يعتقد الشيعة برجعة بعض الأولياء والصدّيقين والشهداء بعد ظهور الإمام المهديّ عليه السلام. ما رأي السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني في هذه القضيّة؟
إنّ رجعة بعض الموتى إلى الدنيا قبل يوم القيامة ليست مستحيلة، بل ممكنة؛ لأنّ اللّه تعالى أخبر عن وقوعها في كتابه وقال: ﴿أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ ۚ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ﴾[١]؛ كما أخبر عن رجعة طائفة من بني إسرائيل بعد أن أخذتهم الصاعقة[٢]، وأخبر عن رجعة عزير عليه السلام بعد أن أماته مائة عام[٣]، وأخبر عن رجعة بعض الموتى بدعاء عيسى عليه السلام وإجابة اللّه[٤]، بل الظاهر من قوله تعالى: ﴿وَحَرَامٌ عَلَى قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ حَتَّى إِذَا فُتِحَتْ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ﴾[٥] أنّ رجعة المهلَكين ليست حرامًا بعد أن فتحت يأجوج ومأجوج؛ لأنّ ﴿حَتَّى﴾ حرف غاية يدلّ على انتهاء الحرمة المذكورة، إلا أنّ انتهاء الحرمة المذكورة لا يستلزم الوجوب. لذلك، فإنّ الإعتقاد بإمكان رجعة بعض الموتى إلى الدنيا قبل يوم القيامة واجب، ولكن ليس من الواجب الإعتقاد بوقوعها الحتميّ؛ لأنّ وقوعها الحتميّ أمر لا يُعرف من القرآن والسنّة المتواترة، ولا يدرك العقل ضرورته، على الرغم من أنّه يسلّم بإمكان وقوعها نظرًا إلى أنّ اللّه على كلّ شيء قدير، وقد فرّط أهل السنّة فأنزلوه منزلة المحالات تعصّبًا وتشنيعًا على الشيعة، كما أنّ الشيعة أفرطوا فجعلوه من ضروريّات المذهب، والطريقة الوسطى هي إمكانه وعدم حتميّته، واللّه تعالى أعلم.
بالنظر إلى الآية ٨٣ من سورة النمل، هل هناك فرق بين اليوم الذي يحشر فيه فوج ممّن يكذّب بآيات اللّه ويوم القيامة الذي يحشر فيه الناس كلّهم أجمعون؟ إذا كانت الإجابة بنعم، فهل هي إشارة إلى الرجعة؟ أسأل اللّه لكم التوفيق.
استدلّ المتكلّمون من الشيعة لإثبات حتميّة وقوع الرجعة بالآية ٨٣ من سورة النمل، التي قال اللّه تعالى فيها: ﴿وَيَوْمَ نَحْشُرُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا مِمَّنْ يُكَذِّبُ بِآيَاتِنَا فَهُمْ يُوزَعُونَ﴾، مع التفسير بأنّ حشر فوج ممّن يكذّب بآيات اللّه لا يمكن أن يكون في يوم القيامة؛ لأنّه في يوم القيامة سيُحشر كلّهم جميعًا، لا فوجًا منهم فقطّ؛ كما قال تعالى: ﴿وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا﴾[١]. لذلك، فإنّ الآية تدلّ على رجعة فوج ممّن يكذّب بآيات اللّه قبل يوم القيامة[٢]، لكنّ الإنصاف أنّ هذا التفسير غير صحيح؛ لأنّ «الفوج» في الآية ترجع إلى «الأمّة» قبل أن ترجع إلى من يكذّب بآيات اللّه؛ كما قال تعالى: ﴿مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ فَوْجًا﴾، وذلك لأنّ من يكذّب بآيات اللّه من كلّ أمّة ليسوا كلّهم جميعًا، ولكن فوجًا منهم؛ بالنظر إلى أنّه كان هناك في كلّ أمّة مؤمنون؛ كما أنّ من يكذّب بآيات اللّه من كلّ أمّة هم فوج من المكذّبين بآيات اللّه، وليسوا كلّهم جميعًا؛ بالنظر إلى أنّه كان هناك في سائر الأمم أيضًا مكذّبون. لذلك، فإنّ الآية لا تعني أنّه لا يُحشر بعض من يكذّب بآيات اللّه، ولكنّها تعني أنّهم يُحشرون كلّهم أفواجًا ثمّ هم ﴿يُوزَعُونَ﴾ أي يلحق بعضهم ببعض، وهذا ما تذكره أيضًا آيات أخرى؛ مثل الآية التي تقول: ﴿يَوْمَ يُنْفَخُ فِي الصُّورِ فَتَأْتُونَ أَفْوَاجًا﴾[٣]، والآية التي تقول: ﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا﴾[٤]، والآية التي تقول: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ﴾[٥]، وما يزيد من ظهور الآية في يوم القيامة هو الآية التي تليها إذ تقول عن الأفواج المحشورة: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوا قَالَ أَكَذَّبْتُمْ بِآيَاتِي وَلَمْ تُحِيطُوا بِهَا عِلْمًا أَمَّاذَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ﴾[٦]؛ لأنّه من المسلّم به أنّ هذه المواخذة والمخاطبة الإلهيّة ستتمّ في يوم القيامة وليست في الدّنيا، وعليه فإنّ دلالة الآية على يوم القيامة واضحة وبالتالي، لا يمكن قبول روايات معدودة من أهل البيت حملتها على الرجعة؛ بالنظر إلى أنّ أهل البيت لا يتكلّمون أبدًا بما يخالف كتاب اللّه؛ كما قالوا: «مَا أَتَاكُمْ عَنَّا مِنْ حَدِيثٍ لَا يُصَدِّقُهُ كِتَابُ اللَّهِ فَهُوَ بَاطِلٌ»[٧]، وقالوا: «كُلُّ حَدِيثٍ لَا يُوَافِقُ كِتَابَ اللَّهِ فَهُوَ زُخْرُفٌ»[٨].