الحديث ٤٠
الهداة من أهل البيت إلى يوم القيامة.
رَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَلِيِّ بْنِ بَابَوَيْهِ [ت٣٨١هـ] فِي «كَمَالِ الدِّينِ وَتَمَامِ النِّعْمَةِ»[١]، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبِي، وَمُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ، قَالَا: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ جَعْفَرٍ الْحِمْيَرِيُّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ، عَنْ مَنْصُورِ بْنِ يُونُسَ، عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ سُلَيْمَانَ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ أَبِي جَعْفَرٍ -يَعْنِي مُحَمَّدَ بْنَ عَلِيٍّ الْبَاقِرَ-، عَنِ الْحَارِثِ بْنِ نَوْفَلٍ، قَالَ:
قَالَ عَلِيٌّ عَلَيْهِ السَّلَامُ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنَّا الْهُدَاةُ أَمْ مِنْ غَيْرِنَا؟» قَالَ: «بَلْ مِنَّا الْهُدَاةُ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، بِنَا اسْتَنْقَذَهُمُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ مِنْ ضَلَالَةِ الشِّرْكِ، وَبِنَا يَسْتَنْقِذُهُمْ مِنْ ضَلَالَةِ الْفِتْنَةِ، وَبِنَا يُصْبِحُونَ إِخْوَانًا بَعْدَ ضَلَالَةِ الْفِتْنَةِ، كَمَا بِنَا أَصْبَحُوا إِخْوَانًا بَعْدَ ضَلَالَةِ الشِّرْكِ، وَبِنَا يَخْتِمُ اللَّهُ، كَمَا بِنَا فَتَحَ اللَّهُ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: الظَّاهِرُ أَنَّ عَبْدَ الرَّحْمَنِ بْنَ سُلَيْمَانَ هُوَ ابْنُ الْغَسِيلِ الْأَنْصَارِيُّ، وَقَدْ وَثَّقَهُ ابْنُ مَعِينٍ وَأَبُو زُرْعَةَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ، وَذَكَرَهُ الطُّوسِيُّ فِي أَصْحَابِ أَبِي جَعْفَرٍ، فَلَعَلَّهُ رَوَى عَنْهُ بِغَيْرِ وَاسِطَةِ أَبِيهِ، فَصُحِّفَ، وَأَبُوهُ سُلَيْمَانُ مَجْهُولٌ، لَكِنَّهُ لَمْ يَنْفَرِدْ بِهَذَا الْحَدِيثِ:
الشاهد ١
رَوَى عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ إِسْحَاقَ الزَّجَّاجِيُّ [ت٣٣٧هـ] فِي «أَخْبَارِهِ»[٢]، قَالَ: حَدَّثَنَا الْأَخْفَشُ، قَالَ: حَدَّثَنَا ثَعْلَبٌ، قَالَ: أَخْبَرَنَا الرِّيَاشِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا بِشْرُ بْنُ عُمَرَ، قَالَ: حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ طَيْقَةَ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو زُرْعَةَ عَمْرُو بْنُ جَابِرٍ، عَنْ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، أَنَّ عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ قَالَ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، أَمِنَّا الْهُدَاةُ أَمْ مِنْ غَيْرِنَا؟» قَالَ: «لَا بَلْ مِنَّا، بِنَا يُخْتَمُ الدِّينُ كَمَا افْتُتِحَ، بِنَا يُسْتَنْقَذُ مِنَ الضَّلَالَةِ، بِنَا يَجْمَعُ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ بَعْدَ عَدَاوَةِ الْفِتْنَةِ، كَمَا بِنَا جَمَعَ بَيْنَهُمْ بَعْدَ عَدَاوَةِ الشِّرْكِ»، قَالَ عَلِيٌّ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَنْ بَقِيَ أَمُؤْمِنُونَ أَمْ كَافِرُونَ؟» قَالَ: «مَفْتُونٌ وَكَافِرٌ».
الشاهد ٢
وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ مُحَمَّدٍ الْعُكْبَرِيُّ [ت٤١٣هـ] فِي «أَمَالِيهِ»[٣]، قَالَ: أَخْبَرَنِي أَبُو الْحَسَنِ عَلِيُّ بْنُ بِلَالٍ الْمُهَلَّبِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا أَبُو الْعَبَّاسِ أَحْمَدُ بْنُ الْحُسَيْنِ الْبَغْدَادِيُّ، قَالَ: حَدَّثَنَا الْحُسَيْنُ بْنُ عُمَرَ الْمُقْرِئُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ الْأَزْهَرِ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ صَالِحٍ الْمَكِّيِّ، عَنْ مُحَمَّدِ بْنِ عُمَرَ بْنِ عَلِيٍّ، عَنْ أَبِيهِ، عَنْ جَدِّهِ، قَالَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ: «يَا عَلِيُّ، إِنَّ الْهُدَى هُوَ اتِّبَاعُ أَمْرِ اللَّهِ دُونَ الْهَوَى وَالرَّأْيِ، وَكَأَنَّكَ بِقَوْمٍ قَدْ تَأَوَّلُوا الْقُرْآنَ، وَأَخَذُوا بِالشُّبُهَاتِ، وَاسْتَحَلُّوا الْخَمْرَ بِالنَّبِيذِ، وَالْبَخْسَ بِالزَّكَاةِ -كَذَا فِي النُّسْخَةِ، وَالصَّحِيحُ: الْمَكْسَ بِالزَّكَاةِ- وَالسُّحْتَ بِالْهَدِيَّةِ»، قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَمَا هُمْ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ؟ أَهُمْ أَهْلُ رِدَّةٍ أَمْ أَهْلُ فِتْنَةٍ؟» قَالَ: «هُمْ أَهْلُ فِتْنَةٍ، يَعْمَهُونَ فِيهَا إِلَى أَنْ يُدْرِكَهُمُ الْعَدْلُ»، فَقُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْعَدْلُ مِنَّا أَمْ مِنْ غَيْرِنَا؟» فَقَالَ: «بَلْ مِنَّا، بِنَا يَفْتَحُ اللَّهُ، وَبِنَا يَخْتِمُ، وَبِنَا أَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ الْقُلُوبِ بَعْدَ الشِّرْكِ، وَبِنَا يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَ الْقُلُوبِ بَعْدَ الْفِتْنَةِ»، فَقُلْتُ: «الْحَمْدُ لِلَّهِ عَلَى مَا وَهَبَ لَنَا مِنْ فَضْلِهِ».
الشاهد ٣
وَرَوَى نُعَيْمُ بْنُ حَمَّادٍ [ت٢٢٨هـ] فِي «الْفِتَنِ»[٤]، قَالَ: حَدَّثَنَا الْوَلِيدُ، عَنْ عَلِيِّ بْنِ حَوْشَبٍ، سَمِعَ مَكْحُولًا، يُحَدِّثُ عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ، قَالَ: قُلْتُ: «يَا رَسُولَ اللَّهِ، الْمَهْدِيُّ مِنَّا أَئِمَّةَ الْهُدَى، أَمْ مِنْ غَيْرِنَا؟» قَالَ: «بَلْ مِنَّا، بِنَا يُخْتَمُ الدِّينُ، كَمَا بِنَا فُتِحَ، وَبِنَا يُسْتَنْقَذُونَ مِنْ ضَلَالَةِ الْفِتْنَةِ، كَمَا اسْتُنْقِذُوا مِنْ ضَلَالَةِ الشِّرْكِ، وَبِنَا يُؤَلِّفُ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ فِي الدِّينِ بَعْدَ عَدَاوَةِ الْفِتْنَةِ، كَمَا أَلَّفَ اللَّهُ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ وَدِينِهِمْ بَعْدَ عَدَاوَةِ الشِّرْكِ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: هَكَذَا رَوَاهُ نُعَيْمٌ، وَلَهُ شَاهِدٌ صَحِيحٌ مِنْ حَدِيثِ ابْنِ عَبَّاسٍ، وَمَعَ ذَلِكَ لَا يَبْعُدُ أَنْ يَكُونَ «الْمَهْدِيُّ» فِيهِ مِنْ إِضَافَةِ الرُّوَاةِ لِكَيْ لَا يُخَالِفَ مَذْهَبَهُمْ، فَكَانَ لَفْظُهُ: «قُلْتُ: يَا رَسُولَ اللَّهِ، مِنَّا أَئِمَّةُ الْهُدَى، أَمْ مِنْ غَيْرِنَا؟» كَمَا تَقَدَّمَ فِي الْأَحَادِيثِ.
الشاهد ٤
وَرَوَى ابْنُ أَبِي عَاصِمٍ [ت٢٨٧هـ] فِي «السُّنَّةِ»[٥]، قَالَ: حَدَّثَنَا ابْنُ كَاسِبٍ، حَدَّثَنَا شَيْخٌ مِنْ قُرَيْشٍ -يَعْنِي الْكُرَيْزِيَّ-، عَنْ هِشَامِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عِكْرِمَةَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ، عَنْ عُثْمَانَ بْنِ عَبْدِ الرَّحْمَنِ التَّيْمِيِّ، عَنْ أَبِيهِ، أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ قَالَ: «نَحْنُ وُلَاةُ هَذَا الْأَمْرِ حَتَّى نَدْفَعَهُ إِلَى عِيسَى بْنِ مَرْيَمَ».
ملاحظة
قَالَ الْمَنْصُورُ حَفِظَهُ اللَّهُ تَعَالَى: يَعْنِي: «نَحْنُ أَهْلَ الْبَيْتِ»، وَالْأَحَادِيثُ فِي أَنَّ اللَّهَ فَتَحَ بِهِمُ الْهُدَى وَسَيَخْتِمُهُ بِهِمْ كَثِيرَةٌ، وَهِيَ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ أَوَّلَ الْهُدَاةِ وَآخِرَهُمْ مِنْهُمْ، وَهَذِهِ الْأَحَادِيثُ تَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْهُدَاةَ كُلَّهُمْ مِنْهُمْ، وَالْهُدَاةُ مَنْ ذَكَرَهُمُ اللَّهُ فِي قَوْلِهِ: ﴿وَلِكُلِّ قَوْمٍ هَادٍ﴾[٦]، وَقَوْلِهِ: ﴿وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ﴾[٧].