الحديث ٨
البيعة التي تمهّد لخروج الإمام
رَوَى أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ [ت٢٤١هـ] فِي «مُسْنَدِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّزَّاقِ، أَخْبَرَنَا مَعْمَرٌ؛ وَحَدَّثَنَا دَاوُدُ بْنُ مِهْرَانَ، حَدَّثَنَا دَاوُدُ الْعَطَّارُ؛ وَحَدَّثَنَا إِسْحَاقُ بْنُ عِيسَى، حَدَّثَنَا يَحْيَى بْنُ سُلَيْمٍ؛ جَمِيعًا عَنِ ابْنِ خُثَيْمٍ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْأَنْصَارِيِّ، قَالَ:
مَكَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِمَكَّةَ عَشْرَ سِنِينَ يَتْبَعُ النَّاسَ فِي مَنَازِلِهِمْ بِعُكَاظٍ وَمَجَنَّةَ، وَفِي الْمَوَاسِمِ بِمِنًى، يَقُولُ: «مَنْ يُؤْوِينِي؟ مَنْ يَنْصُرُنِي؟ حَتَّى أُبَلِّغَ رِسَالَةَ رَبِّي، وَلَهُ الْجَنَّةُ»، حَتَّى إِنَّ الرَّجُلَ لَيَخْرُجُ مِنَ الْيَمَنِ أَوْ مِنْ مِصْرٍ -كَذَا قَالَ- فَيَأْتِيهِ قَوْمُهُ، فَيَقُولُونَ: «احْذَرْ غُلَامَ قُرَيْشٍ، لَا يَفْتِنْكَ»، وَيَمْشِي بَيْنَ رِجَالِهِمْ، وَهُمْ يُشِيرُونَ إِلَيْهِ بِالْأَصَابِعِ، حَتَّى بَعَثَنَا اللَّهُ لَهُ مِنْ يَثْرِبَ، فَآوَيْنَاهُ وَصَدَّقْنَاهُ، فَيَخْرُجُ الرَّجُلُ مِنَّا، فَيُؤْمِنُ بِهِ، وَيُقْرِئُهُ الْقُرْآنَ، فَيَنْقَلِبُ إِلَى أَهْلِهِ، فَيُسْلِمُونَ بِإِسْلَامِهِ، حَتَّى لَمْ يَبْقَ دَارٌ مِنْ دُورِ الْأَنْصَارِ إِلَّا وَفِيهَا رَهْطٌ مِنَ الْمُسْلِمِينَ، يُظْهِرُونَ الْإِسْلَامَ، ثُمَّ ائْتَمَرُوا جَمِيعًا، فَقُلْنَا: «حَتَّى مَتَى نَتْرُكُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ يُطْرَدُ فِي جِبَالِ مَكَّةَ وَيَخَافُ؟!» فَرَحَلَ إِلَيْهِ مِنَّا سَبْعُونَ رَجُلًا، حَتَّى قَدِمُوا عَلَيْهِ فِي الْمَوْسِمِ، فَوَاعَدْنَاهُ شِعْبَ الْعَقَبَةِ، فَاجْتَمَعْنَا عِنْدَهُ مِنْ رَجُلٍ وَرَجُلَيْنِ، حَتَّى تَوَافَيْنَا، فَقُلْنَا: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، عَلَامَ نُبَايِعُكَ؟» قَالَ: «تُبَايِعُونِي عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فِي النَّشَاطِ وَالْكَسَلِ، وَالنَّفَقَةِ فِي الْعُسْرِ وَالْيُسْرِ، وَعَلَى الْأَمْرِ بِالْمَعْرُوفِ وَالنَّهْيِ عَنِ الْمُنْكَرِ، وَأَنْ تَقُولُوا فِي اللَّهِ، لَا تَخَافُونَ فِي اللَّهِ لَوْمَةَ لَائِمٍ، وَعَلَى أَنْ تَنْصُرُونِي، فَتَمْنَعُونِي إِذَا قَدِمْتُ عَلَيْكُمْ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَزْوَاجَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ، وَلَكُمُ الْجَنَّةُ»، قَالَ: فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ، وَأَخَذَ بِيَدِهِ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَهُوَ مِنْ أَصْغَرِهِمْ، فَقَالَ: «رُوَيْدًا يَا أَهْلَ يَثْرِبَ، فَإِنَّا لَمْ نَضْرِبْ أَكْبَادَ الْإِبِلِ إِلَّا وَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَإِنَّ إِخْرَاجَهُ الْيَوْمَ مُفَارَقَةُ الْعَرَبِ كَافَّةً، وَقَتْلُ خِيَارِكُمْ، وَأَنْ تَعَضَّكُمُ السُّيُوفُ، فَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَصْبِرُونَ عَلَى ذَلِكَ، وَأَجْرُكُمْ عَلَى اللَّهِ، وَإِمَّا أَنْتُمْ قَوْمٌ تَخَافُونَ مِنْ أَنْفُسِكُمْ جُبَيْنَةً، فَبَيِّنُوا ذَلِكَ، فَهُوَ أَعْذَرُ لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ»، قَالُوا: «أَمِطْ عَنَّا يَا أَسْعَدُ، فَوَاللَّهِ لَا نَدَعُ هَذِهِ الْبَيْعَةَ أَبَدًا، وَلَا نَسْلِيهَا أَبَدًا»، قَالَ: فَقُمْنَا إِلَيْهِ فَبَايَعْنَاهُ، فَأَخَذَ عَلَيْنَا وَشَرَطَ، وَيُعْطِينَا عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ.
الشاهد ١
وَرَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا مُوسَى بْنُ هَارُونَ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ عِمْرَانَ بْنِ أَبِي لَيْلَى، حَدَّثَنَا مُعَاوِيَةُ بْنُ عَمَّارٍ الدُّهْنِيُّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي الزُّبَيْرِ، عَنْ جَابِرٍ، قَالَ: دَعَانِي خَالِي جَدُّ بْنُ قَيْسٍ فِي سَبْعِينَ رَاكِبًا الَّذِينَ أَخَذُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْأَنْصَارِ، فَجَاءَ إِلَيْنَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ وَمَعَهُ عَمُّهُ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ، فَقَالَ: «يَا عَمُّ، خُذْ عَلَى أَخْوَالِكَ»، فَقَالَ لَهُ السَّبْعُونَ: «يَا مُحَمَّدُ، سَلْ لِرَبِّكَ، وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ»، فَقَالَ: «أَمَّا الَّذِي أَسْأَلُ لِرَبِّي، فَتَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَأَمَّا الَّذِي أَسْأَلُكُمْ لِنَفْسِي، فَتَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ»، قَالُوا: «فَمَا لَنَا إِذَا فَعَلْنَا ذَلِكَ؟» قَالَ: «الْجَنَّةُ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: حَدِيثُ بَيْعَةِ الْأَنْصَارِ بِالْعَقَبَةِ ثَابِتٌ مَشْهُورٌ، وَهِيَ الْبَيْعَةُ الَّتِي مَهَّدَتْ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ خُرُوجَهُ، وَكَانَ مِنْ قَبْلُ مُسْتَضْعَفًا فِي الْأَرْضِ خَائِفًا مُتَرَقِّبًا.
الشاهد ٢
وَرَوَى أَبُو بَكْرٍ الْأَنْبَارِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «حَدِيثِهِ»[٣]، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ أَبِي الْعَوَّامِ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي أَحْمَدُ بْنُ يَزِيدَ أَبُو الْعَوَّامِ الرِّيَاحِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ بْنِ بَشَّارٍ، عَنْ أَبِي إِسْحَاقَ السَّبِيعِيِّ، عَنِ الشَّعْبِيِّ؛ وَعَنْ عَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ عُمَيْرٍ، عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ، عَنْ عَقِيلِ بْنِ أَبِي طَالِبٍ؛ وَعَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَخِي الزُّهْرِيِّ، عَنِ الزُّهْرِيِّ، قَالُوا: لَمَّا اشْتَدَّ الْمُشْرِكُونَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، قَالَ لِعَمِّهِ الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: «يَا عَمُّ، إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ نَاصِرٌ دِينَهُ بِقَوْمٍ يَهُونُ عَلَيْهِمْ رَغْمَ قُرَيْشٍ عِزًّا فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَامْضِ بِي إِلَى عُكَاظٍ، فَأَرِنِي مَنَازِلَ أَحْيَاءِ الْعَرَبِ، حَتَّى أَدْعُوَهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، وَأَنْ يَمْنَعُونِي وَيُؤْوُونِي حَتَّى أُبَلِّغَ عَنِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَمَا أَرْسَلَنِي بِهِ»، قَالَ: فَقَالَ لَهُ الْعَبَّاسُ: «يَا ابْنَ أَخِي، امْضِ إِلَى عُكَاظٍ، فَإِنِّي مَاضٍ مَعَكَ حَتَّى أَدُلَّكَ عَلَى مَنَازِلِ الْأَحْيَاءِ»، فَبَدَأَ صَلَوَاتُ اللَّهِ عَلَيْهِ بِثَقِيفٍ، ثُمَّ اسْتَقْرَأَ الْقَبَائِلَ فِي سَنَتِهِ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبِلُ، وَذَلِكَ حِينَ أَمَرَهُ عَزَّ وَجَلَّ أَنْ يُعْلِنَ الدُّعَاءَ، لَقِيَ السِّتَّةَ النَّفَرَ الْخَزْرَجِيِّينَ وَالْإِخْوَةَ: أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ، وَأَبَا الْهَيْثَمِ بْنَ التَّيِّهَانِ، وَعَبْدَ اللَّهِ بْنَ رَوَاحَةَ، وَسَعْدَ بْنَ الرَّبِيعِ، وَالنُّعْمَانَ بْنَ حَارِثَةَ، وَعُبَادَةَ بْنَ الصَّامِتِ، فَلَقِيَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ فِي أَيَّامِ مِنًى عِنْدَ جَمْرَةِ الْعَقَبَةِ لَيْلًا، فَجَلَسَ إِلَيْهِمْ، فَدَعَاهُمْ إِلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَإِلَى عِبَادَتِهِ، وَالْمُؤَازَرَةِ عَلَى دِينِهِ الَّذِي بَعَثَ بِهِ أَنْبِيَاءَهُ وَرُسُلَهُ، فَسَأَلُوهُ أَنْ يَعْرِضَ عَلَيْهِمْ مِمَّا أُوحِيَ إِلَيْهِ، فَقَرَأَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ سُورَةِ إِبْرَاهِيمَ: ﴿وَإِذْ قَالَ إِبْرَاهِيمُ رَبِّ اجْعَلْ هَذَا الْبَلَدَ آمِنًا﴾[٤] إِلَى آخِرِ السُّورَةِ، فَرَقَّ الْقَوْمُ وَأَخْبَتُوا حَتَّى سَمِعُوا مِنْهُ، فَأَسْمَعُوا وَأَجَابُوهُ، فَمَرَّ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَهُوَ يُكَلِّمُهُمْ وَيُكَلِّمُونَهُ، فَعَرَفَ صَوْتَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا ابْنَ أَخِي، مَنْ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ عِنْدَكَ؟» قَالَ: «يَا عَمُّ، سُكَّانُ يَثْرِبَ الْأَوْسُ وَالْخَزْرَجُ، وَقَدْ دَعَوْتُهُمْ إِلَى مَا دَعَوْتُ إِلَيْهِ مَنْ قَبْلَهُمْ مِنَ الْأَحْيَاءِ، فَأَجَابُونِي وَصَدَّقُونِي، وَذَكَرُوا أَنَّهُمْ يُخْرِجُونِي إِلَى بِلَادِهِمْ»، فَنَزَلَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ وَعَقَدَ رَاحِلَتَهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُمْ: «يَا مَعْشَرَ الْأَوْسِ وَالْخَزْرَجِ، هَذَا ابْنُ أَخِي، وَهُو أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ، فَإِنْ كُنْتُمْ قَدْ صَدَّقْتُمُوهُ وَآمَنْتُمْ بِهِ وَأَرَدْتُمْ إِخْرَاجَهُ مَعَكُمْ، فَإِنِّي أُرِيدُ أَنْ آخُذَ عَلَيْكُمْ مَوْثِقًا تَطْمَئِنُّ بِهِ نَفْسِي أَنْ لَا تَخْذُلُوهُ وَلَا تُغْرُوهُ، فَإِنَّ جِيرَانَكُمُ الْيَهُودُ، وَهُمْ لَهُ عَدُوٌّ، وَلَا آمَنُ مَكْرَهُمْ عَلَيْهِ»، فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَشَقَّ عَلَيْهِ قَوْلُ الْعَبَّاسِ حِينَ اتَّهَمَ عِلْيَةَ أَسْعَدَ وَأَصْحَابِهِ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، ائْذَنْ لَنَا، فَلْنُجِبْهُ غَيْرَ مُخْشِنِينَ بِصَدْرِكَ، وَلَا مُتَعَرِّضِينَ لِشَيْءٍ مِمَّا تَكْرَهُ، إِلَّا تَصْدِيقًا لِإِجَابَتِنَا إِيَّاكَ وَإِيمَانًا بِكَ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «أَجِيبُوهُ غَيْرَ مُتَّهِمِينَ»، فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ، وَأَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ بِوَجْهِهِ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِنَّ لِكُلِّ دَعْوَةٍ سَبِيلًا، إِنْ لِينًا وَإِنْ شِدَّةً، وَقَدْ دَعَوْتَنَا الْيَوْمَ إِلَى دَعْوَةٍ مُتَجَهِّمَةٍ لِلنَّاسِ مُتَّوَعِّدَةٍ عَلَيْهِمْ، دَعَوْتَنَا إِلَى تَرْكِ دِينِنَا وَاتِّبَاعِكَ عَلَى دِينِكَ، وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ، فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ، وَدَعَوْتَنَا إِلَى قَطْعِ مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَ النَّاسِ مِنَ الْجِوَارِ وَالْأَرْحَامِ الْقَرِيبَةِ وَالْبَعِيدَةِ، وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ، فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ، وَدَعَوْتَنَا وَنَحْنُ جَمَاعَةٌ فِي دَارِ عِزٍّ وَسَعَةٍ، لَا يَطْمَعُ أَحَدٌ فِينَا، أَنْ يَرُوسَ عَلَيْنَا رَجُلٌ مِنْ غَيْرِنَا[٥]، قَدْ أَفْرَدَهُ قَوْمُهُ، وَأَسْلَمَهُ أَعْمَامُهُ، وَتِلْكَ رُتْبَةٌ صَعْبَةٌ، فَأَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ، وَكُلُّ هَؤُلَاءِ الرُّتَبِ مَكْرُوهٌ عِنْدَ النَّاسِ، إِلَّا مَنْ عَزَمَ اللَّهُ لَهُ عَلَى رُشْدِهِ، وَالْتَمَسَ الْخَيْرَ فِي عَوَاقِبِهَا، وَقَدْ أَجَبْنَاكَ إِلَى ذَلِكَ بِأَلْسِنَتِنَا وَصُدُورِنَا وَأَيْدِينَا، إِيمَانًا بِمَا جِئْتَ بِهِ، وَتَصْدِيقًا بِمَعْرِفَةٍ ثَبَتَتْ فِي قُلُوبِنَا، نُبَايِعُكَ عَلَى ذَلِكَ، وَنُبَايِعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ رَبَّنَا وَرَبَّكَ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِينَا، دِمَاؤُنَا دُونَ دَمِكَ، وَأَيْدِينَا دُونَ يَدِكَ، نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَنْفُسَنَا وَأَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا، فَإِنْ نَفِي بِذَلِكَ فَلِلَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَفِي، وَنَحْنُ بِهِ أَسْعَدُ، وَإِنْ نَغْدِرْ فَبِاللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ نَغْدِرُ، وَنَحْنُ بِهِ أَشْقَى، هَذَا الصِّدْقُ مِنَّا يَا رَسُولَ اللَّهِ، وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ»، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ بِوَجْهِهِ، وَقَالَ: «وَأَمَّا أَنْتَ، أَيُّهَا الْمُعْتَرِضُ لَنَا بِالْقَوْلِ دُونَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَاللَّهُ أَعْلَمُ مَا أَرَدْتَ بِذَلِكَ، ذَكَرْتَ أَنَّهُ ابْنُ أَخِيكَ وَأَنَّهُ أَحَبُّ النَّاسِ إِلَيْكَ، فَنَحْنُ قَدْ قَطَعْنَا فِيهِ الْقَرِيبَ وَالْبَعِيدَ وَذَا الرَّحِمِ، وَنَشْهَدُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، أَرْسَلَهُ مِنْ عِنْدِهِ، لَيْسَ بِكَذَّابٍ، وَأَنَّ مَا جَاءَ بِهِ لَا يُشْبِهُ كَلَامَ الْبَشَرِ، وَأَمَّا مَا ذَكَرْتَ أَنَّكَ لَا تَطْمَئِنُّ إِلَيْنَا فِي أَمْرِهِ حَتَّى تَأْخُذَ مَوَاثِيقَنَا، فَهَذِهِ خَصْلَةٌ لَا نَرُدُّهَا عَلَى أَحَدٍ أَرَادَهَا لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَخُذْ مَا شِئْتَ»، ثُمَّ الْتَفَتَ إِلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، خُذْ لِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ، وَاشْتَرِطْ لِرَبِّكَ مَا شِئْتَ»، فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «أَشْتَرِطُ لِرَبِّي عَزَّ وَجَلَّ أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا، وَلِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَبْنَاءَكُمْ وَنِسَاءَكُمْ»، قَالُوا: «فَذَلِكَ لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ»، فَقَالَ الْعَبَّاسُ بْنُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ: «عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ عَهْدُ اللَّهِ مَعَ عُهُودِكُمْ، وَذِمَّةُ اللَّهِ مَعَ ذِمَمِكُمْ، فِي هَذَا الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَالْبَلَدِ الْحَرَامِ، تُبَايِعُونَهُ وَتُبَايِعُونَ اللَّهَ رَبَّكُمْ، يَدُ اللَّهِ فَوْقَ أَيْدِيكُمْ، لَتَجِدُّنَّ فِي نَصْرِهِ، وَلَتَشُدُّنَّ لَهُ مِنْ أَزْرِهِ، وَلَتُوفُنَّ لَهُ بِعَهْدِهِ، بِدَفْعِ أَيْدِيكُمْ، وَصَرْخِ أَلْسِنَتِكُمْ، وَنُصْحِ صُدُورِكُمْ، لَا يَمْنَعُكُمْ مِنْ ذَلِكَ رَغْبَةٌ أَشْرَفْتُمْ عَلَيْهَا، وَلَا رَهْبَةٌ أَشْرَفَتْ عَلَيْكُمْ، وَلَا يُؤْتَى مِنْ قِبَلِكُمْ»، قَالُوا جَمِيعًا: «نَعَمْ»، قَالَ: «اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْكُمْ بِذَلِكَ رَاعٍ كَفِيلٌ»، قَالُوا: «نَعَمْ»، قَالَ: «اللَّهُمَّ إِنَّكَ سَامِعٌ شَاهِدٌ، وَإِنَّ ابْنَ أَخِي قَدِ اسْتَرْعَاهُمْ ذِمَّتَهُ، وَاسْتَحْفَظَهُمْ نَفْسَهُ، اللَّهُمَّ فَكُنْ لِابْنِ أَخِي عَلَيْهِمْ شَهِيدًا»، فَرَضِيَ الْقَوْمُ بِمَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنْ نَفْسِهِ، وَرَضِيَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِمَا أَعْطَوْهُ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ كَانُوا قَالُوا لَهُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، إِذَا أَعْطَيْنَاكَ ذَلِكَ فَمَا لَنَا؟» قَالَ: «رِضْوَانُ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَالْجَنَّةُ»، قَالُوا: «قَدْ رَضِينَا وَقَبِلْنَا»، فَأَقْبَلَ أَبُو الْهَيْثَمِ عَلَى أَصْحَابِهِ، فَقَالَ: «أَلَيْسَ تَعْلَمُونَ أَنَّ هَذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَقَدْ آمَنْتُمْ بِهِ وَصَدَّقْتُمُوهُ؟» قَالُوا: «بَلَى»، قَالَ: «أَوَلَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أَنَّهُ فِي بَلَدِ اللَّهِ الْحَرَامِ وَمَسْقَطِ رَأْسِهِ وَمَوْلِدِهِ وَعَشِيرَتِهِ؟» قَالُوا: «بَلَى»، قَالَ: «فَإِنْ كُنْتُمْ خَاذِلِيهِ أَوْ مُسَلِّمِيهِ يَوْمًا مِنَ الدَّهْرِ لِبَلَاءٍ نَزَلَ بِكُمْ فَالْآنَ، فَإِنَّ الْعَرَبَ سَتَرْمِيكُمْ فِيهِ عَنْ قَوْسٍ وَاحِدَةٍ، فَإِنْ طَابَتْ أَنْفُسُكُمْ عَنِ الْأَنْفُسِ وَالْأَمْوَالِ وَالْأَوْلَادِ فِي ذَاتِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ، فَمَا لَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ مِنَ الثَّوَابِ خَيْرٌ مِنْ أَنْفُسِكُمْ وَأَوْلَادِكُمْ وَأَمْوَالِكُمْ»، فَأَجَابَ الْقَوْمُ جَمِيعًا: «لَا، بَلْ نَحْنُ مَعَهُ بِالْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ»، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، لَعَلَّكَ إِذَا حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ، وَقَطَعْنَا مَا بَيْنَنَا وَبَيْنَهُمْ مِنَ الْجِوَارِ وَالْحِلْفِ وَالْأَرْحَامِ، وَحَمَلَتْنَا الْحَرْبُ عَلَى سِيسَائِهَا[٦] وَكَشَفَتْ لَنَا عَنْ قِنَاعِهَا، لَحِقْتَ بِبَلَدِكَ، فَتَرَكْتَنَا، وَقَدْ حَارَبْنَا النَّاسَ فِيكَ»، فَتَبَسَّمَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ قَالَ: «الدَّمَ الدَّمَ، الْهَدْمَ الْهَدْمَ»[٧]، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: «خَلِّ بَيْنَنَا يَا أَبَا الْهَيْثَمِ حَتَّى نُبَايِعَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ»، فَسَبَقَهُمْ أَبُو الْهَيْثَمِ إِلَى بَيْعَتِهِ، فَقَالَ: «أَنَا أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الْإِثْنَا عَشَرَ نَقِيبًا مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مُوسَى بْنَ عِمْرَانَ عَلَيْهِ السَّلَامُ»، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ: «أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى مَا بَايَعَ عَلَيْهِ الْإِثْنَا عَشَرَ مِنَ الْحَوَارِيِّينَ عِيسَى بْنَ مَرْيَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ»، فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ: «أُبَايِعُ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ أُتِمَّ عَهْدِي بِوَفَائِي، وَأُصَدِّقَ قَوْلِي بِفِعْلِي فِي نُصْرَتِكَ»، وَقَالَ النُّعْمَانُ بْنُ حَارِثَةَ: «أُبَايِعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأُبَايِعُكَ عَلَى الْإِقْدَامِ فِي أَمْرِ اللَّهِ، لَا أُرَاقِبُ فِيهِ الْقَرِيبَ وَلَا الْبَعِيدَ، فَإِنْ شِئْتَ وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ مِلْنَا بِأَسْيَافِنَا هَذِهِ عَلَى أَهْلِ مِنًى»، فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «لَمْ أُؤْمَرْ بِذَلِكَ»، وَقَالَ عُبَادَةُ بْنُ الصَّامِتِ: «أُبَايِعُكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَى أَنْ لَا تَأْخُذَنِي فِي اللَّهِ لَوْمَةُ لَائِمٍ»، وَقَالَ سَعْدُ بْنُ الرَّبِيعِ: «أُبَايِعُ اللَّهَ يَا رَسُولَ اللَّهِ وَأُبَايِعُكَ عَلَى أَنْ لَا أَعْصِيَكُمَا وَلَا أُكَذِّبَكُمَا حَدِيثًا»، فَانْصَرَفَ الْقَوْمُ إِلَى بِلَادِهِمْ رَاضِينَ مَسْرُورِينَ، وَسُرُّوا بِمَا أَعْطَاهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْوَحْيِ وَحُسْنِ إِجَابَةِ قَوْمِهِمْ لَهُمْ، حَتَّى وَافَوْهُ مِنْ قَابِلٍ وَهُمْ سَبْعُونَ رَجُلًا.
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا كَانَتْ بَيْعَةُ الْأَنْصَارِ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، وَلَوْ أَنَّ قَوْمًا بَايَعُوا الْمَهْدِيَّ كَمَا بَايَعَ الْأَنْصَارُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَخَرَجَ إِلَيْهِمْ كَمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ إِلَى الْأَنْصَارِ، ﴿سُنَّةَ اللَّهِ الَّتِي قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلُ ۖ وَلَنْ تَجِدَ لِسُنَّةِ اللَّهِ تَبْدِيلًا﴾[٨].
الشاهد ٣
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ [ت٢٣٠هـ] فِي «الطَّبَقَاتِ الْكُبْرَى»[٩]، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَفَّانُ بْنُ مُسْلِمٍ، قَالَ: أَخْبَرَنَا حَمَّادُ بْنُ سَلَمَةَ، قَالَ: أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ زَيْدٍ، عَنْ عُبَادَةَ بْنِ الْوَلِيدِ بْنِ عُبَادَةَ بْنِ الصَّامِتِ، أَنَّ أَسْعَدَ بْنَ زُرَارَةَ رَحِمَهُ اللَّهُ أَخَذَ بِيَدِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ، يَعْنِي لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، فَقَالَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، هَلْ تَدْرُونَ عَلَى مَا تُبَايِعُونَ مُحَمَّدًا؟ إِنَّكُمْ تُبَايِعُونَهُ عَلَى أَنْ تُحَارِبُوا الْعَرَبَ وَالْعَجَمَ وَالْجِنَّ وَالْإِنْسَ مُجْلِبَةً»، فَقَالُوا: «نَحْنُ حَرْبٌ لِمَنْ حَارَبَ، وَسِلْمٌ لِمَنْ سَالَمَ»، فَقَالَ أَسْعَدُ بْنُ زُرَارَةَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، اشْتَرِطْ عَلَيَّ»، فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «تُبَايِعُونِي عَلَى أَنْ تَشْهَدُوا أَلَّا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، وَأَنِّي رَسُولُ اللَّهِ، وَتُقِيمُوا الصَّلَاةَ، وَتُؤْتُوا الزَّكَاةَ، وَالسَّمْعَ وَالطَّاعَةَ، وَلَا تُنَازِعُوا الْأَمْرَ أَهْلَهُ، وَتَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ»، قَالُوا: «نَعَمْ»، قَالَ قَائِلُ الْأَنْصَارِ: «هَذَا لَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا لَنَا؟» قَالَ: «الْجَنَّةُ وَالنَّصْرُ»، وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى[١٠]، قَالَ: «لَكُمُ النَّصْرُ فِي الدُّنْيَا، وَالْجَنَّةُ فِي الْآخِرَةِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: مَنْ أَرَادَ النَّصْرَ فِي الدُّنْيَا وَالْجَنَّةَ فِي الْآخِرَةِ فَلْيُبَايِعْ إِمَامَ زَمَانِهِ مِنْ ذُرِّيَّةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ كَمَا بَايَعَ الْأَنْصَارُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ، وَقَدْ رُوِيَ أَنَّهُمْ بَايَعُوهُ عَلَى هَذَا أَيْضًا:
الشاهد ٤
رَوَى الطَّبَرَانِيُّ [ت٣٦٠هـ] فِي «الْمُعْجَمِ الْأَوْسَطِ»[١١]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ الْجَعْدِ الْوَشَّاءُ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ مَرْوَانَ الْفَزَارِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا حُسَيْنُ بْنُ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: حَدَّثَنَا جَعْفَرُ بْنُ مُحَمَّدٍ، قَالَ: أَشْهَدُ عَلَى أَبِي، لَحَدَّثَنِي عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ حُسَيْنِ بْنِ عَلِيٍّ، قَالَ: جَاءَتِ الْأَنْصَارُ تُبَايِعُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى الْعَقَبَةِ، فَقَالَ: «قُمْ يَا عَلِيُّ فَبَايِعْهُمْ»، فَقَالَ: «عَلَى مَا أُبَايِعُهُمْ يَا رَسُولَ اللَّهِ؟» قَالَ: «عَلَى أَنْ يُطَاعَ اللَّهُ وَلَا يُعْصَى، وَعَلَى أَنْ تَمْنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ وَذُرِّيَّتَهُ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَذَرَارِيَّكُمْ».
الشاهد ٥
وَرَوَى أَحْمَدُ بْنُ عَبْدِ الْعَزِيزِ الْجَوْهَرِيُّ [ت٣٢٣هـ] فِي «أَخْبَارِ السَّقِيفَةِ»[١٢]، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ سُلَيْمَانَ النَّوْفَلِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنِي أَبِي، قَالَ: حَدَّثَنِي شَرِيكُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، عَنْ إِسْمَاعِيلَ بْنِ خَالِدٍ، عَنْ زَيْدِ بْنِ عَلِيِّ بْنِ الْحُسَيْنِ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ عَلِيٌّ: «كُنْتُ أُبَايِعُ الْأَنْصَارَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ لَهُ فِي الْمَحْبُوبِ وَالْمَكْرُوهِ، فَلَمَّا عَزَّ الْإِسْلَامُ وَكَثُرَ أَهْلُهُ قَالَ: <يَا عَلِيُّ زِدْ فِيهَا: عَلَى أَنْ تَمْنَعُوا رَسُولَ اللَّهِ وَأَهْلَ بَيْتِهِ مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَذَرَارِيَّكُمْ>»، قَالَ: «فَحَمَلَهَا عَلَى ظُهُورِ الْقَوْمِ، فَوَفَّى بِهَا مَنْ وَفَّى، وَهَلَكَ مَنْ هَلَكَ».