الحديث ٢
كان النبيّ صلّى اللّه عليه وآله وسلّم يحرّض الناس على السؤال.
رَوَى مُسْلِمُ بْنُ الْحَجَّاجِ [ت٢٦١هـ] فِي «صَحِيحِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنِي زُهَيْرُ بْنُ حَرْبٍ، حَدَّثَنَا جَرِيرٌ، عَنْ عُمَارَةَ، وَهُوَ ابْنُ الْقَعْقَاعِ، عَنْ أَبِي زُرْعَةَ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ، قَالَ:
قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «سَلُونِي»، فَهَابُوهُ أَنْ يَسْأَلُوهُ، فَجَاءَ رَجُلٌ، فَجَلَسَ عِنْدَ رُكْبَتَيْهِ، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِسْلَامُ؟ قَالَ: «لَا تُشْرِكُ بِاللَّهِ شَيْئًا، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِيمَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تُؤْمِنَ بِاللَّهِ، وَمَلَائِكَتِهِ، وَكِتَابِهِ، وَلِقَائِهِ، وَرُسُلِهِ، وَتُؤْمِنَ بِالْبَعْثِ، وَتُؤْمِنَ بِالْقَدَرِ كُلِّهِ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَا الْإِحْسَانُ؟ قَالَ: «أَنْ تَخْشَى اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ، فَإِنَّكَ إِنْ لَا تَكُنْ تَرَاهُ فَإِنَّهُ يَرَاكَ»، قَالَ: صَدَقْتَ، قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مَتَى تَقُومُ السَّاعَةُ؟ قَالَ: «مَا الْمَسْؤُولُ عَنْهَا بِأَعْلَمَ مِنَ السَّائِلِ، وَسَأُحَدِّثُكَ عَنْ أَشْرَاطِهَا، إِذَا رَأَيْتَ الْمَرْأَةَ تَلِدُ رَبَّهَا، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ الْحُفَاةَ الْعُرَاةَ الصُّمَّ الْبُكْمَ مُلُوكَ الْأَرْضِ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، وَإِذَا رَأَيْتَ رِعَاءَ الْبَهْمِ يَتَطَاوَلُونَ فِي الْبُنْيَانِ، فَذَاكَ مِنْ أَشْرَاطِهَا، فِي خَمْسٍ مِنَ الْغَيْبِ لَا يَعْلَمُهُنَّ إِلَّا اللَّهُ، ثُمَّ قَرَأَ: ﴿إِنَّ اللَّهَ عِنْدَهُ عِلْمُ السَّاعَةِ وَيُنَزِّلُ الْغَيْثَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْأَرْحَامِ ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ مَاذَا تَكْسِبُ غَدًا ۖ وَمَا تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ ۚ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ﴾[٢]، قَالَ: ثُمَّ قَامَ الرَّجُلُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «رُدُّوهُ عَلَيَّ»، فَالْتُمِسَ، فَلَمْ يَجِدُوهُ، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «هَذَا جِبْرِيلُ، أَرَادَ أَنْ تَعَلَّمُوا إِذْ لَمْ تَسْأَلُوا».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مِنْ أَحَادِيثِ أَبِي هُرَيْرَةَ، وَقَدْ رَوَى قَرِيبًا مِنْهُ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبَّاسٍ، وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَأَنَسُ بْنُ مَالِكٍ، وَجَرِيرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَأَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَعَمْرُو بْنُ عَقِيلٍ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ غَنْمٍ، وَأَبُو ذَرٍّ، وَأَبُو عَامِرٍ الْأَشْعَرِيُّ، وَأَبُو فِرَاسٍ الْأَسْلَمِيُّ.
الشاهد ١
وَرَوَى إِسْمَاعِيلُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْأَصْبَهَانِيُّ [ت٥٣٥هـ] فِي «التَّرْغِيبِ وَالتَّرْهِيبِ»[٣]، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَحْمَدَ الْوَاحِدِيُّ، أَنْبَأَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ يُوسُفَ، حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ مُحَمَّدُ بْنُ يَعْقُوبَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ الصَّغَانِيُّ، أَنْبَأَنَا عَلِيُّ بْنُ عَيَّاشٍ، حَدَّثَنَا سَعِيدُ بْنُ سِنَانٍ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الزَّاهِرِيَّةِ، عَنْ أَبِي شَجَرَةَ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خَرَجَ يَوْمًا مُتَلَفِّعًا بِعِطَافٍ[٤]، مُسْنَدًا بَيْنَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ بَيْتِهِ مِنْ أَثَرِ شَكَاةٍ كَانَتْ بِهِ، حَتَّى أَتَى مَقَامَهُ فِي الْمَسْجِدِ، فَقَالَ بِيَدِهِ لِلنَّاسِ: «تَأَخَّرُوا -وَرَدَّدَهَا ثَلَاثًا- فَإِنَّكُمْ لَا تَقَدَّمُونَ الْمَلَائِكَةَ»، ثُمَّ أَقْبَلَ بِوَجْهِهِ عَلَى النَّاسِ وَقَالَ: «إِنَّ رَبِّي عَزَّ وَجَلَّ قَدْ رَفَعَ لِيَ الدُّنْيَا، وَأَنَا أَنْظُرُ إِلَيْهَا وَإِلَى مَا هُوَ كَائِنٌ فِيهَا إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، كَمَا أَنْظُرُ إِلَى كَفِّي هَذِهِ، جِلِّيَانٌ[٥] مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ لِنَبِيِّهِ، كَمَا جَلَّى لِلنَّبِيِّينَ قَبْلَهُ، فَسَلُونِي -رَدَّدَهَا ثَلَاثًا- وَايْمُ اللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ إِلَّا أَنْبَأْتُكُمْ بِهِ»، فَقُضِيَ أَنَّ أَحَدًا لَا يَجْتَرِئُ عَلَى مَسْأَلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مَرْثِيَةً لَهُ مِنْ شَكَاتِهِ وَهَيْبَةً لَهُ، فَطَفِقَ بَاسِطًا كَفَّيْهِ رَجَاءَ أَنْ يَسْأَلَهُ أَحَدٌ، قَالَ: «أَمَا إِذَا لَمْ تَسْأَلُونِي، فَلَا يَلْقَى اللَّهَ أَحَدٌ يَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ إِلَّا أُدْخِلَ الْجَنَّةَ، مَا لَمْ يَخْلِطْ مَعَهَا غَيْرَهَا»، رَدَّدَهَا ثَلَاثًا، فَقَالَ قَائِلٌ مِنْ قَاصِيَةِ النَّاسِ: بِأَبِي أَنْتَ وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللَّهِ! وَمَا يَخْلِطُ مَعَهَا غَيْرَهَا؟ قَالَ: «حُبَّ الدُّنْيَا، وَأَثْرَةً لَهَا، وَجَمْعًا لَهَا، وَرِضًى بِهَا، وَعَمَلَ الْجَبَّارِينَ».
الشاهد ٢
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْكَبِيرِ»[٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ رِشْدِينَ، حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ خَالِدٍ الْحَرَّانِيُّ، حَدَّثَنَا ابْنُ لَهِيعَةَ، عَنْ يَزِيدَ بْنِ أَبِي حَبِيبٍ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ سَهْلِ بْنِ أَبِي حَثْمَةَ، عَنْ أَبِيهِ، قَالَ: سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْمِنْبَرِ يَقُولُ: «اجْتَنِبُوا الْكَبَائِرَ السَّبْعَ»، فَسَكَتَ النَّاسُ، فَلَمْ يَتَكَلَّمْ أَحَدٌ، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَلَا تَسْأَلُونِي عَنْهُنَّ؟! الشِّرْكُ بِاللَّهِ، وَقَتْلُ النَّفْسِ، وَالْفِرَارُ مِنَ الزَّحْفِ، وَأَكَلُ مَالِ الْيَتِيمِ، وَأَكَلُ الرِّبَا، وَقَذْفُ الْمُحْصَنَةِ، وَالتَّعَرُّبُ بَعْدَ الْهِجْرَةِ».
الشاهد ٣
وَرَوَى الْخَطِيبُ الْبَغْدَادِيُّ [ت٤٦٣هـ] فِي «الْكِفَايَةِ»[٧]، قَالَ: أَخْبَرَنِي عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي الْفَتْحِ الْفَارِسِيُّ، وَأَحْمَدُ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ الْقَطِيعِيُّ، قَالَا: حَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ الْقَاسِمِ الْخَلَّالُ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْوَكِيلُ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ مُسْلِمٍ الطُّوسِيُّ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ يَزِيدَ الْوَاسِطِيُّ، عَنْ أَصْبَغِ بْنِ زَيْدٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ كَثِيرٍ، عَنْ خَالِدِ بْنِ دُرَيْكٍ، عَنْ رَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْنَ عَيْنَيْ جَهَنَّمَ مَقْعَدًا»، قِيلَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَهَلْ لَهَا مِنْ عَيْنَيْنِ؟! قَالَ: «أَلَمْ تَسْمَعْ إِلَى قَوْلِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ: ﴿إِذَا رَأَتْهُمْ مِنْ مَكَانٍ بَعِيدٍ سَمِعُوا لَهَا تَغَيُّظًا وَزَفِيرًا﴾؟[٨]» فَأَمْسَكَ الْقَوْمُ أَنْ يَسْأَلُوهُ، فَأَنْكَرَ ذَلِكَ مِنْ شَأْنِهِمْ، وَقَالَ: «مَا لَكُمْ لَا تَسْأَلُونِي؟!» قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، سَمِعْنَاكَ تَقُولُ: «مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ فَلْيَتَبَوَّأْ بَيْنَ عَيْنَيْ جَهَنَّمَ مَقْعَدًا»، وَنَحْنُ لَا نَحْفَظُ الْحَدِيثَ كَمَا سَمِعْنَاهُ، نُقَدِّمُ حَرْفًا، وَنُؤَخِّرُ حَرْفًا، وَنَزِيدُ حَرْفًا، وَنَنْقُصُ حَرْفًا، قَالَ: «لَيْسَ ذَلِكَ أَرَدْتُ، إِنَّمَا قُلْتُ: مَنْ تَقَوَّلَ عَلَيَّ مَا لَمْ أَقُلْ، يُرِيدُ عَيْبِي وَشَيْنَ الْإِسْلَامِ»، يَعْنِي بِتَغْيِيرِ الْمَعْنَى، دُونَ اللَّفْظِ.