الرجاء الإجابة على السؤالين التاليين:
١ . ما رأي السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني في ذي القرنين؟ بعض المفسّرين يعتقدون أنّه كورش الكبير ملك فارس.
٢ . ما تفسيره حول يأجوج ومأجوج؟
الرجاء الإجابة على السؤالين التاليين:
١ . ما رأي السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني في ذي القرنين؟ بعض المفسّرين يعتقدون أنّه كورش الكبير ملك فارس.
٢ . ما تفسيره حول يأجوج ومأجوج؟
يرجى ملاحظة النقطتين التاليتين:
١ . أكثر الذين يعتقدون أنّ ذا القرنين في القرآن هو كورش الكبير ملك فارس ما لهم بذلك من علم، إن يتّبعون إلا الظنّ وإن هم إلا يخرصون، ومنهم فارسيّون يتحيّزون لقومهم؛ كما أنّ كثيرًا من المنكرين لذلك أيضًا مصابون بمثل هذه العلّة ولديهم دوافع عنصريّة ومعادية للفارسيّة، في حين أنّ القضايا الإسلاميّة ليست مكانًا مناسبًا لمثل هذه الألعاب، ومن الخطر إدخال الصراعات السياسيّة والعرقيّة إلى عالم الدّين. لهذا السبب، فإنّ العالم الحكيم السيّد المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى لا يرى هؤلاء الناس مستأهلين للعلم، ويكره وضع الحكمة بين أيديهم؛ لأنّهم يتّخذون العلم وسيلة إلى العلوّ في الحياة الدّنيا، ويستخدمون الحكمة ضدّ الحكيم، وفيهم أناس يسرقون من علمه ما يعجبهم ويوافق أهواءهم ولا يذكرون اسمه بغضًا وحسدًا ليكتموا الحقّ ويلبسوه بالباطل؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
«كُنْتُ عِنْدَ الْعَبْدِ الصَّالِحِ فِي دَارِهِ فَوَجَدْتُهُ فَارِغًا فَقُلْتُ لَهُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، أَسْأَلُكَ؟ فَقَالَ بِرَأْسِهِ: نَعَمْ، فَظَنَنْتُ أَنَّهُ يُسَبِّحُ، فَقُلْتُ: إِنَّ هَؤُلَاءِ يَخْتَلِفُونَ فِي ذِي الْقَرْنَيْنِ، وَأَنْتَ عَالِمُهُمْ وَسَيِّدُهُمْ، فَإِنْ رَأَيْتَ -جُعِلْتُ فِدَاكَ- أَنْ تُخْرِجَهُمْ فِيهِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ فَعَلْتَ! فَمَكَثَ حَتَّى قَضَى سُبْحَتَهُ، ثُمَّ قَالَ: دَعْنِي مِنْ هَؤُلَاءِ السَّفَلَةِ الْمَرَدَةِ الْقَائِلِينَ عَلَى اللَّهِ بِمَا لَا يَعْلَمُونَ! أَلَا تَعْلَمُ أَنَّ هَذَا الْعِلْمَ كَنْزٌ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ هَبَطَ مِنْهَا مَعَ آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، ثُمَّ انْتَقَلَ مِنْهُ إِلَى النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ مِنْ ذُرِّيَّتِهِ، حَتَّى يَرْجِعَ مَعَ آخِرِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ؟! أَفَتُرِيدُ أَنْ تَجْعَلَ مِثْلَ هَذَا الْكَنْزِ فِي أَيْدِي الصِّبْيَانِ وَالْمَجَانِينِ وَالْمُدْمِنِينَ عَلَى الْمُخَدِّرَاتِ؟! لَا وَاللَّهِ لَيْسَ هَؤُلَاءِ بِمَأْمُونِينَ عَلَيْهِ وَلَا مِنْ أَهْلِهِ، وَإِنَّ فِيهِمْ سَارِقِينَ يَسْرُقُونَهُ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا وَيَسْتَعِينُوا بِهِ عَلَى حُجَجِ اللَّهِ وَأَوْلِيَائِهِ! ﴿فَذَرْهُمْ فِي غَمْرَتِهِمْ حَتَّى حِينٍ﴾[١]! فَنَدَمْتُ عَلَى مَسْأَلَتِي حَتَّى رَأَى ذَلِكَ فِي وَجْهِي، فَقَالَ: كَانَ الْيَهُودُ يَجِدُونَ ذَا الْقَرْنَيْنِ عِنْدَهُمْ فِي كِتَابِ دَانِيَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَسَأَلُوا عَنْهُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لِيَعْلَمُوا أَيُوحَى إِلَيْهِ أَمْ لَا، فَأَوْحَى اللَّهُ إِلَيْهِ: ﴿وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا﴾[٢]، قُلْتُ: وَمَا كَانَ عِنْدَهُمْ فِي كِتَابِ دَانِيَالَ؟ قَالَ: إِنَّ دَانِيَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ رَأَى فِي الْمَنَامِ كَبَشًا لَهُ قَرْنَانِ طَوِيلَانِ أَحَدُهُمَا أَطْوَلُ مِنَ الْآخَرِ، وَرَآهُ يَنْطَحُ غَرْبًا وَشَرْقًا وَشَمَالًا مِنْ غَيْرِ أَنْ يَقْدِرَ حَيَوَانٌ عَلَى دَفْعِهِ حَتَّى عَظُمَ شَأْنُهُ، فَأَخْبَرَهُ جَبْرَئِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنَّ الْكَبَشَ ذَا الْقَرْنَيْنِ هُوَ مَلِكُ مَادِي وَفَارِسَ! قُلْتُ: أَشْهَدُ أَنَّ اللَّهَ قَدْ آتَاكَ الْحِكْمَةَ وَفَصْلَ الْخِطَابِ! أَفَأُحَدِّثَهُمْ عَنْكَ بِهَذَا الْحَدِيثِ؟ قَالَ: حَدِّثْهُمْ بِهِ، أَرْغَمَ اللَّهُ أُنُوفَ قَوْمٍ مُسْتَكْبِرِينَ».
من قول جنابه هذا يعلم أنّ ذا القرنين هو كورش الكبير ملك فارس الذي وحّد مُلك فارس ومادي، ثمّ سار نحو الغرب والشرق والشمال، ونال العديد من الفتوحات؛ كما أشار اللّه تعالى في كتابه إلى هذا السير وهذه الفتوحات في الجهات الثلاثة، وأخبر عن سيرته المرضيّة في كلّ منها.
٢ . على عكس تفاسير المفسّرين الخرافيّة والوهميّة حول يأجوج ومأجوج، فإنّ تفسير السيّد العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى حولهم بديع وفاصل ورائع، بنفس قدر تفسيره حول ذي القرنين؛ كما أخبرنا بعض أصحابنا، قال:
«سَمِعْتُ الْمَنْصُورَ -رُوحِي فِدَاهُ- يَقُولُ: إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ قَبِيلَتَانِ مِنْ قَبَائِلِ الْمُغُولِ كَانُوا يُغِيرُونَ عَلَى قَوْمٍ فِي شَمَالِ فَارِسَ لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا، فَاسْتَعَانُوا عَلَيْهِمْ بِكُورَشَ، فَبَنَى لَهُمْ بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ سَدًّا، فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا، حَتَّى إِذَا فَتَحَ سَبِيلَهُمْ مَلِكُ خوارَزْمَ فِي الْقَرْنِ السَّابِعِ، فَأَقْبَلُوا كَالسَّيْلِ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَهُمْ مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ! قُلْتُ: وَاللَّهِ قُلْتَ قَوْلًا عَظِيمًا! قُلْتَ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ أَتَى فَمَضَى؟! قَالَ: نَعَمْ، إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ يَأْتِي فَيَمْضِي، وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ! قُلْتُ: إِنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ كَانُوا قَوْمًا مِنَ الْخَزَرِ أَوْ يَكُونُونَ فِي آخِرِ الزَّمَانِ! قَالَ: إِنَّ قَوْمًا مِنَ الْخَزَرِ كَانُوا مُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ فَشُبِّهُوا بِيَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ لِإِفْسَادِهِمْ كَمَا يُقَالُ لِرَجُلٍ شَرِيرٍ إِبْلِيسُ لِشَرَارَتِهِ، فَكُلُّ مُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، وَفِي كُلِّ قَرْنَيْنِ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ».
حفظ اللّه لنا هذا العالم الربّانيّ، وجعلنا من أنصاره وأعوانه على الحقّ.
من كان له نصيب من العلم، إذا سمع قول العالم، يهتدي إلى علمه وحكمته؛ كما أنّ أصحاب العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى عندما سمعوا قوله في تفسير ذي القرنين ويأجوج ومأجوج أقرّوا بعلمه وحكمته، لكنّي لست من أهل العلم بالتاريخ والحديث. فأرجو إرشادي إلى الشواهد التاريخيّة والحديثيّة على قوله في هذا الباب.
أهمّ دليل على أنّ المراد بذي القرنين في القرآن كورش ملك فارس ومادي، هو آيات من التوراة التي أشار إليها العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى؛ لأنّ آيات القرآن في ذي القرنين نزلت إجابة على سؤال اليهود، واليهود لم يعرفوا من ذي القرنين إلا ما ذُكر منه في كتاب دانيال عليه السلام من أنّه «ملك مادي وفارس»، بالنظر إلى أنّه ينطح شرقًا وغربًا ككبش ذي قرنين. من الواضح تاريخيًّا أنّ كورش هو أوّل ملك لفارس ومادي كان له فتوحات واسعة ومهمّة في الشرق والغرب. بالإضافة إلى ذلك، فإنّ الصفات المحمودة التي ذكرها القرآن لذي القرنين إنّما تلائم الصفات المذكورة لكورش، واليهود أيضًا لم يعرفوها إلا لكورش؛ لأنّه مذكور في التوراة ٢٣ مرّة على الأقلّ، وفي كلّ مرّة باحترام خاصّ؛ كما ذُكر فيها بصفة «مسيح اللّه» وأنّه قد أعطي «جميع ممالك الأرض»، وهذه مطابقة لوصف القرآن لذي القرنين: ﴿إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا﴾[١]، وقد جاء في كتاب إشعياء: «هَكَذَا يَقُولُ اللَّهُ لِمَسِيحِهِ، لِكُورَشَ الَّذِي أَمْسَكْتُ بِيَمِينِهِ لِأَدُوسَ أَمَامَهُ أُمَمًا، وَأَحُلُّ أَحْقَاءَ مُلُوكٍ، لِأَفْتَحَ أَمَامَهُ الْمِصْرَاعَيْنِ، وَالْأَبْوَابُ لَا تُغْلَقُ: <أَنَا أَسِيرُ قُدَّامَكَ وَأُمَهِّدُ الْهِضَابَ، أُكَسِّرُ مِصْرَاعَيِ النُّحَاسِ، وَأَقْصِفُ مَغَالِيقَ الْحَدِيدِ، وَأُعْطِيكَ ذَخَائِرَ الظُّلْمَةِ وَكُنُوزَ الْمَخَابِئِ، لِكَيْ تَعْرِفَ أَنِّي أَنَا اللَّهُ الَّذِي يَدْعُوكَ بِاسْمِكَ، إِلَهُ إِسْرَائِيلَ>»[٢]، وجاء: «أَنَا قَدْ أَنْهَضْتُ كُورَشَ لِيَنْتَصِرَ، وَأُسَهِّلُ كُلَّ طُرُقِهِ، هُوَ يَبْنِي مَدِينَتِي وَيُطْلِقُ سَبْيِي، لَا بِثَمَنٍ وَلَا بِهَدِيَّةٍ، قَالَ رَبُّ الْجُنُودِ»[٣]، وجاء: «الْقَائِلُ عَنْ كُورَشَ: هُوَ رَاعِيَّ الَّذِي يُتَمِّمُ كُلَّ مَسَرَّتِي»[٤]. لا شكّ أنّ هذا موافق لصفة ذي القرنين في القرآن؛ فإنّه يصفه بأنّه كان مرضيًّا ووجيهًا عند اللّه وكان له سيرة حسنة وعادلة، وقد جاء في كتاب عزرا: «وَفِي السَّنَةِ الْأُولَى لِكُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ إِتَمَامًا لِكَلَامِ اللَّهِ بِفَمِ إِرْمِيَا، نَبَّهَ اللَّهُ رُوحَ كُورَشَ مَلِكِ فَارِسَ، فَأَطْلَقَ نِدَاءً فِي كُلِّ مَمْلَكَتِهِ وَبِالْكِتَابَةِ أَيْضًا قَائِلًا: <هَكَذَا قَالَ كُورَشُ مَلِكُ فَارِسَ: الرَّبُّ إِلَهُ السَّمَاءِ أَعْطَانِي جَمِيعَ مَمَالِكِ الْأَرْضِ، وَهُوَ أَوْصَانِي أَنْ أَبْنِيَ لَهُ بَيْتًا فِي أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا. فَمَنْ مِنْكُمْ مِنْ كُلِّ شَعْبِهِ يَكُونُ إِلَهُهُ مَعَهُ، فَلْيَصْعَدْ إِلَى أُورُشَلِيمَ الَّتِي فِي يَهُوذَا لِيَبْنِيَ بَيْتَ الرَّبِّ إِلَهِ إِسْرَائِيلَ. هُوَ الْإِلَهُ الَّذِي فِي أُورُشَلِيمَ>»[٥]. هذا القول من كورش دليل واضح على إيمانه باللّه واهتمامه بنشر عبادة اللّه، وهو موافق لما جاء في القرآن عن ذي القرنين؛ فإنّ القرآن أشار إلى أنّ ملك ذي القرنين كان من عند اللّه وأنّ اللّه أمره ببعض الأمور؛ كما قال: ﴿قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا﴾[٦]. هذا في حين أنّه لم يُذكر في التاريخ ولا في التوراة ملك آخر بهذه الأوصاف. لذلك، لا ينبغي الشكّ في أنّ المراد بذي القرنين في القرآن هو كورش الذي سُمّي في التوارة «ذا القرنين» ومُدح بخصال جميلة.
أمّا يأجوج ومأجوج فإنّ أكثر المسلمين تحت تأثير بعض الروايات الضعيفة والموضوعة كانت لديهم تصوّرات خرافيّة وغير معقولة عنهم؛ إذ وصفوهم بأنّهم مخلوقات غريبة ومخيفة مثل الوحوش الأسطوريّة، يكونون أكثر عددًا من سائر الناس بكثير، ويخرجون في آخر الزمان من مكان غير معروف، فلا يمرّون ببحر ولا نهر إلا ينشفون ماءه كلّه! في حين أنّ تفسير العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى حولهم بعيد عن مثل هذه التصوّرات الخرافيّة وغير المعقولة، ويعتبر تفسيرًا واقعيًّا جدًّا يوافق القرآن والروايات المعتبرة؛ لأنّ القرآن يصف يأجوج ومأجوج بأنّهم كانوا قومًا متوحّشين أصحاب غارة ونهب في الماضي إذ يقول: ﴿إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ﴾[٧]، وهذه صفة لم تكن بارزة ولا مشهورة في قوم كما كانت في المغول. بالإضافة إلى أنّ القرآن قد أخبر بأنّ هذا القوم سيخرجون من أرضهم مرّة أخرى ويندفعون إلى الأراضي المختلفة مثل السيل، وهذه واقعة لا يعرف لها مصداق تاريخيّ أبرز ولا أشهر من هجوم المغول في القرن السابع بعد أن فُتحت سبيلهم من قبل ملك خوارزم، فخرجوا من أرضهم بقيادة جنكيز، واندفعوا إلى الأراضي المختلفة مثل السيل، وسوّوا كثيرًا من البلدان المعمورة بالأرض، وارتكبوا جنايات عظيمة لا يوجد لها نظير في التاريخ. الدليل على صحّة هذا التفسير أنّ يأجوج ومأجوج في القرآن قوم كانوا موجودين ومعروفين في التاريخ بصفة قوم متوحّشين يُغيرون وينهبون، وليسوا مخلوقات غريبة سيظهرون في آخر الزمان فقطّ. لذلك، فإنّ التفاسير التي تصفهم بصفة مخلوقات غريبة ومخيفة لهم جسد غير إنسانيّ لا يمكن أن تكون صحيحة؛ لأنّه لا يوجد أيّ دليل تاريخيّ أو علميّ صالح على وجود مثل هذه الوحوش في الماضي أو الحاضر. في المقابل، توجد أدلّة كثيرة على أنّ المغول كانوا معروفين في فترات مختلفة من التاريخ بأنّهم قوم متوحّشون أصحاب غارة ونهب، وكانوا يغزون الأراضي المجاورة لهم من وقت لآخر؛ كما يقال أنّ الغرض من بناء سور الصين العظيم هو حماية هذا البلد من غزو المغول؛ لأنّ المغول كانوا يعيشون في شمال هذا البلد، فأمر تشين شي هوانغ الذي وحّد أجزاء مختلفة من الصين ببناء سور الصين العظيم خوفًا من أن يغزو المغول الصين في أيّ وقت، وبعده استمرّ خلفاؤه في بنائه. مع أنّه لم يحقّق أيّ منهم غرضه من بناء السور؛ لأنّ السور انكسر في العديد من المواضع وأتيحت للمغول فرصة لغزو الصين. هذا بالضبط ما فعله ذو القرنين لقوم ﴿لَا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ قَوْلًا﴾[٨] أي لا يتكلّمون بلغته وفقًا لآيات القرآن؛ كما قال: ﴿قَالُوا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِنَّ يَأْجُوجَ وَمَأْجُوجَ مُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ فَهَلْ نَجْعَلُ لَكَ خَرْجًا عَلَى أَنْ تَجْعَلَ بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ سَدًّا قَالَ مَا مَكَّنِّي فِيهِ رَبِّي خَيْرٌ فَأَعِينُونِي بِقُوَّةٍ أَجْعَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ رَدْمًا آتُونِي زُبَرَ الْحَدِيدِ ۖ حَتَّى إِذَا سَاوَى بَيْنَ الصَّدَفَيْنِ قَالَ انْفُخُوا ۖ حَتَّى إِذَا جَعَلَهُ نَارًا قَالَ آتُونِي أُفْرِغْ عَلَيْهِ قِطْرًا فَمَا اسْطَاعُوا أَنْ يَظْهَرُوهُ وَمَا اسْتَطَاعُوا لَهُ نَقْبًا﴾[٩]. التشابه بين هذا العمل وعمل ملوك الصين يكشف عن وجود تهديد مشابه، ويدلّ على أنّ بناء السدّ بين المغول والقبائل المجاورة لهم كان عملًا شائعًا في التاريخ.
ثمّ ما يعتبر ختم الموافقة على تفسير العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى هو الرواية الواردة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم التي تخبر عن هجوم يأجوج ومأجوج على البلاد الإسلاميّة في المستقبل، وتصفهم بأنّهم قوم «عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، شُهْبُ الشِّعَافِ»؛ لأنّ هذه هي الميزة الأكثر وضوحًا للأتراك المغول؛ كما جاء فيها: «إِنَّكُمْ تَقُولُونَ: لَا عَدُوَّ، وَإِنَّكُمْ لَا تَزَالُونَ تُقَاتِلُونَ عَدُوًّا حَتَّى يَأْتِيَ يَأْجُوجُ وَمَأْجُوجُ، عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، شُهْبُ الشِّعَافِ، مِنْ كُلِّ حَدَبٍ يَنْسِلُونَ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»[١٠]. لا شكّ أنّ المراد بيأجوج ومأجوج في هذه الرواية هم الأتراك المغول؛ كما سمّوا بصراحة في رواية أخرى فيها: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى يُقَاتِلَ الْمُسْلِمُونَ التُّرْكَ قَوْمًا وُجُوهَهُمْ كَالْمَجَانِّ الْمُطْرَقَةِ»[١١]، وفي رواية أخرى: «لَا تَقُومُ السَّاعَةُ حَتَّى تُقَاتِلُوا التُّرْكَ، صِغَارَ الْعُيُونِ، حُمْرَ الْوُجُوهِ، ذُلْفَ الْأُنُوفِ، كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»[١٢]، وفي رواية أخرى: «يَجِيءُ بَنُو قَنْطُورَاءَ عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، حَتَّى يَنْزِلُونَ عَلَى جِسْرٍ لَهُمْ يُقَالُ لَهُ دِجْلَةُ»[١٣]، وفي رواية أخرى: «يَأْتِيكُمْ قَوْمٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، عِرَاضُ الْوُجُوهِ، صِغَارُ الْعُيُونِ، كَأَنَّمَا ثُقِبَتْ أَعْيُنُهُمْ فِي الصَّخْرِ كَأَنَّ وُجُوهَهُمُ الْمَجَانُّ الْمُطْرَقَةُ»[١٤]. لهذا السبب، كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وآله وسلّم -حسب بعض الروايات- يحذّر من فتح الباب للأتراك المغول ويقول: «اتْرُكُوا التُّرْكَ مَا تَرَكُوكُمْ؛ فَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَسْلُبُ أُمَّتِي مُلْكَهُمْ وَمَا خَوَّلَهُمُ اللَّهُ بَنُو قَنْطُورَاءَ»[١٥]، وكان هذا تحذيرًا لم يلتفت إليه ملك خوارزم، فتسبّب في غزو الأتراك المغول للبلاد الإسلاميّة.
بالنظر إلى هذه الأدلّة والشواهد التاريخيّة والروائيّة، لا يبقى أيّ شكّ في أنّ تفسير العلامة المنصور الهاشمي الخراساني حفظه اللّه تعالى صحيح، وأنّ المراد بيأجوج ومأجوج هم الأتراك المغول الذين غزوا البلاد الإسلاميّة. مع ذلك، حسب قول جنابه، يجوز إطلاق يأجوج ومأجوج على كلّ قوم مفسدين في الأرض تشبيهًا ومجازًا، وربما تمّ هذا الإطلاق.