الآية ٣١
«إِنَّ حَبْلَ اللَّهِ خَلِيفَتُهُ فِي الْأَرْضِ»
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:
﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾[١]
ملاحظات
١ . أَخْبَرَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَبِيبٍ الطَّبَرِيُّ، قَالَ: سَأَلْتُ الْمَنْصُورَ عَنْ حَبْلِ اللَّهِ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: ﴿وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا﴾، فَقَالَ: مَا يَقُولُ هَؤُلَاءُ؟ قُلْتُ: يَقُولُونَ إِنَّهُ الْقُرْآنُ، فَقَالَ: الْقُرْآنُ كِتَابُ اللَّهِ، وَكَانَ حَبْلُهُ النَّبِيَّ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمْ لَمْ يَتَفَرَّقُوا مَا دَامَ النَّبِيُّ فِيهِمْ، فَلَمَّا مَاتَ تَفَرَّقُوا وَالْقُرْآنُ فِيهِمْ؟! فَكَانَ حَبْلُ اللَّهِ النَّبِيَّ مَا دَامَ فِيهِمْ، فَلَمَّا مَاتَ كَانَ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ يُبَيِّنُ لَهُمْ سُنَّتَهُ كَامِلَةً، وَلَا يَزَالُ كَذَلِكَ حَتَّى تَقُومَ السَّاعَةُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ حَبْلَ اللَّهِ خَلِيفَتُهُ فِي الْأَرْضِ، فَإِنِ اعْتَصَمْتُمْ بِهِ لَنْ تَتَفَرَّقُوا، وَإِنْ لَمْ تَفْعَلُوا لَنْ تَجْتَمِعُوا! أَلَا وَاللَّهِ قَدْ بَيَّنْتُ لَكُمْ بَيَانًا شَافِيًا، فَلَا تَقُولُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّا كُنَّا عَنْ هَذَا غَافِلِينَ!
٢ . أَخْبَرَنَا وَلِيدُ بْنُ مَحْمُودٍ السِّجِسْتَانِيُّ، قَالَ: سَمِعَ الْمَنْصُورُ قَارِئًا يَقْرَأُ قَوْلَ اللَّهِ تَعَالَى: ﴿أَنْ أَقِيمُوا الدِّينَ وَلَا تَتَفَرَّقُوا فِيهِ﴾[٢]، فَقَالَ: يَقْرَؤُونَ الْقُرْآنَ وَلَا يَتَدَبَّرُونَهُ، كَأَنَّهُمْ بَبَّغَاوَاتٌ نَاطِقَةٌ! أَنَّى لَهُمْ أَنْ يُقِيمُوا الدِّينَ كُلَّهُ وَلَا يَتَفَرَّقُوا فِيهِ إِلَّا إِذَا كَانَ لَهُمْ إِمَامٌ وَاحِدٌ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُعَلِّمُهُمْ كُلَّهُ وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ؟! قُلْتُ: جُعِلْتُ فِدَاكَ، إِنَّهُمْ يَقُولُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ يَكْفِيَانِهِمْ لِذَلِكَ، وَلَا حَاجَةَ لَهُمْ إِلَى مِثْلِ هَذَا الْإِمَامِ، قَالَ: وَيْلَهُمْ، أَلَيْسَ فِيهِمُ الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ مُنْذُ أَرْبَعَةِ عَشَرَ قَرْنًا يَخُوضُونَ فِيهِمَا لَيْلًا وَنَهَارًا؟! فَمَا لَهُمْ لَا يُقِيمُونَ الدِّينَ كُلَّهُ وَهُمْ فِيهِ مُتَفَرِّقُونَ؟! فَهَلْ يَفْقِدُونَ إِلَّا إِمَامًا وَاحِدًا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُعَلِّمُهُمُ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ كُلَّهُمَا وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِيمَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ؟! وَيْلَهُمْ، كَيْفَ يَقُولُونَ أَنَّ الْقُرْآنَ وَالسُّنَّةَ كَافِيَانِ لِإِقَامَةِ الدِّينِ؟! وَمَا الدِّينُ إِلَّا الْقُرْآنُ وَالسُّنَّةُ، وَكَيْفَ يَقُولُونَ أَنَّهُمَا كَافِيَانِ لِرَفْعِ الْخِلَافِ؟! وَمَا الْخِلَافُ إِلَّا فِيهِمَا! ﴿أَفَلَا يَعْقِلُونَ﴾[٣]؟! ﴿بَلْ قَالُوا مِثْلَ مَا قَالَ الْأَوَّلُونَ﴾[٤]، وَمَا كَانَ حُجَّتَهُمْ إِلَّا أَنْ قَالُوا: ﴿إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُهْتَدُونَ﴾[٥]! كَلَّا، بَلْ لَا يَزَالُونَ يُضَيِّعُونَ الدِّينَ وَيَتَفَرَّقُونَ فِيهِ حَتَّى يَجْتَمِعُوا عَلَى إِمَامٍ وَاحِدٍ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ يُعَلِّمُهُمْ وَيَحْكُمُ بَيْنَهُمْ، كَمَا اجْتَمَعُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِذْ كَانَ فِيهِمْ.