الحديث ٣٧
«حُسْنُ سُؤَالِ الْإِمَامِ عَنْ عِلَّةِ فِعْلِهِ إِذَا خَالَفَ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ لِيُبَيِّنَ وَجْهَهُ»
رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ [ت٢٣٥هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ، عَنْ عَلْقَمَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ، قَالَ:
صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةً، فَزَادَ أَوْ نَقَصَ، فَلَمَّا سَلَّمَ وَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ بِوَجْهِهِ، قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَحَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ قَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالُوا: صَلَّيْتَ كَذَا وَكَذَا -وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فَلَمَّا انْفَتَلَ تَوَشْوَشَ الْقَوْمُ بَيْنَهُمْ، فَقَالَ: «مَا شَأْنُكُمْ؟» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، هَلْ زِيدَ فِي الصَّلَاةِ؟ قَالَ: «لَا»، قَالُوا: فَإِنَّكَ قَدْ صَلَّيْتَ خَمْسًا[٢]- فَثَنَى رِجْلَهُ، فَسَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، وَأَقْبَلَ عَلَى الْقَوْمِ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «إِنَّهُ لَوْ حَدَثَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ، وَلَكِنِّي بَشَرٌ أَنْسَى كَمَا تَنْسَوْنَ، فَإِذَا نَسِيتُ فَذَكِّرُونِي، فَإِذَا سَهَا أَحَدُكُمْ فِي صَلَاةٍ فَلْيَتَحَرَّ الصَّوَابَ، فَلْيُتِمَّ عَلَيْهِ، فَإِذَا سَلَّمَ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ».
الشاهد ١
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ [ت٢٧٣هـ] فِي «سُنَنِهِ»[٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنِ ابْنِ عَوْنٍ، عَنِ ابْنِ سِيرِينَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ: صَلَّى بِنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِحْدَى صَلَاتَيِ الْعَشِيِّ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ قَامَ إِلَى خَشَبَةٍ كَانَتْ فِي الْمَسْجِدِ يَسْتَنِدُ إِلَيْهَا، فَخَرَجَ سَرَعَانُ النَّاسِ يَقُولُونَ: قَصُرَتِ الصَّلَاةُ، وَفِي الْقَوْمِ أَبُو بَكْرٍ وَعُمَرُ، فَهَابَاهُ أَنْ يَقُولَا لَهُ شَيْئًا، وَفِي الْقَوْمِ رَجُلٌ طَوِيلُ الْيَدَيْنِ، يُسَمَّى ذَا الْيَدَيْنِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ: «لَمْ تَقْصُرْ، وَلَمْ أَنْسَ»، قَالَ: فَإِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ -وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: قَالَ: أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمْ نَسِيتَ؟ فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «كُلُّ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ»، فَقَالَ: قَدْ كَانَ بَعْضُ ذَلِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ[٤]- فَقَالَ: «أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟» قَالُوا: نَعَمْ، «فَقَامَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ».
الشاهد ٢
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ [ت٢٠٤هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٥]، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الْوَهَّابِ الثَّقَفِيُّ، عَنْ خَالِدٍ الْحَذَّاءِ، عَنْ أَبِي قِلَابَةَ، عَنْ أَبِي الْمُهَلَّبِ، عَنْ عِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ، قَالَ: سَلَّمَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي ثَلَاثِ رَكَعَاتٍ مِنَ الْعَصْرِ، ثُمَّ قَامَ فَدَخَلَ الْحُجْرَةَ، فَقَامَ الْخِرْبَاقُ رَجُلٌ بَسِيطُ الْيَدَيْنِ، فَنَادَى: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقَصُرَتِ الصَّلَاةُ؟ فَخَرَجَ مُغْضَبًا يَجُرُّ رِدَاءَهُ، فَسَأَلَ، فَأُخْبِرَ، فَصَلَّى تِلْكَ الرَّكْعَةَ الَّتِي كَانَ تَرَكَ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ.
الشاهد ٣
وَرَوَى ابْنُ مَاجَهْ [ت٢٧٣هـ] فِي «سُنَنِهِ»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدٍ، وَأَبُو كُرَيْبٍ، وَأَحْمَدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالُوا: حَدَّثَنَا أَبُو أُسَامَةَ، عَنْ عُبَيْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ نَافِعٍ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَهَا، فَسَلَّمَ فِي الرَّكْعَتَيْنِ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ يُقَالُ لَهُ ذُو الْيَدَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَقَصُرَتْ، أَوْ نَسِيتَ؟ قَالَ: «مَا قَصُرَتْ، وَمَا نَسِيتُ»، قَالَ: إِذًا فَصَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، قَالَ: «أَكَمَا يَقُولُ ذُو الْيَدَيْنِ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فَتَقَدَّمَ، فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَلَّمَ، ثُمَّ سَجَدَ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ.
الشاهد ٤
وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ [ت٢٧٥هـ] فِي «سُنَنِهِ»[٧]، قَالَ: حَدَّثَنَا قُتَيْبَةُ بْنُ سَعِيدٍ، حَدَّثَنَا اللَّيْثُ يَعْنِي ابْنَ سَعْدٍ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، أَنَّ سُوَيْدَ بْنَ قَيْسٍ أَخْبَرَهُ، عَنْ مُعَاوِيَةَ بْنِ حُدَيْجٍ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى يَوْمًا، فَسَلَّمَ وَقَدْ بَقِيَتْ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةٌ، فَأَدْرَكَهُ رَجُلٌ، فَقَالَ: نَسِيتَ مِنَ الصَّلَاةِ رَكْعَةً، فَرَجَعَ فَدَخَلَ الْمَسْجِدَ، وَأَمَرَ بِلَالًا، فَأَقَامَ الصَّلَاةَ، فَصَلَّى لِلنَّاسِ رَكْعَةً.
الشاهد ٥
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ الْكُلَيْنِيُّ [ت٣٢٩هـ] فِي «الْكَافِي»[٨]، قَالَ: حَدَّثَنِي مُحَمَّدُ بْنُ يَحْيَى، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدِ بْنِ عِيسَى، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عِيسَى، عَنْ سَمَاعَةَ بْنِ مِهْرَانَ، قَالَ: قَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَلَّى بِالنَّاسِ الظُّهْرَ رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ سَهَا فَسَلَّمَ، فَقَالَ لَهُ ذُو الشِّمَالَيْنِ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَنَزَلَ فِي الصَّلَاةِ شَيْءٌ؟ فَقَالَ: «وَمَا ذَاكَ؟» قَالَ: إِنَّمَا صَلَّيْتَ رَكْعَتَيْنِ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَتَقُولُونَ مِثْلَ قَوْلِهِ؟» قَالُوا: نَعَمْ، فَقَامَ، فَأَتَمَّ بِهِمُ الصَّلَاةَ، وَسَجَدَ بِهِمْ سَجْدَتَيِ السَّهْوِ.
الشاهد ٦
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الطُّوسِيُّ [ت٤٦٠هـ] فِي «تَهْذِيبِ الْأَحْكَامِ»[٩]، قَالَ: أَخْبَرَنَا عِدَّةٌ مِنْ أَصْحَابِنَا، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ، عَنْ أَبِيهِ وَمُحَمَّدِ بْنِ الْحَسَنِ، عَنْ سَعْدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ أَحْمَدَ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ فَضَالَةَ، عَنْ سَيْفِ بْنِ عَمِيرَةَ، عَنْ أَبِي بَكْرٍ الْحَضْرَمِيِّ، أَنَّ أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَالَ فِي حَدِيثٍ: إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ سَهَا، فَسَلَّمَ فِي رَكْعَتَيْنِ، ثُمَّ ذَكَرَ حَدِيثَ ذِي الشِّمَالَيْنِ، فَقَالَ: ثُمَّ قَامَ، فَأَضَافَ إِلَيْهَا رَكْعَتَيْنِ.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدِيثُ ذِي الْيَدَيْنِ حَدِيثٌ ثَابِتٌ، رَوَاهُ أَهْلُ الْبَيْتِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَعِمْرَانُ بْنُ حُصَيْنٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَأَبُو هُرَيْرَةَ، وَمُعَاوِيَةُ بْنُ حُدَيْجٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ بُحَيْنَةَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَمْرٍو، وَسَعْدُ بْنُ أَبِي وَقَّاصٍ، وَغَيْرُهُمْ، وَكَانَ يُقَالُ: «لَمْ يُرْوَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ شَيْءٌ قَطُّ أَشْهَرُ مِنْهُ»[١٠]، وَقَدْ كَبُرَ عَلَى الْغُلَاةِ لِاعْتِقَادِهِمْ فِي النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ لَا يَسْهُو، فَحَاوَلُوا تَضْعِيفَهُ بِوُجُوهٍ وَاهِيَةٍ، وَكَانَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَسْهُو فِيمَا يُشَارِكُ فِيهِ النَّاسَ، وَلَا يَسْهُو فِيمَا يَخْتَصُّ بِهِ، وَلَا يَمْضِي عَلَى سَهْوِهِ، وَكَانَتِ الصَّلَاةُ مِمَّا يُشَارِكُ فِيهِ النَّاسَ، وَالْحَدِيثُ يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ سُؤَالِ الْإِمَامِ عَنْ عِلَّةِ فِعْلِهِ إِذَا خَالَفَ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ لِيُبَيِّنَ وَجْهَهُ، وَيَدُلُّ عَلَى هَذَا أَحَادِيثُ كَثِيرَةٌ:
الشاهد ٧
رَوَى النَّسَائِيُّ [ت٣٠٣هـ] فِي «سُنَنِهِ»[١١]، قَالَ: أَخْبَرَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ سَعِيدٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا يَحْيَى، عَنْ سُفْيَانَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَلْقَمَةُ بْنُ مَرْثَدٍ، عَنِ ابْنِ بُرَيْدَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: كَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَتَوَضَّأُ لِكُلِّ صَلَاةٍ، فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ الْفَتْحِ صَلَّى الصَّلَوَاتِ بِوُضُوءٍ وَاحِدٍ، فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: فَعَلْتَ شَيْئًا لَمْ تَكُنْ تَفْعَلُهُ، فَقَالَ: «عَمْدًا فَعَلْتُهُ يَا عُمَرُ».
الشاهد ٨
وَرَوَى الشَّافِعِيُّ [ت٢٠٤هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١٢]، قَالَ: أَخْبَرَنَا سُفْيَانُ، عَنِ ابْنِ أَبِي لَبِيدٍ، قَالَ: سَمِعْتُ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ يَقُولُ: قَدِمَ مُعَاوِيَةُ بْنُ أَبِي سُفْيَانَ الْمَدِينَةَ، فَبَيْنَا هُوَ عَلَى الْمِنْبَرِ إِذْ قَالَ: يَا كَثِيرَ بْنَ الصَّلْتِ، اذْهَبْ إِلَى عَائِشَةَ، فَسَلْهَا عَنْ صَلَاةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بَعْدَ الْعَصْرِ، قَالَ أَبُو سَلَمَةَ: فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَى عَائِشَةَ، وَبَعَثَ ابْنُ عَبَّاسٍ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ مَعَنَا، فَقَالَ: اذْهَبْ وَاسْمَعْ مَا تَقُولُهُ أُمُّ الْمُؤْمِنِينَ، فَأَتَى عَائِشَةَ، فَسُئِلَتْ عَنْ ذَلِكَ، فَقَالَتْ لَهُ: اذْهَبْ فَسَلْ أُمَّ سَلَمَةَ، فَذَهَبْتُ مَعَهُ إِلَى أُمِّ سَلَمَةَ، فَسَأَلَهَا، فَقَالَتْ أُمُّ سَلَمَةَ: دَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ذَاتَ يَوْمٍ بَعْدَ الْعَصْرِ، فَصَلَّى عِنْدِي رَكْعَتَيْنِ لَمْ أَكُنْ أَرَاهُ يُصَلِّيهِمَا، فَقُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَقَدْ صَلَّيْتَ صَلَاةً لَمْ أَكُنْ أَرَاكَ تُصَلِّيهَا، قَالَ: «إِنِّي كُنْتُ أُصَلِّي رَكْعَتَيْنِ بَعْدَ الظُّهْرِ، وَإِنَّهُ قَدِمَ عَلَيَّ وَفْدُ بَنِي تَمِيمٍ، أَوْ صَدَقَةٌ، فَشَغَلُونِي عَنْهُمَا، فَهُمَا هَاتَانِ الرَّكْعَتَانِ».
الشاهد ٩
وَرَوَى ابْنُ خُزَيْمَةَ [ت٣١١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١٣]، قَالَ: أَخْبَرَنَا بَحْرُ بْنُ نَصْرِ بْنِ سَابِقٍ الْخَوْلَانِيُّ، أَخْبَرَنَا ابْنُ وَهْبٍ، حَدَّثَنِي مُعَاوِيَةُ بْنُ صَالِحٍ، عَنْ عِيسَى بْنِ عَاصِمٍ، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ، قَالَ: صَلَّيْنَا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الصُّبْحِ، فَبَيْنَمَا هُوَ فِي الصَّلَاةِ مَدَّ يَدَهُ، ثُمَّ أَخَّرَهَا، فَلَمَّا فَرَغَ مِنَ الصَّلَاةِ قُلْنَا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، صَنَعْتَ فِي صَلَاتِكَ هَذِهِ مَا لَمْ تَصْنَعْ فِي صَلَاةٍ قَبْلَهَا، قَالَ: «إِنِّي رَأَيْتُ الْجَنَّةَ قَدْ عُرِضَتْ عَلَيَّ، وَرَأَيْتُ فِيهَا قُطُوفَهَا دَانِيَةً، حَبُّهَا كَالدُّبَّاءِ، فَأَرَدْتُ أَنْ أَتَنَاوَلَ مِنْهَا، فَأُوحِيَ إِلَيْهَا أَنِ اسْتَأْخِرِي، فَاسْتَأْخَرَتْ».
الشاهد ١٠
وَرَوَى يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ الْفَسَوِيُّ [ت٢٧٧هـ] فِي «الْمَعْرِفَةِ وَالتَّارِيخِ»[١٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، أَنْبَأَ ابْنُ لَهِيعَةَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يَزِيدَ الْحَضْرَمِيُّ، عَنْ مُسْلِمِ بْنِ يَزِيدَ الصَّدَفِيِّ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَارِثِ بْنِ جَزْءٍ الزُّبَيْدِيِّ، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَصَعِدَ الْمِنْبَرَ، فَلَمَّا صَعِدَ أَوَّلَ دَرَجَةٍ قَالَ: «آمِينَ»، ثُمَّ لَمَّا صَعِدَ الثَّانِيَةَ قَالَ: «آمِينَ»، ثُمَّ لَمَّا صَعِدَ الثَّالِثَةَ قَالَ: «آمِينَ»، فَلَمَّا نَزَلَ قِيلَ لَهُ: قَدْ صَنَعْتَ شَيْئًا مَا كُنْتَ تَصْنَعُهُ، قَالَ: «إِنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَبَدَّى لِي فِي أَوَّلِ دَرَجَةٍ، فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ، مَنْ أَدْرَكَ أَحَدَ وَالِدَيْهِ فَلَمْ يُدْخِلَاهُ الْجَنَّةَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّانِيَةِ: وَمَنْ أَدْرَكَ شَهْرَ رَمَضَانَ فَلَمْ يُغْفَرْ لَهُ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَ، فَقُلْتُ: آمِينَ، ثُمَّ قَالَ فِي الثَّالِثَةِ: مَنْ ذُكِرْتَ عِنْدَهُ فَلَمْ يُصَلِّ عَلَيْكَ فَأَبْعَدَهُ اللَّهُ ثُمَّ أَبْعَدَ، فَقُلْتُ: آمِينَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَوْلَا أَنَّهُمْ سَأَلُوا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَنْ عِلَّةِ أَفْعَالِهِ هَذِهِ فَبَيَّنَهَا لَهُمْ، لَقِيلَ الْيَوْمَ أَنَّ الصَّلَاةَ بَعْدَ الْعَصْرِ سُنَّةٌ، وَمَدَّ الْيَدِ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةٌ، وَقَوْلَ آمِينَ ثَلَاثًا فِي صُعُودِ الْمِنْبَرِ سُنَّةٌ؛ كَمَا قَبَضَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَدَيْهِ فِي الصَّلَاةِ مَرَّةً لِبَرْدٍ يَجِدُهُ، فَلَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَصْبَحُوا يَقُولُونَ: قَبْضُ الْيَدَيْنِ فِي الصَّلَاةِ سُنَّةٌ[١٥]، وَغَسَلَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ رِجْلَيْهِ فِي الْوُضُوءِ لِوَسَخٍ يَجِدُهُ، فَلَمْ يَسْأَلُوهُ عَنْ ذَلِكَ، فَأَصْبَحُوا يَقُولُونَ: غَسْلُ الرِّجْلَيْنِ فِي الْوُضُوءِ سُنَّةٌ[١٦]، وَمِثْلُ ذَلِكَ لَكَثِيرٌ. فَيَنْبَغِي سُؤَالُ الْإِمَامِ عَنْ عِلَّةِ فِعْلِهِ إِذَا خَالَفَ مَا كَانَ يَفْعَلُ مِنْ قَبْلُ لِيَتَبَيَّنَ وَجْهُهُ، وَلَا يَعْرِفُ وَقْتَ السُّؤَالِ إِلَّا كُلُّ لَبِيبٍ.