الحديث ٢١
لا يزال في أهل الدّين من يستعمله اللّه.
رَوَى أَبُو نُعَيْمٍ [ت٤٣٠هـ] فِي «مَعْرِفَةِ الصَّحَابَةِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سُلَيْمٍ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَلِيٍّ الْأَبَّارُ، حَدَّثَنَا الْهَيْثَمُ بْنُ خَارِجَةَ، وَهِشَامُ بْنُ عَمَّارٍ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْجَرَّاحُ بْنُ مَلِيحٍ، حَدَّثَنَا بَكْرُ بْنُ زُرْعَةَ، سَمِعْتُ أَبَا عِنَبَةَ الْخَوْلَانِيَّ، وَكَانَ مِمَّنْ صَلَّى الْقِبْلَتَيْنِ جَمِيعًا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَأَكَلَ الدَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ:
«لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ بِغَرْسٍ يَسْتَعْمِلُهُمْ فِي طَاعَتِهِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ غَرِيبٌ فِي اللَّفْظِ، وَلَكِنَّهُ مُوَافِقٌ لِسَائِرِ أَحَادِيثِ الْبَابِ فِي الْمَعْنَى، وَقَدْ صَحَّحَهُ قَوْمٌ، وَحَسَّنَهُ آخَرُونَ، وَرَوَاهُ يَعْقُوبُ بْنُ سُفْيَانَ [ت٢٧٧هـ] هَكَذَا: «لَا يَزَالُ اللَّهُ يَغْرِسُ فِي هَذَا الدِّينِ غَرْسًا يَسْتَعْمِلْهُمْ فِيهِ لِطَاعَتِهِ، أَوْ يَسْتَعْمِلْهُمْ بِطَاعَتِهِ»[٢]، وَاسْتِعْمَالُهُمْ يَعْنِي اتِّخَاذَهُمْ عُمَّالًا، فَهُمْ عُمَّالُ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ، وَإِنَّمَا قَالَ أَنَّهُ يَغْرِسُهُمْ لِأَنَّهُمْ كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ؛ كَمَا قَالَ: ﴿أَلَمْ تَرَ كَيْفَ ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا كَلِمَةً طَيِّبَةً كَشَجَرَةٍ طَيِّبَةٍ أَصْلُهَا ثَابِتٌ وَفَرْعُهَا فِي السَّمَاءِ تُؤْتِي أُكُلَهَا كُلَّ حِينٍ بِإِذْنِ رَبِّهَا ۗ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ﴾[٣]، وَقَالَ: ﴿مَثَلُ نُورِهِ كَمِشْكَاةٍ فِيهَا مِصْبَاحٌ ۖ الْمِصْبَاحُ فِي زُجَاجَةٍ ۖ الزُّجَاجَةُ كَأَنَّهَا كَوْكَبٌ دُرِّيٌّ يُوقَدُ مِنْ شَجَرَةٍ مُبَارَكَةٍ زَيْتُونَةٍ لَا شَرْقِيَّةٍ وَلَا غَرْبِيَّةٍ يَكَادُ زَيْتُهَا يُضِيءُ وَلَوْ لَمْ تَمْسَسْهُ نَارٌ ۚ نُورٌ عَلَى نُورٍ ۗ يَهْدِي اللَّهُ لِنُورِهِ مَنْ يَشَاءُ ۚ وَيَضْرِبُ اللَّهُ الْأَمْثَالَ لِلنَّاسِ ۗ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾[٤]، وَهِيَ عِنْدَنَا شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ، بِمَعْنَى أَهْلِ بَيْتِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ؛ كَمَا رُوِيَ أَنَّهُ قَالَ: «نَحْنُ أَهْلُ الْبَيْتِ شَجَرَةُ النُّبُوَّةِ»[٥]، وَقَالَ اللَّهُ: ﴿فِي بُيُوتٍ أَذِنَ اللَّهُ أَنْ تُرْفَعَ﴾[٦]، وقال: ﴿إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى آدَمَ وَنُوحًا وَآلَ إِبْرَاهِيمَ وَآلَ عِمْرَانَ عَلَى الْعَالَمِينَ ذُرِّيَّةً بَعْضُهَا مِنْ بَعْضٍ ۗ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ﴾[٧]، وَقَدْ أَصَابَ الْحَكِيمُ التِّرْمِذِيُّ [تنحو٣٢٠هـ] إِذْ قَالَ: «غَرْسُ اللَّهِ مَحْرُوسٌ فِي الْأَحْوَالِ، وَمَحْفُوظٌ فِي الْأَصْلَابِ وَالْأَرْحَامِ، يَكْلَؤُهُ وَيَرْعَاهُ، وَهُمْ رِجَالُهُ فِي أَرْضِهِ، وَأَوْلِيَاؤُهُ وَالدُّعَاةُ إِلَيْهِ، وَغَرَسَهُمْ أَيِ اجْتَبَاهُمْ»[٨].