هل يجوز الإستخارة؟ في أيّ الأمور؟ هل ينبغي أن يقوم بها شخص معيّن في وقت معيّن؟
«الإستخارة» معناها طلب الخير من اللّه، وهي مسنونة قبل كلّ أمر مهمّ؛ كما صحّ عن جابر بن عبد اللّه الأنصاريّ أنّه قال: «كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُعَلِّمُنَا الْإِسْتِخَارَةَ فِي الْأُمُورِ كَمَا يُعَلِّمُنَا السُّورَةَ مِنَ الْقُرْآنِ، يَقُولُ: إِذَا هَمَّ أَحَدُكُمْ بِالْأَمْرِ، فَلْيَرْكَعْ رَكْعَتَيْنِ مِنْ غَيْرِ الْفَرِيضَةِ، ثُمَّ لِيَقُلِ: اللَّهُمَّ إِنِّي أَسْتَخِيرُكَ بِعِلْمِكَ، وَأَسْتَقْدِرُكَ بِقُدْرَتِكَ، وَأَسْأَلُكَ مِنْ فَضْلِكَ الْعَظِيمِ، فَإِنَّكَ تَقْدِرُ وَلَا أَقْدِرُ، وَتَعْلَمُ وَلَا أَعْلَمُ، وَأَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ، اللَّهُمَّ إِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ خَيْرٌ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاقْدُرْهُ لِي، وَيَسِّرْهُ لِي، ثُمَّ بَارِكْ لِي فِيهِ، وَإِنْ كُنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْأَمْرَ شَرٌّ لِي فِي دِينِي وَمَعَاشِي وَعَاقِبَةِ أَمْرِي -أَوْ قَالَ: فِي عَاجِلِ أَمْرِي وَآجِلِهِ- فَاصْرِفْهُ عَنِّي، وَاصْرِفْنِي عَنْهُ، وَاقْدُرْ لِي الْخَيْرَ حَيْثُ كَانَ، ثُمَّ رَضِّنِي بِهِ»[١]. لا شكّ أنّ الإستخارة بهذا المعنى عمل لا بأس به، بل هو من الصالحات؛ لأنّه من دعاء اللّه، وقد قال تعالى: ﴿ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ﴾[٢]، ولكن هناك عمل آخر بين الشيعة يسمّونه الإستخارة ويهتمّون به، وهو أنّهم إذا أرادوا أمرًا أخذوا المصحف وفتحوه، فنظروا إلى أوّل آية من الصفحة الأولى، فإن كانت أمرًا أو بشارة فعلوا، وإن كانت نهيًا أو إنذارًا تركوا، ومنهم من يفعل مثل هذا بالسبحة، فيأخذها ويقبض عليها، ثمّ يعدّ اثنتين اثنتين، فإن بقيت واحدة فهو افعل، وإن بقيت اثنتان فهو لا تفعل، مع أنّ مثل هذا ليس من الإستخارة في شيء، بل هو من «الإستقسام» الذي كان شائعًا في الجاهليّة، فجاء الإسلام بإبطلاله وتحريمه؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
اسْتَشَرْتُ الْمَنْصُورَ فِي بَعْضِ أَمْرِي، فَقَالَ: لَا عَلَيْكَ أَنْ تَفْعَلَهُ، فَقُلْتُ: سَوْفَ أَسْتَخِيرُ لِذَلِكَ، قَالَ: وَكَيْفَ تَسْتَخِيرُ؟ قُلْتُ: آخُذُ الْمُصْحَفَ فَأَفْتَحُهُ، فَأَنْظُرُ فِي أَوَّلِ سَطْرٍ مِنَ الصَّفْحَةِ الْيُمْنَى، فَأَفْعَلُ إِذَا كَانَ أَمْرًا أَوْ بِشَارَةً، وَأَتْرُكُ إِذَا كَانَ غَيْرَ ذَلِكَ، فَقَالَ: لَيْسَ هَذَا مِنَ الْإِسْتِخَارَةِ، وَلَكِنَّهُ مِنَ الْإِسْتِقْسَامِ.
وهو طلب معرفة النفع والضرّ بالأزلام، أي التفاؤل بها، وهي جمع «الزَّلَم» بمعنى القِدح، وذلك أنّ أهل الجاهليّة كان لديهم أقداح ثلاثة، مكتوب على أحدها: افعل، وعلى الآخر: لا تفعل، والثالث غفل ليس عليه شيء، وقيل: مكتوب على الواحد: أمرني ربّي، وعلى الآخر: نهاني ربّي، والثالث غفل ليس عليه شيء، فكانوا إذا أرادوا سفرًا أو تزويجًا أو أمرًا مهمًّا أخذوا الأقداح فضربوا بها، فإن جاء القدح الآمر فعلوه، وإن جاء الناهي تركوه، وإن جاء الفارغ أعادوا الاستقسام، فنهاهم اللّه عن ذلك أشدّ نهي؛ كما قال بعد ذكر المحرّمات: ﴿وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ ۚ ذَلِكُمْ فِسْقٌ﴾[٣]، وقال: ﴿إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ﴾[٤]، والظاهر أنّ علّة تحريم ذلك أنّه نوع من الكهانة والعرافة؛ لأنّه طلب علم الغيب بالأشياء، وذلك من أعظم الكبائر في الإسلام، بل روي أنّ من أتاه فقد كفر بما أنزل اللّه على محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم[٥]. بالإضافة إلى أنّ توقّع الشرّ والإنصراف عن العمل عند ظهور شيء من المصحف أو السبحة هو مثال واضح على «الطّيرة»، وهي أيضًا من الخرافات الجاهليّة التي جاء الإسلام بإبطلالها وتحريمها؛ كما قال اللّه تعالى: ﴿أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾[٦]، وروي عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّه قال: «الْعِيَافَةُ، وَالطَّرْقُ، وَالطِّيَرَةُ مِنَ الْجِبْتِ»[٧]، وقال: «مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ فَقَدْ قَارَفَ الشِّرْكَ»[٨]، وقال: «مَنْ رَدَّتْهُ الطِّيَرَةُ مِنْ حَاجَةٍ فَقَدْ أَشْرَكَ»[٩]، وقال: «الطِّيَرَةُ شِرْكٌ، وَمَا مِنَّا، وَلَكِنَّ اللَّهَ يُذْهِبُهُ بِالتَّوَكُّلِ»[١٠]، والعجب أنّ الشيعة ينسبون هذا العمل القبيح الذي يعادل الشرك إلى أهل البيت؛ كما روى الكلينيّ (ت٣٢٩هـ) في «الكافي» بسند ضعيف جدًّا عن أبي عبد اللّه جعفر بن محمّد الصادق عليه السلام أنّه قال: «إِذَا أَرَدْتَ أَمْرًا فَخُذْ سِتَّ رِقَاعٍ، فَاكْتُبْ فِي ثَلَاثٍ مِنْهَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، خِيَرَةً مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانَةَ، افْعَلْهُ، وَفِي ثَلَاثٍ مِنْهَا: بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ، خِيَرَةً مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ لِفُلَانِ بْنِ فُلَانَةَ، لَا تَفْعَلْ، ثُمَّ ضَعْهَا تَحْتَ مُصَلَّاكَ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ، فَإِذَا فَرَغْتَ فَاسْجُدْ سَجْدَةً وَقُلْ فِيهَا مِائَةَ مَرَّةٍ: أَسْتَخِيرُ اللَّهَ بِرَحْمَتِهِ خِيَرَةً فِي عَافِيَةٍ، ثُمَّ اسْتَوِ جَالِسًا وَقُلِ: اللَّهُمَّ خِرْ لِي وَاخْتَرْ لِي فِي جَمِيعِ أُمُورِي فِي يُسْرٍ مِنْكَ وَعَافِيَةٍ، ثُمَّ اضْرِبْ بِيَدِكَ إِلَى الرِّقَاعِ، فَشَوِّشْهَا، وَأَخْرِجْ وَاحِدَةً، فَإِنْ خَرَجَ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ افْعَلْ فَافْعَلِ الْأَمْرَ الَّذِي تُرِيدُهُ، وَإِنْ خَرَجَ ثَلَاثٌ مُتَوَالِيَاتٌ لَا تَفْعَلْ فَلَا تَفْعَلْهُ، وَإِنْ خَرَجَتْ وَاحِدَةٌ افْعَلْ وَالْأُخْرَى لَا تَفْعَلْ فَأَخْرِجْ مِنَ الرِّقَاعِ إِلَى خَمْسٍ، فَانْظُرْ أَكْثَرَهَا فَاعْمَلْ بِهِ وَدَعِ السَّادِسَةَ، لَا تَحْتَاجُ إِلَيْهَا»[١١]، وروى أيضًا بغير إسناد «أَنَّهُ قَالَ لِبَعْضِ أَصْحَابِهِ وَقَدْ سَأَلَهُ عَنِ الْأَمْرِ يَمْضِي فِيهِ وَلَا يَجِدُ أَحَدًا يُشَاوِرُهُ، فَكَيْفَ يَصْنَعُ؟ قَالَ: شَاوِرْ رَبَّكَ، فَقَالَ لَهُ: كَيْفَ؟ قَالَ لَهُ: انْوِ الْحَاجَةَ فِي نَفْسِكَ، ثُمَّ اكْتُبْ رُقْعَتَيْنِ فِي وَاحِدَةٍ: لَا، وَفِي وَاحِدَةٍ: نَعَمْ، وَاجْعَلْهُمَا فِي بُنْدُقَتَيْنِ مِنْ طِينٍ، ثُمَّ صَلِّ رَكْعَتَيْنِ وَاجْعَلْهُمَا تَحْتَ ذَيْلِكَ، وَقُلْ: يَا اللَّهُ إِنِّي أُشَاوِرُكَ فِي أَمْرِي هَذَا، وَأَنْتَ خَيْرُ مُسْتَشَارٍ وَمُشِيرٍ، فَأَشِرْ عَلَيَّ بِمَا فِيهِ صَلَاحٌ وَحُسْنُ عَاقِبَةٍ، ثُمَّ أَدْخِلْ يَدَكَ، فَإِنْ كَانَ فِيهَا نَعَمْ فَافْعَلْ، وَإِنْ كَانَ فِيهَا لَا لَا تَفْعَلْ، هَكَذَا شَاوِرْ رَبَّكَ»[١٢]، وروى الطوسيّ (ت٤٦٠هـ) في «تهذيب الأحكام» عن رجل مجهول يقال له «اليسع القمّيّ» أنّه قال: «قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: أُرِيدُ الشَّيْءَ، فَأَسْتَخِيرُ اللَّهَ فِيهِ، فَلَا يُوَفَّقُ فِيهِ الرَّأْيُ، أَفْعَلُهُ أَوْ أَدَعُهُ؟ فَقَالَ: انْظُرْ إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَإِنَّ الشَّيْطَانَ أَبْعَدُ مَا يَكُونُ مِنَ الْإِنْسَانِ إِذَا قَامَ إِلَى الصَّلَاةِ، فَانْظُرْ إِلَى شَيْءٍ يَقَعُ فِي قَلْبِكَ، فَخُذْ بِهِ، وَافْتَحِ الْمُصْحَفَ فَانْظُرْ إِلَى أَوَّلِ مَا تَرَى فِيهِ، فَخُذْ بِهِ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى»[١٣]، ولا شكّ أنّ هذه الروايات باطلة لا أصل لها؛ لأنّها ضعيفة الإسناد، وتخالف كتاب اللّه والثابت من سنّة النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم، وقد جاء عن أهل البيت أنّهم قالوا: «مَا أَتَاكُمْ عَنَّا مِنْ حَدِيثٍ لَا يُصَدِّقُهُ كِتَابُ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»[١٤]، وقد تواتر عن النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم حديث الثقلين، وهو يدلّ على أنّ أهل البيت لا يفارقون القرآن حتّى يردوا عليه الحوض، ولذلك لا يمكن أن يأمروا الناس بالإستقسام الذي قد نهى عنه القرآن بصراحة! بل هذا العمل أشبه بعمل أعدائهم الظالمين والمنافقين؛ كما حكي عن الوليد بن يزيد بن عبد الملك الأمويّ أنّه فتح المصحف يومًا يتفاءل به، فجاء قول اللّه تعالى: ﴿وَاسْتَفْتَحُوا وَخَابَ كُلُّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ﴾[١٥]، فجعل المصحف غرضًا ورماه حتّى خرقه، ثمّ قال: «أَتُوعِدُ كُلَّ جَبَّارٍ عَنِيدٍ ... فَهَا أَنَا ذَاكَ جَبَّارٌ عَنِيدٌ ... فَإِذَا لَاقَيْتَ رَبَّكَ يَوْمَ حَشْرٍ ... فَقُلْ يَا رَبِّ خَرَّقَنِي الْوَلِيدُ»[١٦]! لذلك يمكن القول أنّ التفاؤل بالقرآن هو من أعمال آل أميّة، وليس من أعمال آل محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم؛ كما روي عن آل محمّد صلّى اللّه عليه وآله وسلّم أنّهم نهوا عن ذلك فقالوا: «لَا تَتَفَأَّلْ بِالْقُرْآنِ»[١٧]!
الحاصل أنّ الإستخارة بمعنى طلب الخير من اللّه قبل كلّ أمر مهمّ هو عمل صالح مسنون، لكنّ الإستخارة بمعنى الإستقسام بالمصحف والسبحة وغيرهما من الأشياء هو عمل شركيّ جاهليّ خرافيّ لا أصل له في الإسلام، وقد زيّنه الشيطان لأهل التشيّع حتّى أصبح من عاداتهم العامّة التي يمارسها جهّالهم وعلماؤهم على حدّ سواء، بل ربما يرجع جهّالهم إلى علمائهم ليمارسوه لهم، ومن علمائهم من يأخذ على ذلك أجرًا! ﴿كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾[١٨]! لا شكّ أنّ ذلك ضلال مبين منهم، ويجب عليهم التوبة من ذلك، وإن كان ذلك قليلًا من كثير ضلالاتهم التي قد زُيّنت لهم وهم عليها عاكفون، وقد بيّن السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى كثيرًا منها في كتابه الكبير «العودة إلى الإسلام» وسائر كتبه وأقواله الطيّبة، فليرجعوا إليها وليقرؤوها بعين الإنصاف والتفقّه لعلّهم يهتدون.