١ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدٍ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: كُنَّا عِنْدَ الْمَنْصُورِ الْهَاشِمِيِّ الْخُرَاسَانِيِّ، فَأَقْبَلَ عَلَيْنَا وَقَالَ: إِنَّ الدَّجَّالَ يَأْتِيكُمْ مِنْ هَاهُنَا -وَأَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى الْمَغْرِبِ- فَيَقُولُ: ﴿أَنَا رَبُّكُمُ الْأَعْلَى﴾[١]، وَيَكْذِبُ، لِأَنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّ رَبَّكُمْ لَيْسَ بِأَعْوَرَ، مَكْتُوبٌ بَيْنَ عَيْنَيْهِ: كَافِرٌ!
٢ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْهَرَوِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: إِنَّ الدَّجَّالَ يُعَارِضُ الرَّبَّ فِي عِلْمِهِ وَقُدْرَتِهِ، وَهُوَ أَهْوَنُ عَلَيْهِ مِنَ الذُّبَابِ، فَيَقُولُ: ﴿أَنَا أُحْيِي وَأُمِيتُ﴾[٢]، وَيَقُولُ: ﴿سَأُنْزِلُ مِثْلَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ﴾[٣]، وَيَقُولُ: ﴿إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِنْدِي﴾[٤]! أَوَلَمْ يَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ قَدْ أَهْلَكَ مِنْ قَبْلِهِ مِنَ الْقُرُونِ مَنْ هُوَ أَشَدُّ مِنْهُ قُوَّةً وَأَكْثَرُ جَمْعًا؟! أَلَا إِنَّ الدَّجَّالَ كَافِرٌ بِرَبِّهِ، أَلَا إِنَّ الدَّجَّالَ شَيْطَانٌ مَرِيدٌ، ﴿كُتِبَ عَلَيْهِ أَنَّهُ مَنْ تَوَلَّاهُ فَأَنَّهُ يُضِلُّهُ وَيَهْدِيهِ إِلَى عَذَابِ السَّعِيرِ﴾[٥].
٣ . أَخْبَرَنَا وَلِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ السَّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: إِنَّ الدَّجَّالَ يَنْظُرُ بِعَيْنٍ وَاحِدَةٍ، فَيَرَى الدُّنْيَا وَلَا يَرَى الْآخِرَةَ، وَإِنَّهُ يَأْتِي النَّاسَ وَفِي كَفِّهِ الْيُمْنَى جَنَّةٌ وَفِي كَفِّهِ الْيُسْرَى نَارٌ، فَمَنْ آمَنَ بِهِ دَخَلَ جَنَّتَهَ، وَمَنْ كَفَرَ بِهِ دَخَلَ نَارَهُ، وَإِنَّ جَنَّتَهُ نَارٌ وَإِنَّ نَارَهُ جَنَّةٌ، فَاتَّقُوا اللَّهَ وَلَا تَدْخُلُوا جَنَّةَ الدَّجَّالِ!
٤ . أَخْبَرَنَا جُبَيْرُ بْنُ عَطَاءٍ الْخُجَنْدِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: مَا مِنْ نَبِيٍّ مِنْ بَعْدِ نُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ إِلَّا أَنْذَرَ أُمَّتَهُ الْمَسِيحَ الدَّجَّالَ، وَإِنَّ نَبِيَّكُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْذَرَكُمْ بِهِ، وَقَالَ: إِنَّهُ أَعْوَرُ، وَإِنَّهُ يَجِيءُ بِمِثْلِ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ، وَإِنِّي أُنَبِّئُكُمْ بِاسْمِهِ لِتَعْرِفُوهُ، اسْمُهُ: الْحَدَاثَةُ بْنُ إِبْلِيسَ!
٥ . أَخْبَرَنَا ذَاكِرُ بْنُ مَعْرُوفٍ الْخُرَاسَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: إِنَّ الدَّجَّالَ ذُو عَيْنٍ وَاحِدَةٍ، يَنْظُرُ بِهَا إِلَى مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا، لَا يَكَادُ يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ، يَزْعُمُ النَّاسُ أَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ، فَيُحْيِي الْمَوْتَى، وَيُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَيُنَبِّئُ بِمَا فِي الْأَرْحَامِ، وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ، وَيَلِجُ فِي الْأَرْضِ، وَيَعْرُجُ فِي السَّمَاءِ، وَيَسْتَخْرِجُ الْكُنُوزَ، وَيَخْلُقُ الْإِنْسَانَ فِي قَارُورَةٍ كَمَا يَخْلُقُهُ اللَّهُ فِي الْأَرْحَامِ، وَيَسِيرُ كَمَا يَسِيرُ الرِّيحُ الصَّرْصَرُ، يَمْلِكُ الْمَالَ وَالْمَكِنَةَ، فَلَا يُعْطِيهِمَا إِلَّا مَنْ عَبَدَهُ، وَهُمُ الْيَهُودُ، ثُمَّ النَّصَارَى، ثُمَّ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُمْ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يَنْزِلُ بَيْتَ الْمَقْدِسِ! فَسَكَتَ، فَرَءَانَا نَنْظُرُ إِلَيْهِ وَكَأَنَّ عَلَى رُؤُوسِنَا الطَّيْرَ، فَقَالَ: أَنَا أُنَبِّئُكُمْ بِتَأْوِيلِهِ، إِنَّهُ الْحَدَاثَةُ!
٦ . أَخْبَرَنَا يُونُسُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْخَتْلَانِيُّ، قَالَ: سَأَلَ الْمَنْصُورَ رَجُلٌ عَنِ الدَّجَّالِ، فَقَالَ: إِنَّهُ سَاحِرٌ يَهُودِيٌّ، يَأْتِي مِنَ الْمَغْرِبِ، فَيَقُولُ: إِنِّي مَسِيحٌ لَكُمْ، أُبْرِئُ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ، وَأُحْيِي الْمَوْتَى، وَأَرْزُقُكُمْ مِنَ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ، فَيَسْحَرُ النَّاسَ، فَيُؤْمِنُونَ بِهِ عَلَى خَوْفٍ وَطَمَعٍ، إِلَّا عِصَابَةٌ مِنْهُمْ، فَيَأْتِي هَؤُلَاءِ الْعِصَابَةُ إِلَى رَجُلٍ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، فَيُبَايِعُونَهُ، فَيَخْرُجُونَ عَلَى الدَّجَّالِ، ثُمَّ لَا يَزَالُونَ يُقَاتِلُونَهُ حَتَّى يَنْزِلَ فِيهِمْ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ.
٧ . أَخْبَرَنَا أَبُو إِبْرَاهِيمَ السَّمَرْقَنْدِيُّ، قَالَ: قُلْتُ لِلْمَنْصُورِ: إِنَّا كُنَّا نَزْعُمُ أَنَّ الدَّجَّالَ رَجُلٌ حَتَّى أَخْبَرْتَنَا بِأَنَّهُ الْحَدَاثَةُ، قَالَ: إِنَّهُ رَجُلٌ، قُلْتُ: أَفَلَا أَخْبَرْتَنَا بِأَنَّهُ الْحَدَاثَةُ؟! قَالَ: إِنَّهُ رَئِيسُهَا وَقَائِدُهَا، وَإِنَّ الدَّجَّالَ لَقَبٌ كَفِرْعَوْنَ، يَتَوَارَثُهُ رِجَالٌ مِنْ آلِ إِبْلِيسَ! قُلْتُ: نَعُوذُ بِاللَّهِ! فَمَنْ هَذَا الدَّجَّالُ الَّذِي يَقْتُلُهُ عِيسَى بْنُ مَرْيَمَ؟ قَالَ: هُوَ الدَّجَّالُ الْأَكْبَرُ، وَهُوَ آخِرُ الدَّجَّالِينَ.
٨ . أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ دَاوُودَ الْفَيْضآبَادِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْعَالِمَ يَقُولُ: إِنَّ الدَّجَّالَ رَجُلٌ وَلَدَهُ إِبْلِيسُ وَرَبَّاهُ، وَجَعَلَهُ فِي رَأْسِ الْهِرَمِ، قُلْتُ: وَمَا الْهِرَمُ؟! قَالَ: نِظَامُ السُّلْطَةِ.
٩ . أَخْبَرَنَا عِيسَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْجُوزَجَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: الدَّجَّالُونَ ثَلَاثَةٌ: مِنْهُمْ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِالرَّبِّ حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: إِنَّهُ رَبٌّ، وَمَا هُوَ بِرَبٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِالنَّبِيِّ حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: إِنَّهُ نَبِيٌّ، وَمَا هُوَ بِنَبِيٍّ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَتَشَبَّهُ بِالْإِمَامِ حَتَّى يَقُولَ النَّاسُ: إِنَّهُ إِمَامٌ، وَمَا هُوَ بِإِمَامٍ، وَهَذَا أَكْبَرُهُمْ! قُلْتُ: كَيْفَ صَارَ هَذَا أَكْبَرَهُمْ، وَهُوَ يَتَكَلَّفُ دُونَ الْإِثْنَيْنِ؟! قَالَ: لِأَنَّ فِتْنَتَهُ أَشَدُّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ!
١٠ . أَخْبَرَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِمِ الطِّهْرَانِيُّ، قَالَ: جَزَى اللَّهُ الْمَنْصُورَ خَيْرًا! مَا تَكَلَّمَ بِشَيْءٍ إِلَّا وَفَتَحَ بَابًا مِنَ الْعِلْمِ، أَوْ أَغْلَقَ بَابًا مِنَ الْجَهْلِ، وَإِنِّي سَمِعْتُهُ يَقُولُ: لَيْسَ الْإِمَامُ مَنْ يُسَمَّى إِمَامًا، وَلَكِنَّ الْإِمَامَ مَنْ يُقَلَّدُ، وَهُوَ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِمَامَانِ: إِمَامٌ جَعَلَهُ اللَّهُ لِلنَّاسِ إِمَامًا، فَيَهْدِي بِأَمْرِ اللَّهِ، وَهُوَ خَلِيفَةُ اللَّهِ الْمَهْدِيُّ، وَإِمَامٌ مِنْ دُونِهِ، وَهُوَ خَلِيفَةُ الشَّيْطَانِ الدَّجَّالُ! فَاتَّقُوا اللَّهَ يَا بَنِي آدَمَ، وَلَا تَتَّخِذُوا الدَّجَّالَ إِمَامًا!
١١ . أَخْبَرَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الطَّالَقَانِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: كُلُّ مَنْ تَسَلَّطَ عَلَى النَّاسِ بِغَيْرِ إِذْنِ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: مَنْ أَطَاعَنِي فَقَدْ أَطَاعَ اللَّهَ، وَمَنْ عَصَانِي فَقَدْ عَصَى اللَّهَ، فَهُوَ دَجَّالٌ، وَإِنْ كَانَ ذَا عِلْمٍ وَصَلَاحٍ! قُلْتُ: بِمَاذَا يُعْرَفُ إِذْنُ اللَّهِ؟ قَالَ: إِنَّمَا يُعْرَفُ إِذْنُ اللَّهِ بِآيَةٍ بَيِّنَةٍ، أَوْ وَصِيَّةٍ ظَاهِرَةٍ، قُلْتُ: وَمَا آيَةٌ بَيِّنَةٌ؟ قَالَ: آيَةٌ وَعَدَهَا نَبِيٌّ أَوْ وَصِيُّ نَبِيٍّ، كَمَا قَالَ نَبِيٌّ فِي طَالُوتَ: ﴿إِنَّ آيَةَ مُلْكِهِ أَنْ يَأْتِيَكُمُ التَّابُوتُ فِيهِ سَكِينَةٌ مِنْ رَبِّكُمْ وَبَقِيَّةٌ مِمَّا تَرَكَ آلُ مُوسَى وَآلُ هَارُونَ تَحْمِلُهُ الْمَلَائِكَةُ ۚ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَةً لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ﴾[٦]، قُلْتُ: وَمَا وَصِيَّةٌ ظَاهِرَةٌ؟ قَالَ: هِيَ أَنْ تَقْدِمَ مَدِينَةَ نَبِيٍّ أَوْ وَصِيِّ نَبِيٍّ، فَتَسْأَلَ عَنْهَا الْعَامَّةَ وَالصِّبْيَانَ وَالْعَجَائِزَ إِلَى مَنْ أَوْصَى فُلَانٌ؟ فَيَقُولُوا: إِلَى فُلَانِ بْنِ فُلَانٍ، قُلْتُ: وَاللَّهِ مَا أَبْقَيْتَ لِلدَّجَاجِلَةِ مَسْلَكًا يَسْلُكُوهُ! قَالَ: أَنَا مَا أَبْقَيْتُ لَهُمْ؟! بَلِ اللَّهُ مَا أَبْقَى لَهُمْ! أَرَادَ أَنْ يَسُدَّ خَلَّةً فَفَعَلَ! ثُمَّ أَشَارَ بِيَدِهِ إِلَى شَمْسٍ دَاخِلَةٍ فِي الْبَيْتِ، فَقَالَ: أَلَيْسَتْ هَذِهِ الشَّمْسُ بَيِّنَةً؟ قُلْتُ: بَلَى، جُعِلْتُ فِدَاكَ، قَالَ: فَإِنَّ دِينَ اللَّهِ أَبْيَنُ مِنْ هَذِهِ، ﴿لِيَهْلِكَ مَنْ هَلَكَ عَنْ بَيِّنَةٍ وَيَحْيَى مَنْ حَيَّ عَنْ بَيِّنَةٍ ۗ وَإِنَّ اللَّهَ لَسَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[٧].
١٢ . أَخْبَرَنَا صَالِحُ بْنُ مُحَمَّدٍ السَّبْزَوَارِيُّ، قَالَ: سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ يَقُولُ: تَعَوَّذُوا بِاللَّهِ مِنْ فِتْنَةِ الْمَسِيحِ الدَّجَّالِ! قُلْتُ: وَمَا الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ؟ قَالَ: مَنْ يَدَّعِي مَا يُخَالِفُ كِتَابَ اللَّهِ، ثُمَّ يُقِيمُ عَلَيْهِ مُعْجِزَةً، فَهُوَ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ! قُلْتُ: لِمَاذَا يُسَلِّطُهُ اللَّهُ عَلَى إِقَامَةِ الْمُعْجِزَاتِ؟! قَالَ: لِيَعْلَمَ مَنْ يَتَّبِعُ الرَّسُولَ مِمَّنْ يَنْقَلِبُ عَلَى عَقِبَيْهِ، وَقَالَ الرَّسُولُ: لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَقَالَ: لَا نَبِيَّ بَعْدِي، وَقَالَ: الْأَئِمَّةُ بَعْدِي اثْنَا عَشَرَ إِمَامًا!
١٣ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ السَّلَامِ بْنُ عَبْدِ الْقَيُّومِ الْبَلْخِيُّ، قَالَ: دَخَلْتُ عَلَى الْعَبْدِ الصَّالِحِ وَهُوَ فِي مَسْجِدٍ، فَسَمِعْتُهُ يَقُولُ لِلنَّاسِ: أَيُّهَا النَّاسُ! إِذَا أَتَاكُمْ آتٍ بِمَا أَتَى بِهِ الْمَسِيحُ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ قَالَ: إِنِّي إِلَهٌ مِنْ دُونِ اللَّهِ، أَوْ نَبِيٌّ مِنْ بَعْدِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَوْ إِمَامٌ مِنْ بَعْدِ الْمَهْدِيِّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَلَا تُصَدِّقُوهُ، فَإِنَّهُ الْمَسِيحُ الدَّجَّالُ! أَلَا هَلْ بَيَّنْتُ؟! أَلَا هَلْ عَلَّمْتُ؟! ﴿أَنْ تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ﴾![٨]
١٤ . أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ الشِّيرَازِيُّ، قَالَ: قَامَ الْمَنْصُورُ فِينَا خَطِيبًا، فَوَعَظَنَا وَأَحْسَنَ وَعْظَنَا، حَتَّى اقْشَعَرَّتِ الْجُلُودُ، وَرَجَفَتِ الْقُلُوبُ، وَبَكَتِ الْعُيُونُ، وَرُفِعَتِ الْأَصْوَاتُ! فَلَمَّا جَلَسَ قَامَ إِلَيْهِ رَجُلٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، فَمَدَحَهُ، وَقَالَ لَهُ فِي مَدْحِهِ: إِنَّكَ لَأَنْتَ إِلَهُ الْوَاعِظِينَ! فَغَضِبَ الْمَنْصُورُ غَضَبًا شَدِيدًا، وَقَالَ لَهُ: أُسْكُتْ -أَسْكَتَكَ اللَّهُ- فَإِنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَمَّا أَنَا فَمُعَلِّمُ خَيْرٍ! فَقَالَ لَهُ الْمَادِحُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنِّي مَا عَنَيْتُ مِنَ الْإِلَهِ مَا يُعْبَدُ مِنْ دُونِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَلَكِنَّهُ كَلِمَةٌ يَقُولُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ! فَقَالَ لَهُ: وَهَلْ أَهْلَكَ النَّصَارَى إِلَّا كَلِمَةٌ يَقُولُونَهَا بِأَلْسِنَتِهِمْ؟! ﴿كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ ۚ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا﴾![٩] ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى أَصْحَابِهِ وَقَالَ: اعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ -يَغْفِرُ اللَّهُ لَكُمْ- فَإِنَّ الشَّيْطَانَ يَبِيضُ وَيُفَرِّخُ! فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، هَلْ لَنَا أَنْ نُسَمِّيَكَ الْإِمَامَ كَمَا يُسَمِّي النَّاسُ قَادَتَهُمْ؟ قَالَ: لَا، ذَاكَ اسْمٌ لَا يَتَسَمَّى بِهِ غَيْرُ الْمَهْدِيِّ إِلَّا دَجَّالٌ!
شرح القول:
سلام اللّه ورحمته علی هذا العبد الصالح والعالم الصدّیق الذي یبیّن القرآن والسنّة، ویفرّق بین الحقّ والباطل، ویمهّد لخلیفة اللّه في الأرض. أمّا مراده بـ«الحداثة» فهو النظام الجدید الذي یحکم العالم، وقد قام علی أساس إنکار اللّه، وعدم الإیمان بالآخرة، وفصل الدّین عن السیاسة، وإعطاء الأصالة للإنسان، بنهج فرديّ ونفعيّ، وقد نهب کنوز الثقافة والفنّ والأخلاق، مقابل تقدیم مصّاصة من وسائل الراحة، وظهر في أعین المفتونین به کإله یغنیهم من اللّه. هذا النظام العالميّ الجدید مع هذه الأسس الکفریّة والأعمال الشیطانیّة، هو الذي قد جاء من «المغرب»، وجعل الناس «مسحورین»، ووفّر لهم «الجنّة والنار الزائفتین»، واعتبر نفسه «ربّهم الأعلی»، وقام بمعارضة اللّه في علمه وقدرته، مع أنّه «ولد إبلیس»، وأنّه مخلوق «أعور»، أي ناقص ذو بُعد واحد، ویری الدّنیا ولا یری الآخرة، ولذلك یهدي من تولّاه إلی عذاب السعیر، وهم الیهود والنصاری والمسلمون المفتونون الذین یخضعون لقواعده ومتطلّباته، ويعملون على ترویجه وتحقيق أهدافه، وهکذا یعبدونه من دون اللّه. لا شكّ أنّ «نظام السلطة» هذا هو المصداق الأکمل لـ«الدّجّال»، ولکنّ الشخص الذي یترأسه ویدیره بشکل علنيّ أو خفيّ یعتبر أیضًا «دجّالًا»؛ کما أنّ من فرض علی الناس طاعته بغیر إذن اللّه المعلوم بـ«آیة بیّنة» أو «وصیّة ظاهرة»، أو ادّعی أنّه نبيّ بعد محمّد صلّی اللّه علیه وآله وسلّم، أو إمام بعد المهديّ علیه السلام، فهو أحد «الدّجّالین».