الحديث ٢٦
في كلّ خلف عالم عدل ينفي عن الدّين تحريف الغالين وانتحال المبطلين وتأويل الجاهلين.
رَوَى ابْنُ عَدِيٍّ [ت٣٦٥هـ] فِي «الْكَامِلِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْعَزِيزِ، حَدَّثَنَا أَبُو الرَّبِيعِ الزَّهْرَانِيُّ، أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ زَيْدٍ، أَخْبَرَنَا بَقِيَّةُ بْنُ الْوَلِيدِ، حَدَّثَنَا مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيِّ؛ قَالَ: وَحَدَّثَنِي زِيَادُ بْنُ أَيُّوبَ، حَدَّثَنَا مُبَشِّرٌ، عَنْ مُعَانٍ، عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ:
«يَرِثُ -أو قال: يَحْمِلُ- هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عُدُولُهُ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ ضُعِّفَ، وَلَكِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهِ، فَقَدْ تَابَعَهُ الْوَلِيدُ بْنُ مُسْلِمٍ، وَإِبْرَاهِيمُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ تَابِعِيٌّ عِنْدَ الْجُمْهُورِ، وَلَكِنَّهُ حَدَّثَ فِي رِوَايَةٍ عَنْ أَبِيهِ[٢]، وَقَالَ فِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: «حَدَّثَنَا الثِّقَةُ مِنْ أَشْيَاخِنَا»[٣]، وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ رَجُلًا مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلِذَلِكَ صَحَّحَ الْحَدِيثَ رِجَالٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ؛ كَمَا قَالَ مُهَنَّى: «سَأَلْتُ أَحْمَدَ يَعْنِي ابْنَ حَنْبَلٍ عَنْ حَدِيثِ مُعَانِ بْنِ رِفَاعَةَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ الْعُذْرِيِّ، فَقُلْتُ: كَأَنَّهُ كَلَامٌ مَوْضُوعٌ، قَالَ: لَا، هُوَ صَحِيحٌ، فَقُلْتُ: مِمَّنْ سَمِعْتَهُ أَنْتَ؟ قَالَ: مِنْ غَيْرِ وَاحِدٍ، قُلْتُ: مَنْ هُمْ؟ قَالَ: حَدَّثَنِي بِهِ مِسْكِينٌ، إِلَّا أَنَّهُ يَقُولُ: مُعَانٌ، عَنِ الْقَاسِمِ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، قَالَ أَحْمَدُ: مُعَانُ بْنُ رِفَاعَةَ لَا بَأْسَ بِهِ»[٤]، وَقَالَ الْقَعْنَبِيُّ: «سَمِعْتُ رَجُلًا يُحَدِّثُ مَالِكَ بْنَ أَنَسٍ بِهَذَا الْحَدِيثِ فَأَعْجَبَهُ»[٥]، وَلِلْحَدِيثِ شَوَاهِدُ كَثِيرَةٌ؛ فَقَدْ رُوِيَ بِطُرُقٍ شَتَّى عَنْ عَلِيٍّ، وَابْنِ عَبَّاسٍ، وَابْنِ عُمَرَ، وَأَبِي أُمَامَةَ، وَأَبِي الدَّرْدَاءِ، وَأَبِي هُرَيْرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، وَمُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، وَأُسَامَةَ بْنِ زَيْدٍ، وَجَابِرِ بْنِ سَمُرَةَ، وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ.
شاهد
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عُمَرَ الْكَشِّيُّ [ت٣٥٠هـ] فِي «رِجَالِهِ»[٦]، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ مَسْعُودِ بْنِ مُحَمَّدٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي عَلِيُّ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ فِيرُوزَانَ الْقُمِّيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ خَالِدٍ الْبَرْقِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ أَبِي نَصْرٍ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ جَابِرٍ، عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَحْمِلُ هَذَا الدِّينَ فِي كُلِّ قَرْنٍ عُدُولٌ، يَنْفُونَ عَنْهُ تَأْوِيلَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْجَاهِلِينَ، كَمَا يَنْفِي الْكِيرُ خَبَثَ الْحَدِيدِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذِهِ الطُّرُقُ، وَإِنْ كَانَتْ ضَعِيفَةً، تُقَوِّي بَعْضُهَا بَعْضًا، وَتَجْعَلُ الْحَدِيثَ بِمَنْزِلَةِ الصَّحِيحِ، بَلْ قَدْ تَجْعَلُهُ مُتَوَاتِرًا، وَالْمُتَوَاتِرُ لَا يَضُرُّ ضَعْفُ رُوَاتِهِ، وَقَدْ جَاءَ فِي بَعْضِ طُرُقِهِ: «يَحْمِلُ هَذَا الْعِلْمَ مِنْ كُلِّ خَلَفٍ عَدْلُهُ» بِلَفْظِ الْمُفْرَدِ[٧]، وَذَلِكَ لِأَنَّ فِي كُلِّ خَلَفٍ إِمَامًا عَدْلًا وَاحِدًا يَنْفِي عَنْ دِينِ اللَّهِ تَحْرِيفَ الْغَالِينَ، وَانْتِحَالَ الْمُبْطِلِينَ، وَتَأْوِيلَ الْجَاهِلِينَ، وَهُوَ عِنْدَنَا رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ[٨].