هناك خلاف بين العلماء في إثبات الشهر الجديد. يعتقد بعضهم بضرورة رؤية الهلال بالعين المجرّدة، ويقبل بعضهم رؤيته بالعين المسلّحة. ما رأي السيّد المنصور في هذا الموضوع؟
قال اللّه تعالى: ﴿يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْأَهِلَّةِ ۖ قُلْ هِيَ مَوَاقِيتُ لِلنَّاسِ وَالْحَجِّ﴾[١]، وقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم: «صُومُوا لِرُؤْيَتِهِ، وَأَفْطِرُوا لِرُؤْيَتِهِ»[٢]، وعليه فلا ينبغي الشكّ في أنّ الشهر الجديد يثبت برؤية الهلال، سواء حصلت بالعين المجرّدة أو العين المسلّحة؛ لأنّ كلتاهما رؤية، والرؤية في قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم مطلقة، ولم يكن هناك قدر متيقّن في مقام التخاطب، ولكن قدر متيقّن خارجيّ وهو لا يمنع التمسّك بالإطلاق، ومن الواضح أنّه لا موضوعيّة لرؤية الهلال بالعين المجرّدة، بل لها طريقيّة؛ لأنّ المقصود هو الرؤية، بأيّ طريقة حصلت، والعلم بأيّ طريقة حصل فهو حجّة، ولا يمكن نفي حجّيّته.
في البحث الخارج لأحد فقهاء الشيعة، رأيت نقطة مثيرة للإهتمام حول عدم حجّيّة رؤية الهلال بالأجهزة الجديدة، وسيكون رأيكم في هذا الصدد مفيدًا. باختصار: إذا كانت رؤية الهلال بكاميرا أو تلسكوب مثبتة حقًّا لليوم الأول ووجوب الصيام، فهذا يستلزم وجود نقص في صيام النبيّ والأئمة عليهم السلام وأصحابهم وأنصارهم في المدن المختلفة؛ لأنّه لم يكن لديهم تلسكوب في عصرهم. فعندما ترون الهلال بتلسكوب في وقت سابق بالمقارنة مع العين المجرّدة، فهذا يعني تأخّر صيام هؤلاء السادة عن وقته، وهذا غير مقبول.
هذا القول مغالطة بيّنة، وهو أشبه بقول بعض العامّة منه بالبحث الخارج لأحد الفقهاء! على الرغم من أنّنا لا نعني أنّك تكذب في نقله؛ لأنّ الركود والانحطاط العلميّ في المدارس الدّينيّة للشيعة وخاصّة إيران، واقع مرير ومؤسف، والنتيجة هي مرجعيّة أقلّ الملالي علمًا وأكثرهم تبعيّة للحكّام من خلال الإعتبارات السياسيّة، وامتلاء المدارس الدّينيّة بالأساتذة الجاهلين والمتملّقين، واعتزال العلماء المستقلّين والمتعمّقين في العقود الأربعة الأخيرة، ممّا قد دفع الناس إلى الإشمئزاز من رجال الدين وهروبهم من الإسلام وابتذال ثقافة الشيعة وجعل الظهور للإمام المهديّ عليه السلام صعبًا للغاية. لعن اللّه المسبّبين لهذا الوضع؛ لأنّهم كانوا أشدّ الحكّام شؤمًا وضررًا في التاريخ الإسلامي بعد حكّام بني أميّة.
أمّا إشكال هذا الفقيه فغير وارد؛ لأنّه إذا أراد من النقص في صوم النبيّ والأئمّة وأصحابهم النقص في مقام الإمتثال، بمعنى تقصيرهم في أداء تكليفهم، فمن الواضح أنّ اللّه كلّفهم بما كان لديهم من الوسع والإمكانات؛ كما قال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾[١] وقال: ﴿لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا مَا آتَاهَا﴾[٢]، وعليه فإنّهم لم يكونوا مكلّفين برؤية الهلال بالعين المسلّحة أو قبولها ممّن يخبر عنها وبالتالي، لم يكن أيّ نقص في صومهم، وإذا أراد من النقص في صومهم النقص في مقام الواقع، بمعنى عدم تطابقه مع الوقت الحقيقيّ في حالات عدم رؤية الهلال، فمن الواضح أنّ عدم التطابق هذا لم يكن فقطّ بسبب عدم وجود منظار ليخدش اعتبار المنظار، بل كان أيضًا بسبب عوامل أخرى مثل وجود غيم أو غبار في السماء؛ كما يدلّ على ذلك قول رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم لأصحابه: «فَإِنْ حَالَ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُ غَمَامَةٌ أَوْ ضَبَابَةٌ فَأَكْمِلُوا شَهْرَ شَعْبَانَ ثَلَاثِينَ»[٣]، وروى أبو عمير بن أنس بن مالك، قال: حدّثني عمومتي من الأنصار من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلم قالوا: «أُغْمِيَ عَلَيْنَا هِلَالُ شَوَّالٍ، فَأَصْبَحْنَا صِيَامًا، فَجَاءَ رَكْبٌ مِنْ آخِرِ النَّهَارِ، فَشَهِدُوا عِنْدَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ رَأَوُا الْهِلَالَ بِالْأَمْسِ، فَأَمَرَهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنْ يُفْطِرُوا، وَأَنْ يَخْرُجُوا إِلَى عِيدِهِمْ مِنَ الْغَدِ»[٤]. فهل يعتقد هذا الفقيه أنّ عدم التطابق مع الوقت الحقيقيّ في أمثال هذه الحالات كان نقصًا في صوم النبيّ والأئمّة وأصحابهم؟! من الواضح أنّه لم يكن كذلك، وعليه فينبغي لهذا الفقيه أن لا يخاف على صوم النبيّ والأئمّة وأصحابهم؛ لأنّ صومهم كان صحيحًا بالنظر إلى وسعهم والإمكانات الموجودة في زمانهم، لكن ينبغي له أن يخاف على صومه؛ لأنّ صومه بالنظر إلى وسعه والإمكانات الموجودة في زمانه لا يعتبر صحيحًا!
الحقّ أنّ معرفة بداية كلّ شهر تتحقّق بمعرفة هلاله، ومعرفة هلاله تعني معرفة خروج القمر من المحاق، ومعرفة خروج القمر من المحاق تتحقّق بشكل طبيعيّ برؤية أوّل ظهور له بعد غيابه، سواء كانت بالعين المجرّدة أو المسلّحة؛ لأنّ رؤيته بأيّ وسيلة حصلت فهي رؤيته، ولذلك تعجّب السيّد المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى من السؤال عن اعتبار رؤية الهلال بالمنظار فقال: «أَلَسْتُمْ تَرَوْنَهُ؟!»[٥]