الحديث ١
وجوب البيعة والوفاء بها
رَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا عُبَيْدُ اللَّهِ بْنُ مُعَاذٍ الْعَنْبَرِيُّ، حَدَّثَنَا أَبِي، حَدَّثَنَا عَاصِمٌ، وَهُوَ ابْنُ مُحَمَّدِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ مُحَمَّدٍ، عَنْ نَافِعٍ، قَالَ: جَاءَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ إِلَى عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ حِينَ كَانَ مِنْ أَمْرِ الْحَرَّةِ مَا كَانَ زَمَنَ يَزِيدَ بْنِ مُعَاوِيَةَ، فَقَالَ: اطْرَحُوا لِأَبِي عَبْدِ الرَّحْمَنِ وِسَادَةً، فَقَالَ: إِنِّي لَمْ آتِكَ لِأَجْلِسَ، أَتَيْتُكَ لِأُحَدِّثَكَ حَدِيثًا سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُهُ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«مَنْ خَلَعَ يَدًا مِنْ طَاعَةٍ لَقِيَ اللَّهَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ لَا حُجَّةَ لَهُ، وَمَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ؛ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ نَافِعٌ، وَسَالِمٌ، وَعَطَاءٌ، وَالشَّعْبِيُّ، وَيَزِيدُ بْنُ الْأَصَمِّ، وَمُسْلِمُ بْنُ جُنْدُبٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْأَشْتَرِ، وَأُمَيَّةُ بْنُ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مُطِيعٍ.
الشاهد ١
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ إِسْحَاقَ التُّسْتَرِيُّ، حَدَّثَنَا يَحْيَى الْحِمَّانِيُّ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرِ بْنُ عَيَّاشٍ، عَنْ عَاصِمٍ، عَنْ أَبِي صَالِحٍ، عَنْ مُعَاوِيَةَ، قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ فِي عُنُقِهِ بَيْعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الْعَجَبُ مِنْ مُعَاوِيَةَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ! كَيْفَ لَمْ يَسْتَحْيِيَا مِنْ رِوَايَةِ هَذَا الْحَدِيثِ بَعْدَ امْتِنَاعِهِمَا عَنْ بَيْعَةِ عَلِيٍّ؟! أَذَكَرَهُ أَحَدُهُمَا حِينَ انْتَقَلَ الْمُلْكُ إِلَيْهِ، وَالْآخَرُ حِينَ انْتَقَلَ الْمُلْكُ إِلَى يَزِيدَ؟! لَعَمْرِي إِنَّ هَذِهِ لَرِيبَةٌ، وَلَوْلَا أَنَّهُمَا لَمْ يَنْفَرِدَا بِهَذَا الْحَدِيثِ لَمْ نَعْتَمِدْ عَلَيْهِمَا فِيهِ أَبَدًا.
الشاهد ٢
وَرَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ خَلَّادٍ [ت٣٥٩هـ] فِي «حَدِيثِهِ»[٣]، قَالَ: أَخْبَرَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الدَّيْنَوَرِيُّ، أَخْبَرَنَا مُنْجَابُ بْنُ الْحَارِثِ، أَخْبَرَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَرَاسَةَ، أَخْبَرَنَا الثَّوْرِيُّ، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ حَصِيرَةَ، عَنْ أَبِي صَادِقٍ، عَنْ أَبِي تَمِيمٍ -رَجُلٍ مِنَ النَّخَعِ-، قَالَ: سَمِعْتُ عَلِيًّا يَقُولُ: مَنْ لَمْ يُبَايِعْنِي فَلْيُبَايِعْ، فَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ إِمَامُ عَامَّةٍ، فَهِيَ مِيتَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، يُحَاسَبُ بِمَا عَمِلَ فِي الْإِسْلَامِ».
الشاهد ٣
وَرَوَى عَلِيُّ بْنُ الْجَعْدِ [ت٢٣٠هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[٤]، قَالَ: أَخْبَرَنَا شَرِيكٌ، عَنْ عَاصِمِ بْنِ عُبَيْدِ اللَّهِ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَامِرِ بْنِ رَبِيعَةَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: «مَنْ مَاتَ وَلَيْسَ عَلَيْهِ طَاعَةٌ مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَمَنْ خَلَعَهَا بَعْدَ عَقْدِهِ إِيَّاهَا لَقِيَ اللَّهَ وَلَا حُجَّةَ لَهُ».
الشاهد ٤
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْمُعَلَّى الدِّمَشْقِيُّ، حَدَّثَنَا هِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ وَاقِدٍ، عَنْ يُونُسَ بْنِ مَيْسَرَةَ بْنِ حَلْبَسٍ، عَنْ أَبِي إِدْرِيسَ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَحِلُّ لِعَاصٍ، وَمَنْ لَقِيَ اللَّهَ نَاكِثًا لِبَيْعَتِهِ لَقِيَهُ وَهُوَ أَجْذَمُ، وَمَنْ خَرَجَ مِنَ الْجَمَاعَةِ قِيدَ شِبْرٍ مُتَعَمِّدًا فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، وَمَنْ مَاتَ لَيْسَ لِإِمَامِ جَمَاعَةٍ عَلَيْهِ طَاعَةٌ، مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً».
الشاهد ٥
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «السُّنَّةِ»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عَوْفٍ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْحَمِيدِ بْنُ إِبْرَاهِيمَ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَالِمٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ يَزِيدَ النَّصْرِيِّ، عَنْ ثُمَيْلٍ الْأَشْعَرِيِّ -وَكَانَ صَاحِبَ أَبِي الدَّرْدَاءِ- أَنَّ أَبَا الدَّرْدَاءِ قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مُخْبِرًا، فَقَالَ: «إِنَّ الْجَنَّةَ لَا تَحِلُّ لِعَاصٍ، إِنَّهُ مَنْ لَقِيَ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ وَهُوَ نَاكِثٌ بَيْعَتَهُ، لَقِيَهُ وَهُوَ أَجْذَمُ، وَمَنْ خَرَجَ مِنَ الطَّاعَةِ شِبْرًا مُتَعَمِّدًا، فَقَدْ خَلَعَ رِبْقَةَ الْإِسْلَامِ مِنْ عُنُقِهِ، وَمَنْ أَصْبَحَ لَيْسَ عَلَيْهِ أَمِيرُ جَمَاعَةٍ وَلَا لِأَمِيرِ جَمَاعَةٍ عَلَيْهِ طَاعَةٌ، بَعَثَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً، وَلِوَاءُ الْغَادِرِ عِنْدَ اسْتِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: إِنَّمَا أَرَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِالْبَيْعَةِ بَيْعَةَ حَقٍّ؛ كَمَا قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مُطِيعٍ لِابْنِ عُمَرَ حِينَ حَدَّثَهُ بِذَلِكَ: «وَنَحْنُ قَدْ سَمِعْنَا ذَلِكَ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَكِنْ تِلْكَ بَيْعَةُ حَقٍّ»[٧]، وَهِيَ بَيْعَةُ مَنْ أَمَرَ اللَّهُ بِبَيْعَتِهِ، وَأَمَّا بَيْعَةُ غَيْرِهِ فَلَيْسَتْ بِبَيْعَةٍ وَإِنْ بَايَعْتَ مِائَةَ مَرَّةٍ، وَبَيْعَةُ اللَّهِ أَوْلَى بِالْوَفَاءِ.