هل يُشتَرَط في الزواج علم الوليّ وإذنه؟ هل هناك فرق بين البكر وبين المطلّقة والأرملة؟ أو بين الزواج الدائم وبين الموقّت؟
إنّما يجوز نكاح البكر بإذن وليّها، سواء كان النكاح دائمًا أو موقّتًا؛ لأنّ الغالب عليها هو الغفلة والهوى وربما تُخدع بسرعة وسهولة، وعليه فالواجب عليها أن لا تستبدّ بالنكاح، بل تستأذن أنصح الناس لها وأبصرهم بالرجال وهو أبوها، فإن نكحت بغير إذن أبيها فقد ظلمت نفسها وعرّضتها للغبن والخيبة وهذه مفسدة بيّنة لا يتسامح فيها العقلاء ولذلك ورد النهي عنه في كثير من الروايات؛ كما روي عن أهل البيت عليهم السلام أنّهم قالوا: «لَا تَزَوَّجُ ذَوَاتُ الْآبَاءِ مِنَ الْأَبْكَارِ إِلَّا بِإِذْنِ آبَائِهِنَّ»[١] وقالوا: «الْجَارِيَةُ الْبِكْرُ الَّتِي لَهَا أَبٌ لَا تَتَزَوَّجُ إِلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا»[٢] وقالوا: «لَيْسَ لَهَا مَعَ أَبِيهَا أَمْرٌ مَا لَمْ تُثَيِّبْ»[٣]. هذا مطلق وقالوا في خصوص المتعة: «الْبِكْرُ لَا تَتَزَوَّجُ مُتْعَةً إِلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا»[٤] وقالوا: «الْعَذْرَاءُ الَّتِي لَهَا أَبٌ لَا تَتَزَوَّجُ مُتْعَةً إِلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا»[٥] وربما يمكن الإستشهاد عليه بقول اللّه تعالى: ﴿قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ﴾[٦]؛ لأنّ الظاهر منه ثبوت ولاية الأب على ابنته البكر في النكاح وعليه يحمل ما روي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَا نِكَاحَ إِلَّا بِوَلِيٍّ»[٧] وإن أخذ بإطلاقه جمهور العلماء حيث أفتوا باشتراط الوليّ في النكاح كلّه سواء كانت المرأة بكرًا أو ثيّبًا والحقّ أنّه مستحبّ للثيّب وليس بواجب؛ كما يفهم ذلك من قول اللّه تعالى: ﴿فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلَا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنْكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ﴾[٨] حيث أسند النكاح إلى المطلّقة وقوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا تَعْضُلُوهُنَّ أَنْ يَنْكِحْنَ أَزْوَاجَهُنَّ إِذَا تَرَاضَوْا بَيْنَهُمْ بِالْمَعْرُوفِ﴾[٩] وهو ظاهر في نفي الولاية على المطلقّة وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُتَوَفَّوْنَ مِنْكُمْ وَيَذَرُونَ أَزْوَاجًا يَتَرَبَّصْنَ بِأَنْفُسِهِنَّ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا ۖ فَإِذَا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا فَعَلْنَ فِي أَنْفُسِهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ﴾[١٠] حيث فوّض الأمر إلى الأرملة وروي عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «الْأَيِّمُ أَحَقُّ بِنَفْسِهَا مِنْ وَلِيِّهَا وَالْبِكْرُ تَسْتَأْذِنُ»[١١] والمراد بالأيّم الثيّب التي لا زوج لها وفي رواية أخرى: «لَيْسَ لِلْوَلِيِّ مَعَ الثَّيِّبِ أَمْرٌ»[١٢].
نعم، إنّ نكاح البكر بغير إذن أبيها ليس بباطل إذا كانت عاقلة بالغة رشيدة؛ لأنّ كلّ عاقل بالغ رشيد جائز التصرّف في نفسه وماله، بمعنى أنّ تصرّفه فيهما نافذ، سواء كان له أو عليه، بغضّ النظر عن حكمه التكليفيّ والنكاح غير مستثنى من هذه القاعدة، وعليه فإنّ نكاح البكر بغير إذن أبيها حرام ولكنّه صحيح؛ لأنّ حرمته لا تتسبّب عن نقص في ماهيّة العقد ولكنّها تتسبّب عن نقص في نتيجته وهو التعرّض للغبن والخيبة ولا شكّ أنّ النكاح لا يبطل بحصولهما حتّى يبطل بالتعرّض لهما ويؤيّد هذا ما روي عن علي عليه السلام أنّه قال لرجل تزوّج امرأة بغير وليّ: «النِّكَاحُ جَائِزٌ صَحِيحٌ، إِنَّمَا جُعِلَ الْوَلِيُّ لِيُثْبِتَ الصَّدَاقَ»[١٣] وعن أبي جعفر عليه السلام أنّه قال: «الْمَرْأَةُ الَّتِي قَدْ مَلَكَتْ نَفْسَهَا غَيْرَ السَّفِيهَةِ وَلَا الْمُوَلَّى عَلَيْهَا إِنَّ تَزْوِيجَهَا بِغَيْرِ وَلِيٍّ جَائِزٌ»[١٤] وفي رواية أخرى: «إِذَا كَانَتِ الْمَرْأَةُ مَالِكَةً أَمْرَهَا تَبِيعُ وَتَشْتَرِي وَتُعْتِقُ وَتَشْهَدُ وَتُعْطِي مِنْ مَالِهَا مَا شَاءَتْ، فَإِنَّ أَمْرَهَا جَائِزٌ تَزَوَّجُ إِنْ شَاءَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ وَلِيِّهَا وَإِنْ لَمْ تَكُنْ كَذَلِكَ فَلَا يَجُوزُ تَزْوِيجُهَا إِلَّا بِأَمْرِ وَلِيِّهَا»[١٥] وعن جعفر بن محمّد عليه السلام أنّه قال: «تَزَوَّجُ الْمَرْأَةُ مَنْ شَاءَتْ إِذَا كَانَتْ مَالِكَةً لِأَمْرِهَا، فَإِنْ شَاءَتْ جَعَلَتْ وَلِيًّا»[١٦] والمراد بجواز النكاح صحّته. نعم، إذا تزوّجت بغير كفو فللأب أن ينقض النكاح؛ لأنّ ذلك كاشف عن سفاهتها؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: هَلْ يَحِلُّ لِلْعَذْرَاءِ أَنْ تَتَزَوَّجَ بِغَيْرِ إِذْنِ أَبِيهَا؟ قَالَ: لَا وَلَا كَرَامَةَ، قُلْتُ: وَإِنْ كَانَتْ رَشِيدَةً؟ قَالَ: وَإِنْ كَانَتْ رَشِيدَةً، قُلْتُ: فَإِنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ إِذْنِ أَبِيهَا فَتَرَى أَنَّ زَوَاجَهَا بَاطِلٌ؟ قَالَ: لَا، إِلَّا أَنْ تَزَوَّجَتْ بِغَيْرِ كُفْوٍ وَجَاءَ أَبُوهَا يُخَاصِمُهَا، فَلَهُ أَنْ يَنْقُضَ النِّكَاحَ.[١٧]
هذا ما ذهب إليه أبو حنيفة وصاحباه أبو يوسف ومحمّد وهو ظاهر قول الشعبيّ والزهريّ والقاسم بن محمّد وابن سيرين حيث قالوا: «إِذَا كَانَ كُفُوًا جَازَ النِّكَاحُ»[١٨] وقالوا: «إِنْ أَجَازَهُ الْأَوْلِيَاءُ فَهُوَ جَائِزٌ»[١٩] ولعلّه مراد ابن الجنيد والمفيد والمرتضى وسلار حيث أجازوا النكاح بغير وليّ وكذلك أبو جعفر الطوسيّ إذ قال في النهاية: «لَا يَجُوزُ لِلْبِكْرِ الْبَالِغِ أَنْ تَعْقِدَ عَلَى نَفْسِهَا إِلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا، فَإِنْ عَقَدَتْ عَلَى نَفْسِهَا بِغَيْرِ إِذْنِ أَبِيهَا كَانَ الْعَقْدُ مَوْقُوفًا عَلَى رِضَى الْأَبِ، فَإِنْ أَمْضَاهُ مَضَى وَإِنْ لَمْ يُمْضِهِ وَفَسَخَ كَانَ مَفْسُوخًا»[٢٠] وعليه يحمل ما روي عن أهل البيت عليهم السلام؛ كقولهم: «لَا بَأْسَ بِتَزْوِيجِ الْبِكْرِ إِذَا رَضِيَتْ مِنْ غَيْرِ إِذْنِ أَبِيهَا»[٢١] وقولهم: «لَا يَنْقُضُ النِّكَاحَ إِلَّا الْأَبُ»[٢٢]، جمعًا بينه وبين ما مضى من نهيهم وروي عن بحريّة بنت هانئ بن قبيصة قالت: «زَوَّجْتُ نَفْسِي الْقَعْقَاعَ بْنَ شَوْرٍ وَبَاتَ عِنْدِي لَيْلَةً وَجَاءَ أَبِي مِنَ الْأَعْرَابِ فَاسْتَعْدَى عَلِيًّا وَجَاءَتْ رُسُلُهُ فَانْطَلَقُوا بِهِ إِلَيْهِ، فَقَالَ: أَدَخَلْتَ بِهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، فَأَجَازَ النِّكَاحَ»[٢٣] وفي رواية أخرى: «كَانَ عَلِيٌّ إِذَا رُفِعَ إِلَيْهِ رَجُلٌ تَزَوَّجَ امْرَأَةً بِغَيْرِ وَلِيٍّ فَدَخَلَ بِهَا أَمْضَاهُ»[٢٤] وهذا إن صحّ يدلّ على أنّ الأب لا ينقض النكاح بعد الدخول.
أريد مساعدة سيّدي المنصور في أمري. أنا امرأة أريد الزواج برجل يؤمن به ويؤمن بالمهديّ وينادي للإصلاح بين الناس والتمهيد لظهور المهديّ مع سائر أنصار المنصور من الإخوان الصالحين، ولكنّ أبي معترض على الموضوع ولا يفهم القول الذي نتحدّث عنه ولا يأذن بالزواج. أريد إرشادكم في هذه المشكلة. فهل ننتظر الى ظهور المهديّ لنتزوّج أو نستمرّ في محاولة التفاهم مع أبي أو نفعل غير ذلك؟
يجب على البكر استئذان أبيها للنكاح كما بيّنّاه في الجواب أعلاه، ويجب على أبيها الإذن إذا كان الرّجل الذي ترغب البكر في نكاحه كفوًا لها، وليس له منعها إلا إذا كان الرّجل كافرًا باللّه ورسوله، أو عدوًّا لخليفته في الأرض، أو تابعًا لإمام جائر، أو تاركًا للصلاة، أو شاربًا للخمر، أو مدمنًا على المخدّرات، أو محتالًا يأكل أموال الناس بالباطل، أو مفلسًا، أو مريضًا يُخاف عليه الموت، فإن استنكف الأب عن الإذن مع خلوّ الرّجل من هذه العيوب المهمّة ورغبة البكر البالغة العاقلة الرشيدة في النكاح، سقط اعتبار إذنه شرعًا؛ لأنّه ظالم، ولا ولاية لظالم؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنِ الْمُؤْمِنَةِ لَهَا أَبٌ فَاجِرٌ أَوْ نَاصِبِيٌّ يَمْنَعُهَا مِنْ نِكَاحِ مُؤْمِنٍ تُحِبُّهُ، وَلَا يَفْعَلُ ذَلِكَ إِلَّا لِأَنَّهُ مُؤْمِنٌ، فَقَالَ: تَنْكَحُهُ وَإِنْ رَغَمَ أَنْفُ أَبِيهَا! قُلْتُ: إِنَّهَا بِكْرٌ فَتَخْشَى أَنْ تَكُونَ عَلَيْهَا مَعَرَّةٌ، قَالَ: أَبُوهَا ظَالِمٌ، وَلَا وِلَايَةَ لِظَالِمٍ، أَلَمْ تَسْمَعْ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ حَمَلَ ظُلْمًا﴾[١]؟! فَهَلْ يَخِيبُ إِلَّا إِذَا لَمْ يَنَلْ مَا طَلَبَ؟! ثُمَّ قَالَ: إِنِ امْتَنَعَتْ مِنْ نِكَاحِ الْمُؤْمِنِ طَاعَةً لِأَبِيهَا فَقَدْ عَصَتْ رَبَّهَا، لِأَنَّهُ قَدْ نَهَى عَنْ طَاعَةِ كُلِّ ﴿مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ﴾[٢] كَائِنًا مَنْ كَانَ.[٣]
هذا، ولا يجب على البكر إخبار أبيها بإيمان الرّجل إذا علمت منه فجورًا أو نصبًا، حتّى سألها عن ذلك بصراحة، فإذا سألها عن ذلك بصراحة فعليها الإخبار إن كانت متمكّنة من النكاح بدون إذن الأب؛ لأنّ عدم إذنه لا يضرّ بها، وإن لم تكن متمكّنة من النكاح بدون إذن الأب لسيطرته أو منع الدولة الظالمة فلها الإمتناع عن الإخبار، ولتجتنب الكذب ما أمكن ولو باستخدام التورية، وهي الإجابة بالإيهام؛ كأن تقول إذا سألها الأب عن اعتقاد الرّجل بالتمهيد لظهور المهديّ: «هو رجل عاقل، وهل يعتقد رجل عاقل بما لا دليل عليه؟!» فيفهم الأب من ذلك أنّ الرّجل لا يعتقد بالتمهيد لظهور المهديّ، مع أنّه يعتقد به؛ لأنّ عليه دليلًا من العقل والشرع، أو تقول: «هو رجل مشغول بعمله ولا يكترث بغير عمله»، فيفهم الأب من ذلك أنّ الرّجل مشغول بكسب المال ولا يكترث بالتمهيد لظهور المهديّ، مع أنّ المراد بعمله هو التمهيد لظهور المهديّ، أو تقول غير ذلك ممّا له معنيان: معنى قريب غير مقصود ومعنى بعيد هو المقصود، وهذا كقول إبراهيم عليه السلام لقومه: ﴿إِنِّي سَقِيمٌ﴾[٤]، وقول يوسف عليه السلام لإخوته: ﴿أَيَّتُهَا الْعِيرُ إِنَّكُمْ لَسَارِقُونَ﴾[٥]، وقول سليمان عليه السلام لملكة سبأ: ﴿أَهَكَذَا عَرْشُكِ﴾[٦].
هل يجوز للفتاة البكر الزواج المؤقّت دون علم الوليّ لعدم الوقوع في الحرام بشرط عدم الدخول؟
لقد بيّنّا من قبل أنّه لا يجوز نكاح البكر بغير إذن أبيها، سواء كان النكاح دائمًا أو مؤقّتًا؛ كما روي عن أهل البيت عليهم السلام أنّهم قالوا: «لَا تَزَوَّجُ ذَوَاتُ الْآبَاءِ مِنَ الْأَبْكَارِ إِلَّا بِإِذْنِ آبَائِهِنَّ»[١]، وقالوا: «الْجَارِيَةُ الْبِكْرُ الَّتِي لَهَا أَبٌ لَا تَتَزَوَّجُ إِلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا»[٢]، والحاجة إلى إذنه في المؤقّت أكبر؛ لأنّ الغَبن فيه أقرب وأكثر؛ كما روي عن أهل البيت عليهم السلام أنّهم قالوا: «يُكْرَهُ أَنْ يَتَزَوَّجُ الرَّجُلُ الْبِكْرَ مُتْعَةً، لِلْعَيْبِ عَلَى أَهْلِهَا»[٣]، وقالوا: «الْبِكْرُ لَا تَتَزَوَّجُ مُتْعَةً إِلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا»[٤]، وقالوا: «الْعَذْرَاءُ الَّتِي لَهَا أَبٌ لَا تَتَزَوَّجُ مُتْعَةً إِلَّا بِإِذْنِ أَبِيهَا»[٥]، وهذا ثابت وإن شرطت عدم الدخول؛ لأنّ شرط ذلك لا يصونها من الغبن، بل قد يكون غبنًا في نفسه، بالنظر إلى نقصان لذّتها مع كمال لذّة الرجل؛ كأنّه يقضي منها حاجته كيف يشاء، من دون أن يقضي لها حاجة، وهذا هو الغرور بعينه، وأمّا ما روي عن أهل البيت من أنّه «لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَمَتَّعَ بِالْبِكْرِ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَيْهَا»[٦] فالمراد به عدم كراهية ذلك مع إذن الأب؛ كأنّهم قالوا بحرمة نكاح البكر متعة بغير إذن أبيها، وكراهية ذلك مع إذن أبيها، ويدلّ على ذلك ما روى عبد الملك بن عمرو، قال: «سَأَلْتُ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ عَنِ الْمُتْعَةِ، فَقَالَ: إِنَّ أَمْرَهَا شَدِيدٌ، فَاتَّقُوا الْأَبْكَارَ»[٧]، وما روى أبو بكر الحضرميّ، قال: «قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: يَا أَبَا بَكْرٍ، إِيَّاكُمْ وَالْأَبْكَارَ أَنْ تُزَوِّجُوهُنَّ مُتْعَةً»[٨]، وما روى المهلّب الدلّال عن أبي الحسن -يعني عليّ بن موسى الرضا- عليه السلام أنّه قال: «لَا يَكُونُ تَزْوِيجُ مُتْعَةٍ بِبِكْرٍ»[٩]، إلّا إذا لم يُفض إليها، فإذا لم يُفض إليها فلا يُكره مع إذن أبيها، لقولهم: «لَا بَأْسَ بِأَنْ يَتَمَتَّعَ بِالْبِكْرِ مَا لَمْ يُفْضِ إِلَيْهَا»، وقولهم بجوازه مع إذن الأب، وهذا هو قول السيّد العلامة حفظه اللّه تعالى؛ كما أخبرنا بعض أصحابه، قال:
سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ نِكَاحِ الْبِكْرِ مُتْعَةً، فَقَالَ: إِنْ كَانَ لَهَا أَبٌ مُؤْمِنٌ فَرَضِيَ فَلَا بَأْسَ، قُلْتُ: فَكَيْفَ إِذَا كَانَ لَهَا أَبٌ فَاسِقٌ؟ قَالَ: لَيْسَ لِلدَّيُّوثِ إِذْنٌ -يَعْنِي مَنْ يَأْذَنُ عَلَى مَالٍ- قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ لَا بَأْسَ بِنِكَاحِهَا مُتْعَةً بِغَيْرِ إِذْنِ أَبِيهَا، فَأَعْظَمَ ذَلَكَ، وَقَالَ: كَيْفَ يَجُوزُ ذَلِكَ؟! وَهُوَ غُرُورٌ ظَاهِرٌ، وَإِخْرَاجٌ لَهَا عَنْ سِتْرِهَا، قُلْتُ: وَإِنْ شَرَطَ أَنْ لَا يُوَاقِعَهَا فِي فَرْجِهَا؟ قَالَ: أَنَّى لَهُ ذَلِكَ إِذَا جَلَسَ بَيْنَ رِجْلَيْهَا وَهُوَ شَبِقٌ؟! ثُمَّ قَالَ: كُفُّوا عَنْ بَنَاتِ النَّاسِ، وَلَا تُفْسِدُوهُنَّ عَلَى أَهْلِهِنَّ، أَلَيْسَ لَكُمْ فِي الثَّيِّبَاتِ كِفَايَةٌ؟!
وأمّا ما روي عن أبي سعيد القمّاط، عمّن رواه، قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: جَارِيَةٌ بِكْرٌ بَيْنَ أَبَوَيْهَا تَدْعُونِي إِلَى نَفْسِهَا سِرًّا مِنْ أَبَوَيْهَا، أَفَأَفْعَلُ ذَلِكَ؟ قَالَ: نَعَمْ، وَاتَّقِ مَوْضِعَ الْفَرْجِ»[١٠]، وما روي عن أبي سعيد، عن الحلبيّ، قال: «سَأَلْتُهُ عَنِ التَّمَتُّعِ مِنَ الْبِكْرِ إِذَا كَانَتْ بَيْنَ أَبَوَيْهَا بِلَا إِذْنِ أَبَوَيْهَا، قَالَ: لَا بَأْسَ مَا لَمْ يَفْتَضَّ مَا هُنَاكَ لِتَعُفَّ بِذَلِكَ»[١١]، فهو خبر شاذّ تفرّد به موسى بن عمر بن يزيد، وهو مجهول، فلا يقام به حجّة، ولا يُترك له ما تقدّم من الأخبار المعتبرة الكثيرة.
فالحاصل أنّه لا يجوز للبكر الإقدام على المتعة بغير إذن أبيها إذا لم يكن أبوها كديّوث يأذن على مال؛ لأنّه إذا كان كذلك لم يراعِ مصلحتها، وأمّا لعدم الوقوع في الحرام فيكفيها مجانبة غير ذي محرم، فإنّه من المحال عدم وقوعها فيه ولها خِدن تواعده وتجالسه، فإن لم تفعل ففي الحرام وقعت؛ كالذي ذكره اللّه في كتابه، فقال: ﴿وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلَا تَفْتِنِّي ۚ أَلَا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا ۗ وَإِنَّ جَهَنَّمَ لَمُحِيطَةٌ بِالْكَافِرِينَ﴾[١٢]، ولذلك جاء عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «لَا يَخْلُوَنَّ رَجُلٌ بِامْرَأَةٍ إِلَّا كَانَ ثَالِثَهُمَا الشَّيْطَانُ»[١٣]، وقال: «الْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ، وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ، وَاللِّسَانُ يَزْنِي، وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ»[١٤].