الحديث ٢٠
كان عليّ عليه السلام يحرّض الناس على السؤال، ويعلّمهم آدابه.
رَوَى أَبُو بَكْرِ بْنُ أَبِي شَيْبَةَ [ت٢٣٥هـ] فِي «مُصَنَّفِهِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا مَالِكُ بْنُ إِسْمَاعِيلَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ الرُّؤَاسِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَمْرُو بْنُ قَيْسٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، قَالَ عَبْدُ الرَّحْمَنِ: أَظُنُّهُ عَنْ قَيْسِ بْنِ السَّكَنِ، قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ عَلَى مِنْبَرِهِ، -وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: بِالنَّهْرَوَانِ-: «أَنَا فَقَأْتُ عَيْنَ الْفِتْنَةِ، وَلَوْ لَمْ أَكُنْ فِيكُمْ مَا قُوتِلَ فُلَانٌ وَفُلَانٌ[٢] وَأَهْلُ النَّهْرِ، وَايْمُ اللَّهِ لَوْلَا أَنْ تَتَّكِلُوا فَتَدَعُوا الْعَمَلَ، لَحَدَّثْتُكُمْ بِمَا سَبَقَ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّكُمْ لِمَنْ قَاتَلَهُمْ مُبْصِرًا لِضَلَالَتِهِمْ، عَارِفًا بِالَّذِي نَحْنُ عَلَيْهِ»، ثُمَّ قَالَ: «سَلُونِي، فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَلَا عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مِائَةً أَوْ تُضِلُّ مِائَةً، إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ بِسَائِقِهَا وَشَائِعِهَا»، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَدِّثْنَا عَنِ الْبَلَاءِ، فَقَالَ أَمِيرُ الْمُؤْمِنِينَ: «إِذَا سَأَلَ سَائِلٌ فَلْيَعْقِلْ، وَإِذَا سُئِلَ مَسْؤُولٌ فَلْيَتَثَبَّتْ، إِنَّ مِنْ وَرَائِكُمْ أُمُورًا جَلَلًا، وَبَلَاءً مُبْلِحًا مُكْلِحًا[٣]، وَالَّذِي فَلَقَ الْحَبَّةَ وَبَرَأَ النَّسَمَةَ، لَوْ قَدْ فَقَدْتُمُونِي وَنَزَلَتْ كَرَائِهُ الْأُمُورِ وَحَقَائِقُ الْبَلَاءِ، لَفَشِلَ كَثِيرٌ مِنَ السَّائِلِينَ، وَلَأَطْرَقَ كَثِيرٌ مِنَ الْمَسْؤُولِينَ، وَذَلِكَ إِذَا اتَّصَلَتْ حَرْبُكُمْ[٤] وَكَشَفَتْ عَنْ سَاقٍ لَهَا[٥]، وَصَارَتِ الدُّنْيَا بَلَاءً عَلَى أَهْلِهَا، حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لِبَقِيَّةِ الْأَبْرَارِ»، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ، حَدِّثْنَا عَنِ الْفِتْنَةِ، فَقَالَ: «إِنَّ الْفِتْنَةَ إِذَا أَقْبَلَتْ شَبَّهَتْ، وَإِذَا أَدْبَرَتْ أَسْفَرَتْ، وَإِنَّمَا الْفِتَنُ يَحُمْنَ كَمَا تَحُومُ الرِّيَاحِ[٦]، يُصِبْنَ بَلَدًا وَيُخْطِئْنَ آخَرَ، فَانْصُرُوا أَقْوَامًا كَانُوا أَصْحَابَ رَايَاتٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ تُنْصَرُوا وَتُؤْجَرُوا، -وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: وَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَصْرَعُكُمُ الْبَلِيَّةُ-، أَلَا إِنَّ أَخْوَفَ الْفِتْنَةِ عِنْدِي عَلَيْكُمْ فِتْنَةٌ عَمْيَاءُ مُظْلِمَةٌ، -وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: فِتْنَةُ بَنِي أُمَيَّةَ-، خَصَّتْ فِتْنَتُهَا، وَعَمَّتْ بَلِيَّتُهَا، أَصَابَ الْبَلَاءُ مَنْ أَبْصَرَ فِيهَا، وَأَخْطَأَ الْبَلَاءُ مَنْ عَمِيَ عَنْهَا، يَظْهَرُ أَهْلُ بَاطِلِهَا عَلَى أَهْلِ حَقِّهَا، حَتَّى تُمْلَأَ الْأَرْضُ عُدْوَانًا وَظُلْمًا، وَإِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَكْسِرُ عَمَدَهَا[٧]، وَيَضَعُ جَبَرُوتَهَا، وَيَنْزِعُ أَوْتَادَهَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ، أَلَا وَإِنَّكُمْ سَتَجِدُونَ أَرْبَابَ سَوْءٍ لَكُمْ مِنْ بَعْدِي كَالنَّابِ الضَّرُوسِ[٨]، تَعَضُّ بِفِيهَا، وَتَرْكُضُ بِرِجْلِهَا، وَتَخْبِطُ بِيَدِهَا، وَتَمْنَعُ دَرَّهَا[٩]، أَلَا إِنَّهُ لَا يَزَالُ بَلَاؤُهُمْ بِكُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى فِي مِصْرٍ لَكُمْ إِلَّا نَافِعٌ لَهُمْ أَوْ غَيْرُ ضَارٍّ، وَحَتَّى لَا يَكُونَ نُصْرَةُ أَحَدِكُمْ مِنْهُمْ إِلَّا كَنُصْرَةِ الْعَبْدِ مِنْ سَيِّدِهِ، -وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: إِذَا رَآهُ أَطَاعَهُ، وَإِذَا تَوَارَى عَنْهُ شَتَمَهُ-، وَايْمُ اللَّهِ لَوْ فَرَّقُوكُمْ تَحْتَ كُلِّ كَوْكَبٍ لَجَمَعَكُمُ اللَّهُ لِشَرِّ يَوْمٍ لَهُمْ»، قَالَ: فَقَامَ رَجُلٌ، فَقَالَ: هَلْ بَعْدَ ذَلِكَ جَمَاعَةٌ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «لَا، إِنَّهَا جُمَّاعٌ شَتَّى[١٠]، غَيْرَ أَنَّ أَعْطِيَاتِكُمْ وَحَجَّكُمْ وَأَسْفَارَكُمْ وَاحِدٌ، وَالْقُلُوبُ مُخْتَلِفَةٌ هَكَذَا»، ثُمَّ شَبَّكَ بَيْنَ أَصَابِعِهِ، قَالَ: مِمَّ ذَاكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «يَقْتُلُ هَذَا هَذَا، فِتْنَةٌ فَظِيعَةٌ جَاهِلِيَّةٌ، لَيْسَ فِيهَا إِمَامُ هُدًى وَلَا عَلَمٌ يُرَى، نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاةٍ، وَلَسْنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ»، قَالَ: وَمَا بَعْدَ ذَلِكَ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ؟ قَالَ: «يُفَرِّجُ اللَّهُ الْبَلَاءَ بِرَجُلٍ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ تَفْرِيجَ الْأَدِيمِ[١١]، بِأَبِي ابْنُ خَيْرَةِ الْإِمَاءِ، يَسُومُهُمُ الْخَسْفَ[١٢]، وَيَسْقِيهِمْ بِكَأْسٍ مُصْبِرَةٍ[١٣]، -وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى: حَتَّى تَقُولَ قُرَيْشٌ: لَوْ كَانَ هَذَا مِنْ وُلْدِ فَاطِمَةَ لَرَحِمَنَا-، وَدَّتْ قُرَيْشٌ بِالدُّنْيَا وَمَا فِيهَا، لَوْ يَرَوْنَنِي مَقَامًا وَاحِدًا قَدْرَ جَزْرِ جَزُورٍ[١٤]، لِأَقْبَلَ مِنْهُمْ بَعْضَ الَّذِي أُرِيدُ مِنْهُمُ الْيَوْمَ، فَلَا يُعْطُونَنِي إِيَّاهُ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ مَشْهُورٌ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ، رَوَاهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ حُمَيْدٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَمَّنْ ظَنَّهُ قَيْسَ بْنَ السَّكَنِ، وَلَعَلَّهُ أَخْطَأَ فِي ظَنِّهِ، فَإِنَّ النَّاسَ يَرْوُونَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ قَيْسٍ، وَالْمَنْصُورِ بْنِ الْمُعْتَمِرِ، وَابْنِ أَبِي لَيْلَى، وَعَبْدِ الْغَفَّارِ بْنِ الْقَاسِمِ، عَنِ الْمِنْهَالِ بْنِ عَمْرٍو، عَنْ زِرِّ بْنِ حُبَيْشٍ[١٥]، وَكِلَاهُمَا ثِقَتَانِ، وَلَعَلَّهُمَا رَوَيَاهُ جَمِيعًا، فَقَدْ رُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ سُلَيْمِ بْنِ قَيْسٍ، وَرُوِيَ بَعْضُهُ عَنِ الْحَارِثِ الْأَعْوَرِ، وَعَبِيدَةَ السَّلْمَانِيِّ، وَالْأَصْبَغِ بْنِ نُبَاتَةَ، وَعَبَّادِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ، وَقَيْسِ بْنِ أَبِي حَازِمٍ، وَبِسْطَامِ بْنِ مُسْلِمٍ، وَكُدَيْرِ بْنِ قَتَادَةَ، وَرَافِعِ بْنِ سَلَمَةَ، وَعَبْدِ الْمَلِكِ بْنِ أَبِي حُرَّةَ، وَأَبِي سَالِمٍ الْجَيْشَانِيِّ، وَجَابِرٍ أَبِي خَالِدٍ.
شاهد
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الصَّفَّارُ [ت٢٩٠هـ] فِي «بَصَائِرِ الدَّرَجَاتِ»[١٦]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْحَكَمِ، عَنْ سَلَّامٍ الْقَصِيرِ؛ وَحَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ، عَنْ جَعْفَرِ بْنِ بَشِيرٍ، عَنِ الْمُفَضَّلِ، عَنْ سَلَّامٍ؛ وَحَدَّثَنَا إِبْرَاهِيمُ بْنُ هَاشِمٍ، عَنِ ابْنِ أَبِي عُمَيْرٍ، عَنْ مَنْصُورٍ، عَنْ عَمْرِو بْنِ شِمْرٍ؛ وَحَدَّثَنَا الْحَسَنُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ نُعْمَانَ، وَأَحْمَدُ بْنُ مُحَمَّدٍ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ نُعْمَانَ، قَالَ: حَدَّثَنِي مَنْ دَخَلَ عَلَى أَبِى عَبْدِ اللَّهِ -يَعْنِي جَعْفَرَ بْنَ مُحَمَّدٍ الصَّادِقَ- عَلَيْهِ السَّلَامُ، قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: إِنَّا نُرَوَّى أَحَادِيثَ لَمْ نَجِدْ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِكَ فِيهَا شَيْئًا، فَقَالَ: «مَا هِيَ؟» قُلْتُ: يَرْوُونَ أَنَّ عَلِيًّا عَلَيْهِ السَّلَامُ كَانَ يَقُولُ، وَهُوَ يَخْطُبُ النَّاسَ: «يَا أَيُّهَا النَّاسُ، سَلُونِي قَبْلَ أَنْ تَفْقِدُونِي، فَوَاللَّهِ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَلَا عَنْ أَرْضٍ مُجْدِبَةٍ، وَلَا عَنْ أَرْضٍ مُخْصِبَةٍ، وَلَا عَنْ فِئَةٍ تُضِلُّ مِائَةً أَوْ تَهْدِي مِائَةً، إِلَّا إِنْ شِئْتُ أَنْبَأْتُكُمْ بِنَاعِقِهَا وَقَائِدِهَا وَسَائِقِهَا»، فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اللَّهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: «إِنَّهُ حَقٌّ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: لَقَدْ تَوَاتَرَ عَنْ عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَوْلُهُ لِلنَّاسِ: «سَلُونِي»؛ فَقَدْ رَوَاهُ عَنْهُ ابْنُهُ الْحُسَيْنُ، وَسَلْمَانُ، وَأَبُو الطُّفَيْلِ، وَزِرُّ بْنُ حُبَيْشٍ، وَالنَّزَّالُ بْنُ سَبْرَةَ، وَخَالِدُ بْنُ عَرْعَرَةَ، وَعَبَايَةُ بْنُ رِبْعِيٍّ، وَعَلْقَمَةُ بْنُ قَيْسٍ، وَمُحَمَّدُ بْنُ كَعْبٍ، وَسَعِيدُ بْنُ الْمُسَيِّبِ، وَعَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ مَسْعُودٍ، وَالْأَصْبَغُ بْنُ نُبَاتَةَ، وَعُمَيْرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ، وَهُبَيْرَةُ بْنُ يَرِيمَ، وَسُلَيْمُ بْنُ قَيْسٍ، وَيَحْيَى بْنُ أُمِّ الطَّوِيلِ، وَعَامِرٌ الشَّعْبِيُّ، وَالْمُصَفِّحُ الْعَامِرِيُّ، وَأَبُو صَالِحٍ الْحَنَفِيُّ، وَأَبُو عَبْدِ الرَّحْمَنِ السُّلَمِيُّ، وَأَبُو الصَّهْبَاءِ الْبَكْرِيُّ، وَأَبُو الْبَخْتَرِيِّ، وَزَاذَانُ أَبُو عُمَرَ، وَرُفَيْعٌ أَبُو كَثِيرٍ، وَسَرِيَّةُ بِنْتُ زَيْدِ بْنِ أَرْقَمَ، وَهُوَ تَحْرِيضُ النَّاسِ عَلَى سُؤَالِ الْإِمَامِ عَنْ كُلِّ مَا يَجْهَلُونَهُ أَوْ يَخْتَلِفُونَ فِيهِ مِنْ كِتَابِ رَبِّهِمْ أَوْ سُنَّةِ نَبِيِّهِمْ، وَقَوْلُهُ: «فَإِنَّكُمْ لَا تَسْأَلُونِي عَنْ شَيْءٍ فِيمَا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ السَّاعَةِ، وَلَا عَنْ فِئَةٍ تَهْدِي مِائَةً أَوْ تُضِلُّ مِائَةً، إِلَّا حَدَّثْتُكُمْ بِسَائِقِهَا وَشَائِعِهَا» يَدُلُّ عَلَى حُسْنِ سُؤَالِ الْإِمَامِ عَنْ كُلِّ فِئَةٍ مُهِمَّةٍ، وَهِيَ مَا تَهْدِي مِائَةً أَوْ تُضِلُّ مِائَةً، وَمَا تَكُونُ مِنَ الْمَلَاحِمِ وَالْفِتَنِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ؛ فَإِنَّهُ يَعْلَمُهَا بِتَعْلِيمِ اللَّهِ وَتَعْلِيمِ الرَّسُولِ، وَلَا يَسْتَحِقُّ الْإِمَامَةَ إِلَّا مَنْ يَعْلَمُهَا، وَقَوْلُهُ: «إِذَا سَأَلَ سَائِلٌ فَلْيَعْقِلْ، وَإِذَا سُئِلَ مَسْؤُولٌ فَلْيَتَثَبَّتْ» أَدَبٌ لِلسَّائِلِ وَالْمَسْؤُولِ، وَعَقْلُ السَّائِلِ فَهْمُ الْجَوَابِ وَحِفْظُهُ، وَتَثَبُّتُ الْمَسْؤُولِ فَهْمُ السُّؤَالِ وَإِجَابَتُهُ بِعِلْمٍ، وَقَوْلُهُ: «صَارَتِ الدُّنْيَا بَلَاءً عَلَى أَهْلِهَا حَتَّى يَفْتَحَ اللَّهُ لِبَقِيَّةِ الْأَبْرَارِ» إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ الْأَرْضَ تُمْلَئُ مِنْ بَعْدِهِ ظُلْمًا وَعُدْوَانًا حَتَّى يُصْلِحَهَا اللَّهُ بِالْمَهْدِيِّ وَأَصْحَابِهِ، وَهُمْ بَقِيَّةُ الْأَبْرَارِ، وَقَوْلُهُ: «فَانْصُرُوا أَقْوَامًا كَانُوا أَصْحَابَ رَايَاتٍ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ تُنْصَرُوا وَتُؤْجَرُوا، وَلَا تَسْبِقُوهُمْ فَتَصْرَعُكُمُ الْبَلِيَّةُ»، إِشَارَةٌ إِلَى الْمَلَائِكَةِ الَّذِينَ أَنْزَلَهُمُ اللَّهُ يَوْمَ بَدْرٍ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ لِنَصْرِ الْمُؤْمِنِينَ، وَسَيُنْزِلُهُمْ مَرَّةً أُخْرَى إِذَا اجْتَمَعُوا لِنَصْرِ الْمَهْدِيِّ، فَيَنْهَاهُمْ عَنِ الْخُرُوجِ قَبْلَ أَنْ يُنْزَلُوا، فَإِنَّ مَنْ خَرَجَ قَبْلَ ذَلِكَ صَرَعَتْهُ الْبَلِيَّةُ، فَلَا يُنْصَرُ وَلَا يُؤْجَرُ، وَلَعَلَّ قَوْلَهُ: «إِنَّ أَوَّلَ مَنْ يَكْسِرُ عَمَدَهَا، وَيَضَعُ جَبَرُوتَهَا، وَيَنْزِعُ أَوْتَادَهَا اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ» إِشَارَةٌ إِلَى مَنْ يَبْعَثُهُ اللَّهُ قَبْلَ ظُهُورِ الْمَهْدِيِّ لِيُمَهِّدَ لَهُ سُلْطَانَهُ؛ فَإِنَّهُ أَوَّلُ مَنْ يُوهِنُ دَوْلَةَ الْجَوْرِ، فَيَكْسِرُ عَمَدَهَا، وَيَضَعُ جَبَرُوتَهَا، وَيَنْزِعُ أَوْتَادَهَا بِإِذْنِ اللَّهِ، وَذَلِكَ تَمْهِيدٌ لِخَرَابِهَا، وَيُخَرِّبُهَا الْمَهْدِيُّ؛ كَمَا رُوِيَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: «إِنَّ أَهْلَ بَيْتِي سَيَلْقَوْنَ بَعْدِي بَلَاءً، حَتَّى يَبْعَثَ اللَّهُ قَوْمًا مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، مَعَهُمْ رَايَاتٌ سُودٌ، فَيَدْفَعُونَهَا إِلَى رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ بَيْتِي، يَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا، كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا»[١٧]، وَقَوْلُهُ: «سَتَجِدُونَ أَرْبَابَ سَوْءٍ لَكُمْ مِنْ بَعْدِي» إِشَارَةٌ إِلَى بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي عَبَّاسٍ وَسَائِرِ الْجَبَّارِينَ الَّذِينَ يَمْلِكُونَ النَّاسَ قَبْلَ ظُهُورِ الْمَهْدِيِّ، وَقَوْلُهُ: «لَيْسَ فِيهَا إِمَامُ هُدًى، وَلَا عَلَمٌ يُرَى» إِشَارَةٌ إِلَى غَيْبَةِ الْمَهْدِيِّ وَصَاحِبِهِ فِيهَا، خَوْفًا عَلَى أَنْفُسِهِمَا، وَالْمَهْدِيُّ إِمَامُ هُدًى، وَصَاحِبُهُ عَلَمٌ، وَهُوَ الَّذِي يَدْعُو فِيهَا مُسْتَخْفِيًا؛ كَمَا أَشَارَ إِلَيْهِ فِي خُطْبَةٍ أُخْرَى، فَقَالَ: «أَلَا وَإِنَّ مَنْ أَدْرَكَهَا مِنَّا يَسْرِي فِيهَا بِسِرَاجٍ مُنِيرٍ، وَيَحْذُو فِيهَا عَلَى مِثَالِ الصَّالِحِينَ، لِيَحُلَّ فِيهَا رِبْقًا، وَيُعْتِقَ فِيهَا رِقًّا، وَيَصْدَعَ شَعْبًا، وَيَشْعَبَ صَدْعًا، فِي سُتْرَةٍ عَنِ النَّاسِ، لَا يُبْصِرُ الْقَائِفُ أَثَرَهُ، وَلَوْ تَابَعَ نَظَرَهُ»[١٨]، وَقَدْ زَعَمَ بَعْضُ النَّاسِ أَنَّهُ أَرَادَ بِهِ الْمَهْدِيَّ، وَإِنَّمَا أَرَادَ بِهِ صَاحِبَهُ الَّذِي يَدْعُو إِلَيْهِ؛ لِأَنَّ الْمَهْدِيَّ لَيْسَ فِيهَا دَاعِيًا لِيَكُونَ فِي أَمْنٍ، وَهَذَا قَوْلُهُ: «نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ مِنْهَا بِمَنْجَاةٍ، وَلَسْنَا فِيهَا بِدُعَاةٍ»، وَقَوْلُهُ: «يُفَرِّجُ اللَّهُ الْبَلَاءَ بِرَجُلٍ مِنَّا أَهْلَ الْبَيْتِ تَفْرِيجَ الْأَدِيمِ» إِخْبَارٌ عَنِ الْمَهْدِيِّ، فَإِنَّهُ رَجُلٌ مِنْ أَهْلِ الْبَيْتِ، وَإِنَّهُ يَمْلَأُ الْأَرْضَ عَدْلًا وَقِسْطًا كَمَا مُلِئَتْ ظُلْمًا وَجَوْرًا، وَهُوَ «ابْنُ خَيْرَةِ الْإِمَاءِ»، وَهَذِهِ صِفَةٌ مَشْهُورَةٌ لَهُ؛ كَمَا رُوِيَ عَنْ أَبِي الصَّبَّاحِ، قَالَ: «دَخَلْتُ عَلَى جَعْفَرِ بْنِ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ، فَقَالَ لِي: مَا وَرَاءَكَ؟ فَقُلْتُ: سُرُورٌ مِنْ عَمِّكَ زَيْدٍ، خَرَجَ يَزْعُمُ أَنَّهُ ابْنُ سَبِيَّةٍ، وَهُوَ قَائِمَ هَذِهِ الْأُمَّةِ، وَأَنَّهُ ابْنُ خَيْرَةِ الْإِمَاءِ، فَقَالَ: كَذَبَ، لَيْسَ هُوَ كَمَا قَالَ، إِنْ خَرَجَ قُتِلَ»[١٩]، وَلَمَّا زَعَمَ النَّاسُ أَنَّ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ الْحَسَنِ هُوَ الْمَهْدِيُّ قَالَ: «أَوَلَمْ تَعْلَمُوا أَنَّهُ ابْنُ سَبِيَّةٍ؟!» يَعْنِي الْمَهْدِيَّ[٢٠]، وَقَدْ تَدُلُّ هَذِهِ الصِّفَةُ عَلَى أَنَّهُ مِنَ الْمُعَمَّرِينَ؛ لِأَنَّهُ لَا تُوجَدُ فِي الدُّنْيَا أَمَةٌ مُنْذُ زَمَنٍ بَعِيدٍ، فَلَا جَرَمَ أَنَّهُ قَدْ وُلِدَ حِينَ كَانَ فِي الدُّنْيَا إِمَاءٌ، وَقَدْ رُوِيَ عَنْ عَبْدِ الرَّحِيمِ الْقَصِيرِ، قَالَ: «قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ: قَوْلُ أَمِيرِ الْمُؤْمِنِينَ عَلَيْهِ السَّلَامُ: <بِأَبِي ابْنُ خَيْرَةِ الْإِمَاءِ>، أَهِيَ فَاطِمَةُ عَلَيْهَا السَّلَامُ؟ فَقَالَ: إِنَّ فَاطِمَةَ عَلَيْهَا السَّلَامُ خَيْرَةُ الْحَرَائِرِ، ذَاكَ الْمُبْدِحُ بَطْنُهُ[٢١]، الْمُشْرِبُ حُمْرَةً[٢٢]، رَحِمَ اللَّهُ فُلَانًا»[٢٣].