هل يصلح التوسّل بالإمام المهديّ أرواحنا فداه في رأي السيّد المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى؟ إذا كان يصلح، فأيّ توسّل يقدّم هذا العالم العظيم؟ يرجى إعطاء التوجيه.
التوسّل بالشخص يعني اتّخاذه وسيلة للحصول على شيء ما، ولذلك فإنّ التوسّل بالإمام المهديّ عليه السلام، أولًا وقبل كلّ شيء يعني اتّخاذه وسيلة لتحقيق حكومة اللّه تعالى وإقامة الدين الخالص في العالم، وهذا واجب على جميع المسلمين؛ لأنّ الإمام المهديّ عليه السلام، حسب خبر النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم المتواتر، هو خليفة اللّه في الأرض وبالتالي، يعتبر الوسيلة الوحيدة لتحقيق حكومة اللّه تعالى وإقامة الدين الخالص في العالم، وليس هناك أيّ بديل له يمكن أن يغني عنه، ولذلك يجب على جميع المسلمين اتّخاذه وسيلة، وإن كان مستلزمًا للتمهيد لظهوره، وهذه هي النقطة التي بيّنها السيّد المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى بالتفصيل في مبحث «وجوب إظهار المهديّ على النّاس» من الكتاب القيّم «العودة إلى الإسلام»[١].
بالإضافة إلى ذلك، فإنّ التوسّل بالإمام المهديّ عليه السلام بمعنى اتّخاذه وسيلة إلى مغفرة اللّه للذنوب بالنظر إلى أنّه خليفة اللّه في الأرض، هو عمل مندوب، بل لا يبعد وجوبه على المسلمين؛ لأنّه كان من الواجب اتّخاذ النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم وسيلة إلى مغفرة اللّه للذنوب بالنظر إلى أنّه كان خليفة اللّه في الأرض؛ كما قال اللّه تعالى في كتابه: ﴿وَلَوْ أَنَّهُمْ إِذْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ جَاءُوكَ فَاسْتَغْفَرُوا اللَّهَ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمُ الرَّسُولُ لَوَجَدُوا اللَّهَ تَوَّابًا رَحِيمًا﴾[٢] وقال: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ وَرَأَيْتَهُمْ يَصُدُّونَ وَهُمْ مُسْتَكْبِرُونَ﴾[٣]. بالطبع، هذا التوسّل -كما هو واضح- يعني أن يأتي المسلمون إلى خليفة اللّه في الأرض ويسألوه أن يستغفر اللّه لهم، وليس أن يجلسوا في زاوية بعيدة عنه ويدعوه سرًّا أو جهرًا ليقضي حوائجهم عند اللّه؛ لأنّ ذلك، على الرغم من انتشاره بين عامّة الناس وخاصّة الشيعة، ليس له أصل في الإسلام ويتعارض مع سيرة العقلاء؛ بالنظر إلى أنّ الشرع اعتبر علم الغيب وقضاء الحوائج الخفيّة من صفات اللّه تعالى ولم يعتبرهما ضروريّين لخليفته في الأرض؛ كما قال على سبيل المثال: ﴿قُلْ لَا أَقُولُ لَكُمْ عِنْدِي خَزَائِنُ اللَّهِ وَلَا أَعْلَمُ الْغَيْبَ﴾[٤] وقال: ﴿قُلْ لَا أَمْلِكُ لِنَفْسِي نَفْعًا وَلَا ضَرًّا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ ۚ وَلَوْ كُنْتُ أَعْلَمُ الْغَيْبَ لَاسْتَكْثَرْتُ مِنَ الْخَيْرِ وَمَا مَسَّنِيَ السُّوءُ﴾[٥] والعقلاء أيضًا لا يدعون بعضهم بعضًا بالغيب، بل يذهبون إلى بعضهم البعض ويعبّرون عن حوائجهم بشكل حضوريّ. لذلك، يجب على المسلمين أن يذهبوا إلى المهديّ عليه السلام ويسألوه أن يدعو ويستغفر لهم، وإذا لم يكن هذا ممكنًا لهم في الوقت الراهن، فإنّ ذلك بسبب تقصيرهم في توفير شروطه المسبّقة، ولذلك يجب عليهم أن يوفّروا تلك الشروط على الفور، بدلًا من الإكتفاء بالجلوس في زاوية ودعاء المهديّ عليه السلام من مكان بعيد، ويمكن توفير تلك الشروط من خلال اجتماع عدد كاف منهم لحمايته ودعمه، وهذا ما قد رفع السيّد المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى رايته ويدعو إليه.
نعم، لا بأس بدعاء المسلمين للّه تعالى مع التوسّل بوجاهة المهديّ عليه السلام، بأن يسألوا اللّه تعالى أن يغفر لهم ذنوبهم ويقضي لهم حوائجهم بوجاهته عنده؛ لأنّ ما يجعل طلب دعائه واستغفاره عملًا مندوبًا أو واجبًا هو وجاهته عند اللّه تعالى، ولذلك فإنّ التوسّل بها في دعاء اللّه تعالى، لا يتعارض مع العقل والشرع؛ إلا أنّه لم يرد دعاء معتبر لذلك، والأدعية الواردة في ذلك لا سند لها في الأغلب؛ بغضّ النظر عن الأوراد الغريبة التي تمّ تأليفها خطابًا للمهديّ عليه السلام وعامّتها موضوعة ولا يجوز قراءتها مع الإعتقاد بصدورها منه أو آبائه الكرام، بل المواظبة عليها كعمل عباديّ تعتبر بدعة، ولذلك من الأفضل أن يدعو كلّ مسلم للّه تعالى بأحسن العبارات التي يعرفها من لسانه، ويسأله أن يحفظ المهديّ عليه السلام من جميع الآفات والشرور، ويهدي المسلمين إلى التمهيد لظهوره في أسرع وقت ممكن، بفضله ورحمته؛ لأنّه هو الرّحمن الرّحيم، ولا نفاد لخزائن جوده وكرمه.