ما حكم إطلاق «الإمام» على غير رسول اللّه وخلفائه الإثني عشر؟
«الإمام» يعني من يؤتمّ به، ولذلك لا يجوز إطلاق الإمام على أحد إلا إذا كان الإئتمام به جائزًا على الإطلاق؛ لأنّ إطلاق الإمام على من لا يجوز الإئتمام به على الإطلاق كذب، وإن كان من الصحيح تسميته بالإمام مقيّدًا، مثل «إمام الجماعة» لمن يؤتمّ به في الصلاة، و«إمام اللغة» لمن يقبل قوله فيها، و«إمام الحديث» لمن يقبل قوله فيه، ومثل ذلك. بناء على هذا، فإنّ من يسمّي نفسه إمامًا دون قيد، أو يسمّيه الآخرون إمامًا دون قيد وهو لا ينهاهم عن ذلك، لا يخلو من حالتين: إمّا أنّ اللّه قد أذن بالإئتمام به مطلقًا، فإنّ إطلاق الإمام عليه في هذه الحالة هو عبادة اللّه، أو أنّ اللّه لم يأذن بالإئتمام به مطلقًا، فإنّ إطلاق الإمام عليه في هذه الحالة هو عبادة الطاغوت أو مثلها؛ لأنّ الإمام في كتاب اللّه قد أُطلق على رجلين: أحدهما رجل يهدي بأمر اللّه؛ كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَهْدُونَ بِأَمْرِنَا﴾[١]، والآخر رجل يهدي بغير أمر اللّه؛ كما قال تعالى: ﴿وَجَعَلْنَاهُمْ أَئِمَّةً يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ﴾[٢] دون قيد ﴿بِأَمْرِنَا﴾ وبالتالي، فإنّ إطلاق الإمام على غير خليفة اللّه في الأرض، إذا كان عن اعتقاد بوجوب الإئتمام به مثل الإئتمام بخليفة اللّه في الأرض فهو شرك، وإذا كان بدون هذا الإعتقاد فهو سوء تعبير وتشبّه بالمشركين، في حين أنّ اللّه تعالى قال: ﴿يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَقُولُوا رَاعِنَا وَقُولُوا انْظُرْنَا﴾[٣]، وقال: ﴿ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ ۖ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ ۚ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ ۚ أَنَّى يُؤْفَكُونَ﴾[٤] ومن ثمّ، نهى المنصور عن ذلك نهيًا باتًّا؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
«قَامَ الْمَنْصُورُ فِينَا خَطِيبًا، فَوَعَظَنَا وَأَحْسَنَ وَعْظَنَا، حَتَّى اقْشَعَرَّتِ الْجُلُودُ وَرَجَفَتِ الْقُلُوبُ وَبَكَتِ الْعُيُونُ وَرُفِعَتِ الْأَصْوَاتُ! فَلَمَّا جَلَسَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا فَمَدَحَهُ وَقَالَ لَهُ فِي مَدْحِهِ: إِنَّكَ لَأَنْتَ إِلَهُ الْوَاعِظِينَ! فَغَضِبَ الْمَنْصُورُ غَضَبًا شَدِيدًا وَقَالَ لَهُ: أُسْكُتْ -أَسْكَتَكَ اللَّهُ- فَإِنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَمَّا أَنَا فَمُعَلِّمُ خَيْرٍ! فَقَالَ لَهُ الْمَادِحُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي مَا عَنَيْتُ مِنَ الْإِلَهِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنَّهُ كَلِمَةٌ يَقُولُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ! فَقَالَ لَهُ: وَهَلْ أَهْلَكَ النَّصَارَى إِلَّا كَلِمَةٌ يَقُولُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ؟! ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾[٥]! ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: اعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ -يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ- فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيضُ وَيُفَرِّخُ! فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَلْ لَنَا أَنْ نُسَمِّيَكَ الْإِمَامَ كَمَا يُسَمِّي النَّاسُ قَادَتَهُمْ؟ قَالَ: لَا، ذَاكَ اسْمٌ لَا يَتَسَمَّى بِهِ غَيْرُ الْمَهْدِيِّ إِلَّا دَجَّالٌ»[٦].