صدرت مؤخرًا الطبعة الثالثة من الكتاب القيّم «تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين» في غرة شهر رجب من هذا العام عن مكتب السّيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى، وقد اشتمل هذا الكتاب على دروس جنابه في «أنّ الأرض لا تخلو من رجل عالم بالدّين كلّه، جعله اللّه فيها خليفة وإمامًا وهاديًا بأمره». بمناسبة نشر هذا العمل الثمين الذي يعتبر حدثًا ميمونًا وبشرى لأهل العلم والهدى، سنتناول في صورة هذه المذكرة بعض النقاط حول مميزات هذا الكتاب وقيمته وفائدة كتابته، وبالتالي ضرورة الترويج له والإعلام عنه.
هذا الكتاب، كما جاء في مقدّمته، يتشكّل من ثلاثة فصول:
«الفصل الأوّل بيان ما نزل في القرآن مما يتعلّق بالقضيّة، وفيه تفاسير قيّمة من السيد العلامة حفظه اللّه تعالى»
«الفصل الثاني بيان ما صحّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم ممّا يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته»
«الفصل الثالث بيان ما صحّ عن أهل البيت مما يتعلّق بالقضيّة، مع ذكر شواهده ومتابعاته»[١]
وقد تمّ تأليف هذه الفصول الثلاثة بأسلوب منقّح ومنهج علميّ، ولها مسار منظم ومنطقيّ، وتُعتبر عملًا متميّزًا ومثاليًّا من حيث طريقة الاستدلال وترتيب المواضيع وانتظامها. وكما أشار مؤلّف الكتاب الفاضل، فإنّ كلّ فصل من دروس السّيّد العلّامة يتضمّن «الأصول» بمعنى الآيات أو الأحاديث الصحيحة، و«الشواهد» بمعنى المتابعات والمؤيّدات الروائية الّتي سُرد على إثر الأحاديث الصحيحة إن كانت موجودة ليزيدها قوّة، و«الملاحظات» وهي «بيان من السيد العلامة حفظه اللّه تعالى حول الآية أو ما يتعلّق بالحديث من المعاني وأحوال الرواة وأقوال العلماء وغيرها إن كان موجودًا»[٢]؛ ولا شكّ أن هذا الأسلوب المتماسك والمنطقيّ الّذي تمّت مراعاته في كلّ فصل، من الأصول إلى الفروع، له دور كبير في إقناع المخاطب والإجابة على أسألته وشكوكه حول هذه القضيّة، ولا يقتصر الأمر على هذه القضيّة، بل ينطبق الشيء نفسه أيضًا فيما يتعلّق بأيّ قضيّة أخرى نحاول إثباتها؛ لأنه لو افترضنا أنّه من أجل إثبات أيّ مسألة للمخاطب المسلم، فإنّ لدينا العديد من آيات القرآن الكريم مع تفسيرها الواضح، بالإضافة إلى مجموعة غنيّة من الأحاديث الصحيحة لمصادر الفريقين المعتبرة الّتي تمّ تحليل نصوصها وسندها واحدًا تلو الآخر بأسلوب تحقيقيّ ونقديّ، وقد تمّ التأكد من «موافقة معناها لكتاب اللّه والثابت من السنّة والعقل السليم» و«اشتهار رواتها بالوثاقة أو الصدق عند أصحابهم دون مخالفيهم»[٣]، وبعد ذلك تكون لدينا مجموعة كاملة من المؤيّدات والشواهد الرّوائية الّتي تصل في بعض الأحيان إلى أكثر من عشرة شواهد على إثر حديث صحيح، تكون تلك المسألة ثابتة عند العقلاء وأهل العلم والإنصاف، ولا يبقى أيّ مقال في صحّتها عندهم على القاعدة؛ وأيضا بالإضافة إلى ما سبق، الملاحظات والتذكيرات العلميّة الدقيقة للسّيّد العلامة الّتي وردت في مكانها بشكل مناسب جدًّا، فإنّها تلعب دورًا مهمًّا في فهم الموضوع وتثبيته. ولهذا يمكن القول بأنّ الكتاب الكريم «تنبيه الغافلين» نجح بشكل جيّد من النّاحية المنهجيّة، ومهّد الطريق لإقناع المخاطب المسلم بوجود خليفة للّه في الأرض. ومع ذلك، فإن كتابة هذا الكتاب ونشره ضروريّ للغاية ومهمّ ومفيد من عدّة جوانب، وبشرط الدعاية الكافية عنها يمكن أن يكون لها آثار مباركة جدًّا على المسلمين، بل على العالمين، وسنذكر بعضها فيما يلي:
١ . كما جاء في الكتاب القيّم «هندسة العدل»، فإنّ السبب الحقيقيّ والجذر الأصلي لجميع مشاكل الإنسان الفرديّة والإجتماعيّة، بما في ذلك المشاكل السياسيّة والثقافيّة والإقتصاديّة والكوارث الإنسانية بسبب حدوث الحروب والاضطرابات وغيرها، هو عدم حاكميّة خليفة اللّه، وبالتالي عدم تحقيق العدل المطلق العالميّ في الأرض وعدم حاكمية خليفة اللّه في الأرض، يعود قبل كلّ شيء إلى الإهمال العميق والغريب من المسلمين لخليفة اللّه وعدم معرفتهم به. ومن المؤسف أنّ كثيرًا من المسلمين في عصرنا هذا لا يقولون بضرورة وجود خليفة للّه في الأرض كإمام مطاع ومنصوب من عند اللّه تعالى، ويعتبرون ذلك مخالفًا لمعتقداتهم الإسلاميّة والقراءة الرّسميّة لمذهبهم، وبالتالي لا يتّخذون أيّ إجراء للتعرّف عليه ومساعدته. في مثل هذا الوضع الذي ظهر فيه هذا الإهمال الكبير والانحراف الكثير عن أسس الإسلام، فإنّ نشر الكتاب القيم «تنبيه الغافلين» بأسس متينة ومنهج حكيم وموقف فوق المذاهب يمكن أن يكون خطوة مهمّة نحو الإصلاح الجذري والبنيويّ للإنحراف المذكور، ويتسبّب في صحوة وحركة مختلف الأفراد والجماعات من المسلمين، ويؤدّي إلى تيار جادّ وشامل تدريجيًّا للوعي حول خليفة اللّه في الأرض ويغيّر المعادلات لصالحه وفي اتجاه دعمه.
٢ . التذكير بضرورة وجود خليفة للّه في الأرض، وبالتالي ضرورة التعرّف عليه ومساعدته، هو خطوة لتحقيق حاكمية اللّه والتخلّص من حاكمية الشيطان؛ لأنه كما بيّن السّيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه في كتابه «العودة إلى الإسلام»، فإنّ الولاية والبيعة في الإسلام حصرية ومقصورة على اللّه تعالى، وهو وحده الذي يعيّن الحاكم وصاحب الولاية على النّاس؛ ولهذا السبب فإن مبايعة من لم يجعل اللّه له ولاية ولم يجعل له سلطة على الناس، تعتبر مبايعة للطاغوت، وبعبارة أخرى مبايعة للشيطان، وبالتالي فإنّ الحكومة التي تقوم على هذه البيعة هي حكومة الشيطان[٤]، وبالتالي يكون كلّ ظلم وفساد وجرم وانحراف ممكنًا بل شائعًا فيها؛ ولكن حاكمية اللّه تعالى يتجلّى في حاكمية خليفته، وكلّ خير وصلاح متوقّف على تحقيقها، وهذه الحاكمية هي التي تحقّق العدل والقسط لأهل العالم. ولذلك يمكننا أن نقول بصراحة أنّ الكتاب القيّم «تنبيه الغفلين» يمنع المسلمين من تأييد ومرافقة حكومة الشيطان، ويدعوهم إلى إقامة حكومة اللّه في الأرض.
٣ . الإعتقاد بضرورة وجود خليفة للّه في الأرض، مقدمة وأرضية مناسبة، بل هو الضامن لوحدة المسلمين في القضايا النظرية ووحدة نهجهم في القضايا العملية؛ لأنّه يضعهم في جبهة واحدة قبل تحقيق حكومة خليفة اللّه في الأرض لمساعدته ودعمه ويوحّدهم عمليًّا من خلال التمسك بحبله، وبعد تحقيق حكومته فإنّه سيمنع اختلافهم وانقسامهم بلا شكّ؛ لأنّ خليفة اللّه هو سلطانهم وحاكمهم في ذلك اليوم، ويعتبر حكمه مطاعًا لهم وفصل الخطاب. مع أنّه إذا لم يعتقد المسلمون بضرورة وجود خليفة للّه في الأرض، فسوف يتّبعون العلماء الجهّال والحكّام الفاسدين، وبهذا يتزايد جهلهم واختلافهم وشقاقهم يومًا بعد يوم، ويبتعدون عن بعضهم البعض؛ كما هو حالهم اليوم! إذًا يمكن اعتبار كتابة ونشر هذا الكتاب القيّم خطوة هامّة وفعّالة نحو تحقيق الوحدة والإلتقاء بين المسلمين في العالم.
٤ . إحدى أهمّ وأبرز النقاط التي أثبتها وأكّد عليها الكتاب الشريف «تنبيه الغافلين» بالأدلة القوية واليقينية من القرآن الكريم والسنة الصحيحة، هي أنّ الأرض لا تخلو من خليفة اللّه أبدًا، وما من زمان إلا ويكون خليفة اللّه حاضرًا فيه؛ لأنّه حجّة اللّه على عباده، وواسطته لنقل العلم والهداية إليهم. بناءً على هذا، فإنّ كلّ من لا يعرفه ولا يرجع إليه فهو محروم من العلم والهداية والمعرفة الحقيقيّة للإسلام. هذه النقطة لها أهميّة خاصة، وتثبت ضرورة وجود خليفة للّه في الأرض، وتؤكّد على ديمومة هذه الخلافة واستمرارها، وبعبارة أخرى تذكّر بأنّ كلّ ما قيل عن خليفة اللّه في الأرض حتى الآن هو متاح للناس اليوم؛ هذا يعني أنّه يمكن للناس بل يجب عليهم أن يرجعوا إليه للحصول على علم وهداية ومعرفة للإسلام الحقيقي والتخلص من الضلال في دينهم وبالطبع لإقامة الإسلام. بالضبط هذا هو الموضع الّذي يتمّ طرح حوار السّيّد العلّامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى تحت عنوان «التمهيد لظهور المهديّ وحكومته»، وسيدرك المخاطب بقراءته أنّ عليه واجبًا عظيمًا تجاه خليفة اللّه وتحقيق حكومته، دون أن يعتبر ذلك صعبًا ومعقدًا وبعيد المنال؛ كما أنّ إقامة حكومة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم تمّ من خلال التمهيد وتقديم المقدّمات اللازمة من قِبل مسلمي المدينة. بناءً على ذلك، يمكن القول بأنّ من الخدمات الجليلة والمميزة لكتاب «تنبيه الغافلين على أنّ في الأرض خليفة للّه ربّ العالمين» هو التذكير الفعال بقضيّة خليفة اللّه في الأرض باعتبارها خيارًا ممتازًا ومتاحًا للمسلمين، وبالتالي إبطال مكر الشياطين الّذين بجهودهم الشريرة والمتواصلة يظهرون تحقيق حكومة خليفة اللّه على الأرض كخيار لا يمكن الوصول إليه حتى لا يستطيع أن يحكم بهذه الطريقة!
ومن هنا يُعرف أنّ هذا الكتاب هديّة ثمينة للعالم الإسلاميّ، ونداء صحوة لهؤلاء المسلمين الذين هم في غفلة عن خليفة اللّه ووجوده في الأرض، ولم يعرفوا واجبهم تجاهه حتى الآن. ومن المؤمّل أن يعمل هذا الكتاب إذا تمّ الإهتمام به والترويج له على قدر الكفاية كحلقة مفقودة ومفتاح ذهبيّ لمجموعة من المسلمين الحنفاء والأحرار ويسهل عليهم أن يفهموا ضرورة التمهيد لظهور خليفة اللّه في الأرض ونصرته ودعمه لتحقيق حكومته، وبالتالي وضع أيديهم في يد خليفة اللّه في الأرض الإمام المهدي عليه السلام ان شاء اللّه.
لمزيد من المعلومات حول الإمام المهدى عليه السلام كآخر خلفاء النّبي صلّى اللّه عليه وآله وسلّم راجع الكتاب القيّم «العودة إلى الإسلام»[٥]، ولمعرفة كيفية التمهيد لظهور الإمام المهدي عليه السلام والخطوات التي يجب اتخاذها في هذا الاتجاه راجع الكتاب القيم «هندسة العدل»[٦].