّا النَّظَرُ إِلَى عَوْرَةِ مَنْ لَيْسَ بِمُسْلِمٍ مِثْلُ النَّظَرِ إِلَى عَوْرَةِ الْحِمَارِ»[١٩] يعني أنّه جائز بدون ريبة؛ لأنّهم ﴿كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ ۚ أُولَئِكَ هُمُ الْغَافِلُونَ﴾[٢٠]، وإن خاف المسلم ضررًا مهمًّا على نفسه في ترك مصافحة الكتابيّة الأجنبيّة، كما يحدث أحيانًا في بعض بلاد الكفر، فلا جناح عليه أن يصافحها بدون ريبة؛ لأنّ ذلك تقيّة يدفع بها حرجًا، وقد قال اللّه تعالى: ﴿إِلَّا أَنْ تَتَّقُوا مِنْهُمْ تُقَاةً﴾[٢١]، وقال: ﴿مَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيَجْعَلَ عَلَيْكُمْ مِنْ حَرَجٍ﴾[٢٢]، ومن أراد سوءًا ﴿فَإِنَّ اللَّهَ بِهِ عَلِيمٌ﴾[٢٣].