ما حكم الإشتراك في الإنتخابات الرئاسيّة والبرلمانية بهدف دفع الأفسد بالفاسد؟ يعتقد البعض أنّه لا بدّ من انتخاب الفاسد إذا كان هناك فاسد وأفسد، وهذا منطق عقليّ؛ كما إذا أشرف الإنسان على الموت من الجوع وعنده ميتة شاة وميتة خنزير، فالعقل يحكم بأكل ميتة الشاة دون ميتة الخنزير.
يرجى التنبّه إلى ما يلي:
١ . إنّما يكون دفع الأفسد بالفاسد معقولًا إذا لم يكن هناك شيء ثالث خير منهما يمكن الحصول عليه، وقد نادى السيّد المنصور في الناس بأنّ هناك من هو خير من جميع الفاسدين الذين ينتخبونهم في انتخاباتهم، وهو الإمام المهديّ الذي بشّرهم به رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ووعدهم بأنّه يملأ الأرض قسطًا وعدلًا كما ملئت ظلمًا وجورًا، ويمكن الوصول إليه من خلال التمهيد لظهوره بطريقة معلومة، فلا وجه هناك لدفع الأفسد بالفاسد أصلًا؛ كما بيّنه السيّد المنصور في بعض رسائله فقال بعد الكلام عن فساد الحكّام المدّعين للحكومة الإسلاميّة:
فَلَا يَغُرَّنَّكُمُ الشَّيْطَانُ حَتَّى تَتَوَهَّمُوا الْإِضْطِرَارَ، وَتَقُولُوا: «إِنَّ هَؤُلَاءِ خَيْرٌ لَنَا مِنَ الْآخَرِينَ، وَلَا مَنْدُوحَةَ لَنَا مِنْهُمْ، وَنَدْفَعُ الْأَفْسَدَ بِالْفَاسِدِ»؛ لِأَنَّكُمْ إِنْ تَتَّقُوا، وَلَا تَرْضَوْا بِالْفَاسِدِ، وَتَجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ، يَجْعَلِ اللَّهُ لَكُمُ مَخْرَجًا مِنْ حَيْثُ لَا تَحْتَسِبُونَ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَيَجْعَلْ لَكُمْ نُورًا تَمْشُونَ بِهِ، وَيَغْفِرْ لَكُمْ مَا قَدْ سَلَفَ؛ لِأَنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ؛ كَمَا قَالَ: ﴿وَالَّذِينَ اجْتَنَبُوا الطَّاغُوتَ أَنْ يَعْبُدُوهَا وَأَنَابُوا إِلَى اللَّهِ لَهُمُ الْبُشْرَى﴾[١]. إِنِّي أُبَشِّرُكُمُ الْآنَ بِأَنَّ اللَّهَ لَمْ يُخَيِّرْْ عِبَادَهُ بَيْنَ الْفَاسِدِ وَالْأَفْسَدِ، وَقَدْ كَانَ أَحْكَمَ وَأَكْرَمَ مِنْ أَنْ يَفْعَلَ ذَلِكَ، بَلْ جَعَلَ مِنْ دُونِ الْفَاسِدِ وَالْأَفْسَدِ صَالِحًا، لَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ. إِنِّي قَدْ جِئْتُكُمُ الْآنَ لِأُخْبِرَكُمْ بِهِ وَأَكْشِفَ عَنْهُ بَعْدَ أَمَدٍ طَالَ عَلَيْكُمْ، لَعَلَّكُمْ تُبْصِرُونَ. قَدْ جِئْتُكُمُ الْآنَ بِبَلَاغٍ فِيهِ فَرَجٌ لَكُمْ، وَلَعَلَّ اللَّهَ قَدْ بَدَأَ بِأَمْرٍ قَدْ عُمِّيَ عَلَيْكُمْ؛ لِأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ. فَإِنْ ثَبَتَتْ قَدَمِي عَلَى الْأَرْضِ وَلَمْ يَتَخَطَّفْنِي مِنْهَا رِجَالٌ يُرِيدُونَ أَنْ لَا يُعْبَدَ اللَّهُ فِيهَا كَلَّمْتُكُمْ وَبَيِّنْتُ لَكُمُ الْحَقَّ، حَتَّى يَحْفَظَهُ الصِّبْيَانُ وَتَصِفَهُ رَبَّاتُ الْخُدُورِ، وَإِنْ أُخِذَتْ قَدِمِي وَنُزِعْتُ مِنَ الْأَرْضِ فَلَا أُبَالِي؛ لِأَنِّي لَسْتُ بِخَيْرٍ مِنْ آبَائِي.[٢]
وقد صرّح في سائر آثاره بأنّ الصالح الذي ينبّه الناس عليه لينتخبوه بدلًا من فاسدهم وأفسدهم هو الإمام المهديّ الذي يظهر دون أدنى شكّ في أيّ يوم ضمنوا فيه حمايته ونصرته بما فيه الكفاية، سواء كان حيًّا في الوقت الحالي كما يعتقد هذا العالم العظيم أو غير حيّ كما يظنّ آخرون، وهذا ما أراد بقوله الذي أخبرنا به بعض أصحابه، قال:
كَانَتِ انْتِخَابَاتٌ فِي الْمَدِينَةِ فَقَالَ لِيَ الْمَنْصُورُ: هَلِ انْتَخَبَ النَّاسُ سُلْطَانَهُمْ؟ قُلْتُ: نَعَمْ، انْتَخَبُوا فُلَانًا! قَالَ: لَوِ انْتَخَبُوا الْمَهْدِيَّ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ! قُلْتُ: مَا كَانَ مُرَشَّحًا فِيهَا جُعِلْتُ فِدَاكَ! قَالَ: مَا مِنِ انْتِخَابَاتٍ إِلَّا وَهُوَ مُرَشَّحٌ فِيهَا، وَلَكِنَّ النَّاسَ لَا يَنْتَخِبُونَهُ.
من الواضح أنّ الإمام المهديّ ليس مرشّحًا في أيّ انتخابات بصورة ظاهريّة بأن يكون أحد المرشّحين المعروفين فيها، ولكنّه مرشّح في كلّ انتخابات بصورة معنويّة، بمعنى أنّه أحد من يمكن الناس انتخابه كلّما أرادوا انتخاب حاكم، حتّى كأنّه أحد المرشّحين في كلّ انتخابات، وهذا من باب التشبيه والإستعارة.
٢ . إنّما يكون دفع الأفسد بالفاسد جائزًا إذا لم يكن الدوران بينهما ناشئًا من سوء اختيار المكلّف، فإذا كان الدوران بينهما ناشئًا من سوء اختيار المكلّف، فـ﴿ذَلِكَ بِمَا قَدَّمَتْ يَدَاكَ وَأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾[٣]؛ كما قال تعالى: ﴿فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ﴾[٤]، وهذا باغٍ أو عادٍ، فعليه إثم، وقد بيّن السيّد المنصور في كتبه ورسائله وأقواله الطيّبة أنّ تعذّر الوصول إلى الإمام المهديّ هو ناشئ من تقصير الناس في حمايته ونصرته واشتغالهم بغيره من الحكّام المتفرّقين. فإن فرضنا أنّه ليس أمامهم خيار غير انتخاب الفاسد أو الأفسد، فذلك ناشئ من سوء اختيارهم، ومن ثمّ لا يعتبر عذرًا لهم في انتخاب الفاسد، بل هم آثمون في انتخابه ومعاقبون عليه، وإن لم يكن لهم بدّ من ذلك، ﴿وَمَا ظَلَمَهُمُ اللَّهُ وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ﴾[٥].
٣ . إنّما يكون لدفع الأفسد بالفاسد وجه إذا كان من المعلوم أيّهما الفاسد وأيّهما الأفسد! وأنّى للناس أن يعلموا ذلك؟! ﴿أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ﴾[٦]، ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾[٧]؟! فكم من رجل متظاهر بالخير وهو من شرّ الناس، وكم من رجل يظنّ الناس به شرًّا وهو من خيرهم؛ كما قال تعالى: ﴿وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ ۗ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ﴾[٨]، وقال: ﴿وَعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ۖ وَعَسَى أَنْ تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَكُمْ ۗ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ﴾[٩]، وقد يكون الذي يتظاهر بالإيمان شرًّا من الذي يتظاهر بالكفر؛ لأنّ ذلك كافر وهذا منافق، والمنافق شرّ وأضرّ بالإسلام والمسلمين من الكافر؛ كحكّام إيران الذين يدّعون الحكومة الإسلاميّة والتشيّع لأهل البيت، وقد قصموا ظهر الإسلام بسوء أعمالهم ونصبوا العداوة للسيّد المنصور الذي يدعو إلى حكومة أهل البيت، أو حكّام السعوديّة الذين يدّعون نشر التوحيد ورئاسة الدّول الإسلاميّة، وهم أبعد الناس من التوحيد وأشدّهم موالاة لأعداء المسلمين. فأنّى للناس أن يعلموا الفاسد من الأفسد؟!